الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة إمبابة بين عجز وفشل المجلس العسكري وإرهاب وكذب السلفيين

جوزيف بشارة

2011 / 5 / 11
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


الغضب الذي يتملك المصريين المخلصين لوطنهم بلغ أقصى درجاته في الأيام القليلة الماضية التي تلت شهدت أحداث العنف الطائفي المأساوية بمنطقة إمبابة. لم يكن الغضب فقط بسبب الضحايا الذين زهقت أرواحهم أو سفكت دماؤهم، الغضب كان بسبب حالة الانكسار التي عادت تصيب الوطن من جديد بعد أن ظن الجميع أن مرحلة الشموخ الوطني ستعود من جديد. كثيرون من المصريين يعجزون عن وصف المشاعر التي تسودهم هذه الأيام، فالحزن يعتصر القلوب بسبب الحاضر المؤلم والقلق يشغل العقول بسبب المستقبل الغامض الذي يتنظرهم. الأوضاع يراها المصريون تسير من سيء إلى أسوأ من دون أن تبدو في الأفق البعيد علامات إيجابية تفرج عن أساريرهم.

المؤلم أن المجلس العسكري الذي يدير البلاد لم يثبت حتى اليوم كفاءة تذكر في أدائه لعمله. المجلس ترك الأمور تتصاعد من دون تدخل إيجابي ينقذ البلاد من الانحدار إلى مستنقع العنف والتناحر. فرص كثيرة سنحت للمجلس العسكري لإثبات جدارته بإدارة البلاد في هذه المرحلة الإنتقالية، ولكنه فشل في كل المرات. وكان الفشل ذريعاً لأن الضحية كانت باستمرار هي الوطن. بيّنت طريقة تعاطي المجلس العسكري مع الأمور غياب الرؤية الواضحة عن قادته، وكان لجوؤه لقوى أخرى كالإخوان المسلمين وقيادات السلفيين لحل عدد من الأزمات الطائفية دليلاً على عجز المجلس الكامل عن الإدارة التي تكفل بها. كما كان لجوء المجلس العسكري لجلسات الصلح العرفية بين المسيحيين والمسلمين تنازلاً مهماً عن سيادة القانون. بعد كل هذا الفشل لم يكن عجيباً أن يلقى المجلس العسكري بتهمة إشعال نيران أزمة إمبابة على الضحايا المسيحيين الذين كانت جريمتهم الدفاع عن كنائسهم المدمرة ومنازلهم المحروقة ومحال أعمالهم المنهوبة.

جاءت أزمة إمبابة الأخيرة لتدق مسماراً جديداً في نعش التسامح الديني في مصر. فما حدث من اعتداء من قبل جماعات السلفيين الإسلاميين على كنيستي القديس مارمينا والسيدة العذراء بإمبابة وعدد من المنازل والمحلات التجارية المملوكة لمسيحيين لم يكن ليتم ما لم يكن التسامح قد مات تماماً لدى المعتدين. الغريب أن السلفيين عادوا لممارسة هواية الكذب التي أتقنوها ببراعة يحسدون عليها لنفي تهمة الاعتداء على الكنيستين، فقد أنكر عدد من المشايخ أن يكون للسلفيين أي دور في الأزمة، بل أنهم نفوا تماماً أن يكون أي من السلفيين قد تواجد بالقرب من موقع اندلاع الأزمة. أنكر المشايخ دور رجالهم في الأزمة ونسوا أن هناك العشرات من الدلائل على حشد السلفين لصفوفهم للوصول إلى الفتاة عبير خيري التي كانت أسلمت في سبتمبر من العام الماضي، وزعموا أن الكنيسة اختطفتها قبل شهرين وسجنتها بإحدى كنائس إمبابة بهدف الضغط عليها لإعادتها للمسيحية.

لم يكن جديداً أن تتسبب فتاة في أحداث عنف طائفي في مصر، فالفتايات أصبحن السبب الأول في إشعال العنف بين المسيحيين والمسلمين بعدما كرس السلفيون جل همهم للإيقاع بالفتيات المسيحيات في قصص حب سرعان ما تتحول إلى أسلمة. وقد شهدت مصر في السنوات الاخيرة مئات من هذه الحالات. يتجاهل السلفيون الإسلاميون أن العائلات المصرية، سواء مسيحية أو مسلمة، تتعامل بحساسية بالغة مع أمور زواج الفتيات باعتبارا قضايا شرف، ويتجاهل الإسلاميون أن المصريين ،سواء مسيحيين أو مسلمين، يتعاملون بحساسة مفرطة في أمور تغيير الدين. يتجاهل الإسلاميون عن عمد كل الحساسيات الإجتماعية وكل مظاهر احترام الأخر ويقومون بعمليات غسل أدمغة للقتيات المسيحيات بغرض أسلمتهن وليس بغرض الحب كما يزعمون.

كالعادة في حالات الأسلمة، هناك ما هو غامض وغير مفهوم في قضية الفتاة عبير خيري. ولأن الأمر أصبح قضية رأي عام فمن المهم أن نلقي الضوء على بعض الغموض لعلنا نساعد في إظهار الحقيقة للرأي العام.

أحاديث الفتاة حين أظهرها السلفيون وحين تحدثت عبر الهاتف لعدد من القنوات بدت مرتبكة ومتناقضة تماماً، بل وبدا من خلال لحظات الانتظار الطويلة قبل إجابتها على أسئلة المذيعين أن هناك من يلقنها ما تقوله. تناقضت أقوال فتاة والإسلاميين الذين يتولون أمرها في النقاط الأتية:

أولاً: طريقة ما قالوا أنه اختطافها: قال السلفيون أن الفتاة اختفت ولا يعرف مكانها، بينما قالت الفتاة أن مسلماً ساعدها في البداية عاد وخانها وأخبر أهلها بمكانها وأن أهلها أخذوها من مسكنها الذي تعيش به. ورفضت الفتاة الإجابة عندما سألها أحد المذيعين عن طبيعة الذي أخذها إن كان والدها أو شخص أخر. من جهتهم أنكر أهل الفتاة، كما جاء في جريدة الوفد المصرية، علمهم بأية تفاصيل عن عبير منذ تركت البلدة في منتصف سبتمبر الماضي. هنا تثور عشرات الأسئلة بشأن صدق الفتاة. كيف أخذ الأهل الفتاة من المنزل الذي تعيش به؟ أين عاشت الفتاة؟ هل عاشت مع عشيقها ياسين ثابت قبل أن تحصل على الطلاق من زوجها المسيحي؟ لماذا سمح ياسين ثابت لأهلها بأخذها منه؟ لماذا لم يذهب مع الإسلاميين إلى أهل الفتاة بدلاً من الكنيسة؟

ثانياً: طريقة وصولها لكنيسة إمبابة التي قالت أن المسيحيين احتجزوها بها: قالت الفتاة في أحد أحاديثها أن الكنيسة نقلتها عدة مرات من مكان إلى أخر وكانت كنيسة القديس مار مينا أخر الأماكن التي ذهبت إليها، وذكرت في أحد أحاديثها أنها استخدمت مواصلات عامة للوصول إلى كنيسة إمبابة. هل يعقل أن الكنيسة ستنقل فتاة تختطفها في مواصلات عامة؟ ألا يوجد لدى الكنيسة وسائل مواصلات خاصة؟ لماذا لم تستنجد بالعامة وقت تنقلاتها؟

ثالثاً: زواجها بعد إسلامها: ارتبكت الفتاة تماماً عند سؤالها عن زواجها من عشيقها ياسين ثابت، وقبلت بوصفه على أنه زوجها في أحد الأحاديث، قبل أن تعود وتنفي الزواج في أحدايث أخرى.

رابعاً: امتلاكها لهاتف محمول لدى وجودها في كنيسة إمبابة: نفت الفتاة في حديثها لقناة الجزيرة سماح الكنيسة بامتلاكها هاتف محمول وأكدت أن الكنيسة لم تسمح لها بالتصال بالعالم بل ومنعتها من الوصول للشارع ووضعتها في غرفة بلا نافذة. ويتعارض حديث الفتاة هنا مع حديث أخر قالت فيه أنها امتلكت هاتفاً وتلقت عليه اتصالاً من مباحث أمن الدولة.

خامساً: اتصالها بياسين ثابت: أنكرت الفتاة في أحد أحاديثها اتصالها بأي شخص لعدم امتلاكها تليفوناً وقالت أن أحداً ربما تعرف عليها لدى دخولها الكنيسة. لكنها عادت في حديثها المصور مع السلفيين لتؤكد أنها اتصلت به لإبلاغه بموقعها وطلب مساعدته للخروج من الكنيسة.

سادساً: موقفها بعد خروجها من الكنيسة: قالت الفتاة أن الراهبة المسئولة عنها بكنيسة إمبابة طردتها بعدما توتر الموقف أمام الكنيسة. وأضافت أنها خرجت من الكنيسة وذهبت في سيارة صغيرة "توك توك" بعيداً عن الأجواء المتوترة بإمبابة. يتعارض حديث الفتاة هنا مع ما قالته في حديث اخر بأنها لا تعرف القاهرة ولا تجيد التحرك بها. فأين ذهبت الفتاة إن لم تكن تعرف طريقها؟ وإذا كانت الفتاة غادرت الكنيسة ساعة تجمهر السلفيين أمامها، كيف لم يلحظها أحد منهم؟ ولماذا لم تلجأ إليهم؟

أسئلة كثيرة تتعلق بمصداقية الفتاة والسلفيين. الأمور تبدو غامضة تماماً ولا أحد يعرف الحقيقة. هل احتجزتها الكنيسة حقاً؟ هل ذهبت الفتاة للكنيسة بمحض إرادتها؟ هل أرادت الفتاة العودة إلى المسيحية؟ هل تتعرض الفتاة لضغوط من السلفيين؟ هل كل القضية مسرحية قام بها السلفيون بمساعدة الفتاة لإقناع الرأي العام باعتقال الكنيسة للمتحولات إلى الإسلام؟ من المهم الإجابة على هذه الأسئلة بصراحة ووضوح حتي تظهر الحقيقة. ولست أجد في الوقت الحالي أهم من بيان يصدر عن الكنيسة القبطية يشرح ملابسات ويرد الاتهامات التي تطلقها بحقها الفتاة بمساعدة السلفيين. الكنيسة هي أكثر الجهات دراية بالأمر وعليها تقع مسئولية توضيح الأمور حتى لا تبقى الكنيسة ضحية كل الأطراف. ها الفتاة قد سلمت نفسها للمجلس العسكري، وكلن يتعامل المجلس بحيادية مع القضية؟ هل سيقوم المجلس بتحقيقات عادلة في الأزمة. دعني أقول بأن مصداقية المجلس سقطت منذ فوض شيوخ الإسلاميين بالتدخل لحل الأزمات الطائفية. المؤسف أن المسيحيين غالباً ما سيدفعون الثمن في قضية إمبابة، فهم بين مطرقة فشل وعجز المجلس العسكري وسندان إرهاب وكذب السلفيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اكاذيب
سامح منير ( 2011 / 5 / 11 - 04:07 )
واليوم اعلنت ان أسرتها لم تعلم عن قصة إسلامها ثم قالت انها كانت بالقاهرة لإعلان العودة للمسيحية .. تناقض رهيب

اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط