الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع الجديد والمواطنة

ماجد الشيخ

2011 / 5 / 17
المجتمع المدني


في غياب السياسة وغيبة الفاعلين السياسيين، وتأميم السياسة ومصادرتها من جانب السلطة، واحتكارها المجال العام؛ لا يبقى للمجتمع والدولة من حرية في إقامة علاقات تعاقدية، حيث تفرض السلطة ليس مفاهيمها فحسب، بل ومن سلوكها وممارساتها تطلق كل فعل قمعي وإقصائي، ما أدى في الواقع إلى إفقاد المواطن مواطنته، وحقه في ممارسة دوره في عملية بناء مجتمعه ووطنه بحرية وديمقراطية، كما كان ذلك السلوك السلطوي كفيلا بإفقاد المجتمع والدولة كل تجسيد سلوكي لهما في واقع العلاقات التعاقدية، الأمر الذي أفضى ويفضي، كما هو الحال في أروقة العديد من سلطويات بلادنا، إلى نفي كل علاقة تعاقدية، وسط هذا الحضور المقيم لمجموعة من علاقات القوة القمعية والعنفية، ما غيّب المجتمعات والدول عن فاعلياتها المفترضة، في إقصاء تام عن المجال السياسي العام، الذي تحتكره السلطة بنخبها وطغمها ومافياتها السياسوية والمالية.

لقد استبدلت السلطة كامل علاقاتها التعاقدية المدنية بمجموعة من سلوكيات أمنية، وقفت وتقف عقبة كأداء في مواجهة نذر التحولات الساعية نحو إقامة مجتمعات مدنية حديثة، تصب في رصيد بناء الدولة، حيث المهمة الأساس لها يكمن في تنظيم شبكة العلاقات القائمة بين المجتمع وأفراده فيما بينهم، وبين المجتمع والدولة، وتكريس ذلك في قانون مدني عصري، هو جوهر وجود الدولة المدنية بطابعها السياسي والاجتماعي والقانوني، وكل ما يتصل بالفاعلين الإنسانيين من فعاليات إقتصادية وثقافية متكاملة في فضاء عام، تنضاف بمجموعها إلى سلوك حضاري يُضاد تلك المسلكيات الأمنية التي حوّلت السلطة إلى كيان وظيفي قمعي، يُغاير في وجوده، بل ويُضاد وجود المجتمع المدني والدولة المدنية الحديثة.

من هنا نشوء تلك العلاقات الهيكلية، أو البنيوية المشوّهة والمختلة؛ التي رسمت حدودا سميكة بين المجال السياسي المفترض للدولة، وبين السلطة والمجال الأمني وتغوّله، في غياب فعاليات المجتمع وتغييب الدولة وتعاقداتها، الأمر الذي سيّد الأجهزة الأمنية على المجال العام، كسيّدة ومرجعية للسلطة وحامية لها ومدافعة عن سياساتها، فقد تحوّل "أمن الدولة" إلى أمن فعلي للسلطة، دفاعا عن شخوصها وسياساتها السلطوية والإفسادية، أما أمن المجتمع والوطن، فهو مجال آخر ليس من اختصاص جهاز أو أجهزة الأمن، حيث بلغت في العديد من البلدان مجموعة أجهزة يتجاوز عددها في بعضها، أكثر من أصابع اليد الواحدة، وفي أخرى أكثر من أصابع اليدين. ولنا أن نتخيل ما تصرفه الأنظمة السلطوية على أجهزتها الأمنية المولجة بحمايتها، على حساب تنمية المجتمع وأمنه وأمن أفراده، بل في غياب أي تنمية إجتماعية وغياب الأمن والأمان، في مجتمعات الأنظمة السلطوية التي تتعرض لانتهاكات لا حصر لها، ومن قبل بعض عناصر الأجهزة الأمنية ذاتها، فأي عقد سياسي أو اجتماعي يربط أنظمة كهذه، بمجتمعات جرّمت فيها السياسة، وجرى حرمانها من الحرية، وديست كرامات الناس من قبل أجهزة أمنية فاسدة، ارتبطت بتوجهات اقتصاد إفسادي كان نتاجا لطغمة سلطوية، امتهنت السلطة وزاوجت بينها وبين المال السياسي الإفسادي، وأضحى نمطا معياريا لحياة اكتملت في ظل الهيمنة على النظام السياسي والاقتصادي والثقافي، الذي حكم في بعض بلدان بلادنا ردحا طويلا من الزمن، حتى باتت جمهورياتنا التوارثية الاستملاكية واحدة من أعتى وأشرس الأنظمة الشمولية استبدادية وتوتاليتارية.

لهذا كان لغياب الفعل التعاقدي الناظم لعلاقة السلطة بالمجتمع، فعلا معاكسا، قامت الثورات الشعبية لتصحيح اختلالاته البنيوية، في محاولة لإعادة انتظام العلاقة في تعيينها الحقوق والواجبات، ولرسم الحدود التي ينظمها العقد أو العقود الاجتماعية والسياسية، وما تتضمنه من مفاعيل ناظمة لحدود علاقة فاعليها، من دون الاستناد إلى القوة القمعية لأجهزة الأمن وقوة اقتصاد الفساد والإفساد الذي رعاه النظام القديم، فيما يرجى للنظام الجديد كما في مصر وتونس، الخروج من حلقة الاختلالات السابقة التي شابت علاقة السلطة بالمجتمع، وحوّلت العلاقة بينهما إلى حُطام علاقة أمنية، أساسها توفير المعالجات الأمنية على حساب المعالجات السياسية المفترضة.

إن الإبقاء على يقظة المجتمع وتفعيله، يتطلب الإبقاء على روح الاحتشاد الشعبي، كرمز لاستمرار وتواصل الثورة بفعالياتها المجتمعية والسياسية المدنية السلمية، وينبغي لها أن تتطور لتطور معها مجالا عاما نقيضا، تشارك فيه أغلبية جماهيرية وازنة، بهدف رسم معايير حريتها والديمقراطية المنشودة، بعد أن استعادت كرامتها من براثن نظام قمعي بوليسي لم يراع أبسط الحقوق، فيما كان ينال بالقسر والإكراه كل الواجبات، ويفرض في "مؤسسات دولته" هو، كل ما يعينه على نفي إمكانية قيام مؤسسات مدنية سياسية ومجتمعية ونقابية وحزبية، غابت مع غياب أو تغييب السياسة وكل فعل تعاقدي، أدمنت سلطة النظام أو الأنظمة الحاكمة في بلادنا على نفيه واستبعاده من فعاليات الحكم والسلطة، وهو الأمر الذي جعل من الحكم وسيلة وأداة لاستبداد مقيم، في ثنايا العلاقات الأبوية والبطريركية التي خلقتها نظرية أو نظريات الحكم، ذات المرجعيات الدينية التي استخدمت سلطات الأنظمة في بلادنا على اختلافها كوسيلة استبدادية، لتكريس شموليات ثيوقراطية وتوتاليتاريات أفضت إلى تجميد مجتمعاتنا، وأغرقتها طوال عقود في بحار من الصمت والخوف والجمود، والثبات خضوعا لسلطات أنظمة طغيانية.

بين مؤسسات "دولة النظام" التي يفترض أنها انهارت بسقوط رأس النظام، والبدء بتغيير أسس ومؤسسات النظام القديم، ومؤسسات دولة المجتمع الجديد، الساعي إلى تأسيس نظام سياسي جديد، ينبغي توفير كل فرص المشاركة العامة، وزج المجتمع في جوهر ومضامين السياسة، كفعل خلاق لا يرتهن لمصالح شخصية أو طغموية ونخبوية، فالسياسة الجديدة هي السياسة البديلة لكل نظريات الحكم التي قامت أو استخدمت من قبل سلطات الأنظمة، لنفي أي دور للمجتمع في خلق آليات حكم نفسه بنفسه، من دون وسائط المال والسلطة التي تآمرت على الناس، وخدعتهم وأفهمتهم أن السلطة شئ مقدس ومتعال، وهي أبعد من أن يبلغها العامة بأفهامهم القاصرة، وتلك فرية استبدادية لا تستطيع أن تستقيم طويلا في عهد الجماهير التي استعادت دورها السياسي في المشاركة والمبادرة إلى إحداث تحولات، كانت كفيلة بتحويل ذاتها من مجرد رعايا قاصرين، تحركهم حاجاتهم الغريزية، إلى مواطنين أحرار يصنعون غدهم ومستقبلهم، كونهم مواطنين فاعلين، يرسمون دورا رئيسا لذواتهم في عقد سياسي واجتماعي جديد، عماده المواطنة والمساواة والعدالة والقانون، في دولة مدنية حديثة تسعى إلى تأسيس نظام سياسي جديد، على أنقاض كل أبنية النظام القديم الذي يجب أن يتهاوى بشكل كامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القسام تنشر فيديو أسير إسرائيلي يندد بتعامل نتنياهو مع ملف ا


.. احتجاجات واعتقالات في جامعات أمريكية على خلفية احتجاجات طلاب




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - ألمانيا تعلن استئناف التعاون مع


.. بدور حسن باحثة في منظمة العفو الدولية: يستمر عقاب الفلسطينيي




.. تدهور الوضع الإنساني في غزة وسط تقارير بشأن عملية برية مرتقب