الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
غناء لقمر بعيد -8-
غريب عسقلاني
2011 / 5 / 12الادب والفن
غناء لقمر بعيد -8-
غريب عسقلاني قصة قصيرة
فراء الحملان الرضيعة
زحف الليل ثقيلا سمجا حرمني الذهاب إلى موجة دفئ تحت أغطيتي يقيني الزمهرير في هذه المدينة التي لم تأخذني إلى عاداتها, وكأن المدينة صلبت على سفح جبل انبثق في لحظة عطش فارقة في الصحراء..
قضيت الليل بين الغفوة والصحو يضرب أجفاني ومض شرر مستفز, يعقبه قصف رعد.. تحضر معه لحظات ذعر عشتها أثناء القصف المركز على بغداد أيام الحرب.. كنت ألوذ بحضنه, يأخذني إلى صدره مثل قطة مذعورة بللها المطر, أقرأ نبض قلبه.. أرهف السمع لصوت لهاثه, فيعتصرني مداريا عني خوفه كي أنهار, أو أذوب موتا بين يديه في لحظة خاطفة.. أرتجف برجاء:
- نموت معا, أو نعيش معا!!
تطل عليَّ ابتسامته مسحوب من بئر جف ماؤه.. يحدق في سواد الليل ونقطع الوقت في نوم مضطرب..
وها هو الليل يحضر مع يوم بعيد:
- أعود بعد هدوء الأحوال أو تلتقي حيث تحط بي الرحال.
ذهب ولم يعد..
وها هو الليل يمضي يسحب في أذياله فجرا كسيفا, سحبت عافيه غيوم حبلى بالمطر.. تدثرتُ بالعباءة, وجلست مع قهوتي قرب زجاج نافذتي الموصدة أغفو على رائحة غابت ذات فجأة:
- ضاقت المدينة بي.. أنهم يتعقبوني!!
- لكنكّ لم تقترف المعصية!!
غرس أصبعه في صدري, فوق القلب:
- يطاردوني لأني أعيش هنا.. يجب أن أبتعد.
كم كان منهارا.. أخذتني رجفة أم تاه عنها وحيدها في الزحام.. ناولته العباءة:
-خذها تقيكَ صقيع بلاد الشمال..
وصمت على خوفي من نساء الشمال
- هي وديعة أبي, احتفظي بها حتى أعود.
كم هي عزيزة هذه العباءة, وكم كان يأخذنا هيام عجيب كلما حدثني عن أبيه الراعي, الذي أمضى فصل ربيع في تجهيز فراء حملان أرضعت حتى الثمالة من عشب السماوة وبطن العباءة بالفراء, وقدمها له هدية الزواج, يذهلها شبق الفراء على ادخار الدفء والاحتفاظ برائحة من يلوذ بالعباءة من غائلة البرد, وكم كنت لا أمل من الحكاية وكنت أحبه كل مرة أكثر, وفي كل مرة يأخذني إلى صدره في عب العباءة, فلا أدري إن كنت أغفو عل شبق الحكاية أم جوع إلى الخدر مع رائحته الأثيرة المعشقة بصوف الفراء!!
لكن صباح اليوم كسيف بعيد عن مراعي السماوة, وبغداد باتت بعيدة.. بعيدة..
ألوذ بالعباءة أرصد مع قهوتي المدى على وقع موسيقا المطر.. ألهث مع زاجل قادم من رحلة طويلة.. رفرف الطائر حول النافذة .. مدت له كفي, لطم الزجاج كفي.. أدمى أصابعي نفذ فيَّ شرر ألم.. شهقت دمعتي ولذت بالفراء أشكوه إليه:
".. كم غيمة سأنتظر.. وكم مرة فيها القلب ينفطر,وكم من المسافات تتمدد بيننا تحفر فينا أخاديد الجفاف!!"
وحيدة مع الصمت عل جوعي, مع رائحة ما غادرت المكان, حتى كان يوم داهموا الدار فتشوا الزوايا مزقوا الملابس, كسروا الأيقونات والتحف.. وتوقفوا طويلا أما صورة عروسين معلقة على صدر بهو الدار.. هشموا البرواز شطروا الصورة نصفين أخذوك وشنقوكَ تحت نعالهم على عتبة الدار.. صرخت:
- ولو.. رائحته لا زالت تسكن المكان.
.. تركوني مشطورة بين الحطام والعباءة المعلقة على المشجب منذ غادر.. هل شنقوه أم تراه مشبوحا بين سيقان نساء الشمال, وأخذت ابحث دفء فراء الحملان الرضيعة في فضاء العباءة المعلقة على المشجب منذ غادر صاحبها الدار.. وكنت الجائعة للدفء في رابعة الصيف, يأخذني الخسران كما لسعة برد, يعصف بي الاشتياق!! بينما الزاجل يحوم يحاول أن ينشب مخالبه في زجاج النافذة يطرده الزجاج.. يتأرجح يرفرف.. يسقط .. ويصعد ينال منه اللهاث.. وفتحت النافذ للطائر المتعب, وأخذته إلى فرو العباءة مسحت عن عينيه دمعات حزينة.. وشوشته بلغ يا طير عني:
" كلما يجرح الأرق ذاكرتي تنام عنك ذاكرتي وأنسى حنقي عليك.."
هدل الزاجل فبلني وطار لكنه سرعان ما هوى على شجرة لوز عارية من الأوراق تقاوم جفاف الصقيع.. فتحت النافذة عل مصراعيها للريح وأرهفت السمع لهديل الزاجل يأتيها على رجع نواح..
" هل تعود يوما من حيث لم انتظر!! "
كل الوجوه دونك تشابه, وكل الأزمنة خلف مرايا الروح تشابه, والأغصان تغري أوراق اللوز كل ربيع بالإياب, فيما تقطع ريح الشمال تذاكر الذهاب.."
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بيع -الباب الطافي- الذي حدد نهاية فيلم تيتانيك بسعر خيالي
.. الفنان #محمد_عطية ضيف #قبل_وبعد Podcast مع الاعلامي دومينيك
.. الفنان عبد الرحمان معمري من فرقة Raïm ضيف مونت كارلو الدولية
.. تعرّفوا إلى قصة “الخلاف بين أصابع اليد الواحدة” المُعبرة مع
.. ما القيمة التاريخية والثقافية التي يتميز بها جبل أحد؟