الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثقفون مزيفون

أحمد عبد السادة

2011 / 5 / 13
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن


يطل علينا بين حين وآخر، من شرفة زمننا المقلوب، مثقف أو "تابع" لمثقف يرفع حزمة من الشعارات البراقة الداعية للتغيير والمناهضة للفساد، ويكيل، في الوقت نفسه، الاتهامات لكل المثقفين الآخرين لأنهم لم يكن لهم دور في انتفاضات وتظاهرات الشجاعة الفائرة في شوارع العراق وبعض العواصم العربية الآن، ولا شك ان هذه الشعارات والاتهامات ستحمل في يدها حفنة من تبرير وحفنة أخرى من حرص على دور الثقافة المفترض لو إنها انطلقت من حقيبة مثقف حقيقيّ يمتلك ضميرا ثقافيا حيا وهاجسا إصلاحيا راسخا يحاول أن يستأصل جذور وأشواك الفساد والدجل والتردي المندلعة في كل ملمح من ملامح خارطتنا العراقية المنكوبة، ولكننا، وهنا مربط الفرس والحصان معا، لا يمكن أن نجد أي معنى وتبرير لهذه الشعارات والاتهامات عندما تصدر من "مثقف!" يخون الثوابت الثقافية يوميا وبشكل منهجي من أجل نزوة عابرة كرس ونذر في سبيل إشباعها وإرضائها كل ممكناته ومقدراته التي غالبا ما يلفعها ويسوقها باسم الثقافة، كما اننا لا يمكننا سوى أن نطلق استغرابا عملاقا عندما نرى أن تلك الشعارات والاتهامات – سالفة الذكر – تصدر من شخص "ذيل" و"قزم" لا دور له ولا منجز سوى ترديد كلمات البعض كالببغاء والتقافز حولهم كالقرد، والاعتياش على فتات كلماتهم وظلالهم الثقافية، شخص تكمن قيمته الوحيدة في تلميع أكتاف مسؤوليه والتستر على فسادهم والدفاع عنه والمساهمة فيه أحيانا.
لا بد أن نعترف بأن الزمن المقلوب الذي نعيشه انتج الكثير من صور التردي، وأتاح لنا أن نرى حفلة حاشدة من الغرائب والمتناقضات، وللوسط الثقافي حصة طبعا في كرنفال الغرائب الأسطوري هذا، فنحن مثلا يمكن أن نرى مسؤولا لقسم ثقافي في إحدى المؤسسات الصحفية ساخطا على الفساد ومصدعا رأس اللغة ورؤوسنا بضرورة إقامة انتفاضات "فيسبوكية" لمحاربته وانهائه، ولكن في الوقت نفسه نراه – أي ذلك المثقف – غارقا حتى أذنيه في ماء الفساد، ومستبسلا ومستميتا على كل الصعد للدفاع عن فساد كاتبة أدينت قانونيا بسرقة عشرات المقالات من الانترنت ونشرها في الملحق الثقافي الذي يشرف عليه وفي صفحة بعنوان (جسد) بأمره وبمباركته وبتستر منه، وذلك بالإضافة طبعا إلى الكتابات التي كتبها ووضع اسم تلك الكاتبة المزعومة عليها لزيادة منسوب مكافآتها في حسابات الجريدة!!، ولا بد من القول بأن تستر هذا "المثقف!" على ذلك الفساد استمر لأكثر من سنة مع سبق الإصرار والترصد وعندنا أدلة ساطعة على ذلك وسننشرها لاحقا ومنها مادة صحفية منشورة بثلاثة اسماء في وقت واحد!!!، وهو أمر أدى إلى صناعة وتكريس مناخات مريبة وموبوءة مكنت ذلك "المثقف!" من التستر والتغطية على فساده وفساد أتباعه الذين وصلت رائحة سرقاتهم الفادحة إلى هيئة النزاهة، وقد تم مؤخرا حسم هذا الأمر، بشكل قانوني، ومنعت تلك "الكاتبة!!" نهائيا من النشر في تلك الجريدة بعد إدانتها بسرقة المقالات، وذلك بعد تحقيق قام به مكتب المفتش العام المرتبط بالمؤسسة التي يعمل فيها ذلك "المثقف!" الذي قام بكل جولات وصولات الفساد تلك في الوقت الذي يطالب فيه بتحرير المؤسسة التي يعمل فيها من "قبضة الفاسدين"!!، ولا نريد أن نذكر هنا تفاصيل الاتصالات والمناشدات والالتماسات و(الواسطات) التي قام بها ذلك المثقف "النقدي!!" و"الإصلاحي!!" لتخليص تلك الكاتبة من مصيرها القانوني المحتوم.
والغريب في الأمر أن ذلك المثقف – سالف الذكر – بدلا من أن يعترف بتلك الأدلة الواضحة التي تثبت فساده، قام بحملة تشهير ضد من كشفوا ذلك الفساد المخزي وانقذوا سمعة الجريدة من التداعيات الخطيرة لتلك النزوات المريضة والمريبة، حيث اتهمهم بانهم كتبة تقارير وبعثيون، وهو اتهام يدعو الى السخرية والغرابة بالتأكيد، لأننا اذا افترضنا جدلا صحة هذا الاتهام ومعقوليته، فاننا بهذه الحالة، واستنادا الى ذلك المفهوم المقلوب والمضحك، يمكن ان نعتبر هيئة النزاهة بأنها اكبر مؤسسة بعثية لأنها تكتب تقارير باستمرار من اجل محاسبة الفاسدين وكشف الفساد وايقاف عجلته الجهنمية!!، كما ان ذلك الاتهام يحاول، بطريقة ملتوية، ان يقلب الأدوار البديهية والمعقولة من خلال الصاق السوء بكاشف الفساد وليس بالفاسد، في حين ان من المفترض أن يتم توجيه الشكر والتقدير لكل من يقوم بتنظيف أية مساحة، مهما كانت صغيرة، من وحل الفساد الذي ارهق العباد واهلك البلاد.
إن للوسط الثقافي العراقي حصة – كما اسلفت – في كرنفال الغرائب والمتناقضات العراقية المديدة، فنحن يمكن أن نرى مثقفا يدعو المثقفين – بفذلكات لغوية مكشوفة – للتغيير وللاندكاك بهموم الناس البسطاء والدفاع عنهم والعمل من أجلهم والنطق باسم مكابداتهم، في الوقت الذي يأنف فيه هذا المثقف من الركوب في سيارات "الكيا" و"الكوستر" لئلا يشم، كما يقول، أنفاس هؤلاء الناس!! الذين ينظر اليهم ويتكلم معهم وكأنه يرمي إليهم ببقايا طعام!!، ويمكن أيضا أن نجد شاعرا أفرغ سابقا محتوى محبرته لكتابة قصائد عمودية مادحة ورادحة لدكتاتور العراق الأشهر صدام حسين، في حين نراه الآن مدافعا غيورا عن العراق الجديد وعن الفضيلة التي يدعي، بلسان طائفي وحزبي مفضوح، بأنه أحد حراسها الأشداء والمخلصين، كما نراه يقوم – طمعا برضا سادته – بالتحريض على المثقفين "المارقين!!" الذين لا ينتمون لفضاءاته الطائفية.
لا شك أن هناك العديد من صور الدجل الثقافي هذا في زمننا المبتلى بصناعة الأكاذيب وتعليبها وتزويقها وتسويقها للآخرين بوصفها بضاعات ثقافية جاهزة وقابلة للشيوع، ولا شك إن من يقوم بصناعة هذه الأكاذيب والتستر على الفساد المتعدد الوجوه لا يمكن أبدا أن يكون حارسا للنزاهة والثقافة.
وبالعودة إلى أفق التظاهرات العراقية والعربية نقول بأننا كنا وما زلنا بالكامل مع ينابيع الغضب الثائر لهؤلاء الشباب الشجعان في مدن العرب المستيقظة، ومع ان يكون للمثقف دور في إذكاء نار ذلك الغضب الشعبي المقدس، والدليل هو اننا كرسنا مساحات كبيرة من صفحتي "قضايا وآراء" في جريدة (الصباح) طوال الأشهر الماضية لمؤازرة الشباب العراقي والعربي في ميادين وساحات التحرير والتغيير، ولكننا ضد أن يسطو بعض المثقفين الأدعياء على مقتنيات وأهداف تلك الثورات والاحتجاجات والتظاهرات وضد أن يركب بعض المثقفين "الفاسدين" موج تلك التظاهرات "النزيهة" للإيحاء بأنهم مدافعون حقيقيون عنها.
لصناع الفساد ومزوري اللغة ومغشوشي الضمائر أن يعرفوا بأن هناك ذاكرة يقظة ستبقى تطارد فسادهم وزيفهم وبأن هناك حربا ثقافية شرسة ضدهم لن تتوقف إلا بتخليص الثقافة من أمراضهم الفادحة.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا