الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصبوحة بغدادية مغبرة

حسن الشرع

2011 / 5 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


رغم الأجواء المغبرة والمتربة ،غادرت منزلي كدأبي صباح يوم كل جمعة إلى شارع المتنبي حيث أمتع نفسي بطقس نفسي وثقافي ترسخ في نفسي كترسخ أيام العراق الظالمة ولياليه في زمن (الخير)التي تخلو من كل شيء سوى الخبز والمرق وقليل من الكرامة وكثير من (الثورات) و(الانتفاضات )و (الانقلابات)..كنت سعيدا بعض الشيء لعدم سماعي أصوات إنذارات سيارات حمايات المسؤولين وصفارات إنذار عجلات الطوارئ. رغم إنني اكره أن يسألني مشغلو أجهزة الحواجز ذات الهوائيات التي غالبا ما تؤشر باتجاه أي شيء ...عندك سلاح حجي؟لا .حشوة ؟لا .لازم عطر ؟نعم ...تفضل...تذكرت أن زميلا لي أجاب عن هذا السؤال :نعم احمل سلاحا لكنه للأسف لا يشتغل(لا يعمل) في إشارة واضحة بهيئة مزحة إلى آلة الرجل كما يفهمها أهلنا في أنحاء العراق كافة..كنت منهمكا في البحث عن عناوين تهمني ،لكن عناوينا أخرى صرفت وجهتي للبحث عن صدق أفكار يتداولها المثقفون في ظل المشهد الثقافي السائد ...أين تتجه ثقافتنا العراقية؟ ومن الذي يوجه بوصلتها ؟ وما هو تأثيرها في الأوساط العامة والخاصة؟ خطرت كل هذه الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها حتى وان أصبحت عناوينا لرسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه..
لا اعرف سببا واحدا يجعل رواد شارع المتنبي من المثقفين المفترضين يعتمرون قبعات غير متوائمة مع الثقافة العراقية ، لقد وصف احد الأصدقاء مرتدي القبعات وحاملي حقائب الظهر و بعض المظاهر الأخرى كاللحى الطويلة بأنهم (يتعيقلون) ولطالما وصف المثقفون العراقيون سابقا بهذا الوصف، لم يتغير الكثير فالعديد من الكتب والمجلات والتي تقادمت مواضيعها وما تحمله من أفكار إلى حد الانتهاء ،الكثير منها مازال موجودا بطبعته القديمة وأوراقه الصفراء وما يحمله من تعليقات الموتى الذين ربما تعيقلوا بها أثناء حياتهم قبل أن تجري حوسمتها ،بعضها وصل الرصيف بطبعات جديدة ،لكن الملفت للنظر بعض العناوين التي تجعلك تطيل من وقفتك وأنت تقلب هذا الكتاب أو ذاك ،من قبيل( 555طريقة ووصية لتصبح مدربا ناجحا وخطيبا مؤثرا ومتكلما بارعا ) لا أتردد لحظة واحدة في الإعلان عن عدم قبولي هذا العنوان مهما كانت أهمية موضوع الكتاب ومهما بلغت ثقافة الكاتب الذي أتحفظ على اسمه من مقام رفيع واسم مرموق..مثال آخر (ترويض الأسود:العمل بنجاح مع القادة والرؤساء وغيرهم من الزبائن ذوي المراس الصعب)وهو كتاب مترجم أتحفظ أيضا على اسم كاتبه ومترجمه، ولا أود الخوض في تفاصيل نقد عنوانه بل اتركه للقارئ الحصيف.لقد قادتني لعبة النظر إلى العناوين الممتعة إلى كتب استهواني عنوانه كما حملته صفحة العنوان(مواصفات المواد النشائية) ولأنني أحاول تقليل النشويات والسكريات والدهون التي تدخل معدتي التي أنهكتها حصيات ورمال وحديد طحين الحصة التموينية قبل أن يتم حوسمتها فقد إستهوتني فكرة البحث في كيمياء النشاء فعساني اقترب من صناعة إكسير اخضر لا يلوث المعدة ولا ينهكها ومما يقع في فقه الحلال طبعا طبعا،لكنني فوجئت من خلال تقليب الصفحات إنني واهم لان العنوان فيه خطأ مطبعي فادح فقد سقطت الألف في الإنشاء فكانت نشاءا.
مازالت تستهوي الكثير من (المثقفين)و (المثقفات) عناوين تفسير الأحلام ومازال بن سيرين بطلا يتردد اسمه في أوساطهم!.ومازالت بعض العناوين مربكة (لبعض هؤلاء المثقفين) فلقد سألني احدهم وكان بجانبي هل زار دستوفسكي البصرة .قلت لا أظن.قال إذن كيف يؤلف كتابا عن الأبله.لقد وقع المسكين في إشكالية رسم الحروف وتنقيطها.
وقف رجل أنيق في منتصف الشارع الممتد نحو النهر حيث يقف التمثال الذي لا يعتقد الكثيرون بأنه يمت بصلة إلى المتنبي أمام مدخل البناية التي كانت يوما ما مدرسة عسكرية حيث أعيد تأهيلها لتصبح مركزا ثقافيا بغداديا.واجهة البناية المطلة على النهر كان قد تم أعمارها بشكل جميل ورصفها وزود ت بمقاعد ومظلات و ومناضد وأعمدة إنارة أنيقة وكل ذلك حصل عند إعادة إعمار الشارع الذي طالته ذراع العنف ،لم يمض وقت طويل منذ ذلك الحين فمازال الحساب بالشهور، تحولت تلك الواجهة إلى مكب للأنقاض الناتجة من هدم كل تلك المرافق ،ولا احد من رواد المكان يعرف ما يحصل..ذلك الرجل كان لم يزل منهمكا بدعوة بعض الذين يؤشر عليهم إلهامه وحسه بالدخول إلى تلك البناية الجميلة التي كانت تحمل لوحة ذهبية صغيرة تشير إلى توجيهات المحافظ برعايته للمكان ..ينادون على ذلك الرجل بأستاذ سعيد اقترب مني عندما كنت أهم بالمروق إلى ذلك الزورق العائم فقطع الطريق ليدعوني إلى أصبوحة بغدادية موسيقية فوعدته بالدخول بعد أن أجد كتابا ابحث عنه لكنه فكر في إنني ربما لن أعود فبادر بإعادته دعوته الكريمة لي مضيفا إليها هذه المرة عبارة مجانا .انه يعرف أن لا احد سيدفع المال ليحضر حفلا موسيقيا في هذا الزمان وهذا المكان وهذا الظرف، وقد وفيت بوعدي فدخلت بعد مدة قصيرة القاعة المكيفة جيدا بالصوت المنكر لمولد الكهرباء.والذي وضع علماء الدين في حرج عندما يحاولون تفسير سورة لقمان تفسيرا معاصرا.
لم يكن هنالك غناء أو عزف بغدادي، وبدلا عن ذلك كانت هنالك موسيقى تراثية مصرية جميلة لعبد الوهاب...اجري...اجري (اكتبها بيائها التي ترفض الجزم برأي مثقفي عصر (الزغرفة)لكي لا اخطأ الهدف فتتحول عملية جري القطار(الوبور)إلى حسابات رواتب الدرجات الخاصة وأجورهم التي طال كلام الحاقدين ومرضى القلوب من حساد نعمة النواب والوزراء فيها وعنها....كل ده كان ليه!لا اعلم..الجو خارج القاعة مازال مغبرا لكنه معتدل الحرارة.
قرأت عن المساجلات العلمية التي يخوضها علماء المناخ فيما بينهم حول التغيرات المناخية وعلاقتها بالنشاطات الحضارية كما يراه البعض وقرأت عن المجهود الذي تقدمه الشركات الكبرى والصغرى لتدعيم هذا الرأي.كما تعرفت على حجج القائلين بالرأي الآخر وهم أصحاب نظرية الدورات الطبيعية بعيدة الأمد وقصيرة الأمد واطلعت على محاولات دعم هذا الفريق من قبل الحكومات والشركات الأخرى...نحن ضحايا النفط ونحن ضحايا التلوث به ونحن ضحايا صراعاته وربما كنا نحن أيضا ضحايا الاحتباس الحراري والتغير المناخي وما يحمله من أتربه في أتربة في أجوائنا لكن كيف نبرر انحسار ثقافتنا ،فهل يجيب مثقفونا على هذا التساؤل؟.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة