الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر العودة

علي شكشك

2011 / 5 / 23
الادب والفن


جسر العودة
علي شكشك
البيوت تعود إليها، ليس الأمر كما صورته الجيوش العربية طيلة عقود، كأننا في أبعادٍ أخرى تتجاوز كثافة الناموس الذي يحاصرنا، أو كأننا نخترق في لحظة كشفٍ تلك الكثافة ونتجاوز الغشاوة ونبصر الطريق إلينا، ها هي بيوتنا دانية، على مرمى القلب وفي متناول الشوق، هي أقرب من المسافة وأوجز من الرؤية بما أنها فينا ولم تغادرنا كما لم نغادرها، هل كانت تلك العقود التي جاشت وتجيشت علينا هي ما كان يمنعنا منها، ويصدها عنا، هل موّهوا الدرب إليها حين نكّروا الطريق إلينا،
وهل هذا يفسر استغرابنا واستهجاننا الطويل العميق على مدار ثلاثة وستين عاماً لكل هذه الحكمة التي تلفعت بها المؤسسات الرسمية العربية والتي اقتضت لجم حماقة الجماهير وقصف جهلها وتكميم أفواهها وزادوا لمن لم يتعظ أدواتٍ من التأديب تكفي لتشرِّدَ بهم من خلفهم، وهل كانت الطريق أقرب مما نتصور، أم كانت الدروب التي أسلكونا فيها لا تفضي إلى بيوتنا، هل قصدوا تشريدنا، أم أرادونا فقط أن نتوغل في الدرب إلى قصورهم فلا نعرف غيرها ولا نبتغي الوسيلة إلا إليها، ولا تكون الفضيلة إلا بها، يشيدونها بيننا وبيننا حتى يصبح مستحيلاً أن نصل إلينا إلا بزوال هياكلها،
وهل هو جوهر الناموس أن تكون حكمة الجماهير وعمق بساطتها أكثر إشراقاً من الحسابات ودقة الاستراتيجيات التي اعتمدتها عقول الرسميات، وهل يكمن جوهر القوة في العين العارية للبصيرة وبساطة الحنجرة وحفاء الأقدام ودويِّ الضمير، حين تنجح أسمال اللاجئين في إشعال وقود الحلم الذي صار قاب قوسين أو أدنى من التقاط ذاته وهل يكون هذا الحلم أكثر واقعية من واقع تلك الأنظمة، وهل يجلي ذلك الذي حدث كنه الحدود الحقيقية التي تحول دون أن تدور مفاتيح اللاجئين في أقفالها،
ففي كل مرةٍ يصطك فيها الحلم بالحدود براً أو بحراً يتهاوى الكيان الغاصب وتقشعر مفاصل شرعيته وترتعش حناجر الغزاة فيه، لأنهم يتحسسون خطيئتهم الحقيقية البسيطة بحجم المقولة، والثقيلة بحجم الحقيقة التي تذكرهم بأصحاب البيوت التي يسكنونها والمزارع التي يقطفون ثمارها والشوارع التي يتنزهون فيها، ويتذكرون كم هم لصوص ومزورون فكيف لأرضٍ بلا شعب أن يكون لها كل هذه الذاكرة بحجم هذا الحلم الذي يستعصي على كل هذا الحديد الذي يسكبونه في ذاكرة العالم، شعب بكل هذا الجرح الذي يخترق كل حين بلا عناء أنظمة المراقبة وأسلاك الحراسة الإلكترونية ويتبرعم مع تبرعم ترسانتهم العسكرية ويتكاثر كلما قصفوه بالفوسفور ويقترب منهم أكثر كلما أبعدوه، ها هو يقترب من رقابهم ويغلق مجرى التنفس فيهم ويعكس صورتهم في مرآة الكرة الأرضية ولا يفيدهم كثيرا أن يحوموا حول نوتات الغناء الملحون لعلهم يُسمعون أنفسهم ما يشتهون ولعلهم يستطيعون أن يطردوا شبح جريمتهم، هذه أرض آبائنا، وهذه بيوت مفاتيحنا، يحومون حول مقولاتهم تماماً كما يحوم المجرم حول جريمته، ويعلو صوتهم بنزيف الخوف كي يطردوا الخوف، ويكابرون ويتماهون مع الكذبة ذلك أن مسرحيتهم لا تحتمل أي شبهةٍ في كمال التمثيل، لأن ذلك سيهدم كلّ هيكل البناء ويفرط عقد الرواية، فليشربوا دمانا في كأس أحبارهم فربما ثملوا قليلاً وصدقوا أنفسهم لينسوا الحكاية، وربما ظنوا أنهم مثل غيرهم سينكّرون علينا الدرب إلى بيوتنا ويضللون السبيل إلينا دون أن يستفيقوا في ثمالتهم أنّ دمنا الذي يشربونه هو بالضبط ما يدلّ جرحَنا على نزيفه وهياكلهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير