الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا؛ آخر المعاقل العلمانية..؟

عماد يوسف

2011 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لم نسأل في سوريا يوما عن دين محافظ المدينة. ولم نسأل عن انتماء رئيس بلدية، ولم نهتم في يوم من الأيام، لا في جيلي ولا الأجيال التي سبقتني عن دين أو طائفة الأستاذ الذي يعطينا الدرس. ولا ما هو انتماء مدير المدرسة، الديني أو القومي. لطالما تفاجئنا بقومية الأستاذ أو المدير عندما كنّا نعرف أنه كردي، أو تركماني، أو مسيحي أو آشوري أو خلاف ذلك..؟! لم نكن نهتم في يوم من الأيام بهذا أو ذاك. لم يفكر أحد في سوريا في دين رئيس الدولة، أو طائفته، إلاّ قلّة قليلة من الذين يريدون تغيير الواقع العلماني لسوريا. فمن يراقب جيداً ما ُيسمى" بالمجلس الانتقالي السوري المؤقت " هذا الخديعة الكبرى، يرى جيداً التوزيع الطائفي، والديني، والإثني فيه، فهو مدروس بعناية كبيرة، حيث الأكثرية من الأكثرية، والأقلّية من الأقلية!! حزب البعث في عام 1963 كان عابراً للانتماءات بكل أطيافها وأشكالها. والدليل على ذلك وصول قلّة قلية من المجتمع السوري من الأقلّيات إلى هرم السلطة في تلك الأيام. و كان سلاحهم الوحيد ايمانهم بأمتهم العربية وضرورة نهضتها، لذلك لم يجدوا من يعارضهم لأنهم طرحوا مشروعاً قومياً، حداثوياً، لا فئوياً، وليس فيه محاصة لكل طائفة وإثنية. كنا نأمل من زعماء الثورة السورية " المزعومة" أن يكونوا أكثر تطوراً وعلمانية من فكر ميشيل عفلق وأكرم الحوراني وذكي الأرسوزي في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الفائت ؟
لم ُيفكر نور الدين الأتاسي، سليل الأسرة الحمصية المدنية العريقة أو أمين الحافظ المدني الحلبي أو ميشيل عفلق أو أكرم الحوراني سليل العائلة الإقطاعية الحموية، من يكون صلاح جديد القادم من أرياف الساحل ولا حافظ الأسد القادم من ريف اللاذقية، أوعبد الكريم الجندي القادم من السلمية، وسليم حاطوم القادم من ريف السويداء وأحمد المير وغيرهم. كانوا أكثر تطوراً ممن يسمّون أنفسهم اليوم " زعماء الثورة في سوريا ". كلّهم طائفيون، من رياض الشقفة إلى رياض الترك، الذي تحول حزبه إلى أكثرية سنيّة ساحقة في السنوات الأخيرة " ومن يشكك، ما عليه سوى التأكد من كوادر هذا الحزب نفسه " ؟ أو يمكنه سؤال رياض الترك الذي ضيّق على كوادره من الطوائف الأخرى حتى غادرته طواعية بعد نضالات دامت عشرات السنين.
رفاق حافظ الأسد في حركته التصحيحية هم؛ مصطفى طلاس، عبد الله الأحمر، ناجي جميل، حكمت الشهابي، عبد الكريم الجندي، وغيرهم . لا حقاً ربما حصلت بعض الانحرافات هنا وهناك، وكان ذلك بسبب حرب الإخوان المسلمين المسلحة مع السلطة والمجتمع الذي كانت تقتل منه المئات بالتفجيرات و المذابح اليومية التي كانت تحصل في أنحاء سوريا..؟ كانوا السبب المباشر في التحول القمعي الذي تحولته السلطة بعد عام 1980. حتى ذلك التاريخ كان هناك هوامش من الحرّيات السياسية لا ُيستهان بها، وأكبر دليل على ذلك أن التجمع الوطني الديمقراطي نفسه تأسس عام 1979.
اليوم، ليس هناك مشروع يشبه مشروع حزب البعث الذي تأسس في 7 نيسان 1947. هناك ما ُيطلقون عليه ديمقراطية علمانية، لكنها للأسف مبّطنة بآلاف العقد الطائفية لأنها تفتقد إلى مشروع تحمله، وتفتقد إلى التجانس في عقيدتها وفكرها السياسي ، فعلم السياسة ليس بعض المصطلحات نطلقها هنا وهناك، حرّية، ديمقراطية، تداول سلطة، وغير ذلك. دروس العراق ولبنان. مؤخراً مصر ماثلة أمامنا؟ ما جاءت به الكلمات والمصطلحات لا يبني سوى الكلمات والمصطلحات. أمّا ما تأتي به المشاريع فيبني أوطاناً بالتأكيد وإن تخللها أخطاء كثيرة بعد حين ..؟ يتذرع البعض بالثورة الفرنسية، وأن الثورات تحتاج إلى مدى استراتيجي. ولهؤلاء نقول بأن الثورة الفرنسية وغيرها أتت تحمل مشروعاً. وكان كبار المفكرين في فرنسا وأوروبا في حينها هم منظرو الثورة. وكان المجتمع الفرنسي مجتمعاً متجانساً، وقضيته واحدة، وتحكمه أغلبية في حركة تاريخية نادرة في ذلك الزمن، تلك التي أسست للتحول الإنساني كلّه. وكل ّ نلك الشروط التي أدت إلى استقرار الثورة من عام 1789 إلى عام 1848، ليست متوفرة في أي من المجتمعات العربية التي حصلت فيها الثورات، والثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر 1917ما كان ليكتب لها النجاح لولا أنها حملت مشروعاً عملاقاً في ذلك الحين. ما يحصل في مصر، وتونس، وليبيا، و اليمن ُيثبت بأن عنصراً هاماً وشرطاً أساسيا من شروط الثورات ليس له مكان في هذه المعادلة، ألا وهو، المشروع، الذي تحمله هذه الثورة أو تلك، لذلك نجحت كلّ التحولات العربية في القرن الماضي باتجاه الحزب الواحد الشمولي، بينما نشك اليوم في نجاح الثورات العربية الحالية في تحقيق نتائجها المرجوة.؟ قد تحصل تغييرات هنا، وتبدلات هناك، ولكن تبقى البنى المجتمعية، وعلاقات الإنتاج، والانتماءات الما قبل وطنية سائدة، والحامل الاجتماعي لهذه الثورات غير مكتمل النضوج. وربما أخطأ الكثير من المفكرين عندما ظنّوا أنَّ الشباب قد صنعت ثورة، فأطاحت رمزاً هنا، وبقي نظام، وصارعت زعيماً هنا، وما جنت سوى أنهاراً من الدماء كما يحصل في ليبيا، وتناضل في اليمن لكسر شوكة أعداد كبيرة من المؤيدين لنظام عبد الله صالح . وتصارع فئات قليلة في سوريا، ولن تجني غير الرفض المجتمعي بغالبيته، والتوزيع الديمقراطي الطائفي مثل العراق نموذجاً في أحسن أحوالها، إذا نجحت، لكنها لن تنجح؟ .بسبب افتقادها للكثير من الشروط الحتمية للتغيير، أهمها؛ الحامل الاجتماعي . وفقدانها لمشروع يستمد منه التغيير مشروعيته، في خصوصية وتنوع المجتمع السوري والظرف المعقد الذي يعيشه إقليميا وعربياً وصراعه مع إسرائيل. وأيضاً افتقاد كافة أطياف المعارضة السورية في الخارج والداخل إلى الانسجام وسيطرة الصراعات عليها، والتناحر فيما بينها. والشك في مرجعياتها، ثم خسارتها لمصداقيتها في الشارع السوري. ومن ثم فئوية هذا الحراك الذي لا يمثل سوى نسبة قليلة جداً من الشارع. وأخيراً وليس آخراً هو نضوب عامل الوعي السياسي من المجتمع على حساب العلاقات البنيوية الأهلية التي حكمت علاقتها بالسياسة على أساس علاقة الوصاية، أو ولي الأمر الذي ُتقدّم له الو لاءات ويتحدد موقعك من الدولة من خلال قرب أو بعد عائلتك عن مراكز القوى والسلطة في الدولة والحكومة ؟! لذلك؛ ُيمكن القول بأن أفضل تغيير، هو ذاك التغيير الصادق الذي تقوم به السلطة نفسها، ليس من موقعها كسلطة بل من موقعها كحزب علماني يبني حكمه على أسس ديمقراطية حقيقية. ُيساهم خلالها بإعادة إنتاج المجتمع من جديد، ويتخلى طواعية عن الحال الشمولية التي أدخل الدولة والمجتمع في أتونها على مدى ما ُيقارب الخمسين عاماً. وبذلك يكون قد أسس لمرحلة جديدة يكون شعارها التعددية السياسية والمشاركة المجتمعية الواسعة تحت مظلّة الديمقراطية. فيسجّل نقلّة نوعية في تاريخ سوريا، وهذا بحد ذاته مشروع بناء حقيقي سيجد حاملاً اجتماعياً عريضاً، وبما أن السلطة تمتلك كافة الأدوات والوسائل اللازمة لتحقيق هذا المشروع، فهو سيكون ثورة حقيقية يسجل التاريخ الفضل فيها لهذا الحزب صاحب التاريخ النضالي .؟!


كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيخوّنونك يا صاحبي
محمد بن عبد الله ( 2011 / 5 / 12 - 14:41 )
انتظر تعليقات التخوين والجبن والتآمر على الأبرياء وخيانة الشعب وسفك دماء الأمهات والأطفال....سيكتشف متحذلق متذاكي أنك نضال نعيسة تكتب باسم مختلق فبعبقريته عرفك من أسلوبك في الكتابة كما سيدّعي!

انتظر كيل السباب و اللعنات باسم الحرية والكرامة..

سيكتبون أنك تردد كالببغاء أقوال الاعلام السوري و سيحاولون اخراسك ومنعك من الكتابة لاختلافك مع كبارهم المعانين من تصلّب الرأي والشرايين ..فأحدهم تفضل برد على تعليق لي على مقاله بهذا الأسلوب اللائق به_وأنا أنقل من تعليقه المنشور على صفحته بالحوار_ :
(((أنك جبان... القافلة تسير والكلاب تنبح ....الثورة السورية سائرة نحو الظفر رغم أكاذيبكم واضاليلكم وتعتيم أسيادكم...قليل من الخجل))

قد يصدم هذا الاسلوب السيد مراقب الحوار المتمدن لكن عذري أنني أنقل من الحوار المتمدن - العدد: 3358 - 2011 / 5 / 7
لن أبوح باسم الكاتب الكبير الداعي لحرية الرأي الذي تكرم علىّ بهذه الألفاظ لكن أطالب باباحة نشر تعليقي إعمالا للمساواة


2 - احصائيات وتصورات بعيدة عن الحقيقة
محسن محسن ( 2011 / 5 / 12 - 16:24 )
هل سمح لك حزب الشعب بفتح وثائقه ، واستطعت ان تحصي اعضائه وطائفة كل عضو ، ثم توصلت الى نتيجة ان اغلب اعضائه من السنة ، إن حدث هذا فالحق معك ، ولكن إن لم يحدث هذا فمادا نقول عنك. ثم من اين لك المعلومات بان السيد رياض الترك يضايق الكوادر التي تنتمي الى الطوائف الاخرى ، ايضا ارجو ان تاتينا بالوثائق يا صديقي ، إذا هي تصورات بعيدة عن الحقيقة ، لذلك اتمنى عليك ان لا تنسى انك تكتب في موقع اسمه الحوار المتمدن الذي يبتغي الحقيقة والدراسات الجادة
ثم انك تتحدث عن العلمانية ، وتريد ان تقتعنا ان حافظ الاسد هو من ملائكة العلمانية ، العلماني لا يحول نظام جمهوري الى نظام ملكي ، العلماني لا يحول بلده الى سجن كبير ومملكة للصمت ، العلماني لا يضع العلمانيين في السجون ، العلماني يربي طلاب المدارس على العلمانية ، ان لا اعرف كيف تستقيم العلمانية وابو القعقاع ، لا اعرف كيف كان يعطي حافظ الاسد الساعات الطوال ليجتمع مع البوطي ، بينما لا يعطي الدقائق ليجتمع مع علماني ، ثم احيلك الى السيد وحيد صقر ليعطيك التركيبة الطائفية للفرقة الرابعة ، واتمنى ان تعمل دراسة احصائية عليها


3 - كل ما قلته صحيح باستثناء العنوان
الاصيل ( 2011 / 5 / 12 - 19:56 )
رغم موافقتي لك في ماطرحته من ان غالبية معارظاتنا العربية تفتقد للمشروع الحظاري اي العلماني الديمقراطي غير ان النظام في سوريا ليس علمانيا كما دكرت بل هو نظام ديكتاتوري قح


4 - بئس العلمانية التي تنطق بها.
محمد علو ( 2011 / 5 / 12 - 20:43 )
بئس العلمانية التي تنطق بها.
والتي تُصنف الأنظمة الشمولية.
بالعلمانية.
علمانية عصام تكروري , شحادة ,
طالب عمران , نعيسة وفقيسة.
وادونيس وفوانيس ومن على شاكلتهم


5 - يا هيك علمانية يا بلا
نبيل السوري ( 2011 / 5 / 13 - 06:38 )
ما شالله عليك وعلى علمانية بيت الأسد-مخلوف-شاليش
وما تصريحات كاشير العيلة العلمانية عن تأمين أمن إسرائيل الذي لاضمان له إلا بقاء العلمانيين بالسلطة إلا دليل فاقع على هذه العلمانية

علمانية الأسد تظهر حقيقةً بالاعتقالات فهناك نرى المسيحي لجانب السني والعلوي والدرزي، وطبعاً الاعتقال سببه التوقف عن التسبيح بأفضال العلمانية الأسدية

أريد أن أوجه سؤالاً هاماً لك ولكل مطبلي النظام: لنفرض جدلاً أن الأسود العلمانيون احتلوا مدناً إسرائيلية، فهل سيضربون كف لإسرائيلي؟ ولم نقل يستعملون الرصاص المصبوب، وهل يمكنهم منع الصليب الأحمر والأمم المتحدة من الوصول للمدن؟ هل سيعتقلون منهم شخصاً واحداً؟ هل سيعاملونهم إلا بموجب اتفاقيات جنيف؟
هل يقبل هذا النظام أن يعامل المدن السورية التي يجتاحها ويحتلها وأهاليها بموجب اتفاقيات جنيف؟

العلمانية ممارسة إنسانية وحضاريةوليست شعارات وتشدق يا فصيح، ولا يقوم بها لصوص وشذاذ آفاق قطاع طرق من أمثال الطغمة الأسدو-مخلوفية الذين مازالوا يفكرون ويتصرفون بطريقة همجية قروسطية، ورغم تخلف الطائفية إلا أنهم لم يصلوا لمستواها ومازالوا في عقلية الكهوف، فمن أين أتيت بعلمانيتهم؟؟


6 - سوريا اخر معقل للدكتاتورية الدموية
عزيز محمد ( 2011 / 5 / 13 - 07:53 )
الافضل لك ان تتعرف على خصائص النظام العلماني اللبرالي وتقارنه بالنظام نظام ال الاسد لتكتشف بانه اخر قلعة من قلاع الدكتاتوريات الدموية وليس قلعة علمانية كما تزعم

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س