الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيال العلمي في المسرح

أحمد صقر

2011 / 5 / 10
الادب والفن


الخيال العلمى في المسرح
أ.د أحمد صقر كلية الآداب – جامعة الآسكندرية
=======================

مازالت دراسة الخيال العلمى فى الأدب عامة والمسرح خاصة موضع أخذ ورد، أو شد وجذب بين الدارسين والمهتمين به فى كافة أنحاء العالم. ومازالت الضجة حول مضمون أدب الخيال العلمى، وأهدافه وملامحه الفنية التى قد تختلف عن ألوان الأدب التقليدية الأخرى، ومدى قدرتنا على تقديمه على خشبة المسرح- فى حال تقديم مسرحيات خيال علمى- بما يحمل بين ثناياه من مشاهد وعوالم سريعة بعيدة تجعلنا بحاجة إلى إمكانات خاصة لتقديمه، وألا تصبح قراءته هى المخرج الوحيد، أو لنقل تظل السينما- سينما الخيال العلمى" هى السباقة والقادرة- بما لها من امكانات- على تقديم هذا النوع من الابداع.
إن ما سبق ذكره يظل مثار الكثير من التساؤلات والاستفسارات التى لا تكاد تهدأ حتى يعاود البعض طرحها من جديد.
انتعش أدب الخيال العلمى منذ بدايات القرن العشرين، إلا أننا بالدراسة ندرك أن البدايات الأولى للخيال العلمى قد ارتبطت بالتطورات العالمية التى شهدتها الحياة الإنسانية خاصة منذ القرن السابع عشر وقيام الثورة العلمية التى اسهمت بدورها فى تبلور أدب الخيال العلمى وتمثلت فى بعض الكتابات الأدبية والابداعية التى انطلقت جميعها لتتخطى حدود هذا الكون وتفتح الآفاق إلى عوالم أخرى تساعد بدورها على إرضاء ذوق الإنسان وملاحقة تطلعاته وطموحاته واحتياجاته وآماله ومخاوفه من الغد القريب والبعيد. هذا من ناحية.
من ناحية ثانية فإن موضوعات أدب الخيال العلمى قد تطورت ولم تعد من الربع الأول من القرن العشرين مرتكزه على الأفكار التقليدية التى استمرت منذ القرن السابع عشر وصولاً إلى عام 1937 وتمثلت فى فكرتين تقليديتين هما المغامرات الكبرى ما بين الكواكب والمجرات من جهة، والاستكشافات الاسطورية من جهة أخرى وبرزت مواضيع جديدة: المتغيرون بالطغرات، وهو شكل معدل بالبنيات العلمية لفكرة الإنسان الفائق (السوبر مان)، ورحلة الفضاء وتصورها لا بالنسبة إلى مبتغاها، وإنما لما تطرحه من مشاكل (التكيف والإمكانات التقنية حتى البسيطة) واللقاء بين الكائنات البشرية وكائنات غير أرضية، واستكشاف الزمن" .
كل هذا يؤكد استمرار تطور أدب الخيال العلمى منذ أن ظهر اهتمام الكتاب والمبدعين به منذ القرن السابع عشر، إذ حدث تطور فى موضوعاته وطرق تناولها من قبل المبدعين الأمر الذى جعل الاهتمام به يزداد من قبل الدارسين والقراء. إن مبتكرى الخيال العلمى لا ينسون الدور الذى أسهم به "دارون" فى مجال الأدب بشكل عام، إذ نادى بضرورة التطور الذى شمل المجتمعات والإنسان نفسه، فكلهم "مدعوون للتغيير، ومن الطبيعى محاولة التنبؤ بإتجاه هذا التطور ومن هنا بدا المظهر التنبوئى الذى اتخذه الخيال العلمى سريعاً ".
إن كثيراً من الدارسين قد يربط بين كافة الإبداعات الأدبية وبين ما اصطلح على تسميته بأدب الخيال العلمى، منطلقين فى ذلك كله من أن الخيال سمة أساسية فى الإبداع منذ أن ارتبط الابداع بالإنسان الأول فإن الخيال هو الذى حرك مداركه وبلور نتاجه غير أننا نقول إن المبدعين الأوائل من كتاب وشعراء اليونان قد اهتموا بالخيال من خلال مسرحياتهم المعتمدة بطبيعة الحال على الأساطير، كما اهتم نقاد ومفكرو الحضارة اليونانية- سقراط- أفلاطون- ارسطو بملكة الخيال. إلا أن الأغريق "كانوا أقرب إلى المبدأ الذى يتخذ من الحياة مواقفها التى تقنع العقل، ويتناول جوهريات الحياة وكلياتها الدائمة الثابتة فى كل بيئة وكل زمان حتى تكون فى متناول ادراك كل العقول" وعليه نستطيع القول أن نظرية الخيال قد عرفت عند اليونان وإن نادوا بالحقيقة فيما يتناولون من ابداع، مما ترتب عليه تضاؤل قيمتها.
قلل انصار المدرسة الكلاسيكية والنيوكلاسيكية من قيمة الخيال وأعلوا من قيمة العقل وأدراك الحقيقة، على أن "النظرة إلى الخيال قد بدأت تتغير من أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، وذلك بعد أن تزايد الاهتمام بالعاطفة عند النقاد وبعد أن أدركوا أهمية هذا العنصر فى الشعر"
إن الخيال العلمى الذى ظهر فى أعمال كتاب الأدب بشكل عام منذ القرن السابع عشر قد أثار جدلاً كثيراً حول المفاهيم التى قدمها مما ترتب عليه تضارب واختلاف حول تعريف هذا الأدب وهنا اعرض للآراء التى قيلت فى تعريفه.
تحدث يوسف الشارونى وعرف الخيال العلمى بقوله "يمكن القول أن الخيال العلمى نوع من المصالحة بين الأدب والعلم اللذين يعتقد الكثيرون أن ثمة تعارضاً بينهما. فأحدهما يقوم على الخيال، بينما الآخر لا يقوم إلا على أساس التجربة واستقراء الواقع والانتهاء من ذلك كله، إلى قوانين محددة، بل إلى صيغ رياضية كلما أمكن ذلك .
وعليه نستطيع أن نحدد بداية أن التعريف يركز على المصالحة بين الأدب والعلم على اعتبار أن التطورات العلمية التى حدثت منذ القرن السابع عشر لم ينفصل عنها الأدب وانعكست على الابداعات الأدبية والفنية بشكل عام. وهو ما يؤكد قدرة الأثنين على التلاقى من أجل تحقيق متطلبات القارئ التى قد تنحصر فى التبشير بغد أفضل أو بالاعراب عن مخاوف الإنسان من المستقبل القريب.
إن تعريف الدكتور يوسف عز الدين عيسى الذى يطرحه يأتى متفقاً أيضاً مع التعريف السابق الذى يؤكد أن "الأدب العلمى" أو "قصص الخيال العلمى اسم يطلق على الأعمال القصصية التى يمتزج فيها العلم بالخيال.. وهولون جديد من ألوان الأدب ينسج فيها الخيال رواية أو قصة قصية أو دراما يكون العلم هو المحور الذى تتحرك حوله الأحداث. ثم يعود فى موضع آخر فيقول أن الرواية العلمية ذات المستوى الرفيع. فى رأيه، هى تلك التى تتضمن موضوعاً ذا أهمية يستخدم الخيال العلمى كوسيلة لعرضه، وليست مجموعة من المغامرات الخيالية أو الأحداث المشوقة التى لا تهدف إلى غير التسلية دون أن يقول لنا المؤلف من خلالها شيئاً ذا قيمة أو يقدم لنا فكراً جديداً بالتأمل والاعجاب"
إن التعريف السابق يضيف إلى التعريف الأول ما يؤكد أن ابداعات الخيال العلمى كلها لا تشكل هدفاً إلى التسلية بما تقدم من احداث مشوقة أو مغامرات خيالية، بل أنها تتخلص هذه المرحلة لتعد نوعاً من الابداع يسعى المؤلف من خلاله أن يجعلنا نفكر ونتأمل ونتوقع ما سوف يحدث فى الغد القريب أو البعيد أو ما كان يجرى فى عقول المبدعين والعلماء فى الماضى البعيد والقريب وأصبح اليوم واقعاً ملموساً، وعليه نستطيع القول أن أدب الخيال العلمى يدرب القارئ والمشاهد على التنبوء بما هو متوقع وغير متوقع من أحداث، ويعاونه على مواجهة التغيير فى المستقبل وهو ما سيختلف عن الحاضر بالتأكيد.
أما تعريف الدكتور مجرى وهبه فيرى أن "الخيال العلمى هو ذلك النوع من الأدب الروائى الذى يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان لكل تقدم فى العلم والتكنولوجيا سواء فى المستقبل القريب أو البعيد، كما يجسد تأملات الإنسان فى احتمالات وجود حياة فى الاجرام السماوية الأخرى" وهذا التعريف محدود ويظل يدور فى فلك التعريفات السابقة إلا أنه ينقلنا إلى نقطة هامة مؤداها أن هناك فارقاً بين أدب الخيال العلمى وأدب الخيال الجامح (الفانتازيا) Science Fiction – fantasy ذلك أن الفانتازيا شكل فنى وأدبى يعتمد كلية على الخيال المنطلق بلا حدود دون التقيد بأية قوانين معروفة أو منطلق عقلى فهو نوع من الأدب ينطبق عليه قول أدب الخيال اللاواقعى حيث يجرى "تجاهل قيم الوجود الثابتة من أجل خيال غير محدود" وهو ما يختلف عن أدب الخيال العلمى الواقعى الذى ينطلق من العالم الواقعى بغية تحقيق مستقبل بديل وفى كل الأحوال يرتبط هذا الابداع كما قلنا بالواقع ويعتمد فقط فى التطور المنطقى على الخيال العلمى.
وفى هذا الصدد يعرف الدكتور ابراهيم حمادة المسرحية الفانتازية "الخيالية" Fantasy play بقوله "يقوم موضوع المسرحية الفنتزية على سرحة الخيال إلى عوالم وهمية لا تشكل الواقع، ولربما تجاوز السرحان فيها نفسه إلى آفاق الغيبات البعيدة وما فوق الظواهر الطبيعية. ومسرحية (الطائر الازرق-1908) "لميترلنك" يمكن أن تمثل الفنتزة. وقد تستخدم المسرحية الفنتزية نظريات فى العلوم الطبيعية لم تكتشف بعد، كما يحدث- عادة- فى المسرحيات العلمية، كما يمكن تحميلها مدلولات ترمز إلى واقع سياسى، أو اخلاقى، أو دينى"
إن التعريف السابق للخيال يقرن المسرحية- بعد أن يجعلها تنطلق من عوالم وهمية إلى أفاق بعيدة عن الواقع- بالعلم مقرباً بينها وبين المسرحية العلمية أو مسرح الخيال العلمى مفرقاً بين الاثنين وهو ما يتفق مع ما ذكره محمود قاسم فى تعريفه للخيال الجامح "أى الفانتازيا".
أما حسن حسين ذكرى فيعرف الخيال العلمى فى مقدمة ترجمته كتاب آفاق أدب الخيال العلمى بأنه أهم الاجناس الأدبية المعاصرة شأناً وأوثقها ارتباطاً بحياة البشر، بتوقعاته، بنوعية الحياة فى المستقبل، نتيجة للتقدمات العلمية والتكنولوجية الهائلة. وقد احتل الآن مكانته اللائقة به، ولم يعد ينظر إليه بعد على أنه جنس أدبى قوامه ملابس رواد الفضاء الغريبة البراقة، ومسدسات أشعة الليزر، بل إلى آفاق اهتمامه بمصير الجنس البشرى وإلى الدور الذى يقوم به كندير بما فى تقديمات العلم والتكنولوجيا من أخطار تهدد مستقبل الإنسانية، وما فيها من خير على المدى القريب أو البعيد.
إذن فأدب الخيال العلمى أدب تأمل نظرى استقرائى يتناول ما يمكن أن يحدث معتمداً على فرضيات وتقديرات وكما سبق أن أشرنا لا يختلف هذا التعريف مع ما سبقه من تعريفات وإن كان هذا التعريف يركز على كون هذا الأدب أصبح من أهم الأجناس الأدبية المعاصرة" .
أما جيمس جن فيتحدث عن الخيال العلمى ومسيرة أدبه فيعرفه بقوله أن "أدب الخيال العلمى هو الفرع من الأدب الذى يتعامل مع تأثير التعبير فى الناس فى عالم الواقع، ويستطيع أن يعطى فكرة صحيحة عن الماضى والمستقبل والاماكن القاصية. وغالباً ما يشغل نفسه بالتغيير العلمى أو التكنولوجى، وعادة ما يشمل أموراً ذات أهمية أعظم من الفرد أو المجتمع المحلى، وفى أغلب الأحوال، تكون فيه الحضارة أو الجنس نفسه معرضاً لحظر" .
إن التعريف السابق يركز على قدرة هذا الأدب على إحداث التغيير فى الناس مرتبطاً بالواقع معتمداً فى ذلك على استخدام التطورات العلمية التكنولوجية التى لا تركز بطبيعة الحال على قضايا فردية أو محلية بل تشمل الإنسانية ككل هذا هو الجديد فى هذا التعريف إنه تخطى التعريف المباشر السطحى لربط الأدب بالعلم.
يقدم داركوسوفن تعريفاً آخر لأدب الخيال العلمى غير أنه يربط بين أدب الخيال العلمى وبين نظرية التغريب (الإغتراب) التى شغلت رواد الشكلية الروسية ورائد المسرح الملحمى بروتولد بريشت فيقول "يكون أدب الخيال العلمى جنساً أدبياً من مستلزماته واشتراطاته الوافية بالفرض وجود الاغتراب والمعرفة وتفاعلهما، ومن أدواته الشكلية الأساسية وجود الإطار الخيالى البديل لبيئة المؤلف التجريبية" .
إن داركوسوفن عندما ركز على عنصر الاغتراب قصد به خلق حالة من حالات الانفصال بين ما نقرأه أو نشاهده من هذا الابداع واضعين فى الاعتبار حالة إعمال العقل حتى نستطيع أن ننفصل عنه زمنياً وبالتالى لا تنفعل معه عاطفياً فنستطيع مع المؤلف الوصول إلى استشراق وتبشير بمستقبل أفضل أو تخدير من مغبة التقدم العلمى على الإنسان.
إن الخيال العلمى بذلك يمثل الشكل الطبيعى لمثيولوجيا عصرنا أو كما قال وليم بوروغس أنه يرى فيه "مثيولوجيا عصر الفضاء" أى أن الرأى السابق يقارب بينه وبين المثيولوجيا الاغريقية أو الرومانية أو الفرعونية التى كانت تمثل ضمير الأمة والمتنفس الوحيد للتعبير عن عجز الإنسان أمام القوى الغيبية، لذا باتت الاساطير المخرج الوحيد ليعبر الإنسان عن طموحاته ومخاوفه وتطلعاته إلى الغد البعيد أو القريب، وهو ما جعل بعض الدارسين يرون فى الخيال العلمى فى القرن العشرين معادلاً للأساطير القديمة.
كثرت التعريفات التى طرحها الكثير من الكتاب والمبدعين حول تعريفهم لمصطلح "أدب الخيال العلمى" وبرغم تعدد هذه التعريفات إلا أنه من الصعب أن نقدم تعريفاً واحداً جامعاً مانعاً ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى تراجع مسألة تحديد تعريف واحد خاصة فى مجال الأدب وذلك بسبب امتزاج هذا النوع واختلاطه بأشكال أخرى وانبثاق أنواع أخرى عنه كأدب الخيال السياسى، وأدب الفنتازيا العلمى وأدب الظواهر العلمية الخفية كل هذا يباعد بيننا وبين تحديد تعريف جامع شامل يتضمن كافة الآراء السابقة التى طرحناها.
أهمية أدب الخيال العلمى وأهدافه
تأتى أهمية أدب الخيال العملى من منطلق ارتباطه بالتطورات العلمية المتلاحقة التى يشهدها الإنسان منذ القرن السابع عشر ومن هنا تبلورت أهميته- وكما يرى رؤوف وصفى" يهتم كتاب الخيال العلمى بالمشاكل التى يواجهها العالم الآن مثل التلوث والحرب الذرية والتضخم السكانى والتكنولوجيا الشاردة وتقييد الفكر وغيرها من أنواع التهديد التى تواجه البشر كمفاجآت مروعة" .
إن الخيال العلمى فى القرن العشرين يسعى من أجل إقامة جسور التواصل بين التطورات العلمية وبين الفنون بشكل عام مما لا يحدث حالة من حالات الانفصال بين العلم والفن، بل يقرب ويوجد بينهما من أجل خدمة البشرية وبذلك ينجح أدب الخيال العلمى فى أن "يدرب قارئيه على التنبؤ بما هو غير متوقع، ويعاونهم على مواجهة التغيير والمستقبل اللذين سيختلفان عن الحاضر بالتأكيد" كل هذا جعل لأدب الخيال العلمى مكانة بين الإبداعات الأدبية المعاصرة. إن أدب الخيال العلمى قد تزايدت أهميته منذ بدايات القرن العشرين والدليل على ذلك أن "ثمة دلالات قوية على أن درجة رواجه قد ارتفعت ارتفاعاً كبيراً فى الأمم الصناعية الكبرى خلال المائة سنة الأخيرة، بغض النظر عن موجات التذبذب المحلية قصيرة المدى"
إن أهداف أدب الخيال العلمى تتعدد بتعدد أنواعه وذلك لأن البعض يرى فى الأدب هدفاً تعليمياً صرفاً، بينما يرى البعض الآخر فيه متعة وتسلية حسية، وفريق ثالث يرى المتعة العقلية، على حين يرى فريق رابع أهدافاً أخرى غيره هذه قد تتمثل فى كونه أدب وحسب لا نتوقع منه أكثر من قتل أوقات الفراغ ولكن ما هى أهداف أدب الخيال العلمى؟
يرى رؤوف وصفى أنه يهدف إلى إلى "عرض الحقيقة العلمية، بأمانة وصدق وبنظرة مستقبلية وإن تغلفت بغلاف له تألق وبريق القصة، وهو يعالج أيضاً الأفكار الاجتماعية والعلمية بشكلها الصرف الخالص. وليس من هدف أدباء الخيال العلمى التنبؤ بالمستقبل، بل أنه يقوم بشىء أهم من ذلك بكثيرة، فهو بكثيرة فهو يحاول أن يصور لنا المستقبل الممكن" .
إن استشراف المستقبل أمر تحقق فى مجال الإبداع المرتبط بالعلم ذلك أن أدب الخيال العلمى قد اقتحم مجال الشعر كما تمثل هذا فى ابداعات الشاعر الانجليزى وليم وردزورك الذى استشرق "آفاق المستقبل منذ قرنين من الزمان تقريباً، واستلهم بعض ما سيفعله العلم حتى فى مجال "الإنسان الآلى" الذى هو الآن حقيقة واقعة" .
اختلفت الآراء فيما يتعلق بقيمة التنبؤ المقصودة كهدف من أهداف أدب الخيال العلمى ذلك أن البعض يرى أن أعمال مبدعى أدب الخيال العلمى ترتكز بشكل أساسى على كونها أعمالاً تنبوئية تأملية لما يمكن أن يحدث فى المستقبل القريب أو البعيد غير أن "التنبؤ المقصود فى أدب الخيال العلمى ديناميكى متحرك دوماً، يقوم على أساس التغيرات، ففيه يتميز الكاتب بقدرة كبيرة على التخيل مع وجود خلفية علمية كبيرة لدى كتابها. وسوف نرى أن أغلب أدباء النوع المعاصرين قادمون من مختبرات المعامل. ورغم امتهانهم لأدب الخيال العلمى فإنهم لم يتركوا قط مختبراتهم" .
إن الصفة المميزة لكاتب الخيال العلمى هى اهتمامه بالإنسان إذ ينصب جل اهتمام كتاب الخيال العلمى على الإنسان ظروفه، مخاوفه، تطلعاته وهو فى كل هذا يسعى لكى يعبر عما يدور داخل عقول من حوله حتى ولو لم تتحقق بعد هذه المخاوف وإن كان ذلك محتملاً فى المستقبل القريب، وهو ما حدث مع الكاتب الأمريكى كارتميل الذى كتب قصة بعنوان "الموعد النهائى" عام 1944 وهى قصة عن قنبلة. كذلك ما اثاره نهاد شريف نفسه فى مجموعته القصصية القصيرة المسماه "الماسات الزيتونية" بخياله الرائع كى يتصور علمياً علاجاً أمثل لأمراض الكلى وبالفعل وجدنا العلم يتطور ليصلوا إلى علاج- ولو مرحلى- لمرض الكلى.
يرى آرثر كلارك أنه "لخطأ فادح لأن ينسب لأدب الخيال العلمى دور تنبوئى ما، فليس بإمكان هذا الأدب فعل شىء ما بالنسبة للتنبؤ بالمستقبل، فرسالة أدب الخيال العلمى ووظيفته تتحدان فى تنمية مخيلات الناس وتعليمهم ومنحهم القدرة على التفكير بالمستقبل، ويبقى أدب الخيال العلمى فى معظم الاحوال وسيلة لإثراء خيال الإنسان ومنحه المزيد من الاطلاع على آفاق المستقبل لإغراقه بفيض من المعارف والمعلومات عن هذا المستقبل" .
غير أننى لا أتفق مع الرأى السابق وأرى أن الأدب بطبيعته لا يقتصر دوره على كونه إبداعاً وقتياً ولحظياً، بل من الممكن أن يعد الأدب بشكل عام وأدب الخيال العلمى بشكل خاص أدباً يناقش قضايا مستقبلية ويوجه انظار القارئ إلى جوانب هذه المشكلة ويوحى ببعض التوقعات التى تصبح فى الغد حقائق واقعة، وهذا ما حدث كثيراً فى أدب هذا النوع فيما يتعلق ببعض الأسلحة النووية وبعض المخترعات. حتى فى مجال الطب التى أصبحت اليوم حقائق واقعة فمثلا تحدث اولدس هكسلى العالم الطريف "عن توليد الاطفال فى أنابيب المعامل الكيماوية، كذلك ما جاء فى قصص الف ليلة وليلة خاصة قصة "عبد الله البرى وعبد الله البحرى" من وصف أخاذ لمملكة البحار وما يزخر به قاع البحر من عجائب وخيرات وكلها حقائق اكتشفها العلم الحديث.
تاريخ أدب الخيال العلمى
إن أدب الخيال الذى عرفناه منذ بدايات الابداع من قبل شعراء ومفكرى اليونان أمر بحاجة إلى تحديد وتدقيق ذلك أنه من الصعب أن تعد ابداعات أرسطو فانيس فى مسرحيته "الطيور" وكتب أفلاطون منها "الجمهورية المثالية" "هذه النوعية من الابداعات وما تلتها من ابداعات "سير توماس مور" ورحلات "سويفت" وكبلر. فى رواياته التى تحدث فيها عن رحلة إلى القمر- قصة الحلم نشرت بعد وفاته 1634- لا يمكن أن تعد إلا نوعاً من الأعمال الأدبية- القصصية كانت أم المسرحية- أم الروائية- الساعية إلى تحقيق اليوتوبيا المثالية على الأرض وهى لا تفتقد بطبيعة الحال لجوانب العلم والتكنولوجيا لذا فهى ابداعات تصور سعى الانسان لبناء مجتمع أفضل تسوده السعادة.
إن ازدهار العلم والتكنولوجيا وقيام الثورة الصناعية كلها عوامل ساعدت على تبلور وازدهار أدب الخيال العلمى ذلك أن القرن السابع عشر شهد استخدام العلم لصياغة أول رواية علمية كتبها "سيرانودى برجراك" بعنوان "رحلات إلى دول وامبراطوريات القمر والشمس "عام 1643.
أما ثانى رواية علمية كتبها الفرنسى "فونتنل" (1657-1757) الذى يعد "أول كاتب لأدب الخيال العلمى بحق ومن أهم رواياته "لقاءات فى قمة العالم" التى نشرها عام 1686 الذى أكد فيها أن هناك حياة فوق سطح القمر والكواكب الأخرى" .
إن فونتنل يتخطى هنا المعنى والمفهوم التقليدى لأدب الخيال فهو يطرح من خلال رواياته بعض الأفكار العلمية التى أصبحت بعد ذلك حقائق قائمة تجعلنا نعتقد أن مثل هؤلاء الكتاب قد نجحوا فى تحقيق ما طرحه العلماء وتحقق فى القرن العشرين. توالت الكتابات المرتبطة بالخيال العلمى بعد ذلك وصولاً إلى الأمريكى ادجار آلان بو (1809-1849) أحد أدباء الخيال العلمى الذى كتب بعض أعماله مثل قصة يوريكا"(25) ورحلات "بو" الخيالية، ثم ظهرت رواية مارى شيللى (1797-1851) "فرانكنشتاين" أو "بروميثوس الحديث" 1818، ورواية "الإنسان الأخير" 1826، وقصة "لودور Lodare" 1835 وغيرها من اعماله ورحلاته الخيالية الغريبة.
إن أدب الخيال العلمى لم يقتصر على الرواية، والقصة، والدراما بل ظهر أيضا فى أعمال بعض الشعراء- كما سبق القول- وعلى رأسهم شاعرا انجلترا الشهير "وليم روردزورث" (1770-1850) الذى ضمن مجموعته الشعرية الشهيرة مقدمة عن الخيال العلمى فى كتابه المسمى (قصص شعرية غنائية شعبية) "Lyrical Ballads".
جول فيرن وويلز وآخرين مبتكروا أدب الخيال
العلمى فى القرن العشرين
يعد "فيرن" Jules Verne (1828-1905) "وويلز H.G.Wells (1866-1946) من أهم كتاب أدب الخيال العلمى" لدرجة أن "ولز" يعد هو الأدب الحقيقى لأدب الخيال العلمى.
كتب "فيرن" العديد من الروايات التى تدور فى ميدان الخيال العلمى من أهمها "من الأرض إلى القمر" وخمسة أسابيع فى بالون" و "عشرون ألف فرسخ تحت البحار"، "وحول القمر"، "والجزيرة الغامضة"، "والشعاع الاخضر".
أما ويلز فقد جاءت أعماله القصصية مختلفة إلى حد كبير عن جول فيرن، ذلك أن روايات فيرن "مجرد مغامرات تنبأ فيها ببعض المخترعات ولا شىء غير ذلك، ولذا فلقد اعتبره بعض النقاد مؤلفاً للأطفال. هذا بخلاف ويلز والدوس هكسلى اللذين استخدما الخيال العلمى كوسيلة لعرض أفكار معينة. وهذه فى رأى هى سمة الرواية العلمية الرفيعة المستوى. ولم يحرص ويلز أو هكسلى على ابتكار مخترعات من الممكن تحقيقها فى المستقبل، إذ أن رواياتهما العلمية من نوع الفانتازيا التى لا تهتم بالاشياء الممكنة التنفيذ أو المطابقة للواقع بقدر اهتمامها بعرض فكرة أو أفكار معينة" .
كتب ويلز عدداً من القصص أهمها "آلة الزمن"، "وجزيرة الدكتور مورو" و "الرجل الخفى"، و "حرب العوالم" "إلى جانب ويلز كتب عدد آخر من المبدعين فى الربع الأول من القرن العشرين عدداً من الأعمال المنتمية بطبيعة الحال إلى أدب الخيال العلمى، من أهم هؤلاء الكتاب نجد الدوس هكسلى (1894- ) الذى كتب عدداً من الروايات أهمها "تقابل الالحان"، "وضرير فى غزة"، و "جزيرة"، و "صيف بعد صيف" و "عالم جديد شجاع".
كما كتب راى براد بورى (1920- ) عدداً من القصص أهمها مجموعته القصصية المعنونه بعنوان "التاريخ المريخى" وكذلك مجموعته القصصية بعنوان "الكرنفال الأسود" وروايته الشهيرة "فهرنهيت 451" كما شريرا بورى عدداً من المسرحيات هى "خرجت نفير الضباب" و "عمود من نار" و "الكلايدوسكوب" ومسرحية "العداءون المنشدون".
حرص براد بورى من خلال أعماله المسرحية على تحقيق التوازن بين كون هذه المسرحيات إبداعاً فنياً بحاجة إلى مراعاة المبدع لعقول القراء وكيف يمكن تحقق الجوانب الفنية والفكرية فى العمل المرتبط بالواقع المعاش وبين كون هذه الأعمال ترتكز على الخيال العلمى الذى لابد وألا يكون كثير الشطحات محققاً المبدأ الفنى الذى يقول "إن كل ما يقع فى العمل الأدبى هو فى حقيقته واقع فعلى. ويحرص برادبورى أيضاً على أن يجسد فى أعماله ما يمكن أن يسمى بالحقيقة الخيالية التى تأخذ منطق الحقيقة لكى تشكل به الخيال الذى يملك عندئذ قوة اقناع حقيقية" .
كما استمر اهتمام الكتاب بالخيال العلمى- فى فرنسا والاتحاد السوفيتى "سابقاً"- منذ النصف الأول من القرن العشرين ولم يهجر الخيال العلمى الفرنسى بعد موت جول فيرن، بل وجدنا أسماء لكتاب آخرين فى مجال الرواية إذ كتب جوستاف لروج G.Lerouge وجان دلاهير. J.Dela.Hire، وكتب "لاندره موردا" و "موريس رنار" أما فى الاتحاد السوفيتى فقد ازدهر الخيال العلمى قبل بداية القرن العشرين بقليل اذ "كتب ك.أ.تسيولكوفسكى فى العام 1895 (وهو العام الذى ظهرت فيه آله استكشاف الزمن) مغامرات مستكشف صادف بين المريخ والمشترى مخلوقات حيه فى فراغ مطلق. كما أن أ. بوغدانوف فى العام 1913 فى (المهندس منّى) يتحدث عن مريخين شيوعيين.. وقد شهدت العشرينات من هذا القرن، وبتأثير جزئى من الكتاب الأوائل الكبار الخيال العلمى الامريكى (وخاصة بوروجس) تفتح الخيال العلمى السوفيتى، الذى يعالج جميع المواضيع فى آن واحد" .
وبرغم كثرة مبدعى أدب الخيال العلمى فى الأدب العالمى" فقد اتضح لنا أن هذا الابداع قد ينال حظه من قبل الكثير من مبدعى القصة والرواية أكثر من مجال المسرح وهو ما سوف نجده يتضح أيضاً فى مجال الابداع العربى.
تلك هذه احدى اشكاليات البحث، أما الاشكاليات الثانية فتمثل فى مدى قدرة أدب الخيال العلمى خاصة فى مجال المسرح فى أن يتحقق ويتجسد عملاً مسرحياً على مستوى الشكل، ذلك أن امكانية تحقق أدب الخيال العلمى وقدرة المشاهد على مشاهدته اعتماداً على الصورة البصرية السريعة المتلاحقة يجعل أدب الخيال العلمى فى مجال المسرح يعجز ويتحول إلى اساطير وحكايات تروى أكثر من كونه عملاً مسرحياً يتجسد على خشبة المسرح وهذا هو أحد الأسباب فى تراجع أدب الخيال العلمى فى مجال المسرح.
والاشكالية الثالثة التى يثيرها روبرت سكولزو اتفق معه تتمثل فى عدم استيفاء أدب الخيال العلمى للمقاييس المفترضة خاصة فيما يتعلق بعدم قدرتهم- أى الكتاب- على فهم النظام الكونى، حتى أنهم يفتقدون أى احساس بالاختلاف بين الانفصال المتعمد، والتسلية السحرية لهيكل التنظيم الكونى. هذا إلى جانب سعى الكثير من كتاب هذا النوع إلى تقديم قصص المغامرات التقليدية" .
ازدهر أدب الخيال العلمى فى الأدب العربى عند عدد من المبدعين منذ النصف الثانى من القرن العشرين غير أن نتاج الكثير من هؤلاء المبدعين تركز فى مجال القصة الرواية والدراما الاذاعية ولم يتحقق فى مجال المسرح إلا عند عدد قليل من هؤلاء المبدعين.
إن ابداعات الدكتور يوسف عز الدين عيسى فى مجال الخيال العلمى تمثلت فى بعض الروايات التى كتبها من أهمها مجموعة الروايات التى ضمها كتاب واحد هو "نريد الحياة" هذا إلى جانب بعض أعماله الدرامية الإذاعية المنتمية إلى هذا النوع وقد لاحظ النقاد أن كتاباته تحمل كل "صفات الريادة فى هذا اللون من الأدب، فهو أدب أقرب إلى الفانتازيا منه إلى الخيال العلمى، وهو يهتم بالفكرة الفلسفية أكثر من من اهتمامه بالفكرة العلمية بحيث تكاد الأخيرة أن تصبح مجرد أداه أو وسيلة للأولى .
إن أدب الخيال العلمى العربى قد عرف عددا من أسماء الكتاب الذين نشروا أعمالهم خاصة فى مجال المسرح- مجال بحثنا- إلا أن هذا لم يمنح من ظهور مبدعين آخرين لأدب الخيال العلمى فى مجال الرواية والقصة. ذلك أن توفيق الحكيم مسرح الخيال العلمى وان كان بعض الدارسين يرون أن هذا النتاج هو خليط من الفانتازيا والخيال العلمى وان اقترب أكثر من الفانتازيا منه إلى الخيال العلمى" . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احييك يا دكتور
الكاتب عماد مطاوع ( 2012 / 6 / 30 - 01:05 )
هذه دراسة رائعة وتستحق القراءة والاهتمام
أحيى كاتبها بشدة فلقد ولج لمجال مهم جدا من مجالات الابداع .
واتمنى له المزيد من الابداع والكتابات الرائعة .

اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-