الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختلاطات *3

ساره عبدالرب

2011 / 5 / 26
الادب والفن


رجل الضراوة :(الى أي حد أسعدك غيابي ) ..

أنا التي جربتُ كل حدةٍ للغياب وبكل صلفه وتأكسده ..

عندما قاقت الدجاجات لم أكن خجلة من كعب حذائي المكسور كما توهموا..لقد كنت أسبح في رهوانية :
(هذا صباح والدي الخاص ، إنني أتوحد معه ).

الوجوه المخموشة بالوشم طوقتنا مثل حلقة صوفية ،أعين تقيس الفروق الأكثر من عشرة التي تركتها الغربة على هيئاتنا.
من جلستي انحرفت للنظرمن النافذة المنخفضة خلفي ، كان صباحاً رمادياً بالكاد يتنفس يشبه أيدي العجائز الرمادية حولي،
مثل رجال نازحين نحو الشفق تفرق شجر السيسبان في الخلاء الترابي ، بيوت طينية بثقوب نوافذ عديدة. هذا صباح
والدي في قريته وهؤلاء العجائز أمه وخالته وجارته اللاتي لهن أسماء غريبة يسقط اسمها ويؤنث اسم والدها لتدعى به .

ليس الحنين ما جرفني ، بل عالم لرجل أحبه ، كنت أعيشه نيابة ً عنه .

في الليلة السابقة يارجل الضراوة _ وكي تعرف أن الغياب آثم معي ، وأنه يستحق احدى المشانق التي يكوبس بها
رؤساءُنا العرب في هذه اللحظه التاريخية لـ هرمنا _ اختضّت أجسادنا في الباص الأخير المؤدي للقرية ، هاأنا
مغلقة ووحيدة رغم قرقعة البطون و خشخشة الأكياس حولي،الباص يقذف نفسه في فم الظلام حيث الأضواء متلاشية ،
نبدو مثل عملات منهوكة لهذا كان لأمتعتنا ألق أكثر منّا.

في حساب المسافة من عتق* لقريتنا .. استعرنا أمتار الغربة وقلنا ( تكلفنا مسافة مابين الرياض وضواحيها )
ربما مسافة تاريخية .. جري يوسف النجار ، مسافة سماعه بالخبر _ الملك هيردوس يأمر بذبح كل مواليد بيت لحم _
إلى وقوفه على المذود الحاضن للمولود في اسطبل خلفي .

و ربما مسافة عاطفية ..كتلك التي ظلّت بيننا . يقرفص القلب أصابع نبضه ، ألا يوجد مادة في دستور الحب تبيح
الانقلاب العاطفي على ذواتنا ؟


دائما ً أصل متأخرة ، وكانت تنبت ليّ كفيّ والدي ، لمعة عينيه ، يتقـدمني بخطوة ويجرني خلفه .
قلب والدي أدفأ من لب كستناء في يناير، وفي اغسطس تهز ذكرياته كرسي الأمسيات ، صورة تنفلش لشاب
يملك ترقوة ناتئة ولمعة عينيه ، يلوّح بيديه في الهواء نافياً ( الحياة أقصر من أن نجزّها بالخوف ) .
كان تماما ً درب بلا عراقيل ، مباشر كـ سؤال وحاد كـ اجابة بالنفي . لهذا أنا غير قادرة على التعاطي مع رجل شبه
صامت ، لا أتحمل الوقت الذي أضيعه وأنا أطرق بابه الموصود ( هل تسمح لي بالدخول ؟) ..لقد أفسدني والدي
حين صار حديقة عيد منزوعة الأبواب .

لازلتُ أجلس محتبية ً بيديّ وأنصت : وبعدين ؟ .. كلي أمل أن هناك اغسطس ويناير جديد .
لم تكن كراهيتك المعلنة لي يارجل الضراوة شيئاً مزلزلاً ، فقد عرفتك درب بلا عراقيل ، مشاعر بلا رسن ،
تصرخ في وجهي: ياالمسخ . ولأني أكره الرجال الشبه صامتين تفهّمت شبهي الكافكوي بغريغور سامسا.

قلبي كان خلف لوزتيّ فعلا ً ، إلاّ قليلا ً ..سأقيؤه !

توقف الباص وشقت الضوضاء بلادة الليل ، (الغدرة )*الكلمة التي رددتها أمي ونحن ننزل سلالم الباص الأربع
وتلفنا بوهيمية الليل ، تقاطر المسافرون كحبات مطر على نافذة كادت تغفو لينتشلون حقائبهم .

أزيز صرار الليل كان حاضرا ً بقوة في لوحة الظلام والجلبة هذه ، ابتسمت وأنا أسمع أمي دون تمييز ملامحها ،
هذا ما يسمونه الطبيعة البكر فكرتْ . على سلفادور دالي أن يكون مكاني هنا ليكون سرياليا ً بحق ,قد يرسم وجهاً بربع
مساحته فقط ، كف بثلاث أصابع .
ثمّ قيل ( هياّ ..كلها ربع ساعة ونصل للقرية ) سلسلة الأكف قادتنا كفي في كف أمي في كف أخي وهكذا ..
للنسيم رائحة تلاقـحه مع الشّجر و رطوبة خفيفة، الوقت تراوح بين ضجر الغدرة وامتداد الربع ساعة ، وتعديل وضع
حقيبتي الكبيرة نسبيا ً على كتفي .

رفعت كعبي (لا تضحك يا رجل الضراوة ) في محطة الاستراحة الأخيرة ارتديت جينزاً وتي شيرت POLO العزيزعلي
ووضعت ماسكرا وروج ، ورششتُ CHANNEL COCO ، وبعدها أصبحت قلقة من افساد الحر لزينتي .
ما يدريني أن كاليفورنيا لم تتبرع بجزء من إنارتها لاضاءة شبح القرية هذا ..
رفعت كعبي لأتفادى نتوء الحجارة .. و .. وصرتُ أهوي أهوي حتى انفصلت ُ عن نفسي وسمعت ارتطامي بالحجارة
القاسية كرأس ابليس .. ركبتيّ سحقتا كركبة لاعب كرة قدم ، ومرفقيّ كما لو أنهما ارتطما بمقبض باب آلاف المرات ..
وتناهى الى مابقى من حاستي شبه الغائبة رنين خفيف لأشياء تتساقط على الحجارة ، أقلامي دفاتري فرشاة أسناني ..

غشاوة ضباب .. ثقل انهيار .. انفصال غيبوبة ..

هذا ارتطامي الأول بأرضي .. وأنتَ ارتطامي الثاني .




*عتق: مدينة يمنية
*الغدرة: الظلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي