الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة الحراك الثوري الراهن في المنطقة العربية

خالد عايد

2011 / 5 / 17
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لم يحن الأوان بعد لعملية تقييم نقدي شامل وجذري للموجة الثورية التي تجتاح عموم المنطقة العربية منذ اواخر العام المنصرم. فعملية التغيير لا تزال جارية حتى في تونس ومصر، حيث سقط رأس النظام، ولم يسقط النظام برمته بعد. وهذه العملية تجري في سياقات مختلفة وتتخذ اشكالاً متنوعة، محكومة بعدم التكافؤ بين الأقطار العربية لجهة نضوج الشروط الثورية الموضوعية والذاتية في كل قطر منها. ولا يزال الغموض يلف مسارات هذه العملية وآفاقها ومآلاتها.
وقد استجرّ هذا الحراك الجماهيري المنقطع النظير جدالات وحوارات و"دردشات" واسعة النطاق لا عهد لنا بها سابقاً. إذ إنها غمرت شاسات الفضائيات واقتحمت كل بيت وسقيفة وقصر، وصارت وجبة إضافية للجائع والمتخم على حد سواء. لكنها ظلت في الغالب الأعم كمّية، لا نوعية، على امتداد الشهور،كما أنها بقيت على سطح"الحدث"، تحاول أن تجاريه، إن لم تكن تلهث وراءه. وشيئاً فشيئاً، أخذ المثقف "المعارض" التقليدي ( البرجوازي الصغير المتصف بالتذبذب وقصر النفس) يعود الى عادته القديمة في الملل والنظر النرجسي في الذات، كما أخذ المواطن العادي يعوف المشهد التلفزيوني الرتيب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ويعود للجري وراء الرغيف، بعدما بدأ الشك يسايره في أن "الثورة"، إذ هي تساوم وتراوح مكانها، قد تأكل أبناءها ولقمة عيشه، قبل أعدائها الداخليين والخارجيين.

*****

لا ندعي هنا محاولة لإجراء التقييم النقدي المنشود، على أهميته الفائقة،إذ إن مثل هذا التقييم يتطلب من بين ما يتطلب عملية " قدح زناد" فكرية مثرية للنقاش يشتغل بها عقل جماعي ، بما ينسجم مع منطق الثورة المناقض لأي استفراد أو استبداد بالرأي من أي نوع. كما تستوجب هذه العملية تحليلاً معمقاً للتطورات الملموسة التي تجري أمام أعيننا، متسلحين بمعرفة تاريخية للتجارب الثورية السابقة.

إن كل ما نبتغيه هنا هو إثارة الأسئلة والقلق، أكثر مما نقدم الأجوبة ومسكّنات التطمين الكاذبة، وذلك بهدف تعكير صفو الركود الفكري المقيم، المضاد للثورة بطبيعته، والذي استمرأ التصفيق الحاد أو العويل الطويل الثقيل.
وعليه فإننا هنا نطرح عناوين/ أسئلة ، أو بالأحرى بعض العناوين،بهدف إثارة جدل فكري مطلوب، سلاحاً إضافياً يشحذ أسلحة الثورة الأخرى على طريق الانتصار. وهي عناوين / أسئلة نوردها هنا لا على سبيل الترتيب من حيث الأهمية. فهي في الأصل مترابطة جدلياً، وتشكل "حزمة واحدة"، لا فضل لواحدة منها على سواها ، إلاّ في ضوء ما تستوجبه استراتيجية الثورة الشاملة وتكتيكاتها الظرفية:

* * "الشعب يريد إسقاط النظام" – شعار جامع رائع نسمعه في كل الثورات. ولكن: ما المقصود ب"إسقاط النظام". ليس المقصود طبعاً رأس النظام فقط. لكن من أيضاً ؟ ألا يشمل الشعار كامل النظام ، بنية ومؤسسات وسياسات، على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والأمنية والفكرية ؟
ثم: ماذا عن "اليوم التالي" ؟ ماذا عن النظام الجديد البديل بمكوّناته كافة ؟ هل هو نظام رأسمالي ليبرالي مندمج في العولمة الرأسمالية المتوحشة تابعاً لها ؟ أم "إسلامي"، لا-تاريخي، نظام بسيط لم يكن يصلح إلاّ لجماعة محدودة العدد والاقتصاد والجعرافيا والمؤسسات، خلال فترة محدودة أيضاً لم تتجاوز عهدي خلافة أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب ؟ أم إسلامي تاريخي شمل أنظمة " الخلافة" منذ الأمويين حتى العثمانيين، وصولاً الى الجمهورية الإسلامية في إيران ؟ أم أنه نظام من طراز جديد يهيىء الشروط الضرورية للانتقال الى مجتمع عدالة اشتراكي على غرار غير الدول " الاشتراكية" التي خبرناها في القرن العشرين ؟؟؟
وهل نجد الأجوبة على هذه الأسئلة في الشعارات الضبابية الفضفاضة التي يرددها الحراك الراهن عن نوع من "دولة ديمقراطية مدنية" ، يمكن أن تؤدي الى تجميل وجه النظام القائم وتحقيق " الاستقرار" المنشود في المنظقة أمريكياً وأوروبياً، مع الحفاظ على طبيعة النظام وسياساته في الوقت نفسه ؟

* * "سِلميّة..سِلميّة" !! هكذا يهتف نشطاء الحراك الحالي في كل مكان.
من وما الذي أملى قدسية الشرط الجديد بشأن "سلمية" الثورات ؟ هل حمى هتاف "السلمية" الجماهير من بطش الأنظمة الدموي ومن ماكينتها القمعية الرهيبة ؟ ألم بسقط الشهداء بالمئات، بل بالآلاف، فيما كانت حناجرهم مبحوحة تردد هذا الهتاف ؟ أليس من بين "حقوق الانسان" ان يدافع عن نفسه ؟ ألا يشكل "البلطجية" / "البلاطجة" / " الشبيحة" النواة الصلبة لأنظمة فاشية بالمعنى الكامل هي في طور التكوين حالياً، وهل سيكون الجيش بالتآخي مع الشعب قادرا على لجم هذه العصابات الفاشية بدون مؤازرة من الشعب المسلح ؟

* * هل هذا الحراك الجاري هو ثورة واحدة أو مشروع لثورة واحدة يتحدد الخاص منها بالعام، ام انه بالأحرى ثورات أو مشروع ثورات قطرية تتقدم فيها المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ( مع انتفاء التعارض بين المصلحتين أصلاً) ؟ أم أن بعض هذا الحراك مجرد انتفاضة / انتفاضات محدودة المدى والفعل لا يتجاوز تأثيرها "إصلاح" النظام القائم وتجديده بما يلائم "عصر العولمة" و"نهاية التاريخ" و" الشرق الأوسط الجديد" ؟ هل تستوي هذه الثورات / الانتفاضات جميعها من حيث أهدافها والقوى المحركة صاحبة المصلحة في التغيير من خلالها ؟ أليست تشكل أحيانا مناسبة لقوى رجعية مضادة للثورة للتسلل الى صفوف جماهير الثائرين للعودة بأهداف الثورة الى الوراء بدلاً من التقدم الى الأمام ؟
بأي قدرة قادر، مثلاً، يصبح الغرب الامبريالي محط آمال الليبيين في انتصار ثورتهم ؟ ويا ل"مكر التاريخ" و"سخرية القدر" أن يرفرف العلم الأمريكي أو الفرنسي في مهد الثورة ببنغازي، في حين أن ليبيا تقع جغرافيا بين الثورتين العربيتين الرائدتين في تونس ومصر ! وهنا ينطرح السؤال: هل الشروط الثورية ناضجة أصلاً وبالقدر نفسه في جميع الأقطار(في ليبيا مثلاً)؟

** اين صارت الأهداف الكبرى للأمة منذ نحو قرن: الحرية والوحدة والاشتراكية وتحرير فلسطبن ؟ كيف يمكن إعادة النظر فيها / إعادة الاعتبار اليها ؟ كيف تترابط هذه الأهداف جدلياً في ظل التحولات الهائلة التي شهدتها العقود الأخيرة إقليمياً وكونياً ؟
وأين هي الأهداف الأخرى المستجدة المتعلقة بالتنمية المستدامة وديمقراطية التعليم وحقوق العمال والطبقات الشعبية، والمرأة، والأقليات الدينية والعرقية( حقوق المواطن في دولة لكل مواطنيها) ..الخ ؟

** ما هي سياسة التنمية الحقيقية التي تحقق الأهداف المعلتة في كافة المحافل والمنابر، بشأن تقليص الفقر ومكافحة الفساد وتخفيض معدلات البطالة، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل الوطني / القومي – في حين أننا لا نرى سوى" جيوب "الغنى الفاحش واتساع مطرد في "جيوب الفقر" بحيث تكاد تغطي مساحة البلاد ؟؟

** أين هي الثورة الفكرية/ الثقافية التي تشكل الرحم الحاضن للثورة وترافق عملية مخاضها العسيرة، وتوازي أقلّه حركة النهضة الفكرية والاصلاح الديني اللذين عاشهما العالم العربي، انطلاقا من مصر والشام وتونس منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين ؟ فعلى الرغم مما اعترى تلك الحركة من احتواء و"تأورب"، فإنها ساهمت في إرساء بعض الأسس النظرية لعملية التغيير الداخلي ومقاومة الاستعمار الأجنبي – وهي أسس نحن في أشد الحاجة الى نظائرلها الآن.
لقد بلغت الاستقامة الفكرية والجرأة العقلانية عند بعض رجال النهضة والاصلاح إبان تلك الحقبة قدراً قلما وجدنا نظيره عند مفكري هذه الأيام، الاصلاحيين منهم والثوريين.

لنقرأ فقط بعض ما ناقشه عبد الرحمن الكواكبي (1854-1902) في كتابه" طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد":

" تضافرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان، على أن الاستبداد السياسي متولّد من الاستبداد الديني. والبعض يقول إن لم يكن توليد فهما أخوان، أبوهما التغلب وأمهما الرياسة، أو هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة على التعاون لتذليل الناس..."
وبالمناسبة، للكواكبي في الكتاب نفسه رأي مشابه من حيث الجوهر بشأن العلاقة الوثيقة بين الاستبداد والمال.

تُرى، هل من نظام عربي واحد لم يعمد في وقت أو آخر( خصوصاً في مواجهته مع التحركات الشعبية) الى ارتداء عمامة الاستبداد الديني وجُبّته ولحيته الطويلة الصفراء، أو يعمد الى "المال السياسي" في شراء الذمم والانتماء والولاء ؟؟


** ألم يكن التزاوج بين السلطة والثروة ("سفاح القربى" هذا بين الحكم والرأسمال) ظاهرة قديمة قدم نشوء الدول وانقسام المجتمع الى طبقات ؟ ألم تكن الحكومات والبرلمانات في الأنظمة الرأسمالية مثابة مجلس إدارة عليا للطبقة الحاكمة ومصالحها ؟
أليس الجديد في الأمر هو التحولات الشاملة التي أتت بها سياسات "الانفتاح" و "الاصلاحات الاقتصادية الهيكلية"الليبرالية التي أملاها صندوق النقد الدولي خلال العقود الأخيرة ؟ ألم تؤدّ سياسات الخصخصة (= التخاصية = الخوصصة)ن و"تعزيز بيئة الاستثمار" الى نوع من "الاستثمار الطيّاري"، إذا جاز التعبير، وأدّت في حقيقة الأمر الى "تعزيز بيئة الفساد" بمختلف أنواعه وأكثر أشكاله انحطاطاً ( الرشى والعمولات، والتربح من المنصب العام، وسرقة المال العام...الخ) ؟ ألم تنتج هذه التحولات شريحة طفيلية من رجال الأعمال الجدد، في إطارحقبة جديدة من الحداثة والعولمة ، يطمحون الى تسلم المؤسسات السلطوية بالأصالة عن أنفسهم، ما دامت السلطة نفسها أصبحت مصدراُ أساسياً من مصادر الثروة ؟
ثم، وهذا ما هو مهم الآن، ألم يعد "تداول السلطة" بين الشرائح الحاكمة هدفاُ مشروعاُ للشريحة العليا من " الطبقة الوسطى" التي تجعل الأزمة وضعها يتراوح بين الاستشراس والافلاس. ويتجسد وضعها هذا في ما نشهده من سلوكيات لهذه الطبقة خلال الثورة / الثورات الراهنة. فهي تتنطع لقيادة الثورة حيناً، وتقف وسيطا على مسافة واحدة من طرفي الحكم والثورة حيناً آخر، وتمسك بقبضتها مفاتيح الاحتياطي الاستراتيجي للثورة المضادة في جميع الأحيان.

*****
على مثل هذه الأسئلة، يظل على الفئات والطبقات الشعبية أن تستنبط أجوبتها الخاصة كي تجد "خريطة الطريق" الخاصة بها لثورتها هي من أجل استعادة وإعادة اكتشاف وصوغ أهدافها التاريخية في الحرية والوحدة والاشتراكية وتحرير فلسطين.

بكلمة: عليها إعادة اكتشاف النظرية في الواقع !!


...... ثورة دائمة حتى الانتصار الحاسم !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دليل الحيران في ثورة العربان
نور البيروتي ( 2011 / 5 / 29 - 09:23 )
نرى اشياء جديدة كلما قراناك يا خالد والاجمل اننا نقول لانفسنا الله هذا ما كنا نقوله او نحسه او نخاف منه كما حين نشاهد فلما وتاتي فكرة كانها كتبت من اجلنا فنسرح قليلا ونتامل الفلم بصفاء ذهني وحميمية غريبة
ولكنها ليست فقط اسئلة انها اسئلة (مؤجوبه ) او اجوبة نعود البها كلما قتلتنا الحيرة

اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا