الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كراهيتنا سوداء

سعدون محسن ضمد

2011 / 5 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعرَّض أحد الأطفال للضرب بكثرة من قبل زملائه في المدرسة، وهو أمر مألوف في المدارس الابتدائية، لكن ما أثار حفيظة معلمه أنه يتعرض للضرب بكثرة مع أنه قوي البنية ويستطيع الدفاع عن نفسه، ما دفعه للتحقيق مع التلاميذ، وسرعان ما اكتشف أن سبب الضرب طائفي، وأن الطفل يتعرض لاعتداء جماعي، ومن قبل أكثر من زميل؛ لأنه الوحيد الذي ينتمي لمذهب مختلف عن مذهب بقية تلاميذ المدرسة.. يقول المعلم الشاهد على هذه الكارثة: بعد جهد مكثف استطعت أن أقنع التلاميذ، أن اختلاف زميلهم عنهم بالمعتقد، يجب أن يكون مبعثاً لاعتزازهم به لا لاحتقارهم واضطهادهم له، لأنه يمثل ملمحاً من ملامح وجه العراق الأخرى، وهذه ميزة تستحق اعتزازهم وحمايتهم، وأنهم بضربهم له لا يختلفون عن الإرهابيين الذين يفجرون الأبرياء يومياً لمجرد اختلافهم.
هذه الحادثة تطرح التمييز الطائفي بشكله الواقعي الفج، وهي تكشف حقيقة كرهنا لبعضنا، هذه الحقيقة التي تجلَّت بشكل صارخ بالعنف الذي مارسه الأطفال ضد زميلهم، إذ الأطفال أكثر برائة من أن ينافقوا أو يخفوا مشاعرهم. الأمر الذي يكشف عن أننَّا فعلاً نخاف من بعضنا، ونشك ببعضنا، ونكره بعضنا البعض!! وليست قصَّة الطفل المُضطهد أعلاه، وحدها التي تواجهنا بهذا المرض، بل كل فعاليات حياتنا التي تضطرُّنا للاحتكاك مع بعضنا البعض، تؤكد هذه الحقيقة. ولنأخذ مثالاً على ذلك النقاشات التي تحدث بيننا يومياً، على صفحات الفيس بوك، فما أن يثار موضوع ما من تلك التي تثير الاختلاف أو تشير إليه ولو من بعيد، حتى تبدأ التلميحات والتلوحيات، وتثار الشكوك وتبدأ الاتهامات.. أيّ موضوع ومهما كانت علاقته بالطائفية بعيدة، يتجه بالنقاش اتجاهين؛ اتجاه يلعن الارتماء بأحضان إيران، واتجاه آخر يشْتُم الولاء للسعودية. وهذا الموضوع مخيف في الحقيقة، وهو يثير الشكوك حول حقيقة كوننا شعب واحد أم شعوب متعدِّدة!! وحول حقيقة كوننا بلد واحد أم بلدان متعددة؟
ما فائدة ثرثراتنا التي ندَّعي فيها تمسكنا بوحدة العراق، إذا كان السنّي العراقي يشعر بأنه غريب وهو يتجول في محافظة ميسان أو ذي قار، أكثر من شعوره بالغربة وهو يتجول بأرجاء أي مدينة عربية (سنيَّة)؟ ما فائدة شعاراتنا التي نهاجم فيها المساعي الهادفة إلى تقسيم العراق، إذا كان الشيعي العراقي يشعر بالأمان وهو يتجول في مدينة قم أكثر من شعوره بالأمان وهو يتجول في أي من مدن البلاد العربية (السنّية)؟ الحقيقة التي كشفتها برائة الأطفال أن الطائفية ليست لعنة السياسيين وحدهم، بل هي لعنتنا نحن جميعاً..
إذا كنّا نُرضع أطفالنا كره العراقي المختلف وندفعهم ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ لضربه أو احتقاره أو إهانته، فهذا يعني أننا أكثر شراً من جميع السياسيين الذين نشتكي يومياً من طائفيتهم.. ما يجعلنا وجهاً لوجه أزاء أسئلة التقسيم، أزاء مصير العراق الواحد، وأزاء مسؤولية اختيارنا.. الاختيار بين تقطيع أوصال العراق أم الحفاظ على جسده معافى.
ما يجب علينا أن نقف عنده هو حقدنا على بعضنا، وإذا لم يغسل كل واحد منّا قلبه من أدران هذا الحقد، فهذا يعني بأن كلاً منا يمسك بسكين، سوداء ومشؤومة، ويطعن بها جسد العراق بحقد ولؤم كبيرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العقلية الشرق اوسطية
غزوان الشباني ( 2011 / 5 / 13 - 17:02 )
ان العقلية الشرق اوسطية لا يراد لها التعلم ولا يراد لاي عقلية في العالم الفهم الحقيقي للواقع لذلك وجد السياسيين والطائفيين وحتى مدعي التدين هنا وهناك ويجب ان يوجد فقراء وطبقة سياسية وسطى وهناك من خلفهم المالكين للمال والسلطة بل المتحكمين بقرار السياسين .....بل المتحكمين بارواح الابرياء ومهندسي القرارات والبنايات الضخمة ...ان التعليم لا يراد له الانتشار بصورته الصحيحة المجردة من الطائفية والمجردة من تسقيط الاخر مهما كان اعتقاده ومهما كانت ميوله ..ومهما كان دينه ...تحياتي


2 - وجهة نظر
بسمان الماروسي ( 2011 / 5 / 13 - 21:12 )
الاستاذ سعدون محسن .... لك فائق مودتي
اعتقد ان ثمار الطائفية لها ارضية خصبة جدا في مجتمعنا تبدأ من المدرسة...هذا ان لم يرضع اطفالنا الطائفية مع حليب امهاتهم وطرق التعبير عن كراهية الطرف الاخر كثيرة ...اما في التعليم الابتدائي وتحديدا في منهاج التربية الاسلامية للصف الاول يجد الطفل العراقي نوعان من الوضوء ( شيعي وسني ) يُدرس الوضوء بحسب مذهب المنطقة التي تتواجد فيها المدرسة ناهيك عن منهج التاريخ الاسلامي للصف الخامس فكل معلم يدرس على مذهبه وبحسب درجة الانحطاط الطائفي
اعتقد اننا بحاجة الى منهاج ثقافة دينية تسلط الضوء على التعايش السلمي بين الاديان والطوائف وليس الى تربية اسلامية او مسيحية او يهودية تكرس الحقد والاقتتال المذهبي والديني
وهذه مجرد وجهة نظر .....لك خالص مودتي


3 - بسمان
سعدون محسن ضمد ( 2011 / 5 / 16 - 19:28 )
صديقي بسمان، ايضاً نحن نحتاج إلى مربين حقيقيين، معظم معلمينا مصابين بمرض الطائفية، وهم ينقلون العدوى للأطفال الأبرياء مع الأسف، تخيل..
شكرا لك صديقي ودمت بفرح


4 - المعظلة هو الدين....
حسين خلف حمزة ( 2011 / 5 / 17 - 10:50 )
تقبل الاخر والاتفاق مع المختلف ونشر فلسفة المحبة والسلام والمسامحة وتخطي عقدة الطائفية والمذهبية .....الخ والكثير الكثير الذي نسمعه من هنا وهناك،ونعرف بأن القصد منه تقليل حدة التوتر الذي تشهدها وان كنت لااتفق في الكثير من هذا الطرح الوسطي الغير عقلاني وانه ليس اكثر من مخدر وقتي يسكن الالم ومن بعد الويل اذا صحى هذا الجرح وطفى على السطح مرة اخرى سيحرق الاخضر واليابس على حد-سواء،اذا مافي لحظة تفجرت قبة او احرق مسجد او سب رمز من الرموز المقدسة !!المشكلة ليس في تلاميذ مدارس تشاجرو حول افضلية علي على عمر او عيسى على محمد وبفضل استاذ متفهم استطاع احتواء الازمةن والى متى يكون هذا الاستاذ حاضرا- ؟؟؟ بل هناك مازال شاخصا- يلوح مثل حبل مشنقة يهدد الرقاب ان تتدلى منه اذا ما خالفته(الدين،والعقيدة) بكل تفاصيله السخيفة والعفنة التي جعلتنا عاجزين امام هذا الغول المتوحش, ليس هناك كلمات في قواميس اللغة تكفي لان تصف بشاعة الموقف وهو يخدش برائة الطفولة ويجعلنا نعيد التفكير بثقافة التكفير التي تغذاها هؤلاء الاطفال وان المختلف والاخر عدوى ومرض يجب القضاء عليه وتجنبه ....تحياتي استاذ سعدون

اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ