الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدور التنموي والاجتماعي للتعاونيات

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2011 / 5 / 26
الادارة و الاقتصاد


إن اعتماد طريقة جديدة للتفكير بشأن التنمية، التي تشكل حجر الزاوية لأي جهد يرمي إلى تخفيض الفقر، ليس واجباً أخلاقياً وحسب، لكنه ضرورة اقتصادية أيضاً وهذا ما يتوفر للتعاونيات بأشكالها المختلفة. فلتعاونيات الإنتاجية الزراعية دور فعال في تقليل الحد من الفقر حيث تبنت التعاونيات شعار الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، فأصبحت التعاونيات باعتبارها أداة من أدوات التأثير و التغيير الإجتماعي تساهم وتؤدي إلي تقليل التوترات العرقية وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي من أجل نهضة السودان وازدهاره الاقتصادي. حيث تقوم فلسفة التنمية التعاونية بصورة عامة على فكرة المساواة و أن "النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل"، وعليه فإن مكاسب التطور الاقتصادي يجب أن تنعكس إيجابياً على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفير الضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والأمن، وأن يكون أول المستفيدين من هذا النمو الاقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمسنين والمرضى والمجموعات الأكثر فقراً في المجتمع والمجتمعات الأقل نمواً ، والذين يمكن أن يساهموا في خلق و إنتاج هذه الخدمات والإستفادة منها في نفس الوقت من خلال تنظيمهم في شكل من أشكال العمل التعاوني الإنتاجي. ولا شك أن الإيمان بهذه الفلسفة دافعه الأول أن العلاقة بين زيادة النمو وتقليل الفقر طردية موجبة؛ لأن وصول الفقراء إلى تعليم أفضل، وإلى صحة أفضل سوف يساهم بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدلات النمو الاقتصادي. وتأكد التجارب العالمية إن زيادة النمو بمعدل نقطة مئوية واحدة أدت إلى تقليل عدد الفقراء بنسبة 3% أو أكثر. إن تركيز السياسات الاقتصادية على تقليل الفقر، وتحقيق العدالة من خلال إعادة هيكلة المجتمع ، في إطار العمل التعاوني الشعبي يعين علي إحترام إنسانية المواطنين السودانيين ويرفع من قدرهم الإقتصادي و الإجتماعي، ولذلك يجب تبني سياسات و إإستراتيجيات معينة لتقليل الفقر، مثل زيادة امتلاك الفقراء الأراضي ورأس المال المادي ورفع مستويات تدريب العمالة وزيادة الرفاهية العامة وتم التركيز على تحسين الزيادة النوعية والكمية في عوامل الإنتاج المتاحة للفقراء، مع الإهتمام و العناية بالمجموعات الأشد فقراً من السكان الفقراء في الريف والحضر. كما يجب الاهتمام القومي بمشكلة الفقر نتيجة تدهور أوضاع صغار المزارعين الناجم عن انخفاض الأسعار وزيادة تكلفة الإنتاج.مع استمرار هدف مكافحة الفقر في الخطط القومية للتنمية مع الأخذ في الحسبان إلى جانب احتياجات الحياة الضرورية و الأساسية (الغذاء والمسكن والملبس والخدمات الأساسية من مياه الشرب النقية والصحة والتعليم....). إن الانتباه لدور التعاون الزراعي الرائد في مكافحة الفقر لابد أن يؤخذ في عملية التقييم حتي نصل لنتائج أقرب للواقع.

مساهمة المنظمات التعاونيات في التخفيف من حدة الفقر
(1) التعاونيات تجمع أفراد المجتمعات المحلية فى شكل فعال من أشكال التساند الاجتماعى إما كمنتجين ليس لاى منهم القدرة على الانتاج منفردا (تعاونيات الانتاج الحرفى والزراعى والسمكى) أو كمستهلكين لا يستطيع أى منهم فى حدود قوته الشرائية المحدودة أن يتعامل مع السوق العادى وأسعاره العالية(تعاونيات الاسكان والاستهلاكية للسلع والاستهلاكية للخدمات) ومن ثم فالتعاونيات تخلق أنشطة مولدة للدخل أو تعظم الاستفادة للقوة الشرائية للاعضاء ، وفى كلتا الحالتين فإنها تسهم بشكل فعال فى الحد من ظاهر الفقروتخفيف أثارها.
(2) التعاونيات تقدم جزء من الفائض الذى تحققه ( يبلغ 5% من صافى الفائض فى كثير من القوانين ) للبيئة المحلية وهى بهذا ترفع من المستوى الاقتصادى والاجتماعى بهذه البيئة.
(3) قدرة التعاونيات على الوصول الى الفقراء فى مناطقهم المختلفة ، فالتعاونية نتاج تجمع أفراد لا يستطيع أى منهم منفردا أن يحل مشكلته ، وبينما لم تستطع الشركات والهيئات والمنظمات العامة أن تصل الى هؤلاء الفقراء لأن التواجد الرسمى يكاد يكون منعدما فى العشوائيات، وبينما لا يجد القطاع الخاص حافزه الربحى للعمل فى هذه المناطق تبرز أهمية التعاونيات سواء فى مجال السلع أو الخدمات كالألية الوحيدة المنطقية.
(4) وتحتاج التعاونيات الاستهلاكية لتحقيق فعالية حضورها فى هذه المناطق الى تعويض من الدولة حيث أن التعاونيات فى هذه الحالة تؤدى أدوارا كان لزاما على الدولة تقوم بها ، وفى مقابل ما يترتب على القيام بهذا الدور من استقرار اقتصادى واجتماعى وأمنى.
(5) أن التعاونيات وهى لا تستهدف الربح تعظم القوة الشرائية للمتعاملين معها وتقدم لهم بالتالى إحدى صور الدعم ، وتجعلهم أكثر قدرة على اشباع احتياجاتهم ، ومن ثم يقترب الكثيرين من خط الفقر بل ويتخطونه من جراء تعاملهم مع التعاونيات.
(6) تقدم التعاونيات مجالات لبيع منتجات الأسر الفقيرة ، ومن ثم توفر لها استقرار مصدر الرزق ، أيضا المشروعات القائمة على القروض الصغيرة أو القروض متناهية الصغر التى يلجأ اليها الصندوق الاجتماعى للتنمية وتعانى مشاكل تسويقية حادة تجد فى التعاونيات متنفسا لها لعلاج هذه المشكلة.
(7) تحتاج هذه المناطق الى تعاونيات فى مجال الخدمات المختلفة كالخدمات التعليمية والخدمات الصحية وخدمات البيئة وخدمات النقل ، وبدون هذه التعاونيات تظل حاجة هذه المجتمعات الى تلك الخدمات بدون إشباع.
(8) إذا كانت الجمعيات الخيرية قد قامت بدور التصدى لهذه الظاهرة ، إلا أن ارتباط البعض منها باتجاهات سياسية أو دينية عليها تحفظات أمنية ، يجعل الباب مفتوحا أمام التعاونيات الاستهلاكية لملأ الفراغ الناتج عن انسحاب تلك الجمعيات بينما لا يوجد دور حكومى.
مساهمة المنظمات التعاونيات في حل مشكلة البطالة
تشير البيانات الرسمية الى ارتفاع معدل البطالة الى أكثر من 9.9% في بعض الدول هذا مع عدم وجود نظام إعانة للعاطلين عن العمل الأمر الذى يؤدى الى تزايد الاتجاه الى العنف والجريمة، وتتميز البطالة فى السودان بأنها تجمع أنواع البطالة المختلفة وترتفع نسبة البطالة بين الشباب كما ترتفع هذه النسبة بين المتعلمين الأمر الذى يعنى إهدار أهم عناصر الانتاج فى المجتمع.
وتستطيع التعاونيات أن تسهم فى الحد من مشكلة البطالة بالآتى :
1) إقامة مجمعات تعاونية استهلاكية جديدة، وإدخال أنشطة جديدة ، وعلى سبيل المثال فإدخال نشاط التعبئه والتغليف فى التعاونيات الاستهلاكية ، وإدخال نشاط خدمة تصوير المستندات فى هذه الجمعيات يخلق آلاف فرص العمل ، وإدخال نشاط بيع الخضروات والفواكه يوفر آلاف أخري من فرص العمل ، وإدخال نشاط بيع الاسماك ونشاط بيع اللحوم يوفر هو الآخر فرصا أكبر للعمل.
2) أيضا تسهم التعاونيات فى الحد من مشكلة البطالة عن طريق زيادة طلبها فى السوق من المنتجات الصناعية والزراعية مما يؤدى الى زيادة تشغيل المنشآت القائمة بهذا الانتاج وإتاحة فرص عمل إضافية فيها.
3) كما أن التعاونيات من خلال الانشطة التدريبية تقوم بإصقال مهارات العناصر البشرية المستهدفة بالتدريب ومن ثم تأهيلها للإلتحام بفرص العمل التى تحتاج مثل هذه المهارات.
4) ويتبنى الدعوة لانشاء جمعيات تعاونية للخدمات فى مجالات البيئة، والخدمات التعليمية ، والخدمات الصحية، وخدمات النقل، والخدمات السياحية ، والخدمات الثقافية، وغير ذلك من المجالات المختلفة التى تغطيها الخدمات من شانه أن تتيح مزيد من فرص العمل ويحد من مشكلة البطالة.
6) تجمع الراغبين فى العمل فى شكل من أشكال التعاون الحرفى أو الزراعى أو السمكى ، لتنفيذ مشاريع نشر الصناعات الحرفية لاتاحة فرص عمل جديدة للشباب بالتعاون بين الاتحاد التعاونى الحرفي ومنظمات المجتمع المدني وجهات الاختصاص. وذلك في شكل مشروعات تستهدف خلق فرص عمل للشباب واعداد جيل جديد من صغار رجار الاعمال، من خلال الإتزام بتوفير المقومات الاساسية لنجاح الانشطة الجديدة ومن بينها التمويل المباشر وتبنى برامج تدريب المستهدفين وتقديم المعونة الفنية لتحسين مواصفات المنتجات والترويج الاجتماعى للمشروع لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الافراد من الانضمام اليه.
دور ومساهمة المنظمات التعاونيات في تنمية الريف
1) الجمعيات التعاونية بالمحليات يمكن أن تكون منافذ رئيسية لتسويق منتجات شباب الخريجين والتعاونيات الانتاجية الحرفية والزراعية والسمكية بنظام المشاركة بين المنتج والجمعية ، ويمكن أن ترعى الدولة ذلك بالاشتراك مع الاتحادات التعاونية وتوفير أماكن العرض الملائمه والعمالة المدربه لادارتها والنظام الذى يمكن المنتج من الحصول على عائد يحفزه على الاستمرار فى الانتاج وتطويره ويتيح للجمعية فائضا يجعلها تتوسع فى هذا النظام بما يعود بأكبر الأثر فى الحد من ظاهرة البطالة.
2) الجمعيات التعاونية بالمحليات يمكن أن تكون منافذ رئيسية لتسويق المنتجات الريفية خاصة منتجات التعاونيات الزراعية بما يؤدى الى حماية المنتج الزراعى من استغلال الوسطاء ويقدم حماية إيجابية لمستهلك المدينة فى الحصول على هذه المنتجات بأسعار معقوله.
3) يمكن ان تنشط الحركة التعاونية الاستهلاكية والاسكانية فى المناطق المتأثرة بالحرب والكوارث الطبيعية بما يؤدى الى تنمية قيم التضامن من ناحية وتثبيت السكان فى هذه المناطق من ناحية أخرى فضلا عن حماية هؤلاء السكان من المغالاة فى أسعار السلع الاستهلاكية أو تعرضهم لاستهلاك سلع رديئة.
4) يمكن أن تنشط الحركة التعاونية الاستهلاكية والاسكانية فى المناطق الشعبية والعشوائية باعتبارها الموزع الرئيسى لسلع الطبقات الفقيرة والذى يوفر لهذه الطبقات مسكن ملائم فى حدود قدرتها وبما يسهم فى تنمية هذه المناطق عن طريق مشاركة أفرادها فى توفير احتياجاتهم من خلال الإطار التعاونى.
5) تحتاج المجتمعات المحلية الى تحقيق معدل سريع لانتشار جمعيات الخدمات التعاونية الاستهلاكية والانتاجية فى مجالات خدمة البيئة والمجالات التعليمية والصحية ومجالات نقل الركاب فى ربوع المحافظات بما يؤدى الى تحسين مستوى هذه الخدمات وتهذيب أسعارها.
6) ضرورة رعاية أجهزة الحكم المركزي والمحلى للجمعيات التعاونية الطلابية نظرا للدور الكبير المنوط بها فى تربية النشء ، بتقديم كافة ما تحتاجه من دعم تدريبى وتوجيه وفرص نمو وأعمال تحفيز الطلبة المتفوقين فى مجال التعاونيات.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية للحركة التعاونية السودانية في إحداث التنمية
يمكن الوقوف علي المردود في الآثار التطبيقية للعمل التعاوني علي الواقع الاجتماعي والاقتصادي في مواقع التطبيق بتناول الوسائل التقليدية التي كانت سائدة في الإنتاج ونماذج النقلة التي أحدثها التطبيق التعاوني في تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية في السودان. جملة الجمعيات الزراعية 731 جمعية وعضويتها 90137 مساهماً، تتركز الجمعيات الزراعية بالري في الشمالية والخرطوم والنيل الأبيض، وجمعيات الزراعة المطرية في شمال كردفان وغرب كردفان وجنوب دارفور والقضارف. ففي مناطق الزراعة النيلية كان المزارعين يستخدمون السواقي ويديرونها بالأبقار وفي فترة انخفاض النيل يقيمون أكثر من ساقية حتى يوصلوا المياه إلي المزارع وترتب علي ذلك ما يلي : إنشغال المزارعين وأطفالهم وأسرهم من الفجر حتى الليل للحصول علي كمية مياه قليلة لري مساحات محدودة من الأرض الزراعية وإجهاد تام للمزارعين وأسرهم وتردي في الحالة الصحية والدخل المحدود في مقابل جهود كبيرة وزمن كثير يهدر.

أهم الآثار الاقتصادية والاجتماعية من تطبيقات الجمعيات التعاونية الزراعية
أ. منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي أنعتق بعض المزارعين تدريجياً نتيجةً لإنتشار الجمعيات التعاونية – خاصةً في شمال السودان من العمل التقليدي لري الأراضي الزراعية بالسواقي والشواديف وترتب علي ذلك نتائج اقتصادية منها :-
1. الحصول علي كميات وفيرة من المياه في زمن وجيز مكنهم من زراعة مساحات كبيرة وتنويع في المحاصيل . وانعكس ذلك بزيادة متوسط دخل بعض المزارعين عما سبق .
2. أدخلت لأول مرة زراعة البساتين خاصةً القريب فروت والليمون واليوسفي والموز والليمون الحلو في مناطق عديدة .
3. أمكن لبعض المزارعين التفرغ لأعمال اقتصادية غير الزراعة وشملت تربية الحيوان والسفر لاستجلاب فسائل النخيل وزراعتها في شمال السودان .
4. إنعتاق الأبقار من العمل في السواقي مما ساعد في تحسن صحة الحيوان ومنتجاته بزيادة النسل والألبان .
5. حصل بعض المزارعين علي أنماط إضافية من التكنولوجيا ابتداءً من الوابورات الرافعة للمياه وبذاتها استخدمت لتوليد الكهرباء والإنارة ثم المحاريث مما انعكس علي اقتصادياتهم بشكل إيجابي .
ب.نتائج اجتماعية منها :-
a. فائض من الزمن استخدمه المزارعين إضافة إلي أعمال اقتصادية أخرى في العلاقات الاجتماعية مثل الذهاب إلي النوادي والاستماع إلي الإذاعات مما أدي لإرتفاع الوعي .
b. ساهمت الجمعيات الزراعية في إنشاء المدارس والأندية الرياضية ويكفي الإشارة إلي أن (60%) من المدارس والأندية في السودان حتى الآن أنشئت بجهود شعبية أغلبها مساهمات من الجمعييات التعاونية – ونذكر أن إنشاء المدارس بجهود أهلية بدأها نادي الخريجين كأسلوب سلمي لمقاومة الاستعمار .
c. الكثير من أبناء المزارعين بعد أن كانوا يقضون كل النهار وبعض الليل في (تكل السواقي) .. وجدوا التفرغ والذهاب إلي المدارس مما زاد نسبة التعليم وقصر ظل الأمية في المجتمع .
d. استراح كثير من المزارعين وأبنائهم من الجهد المضني في الزراعة التقليدية وكسبوا جوانب صحيةوثقافية ورياضية بارتياد الأندية كما انعكس ذلك علي الآداب والفنون كأغاني الطمبور وكرة القدم. أن الجمعيات التعاونية الزراعية مكنت أغلب قطاعات المزارعين من الحصول علي مردود تمثل في آثار اقتصادية واجتماعية شكلت ارتفاع في المستويات الفكرية والثقافية والصحية والمعيشية والمالية وهذا هو جوهر معايير التنمية (الجانب الأخلاقي و الجانب الاقتصادي للإنسان).

ثانياً : الجمعيات التعاونية الاستهلاكية
أن جملة الجمعيات الاستهلاكية 4.585 جمعية تبلغ عضويتها 1.652.933 مساهم، وتتركز أغلب الجمعيات في المدن الكبيرة .. وتزداد تشتتاً كلما ابتعدنا من المدن إلي الريف. وتركيبة المجتمع الاقتصادية في المدن إما موظفين أو أصحاب حرف وفي الريف مزارعين ورعاه أو معتمدين علي تحويلات ذويهم المالية للحصول علي السلع، وكثيراً ما يلجأ الموظفين والعمال إلي (الدين) انتظاراً للمرتبات لسداد قيمة ما يحصلون عليه من سلع من التجار. وفي الريف كثيرا ما يضطر المزارع للحصول علي السلع مقابل منتجات زراعية (بالشيل) وفي كل الحالات البيع بالأجل يتم بأسعار مرتفعة عن البيع نقداً كما أن البيع بالأجل يتضمن أرباح كبيرة .
الآثار الاقتصادية من تطبيقات الجمعيات التعاونية الاستهلاكية
مع بداية سنة 1960م بدأ تفاقم ارتفاع الأسعار مع اختلاف معدل التبادل التجاري بين السودان والعالم وبدأت تتناقص قيمة العملة الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية (معدل التبادل التجاري) وهو (قيمة الصافي القومي الإجمالي كنسبة إلي الواردات) ، من صادرات السودان . والسبب الرئيسي في ذلك هو استمرار انخفاض أسعار الخامات ومنتجات الأرض مقابل المنتجات الصناعية إضافةً إلي استخدامات منتجات صناعية (كالألياف في صناعة المنسوجات بدلاً عن القطن) .. وكان الجنيه السوداني = 3.33 دولاراً .. وتحول الأمر الآن فأصبح الدولار يعادل حوالي 2.10 جنيهاً سودانياً .. واستمرت الندرة إضافة إلي تفاقم التضخم وزادت مشكلة ارتفاع الأسعار بدخول أنشطة طفيلية لم تكن معروفة في التجارة بالسودان مثل (السمسرة والتخزين الضار) مما جعل الناس يجأرون من الضيق الناتج عن ارتفاع مستمر في الأسعار مع محدودية الموارد والدخول الفردية المتدنية. ولذلك نشطت حركة تكوين الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في الفترة من سنة 1960م حتى 1981م وقدمت بعض الحلول المرضية.
1. اعتمدت الحكومات علي الجمعيات التعاونية الاستهلاكية كلياً في توزيع السلع الاستهلاكية الضرورية وقدمت الجمعيات التعاونية مواجهات ناجحة في مجالات توفير الكثير من السلع بأسعار معقولة ومنها (السكر – الزيوت – الصابون – الشاي – البن – الأرز – الدقيق – العدس - الصابون) وقضت علي الندرة المفتعلة التي يصنعها السماسرة .
2. في بداية السبعينيات من القرن الماضي حدثت قرارات تأميم ومصادرة – وتغيير للعملة، مما أدي بأصحاب رؤوس الأموال لتهريبها للخارج وحدث شبه توقف في استيراد السلع الاستهلاكية وارتفعت أسعار الوقود والدقيق وكثير من السلع بل كان من الصعوبة بمكان في بعض الأحيان الحصول علي ضروريات كثيرة .. وتمكنت الجمعيات التعاونية الاستهلاكية من تأمين الموقف للناس .
3. تم إنشاء العديد من الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في مواقع العمل في الفترة من (1960- 1981م) وقدمت خدمات لتجمعات عمال وموظفي الحكومة – مثل النقل والترحيل والعلاج وأمثلة لذلك(جمعية عمال السكة حديد في عطبرة – وبابنوسة - وبورتسودان) إضافةً إلي توفير السلع الاستهلاكية بأسعار معقولة الشيء الذي وفر كثيراً من الجهد والوقت وترتب علي ذلك استقرار اقتصادي واجتماعي للعمال (نسبياً) .
4. ساهمت وتساهم الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في بناء المؤسسات الأهلية مثل المدارس والمراكز الصحية وفي درء الكوارث في فيضان النيل الذي حدث عدة مرات كان أخرها سنة 1988م . كما تساهم الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في كل المناسبات القومية والوطنية .
5. إن الجمعيات التعاونية الاستهلاكية فوق أنها حققت الطمأنينة بتوفير السلع وعدالة توزيعها . فهي توسع مواعين الإنتاج وينطبق عليها تعريف التسويق الحديث.
ثالثاً : الجمعيات التعاونية لطحن الغلال
يوجد في السودان 720 جمعية تعاونية لطحن الغلال يبلغ عدد مساهميها (262.664) عضواً، تتركز في كل من الجزيرة والنيل الأبيض وغرب وشمال كردفان ودارفور وجنوب كردفان مع وجودها في باقي الأقاليم . كان النساء يعملن لطحن قليل من الغلال (ذرة ، دخن) (بالمرحاكة) وهي موجود حتى الآن في بعض أنحاء السودان الطرفية .. وكان يستغرق هذا العمل معظم وقتهن ويهلك صحتهن . كما أن أطفالهن يحبون في التراب وتتلوث أجسادهم في بكاء مستمر الشيء الذي أفقد الأطفال رعاية الأمومة ونشأت الطفولة عليلة الجسد وكثيراً ما انتشرت الإصابات بالعمى في سن الطفولة .. التي لم تجد لبن ثدي الأمومة بصورة طبيعية نتيجة لعمل المرأة في (المرحاكة من الصباح حتى المساء) لتطحن قليلاً من الغلال لعمل خبز الأسرة .. وهذا الطحين لم يكن بمستويات الجودة المعروفة من عدة نواحي منها النظافة علي الأقل. في أواخر الستينيات صدرتقرير في سنة 1950م : يقول (إن معظم أمراض النساء وأمراض العيون عند الأطفال سببه تعلق المرأة في المرحاكة من الصباح حتى المساء لإيجاد خبز الأسرة في أجزاء واسعة من السودان خاصةً وسط وغرب السودان) ولابد من إيجاد بديل مناسب للوقاية من الأمراض التي تترتب علي هذا الأسلوب من نواحي صحية . لقد شهدت وزارة التعاون تحريكاً واسعاً لمفتشي ومساعدي ومفتشي وضباط التعاون بالتنقلات إلي أقاليم الغرب والشمال والشرق... وجابوا الفيافي والسهول والوديان خاصةً في غرب السودان في الفترة من سنة 1973م حتى نهاية سنة 1982م تقريباً ولم يجدوا أي تجمع بشري إلا وأنشاوا له جمعية تعاونية لطحن الغلال . ولذلك نجد نحو (70% من جملة هذه الجمعيات كونت في هذه الفترة) .
الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت في التنمية بانتشار جمعيات طواحين الغلال
إن قيام أي طاحونة يلزمها ماء للتبريد .. وفي أواسط الغرب حيث تتعذر المياه ، ولما كان أهل الفرقان أغلبهم رحل ورعاة استقروا وأنشأوا قري ثابتة حول صوت ماكينة الطاحونة التعاونية مع وجود الماء .. وكانوا ولا زالوا يرحل بعضهم من أجل المرعي لكنه يعود (للفريق) .. والاستقرار. كما تمكنت الحكومات من الوصول إلي قري ثابتة وأوصلت لها خدماتها الضرورية بإنشاء مدارس الأساس مما زاد الوعي و ساهم في محو الأمية ، ثم تم إنشاء العديد من المراكز الصحية الثابتة في تلك القرى مما أدي لارتفاع المستوي الصحي .. وعرفت تلك القرى النوادي وعرف بعضها الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية للمراكز الصحية لحفظ الأمصال والمدارس وارتبط الناس بالعالم من خلال مشاهدة التلفزيون والإذاعات مما زاد الوعي كما حدث ارتفاع المستوي الصحي للنساء والأطفال ووجدت الطفولة رعاية الأمومة بشكل أفضل للإنسان. لقد مكن هذا حصول الناس علي دقيق عالي الجودة وأكثر نظافة في زمن وجيز من الطواحين ، وجدت النساء بعض الوقت وحملن السلاليك والمولوديا وزرعن في مواسم الخريف الشيء الذي زاد من مستوي دخل الأسرة. وحولت الطواحين التعاونية (المراحيك) إلي متاحف التراث ... لدرجة أن كثير من أجيال اليوم لا يعرفونها أو يسمعوا بها . وهي عبارة عن حجر (مقعر) تقوم النساء بغسله كل صباح وفيه حجر صلب مستدير يستخدم كأداة طحن يدوية ... وتسكب الغلال المبلولة من الليل في الحجر ويتم طحنه حتى يصير عجيناً . وكذلك (الرحى) وهي حجرين أسفل وأعلي – وفي الأعلى ثقب ولها يد ويتم سكب الحبوب من الثقب يتم إدارة الحجر فيتم طحن الغلال يدويا ً ويعكس ماسبق تحقيق اهداف تنمية اقتصادية واجتماعيةوثقافية وانسانية .
رابعاً : الجمعيات التعاونية النوعية
وهي جمعيات ذات خصوصية وأهمها جمعيات الإنتاج الحيواني والجمعيات الحرفية وجمعيات الجزارة والخضر والفاكهة وجمعيات الإسكان وجمعيات النقل والترحيل، والتعاونيات النسوية.
ما زال الإنتاج الحيواني يعتمد علي الملكية الفردية للمزارعين ويعتمد علي الحيوانات الملازمة لهم علي ضفاف النيل . أما في مناطق غرب السودان والبطانة وأجزاء من النيل الأبيض والأزرق فيقوم الرعاة بالاحتراف في تربية الماشية .في كل الأحوال ورغم تمتع السودان بثروة حيوانية هائلة إلا أنها لم تجد الانتباه لاسباب منها نقص التوعية للمزارعين والرعاة في شأن تغذية الحيوان بالأعلاف وتحسين السلالات والتصنيع الحيواني وربط الحيوان بالدورة الزراعية – فيما عدا الجهود الحكومية في تطعيم الماشية ووقايتها من الأمراض . وبدأت فكرة جمعيات الإنتاج الحيواني وهي ما زالت في البدايات في كل من الخرطوم والنيل الأبيض – استناداً إلي الأعلاف من تجارب البحث العلمي ومنتجات الأغذية من المولاس ومكعبات من مستخلصات القصب في صناعة السكر والأمباز الناتج من حلج الأقطان وعصر الزيوت من بذرة السمسم والقطن . بالنسبة لجمعيات الجزارة وجمعيات الخضر والفاكهة – تركز أغلبها في مواقع العمل وأخذت الشكل التسويقي وليس الإنتاجي وتحتاج إلي انتباه وتوعية لإنشاء جمعيات للخضر والفاكهة (زراعية كزراعة متخصصة في بعض المناطق كبداية مثل جبل مرة – والجزيرة والنيل الأبيض والأزرق والجنوب) . أن جمعيات النقل والترحيل علي أهميتها وقد بدأت بالجمعيات الخاصة باللواري السفرية لنقل البضائع من بورتسودان – لكن لو تم تجميع قدرات الحركة التعاونية لتحويلها لجمعيات لنقل احتياجات الجمعيات التعاونية لحققت جدوى لتنميتها إلي جانب النقل لغير الحركة التعاونية وتم تكوين أغلب هذه الجمعيات في فترة أزمات الوقود التي ضربت البلاد في النصف الأول من السبعينيات من القرن الماضي .
أما الجمعيات التعاونية الحرفية فيتركز أغلبها علي قلتها في جنوب وغرب دارفور وغرب وشمال كردفان – وأغلبها تعمل في حرف الجلود : مثل صناعة المراكيب ولها مردود اقتصادي لا بأس به ومردود اجتماعي – حيث توفر بدائل للأحذية المستوردة ، كما أن معظم السودانيين يستخدمونها إضافةً إلي صناعة السكاكين والسيوف. أما في الخرطوم فتتركز الجمعيات الحرفية في مجالات النجارة والحدادة والسباكة وتوصيلات الكهرباء وبعض الصناعات اليدوية الحرفية في السودان تحتاج إلي انتباه وإعادة تنظيم حيث أن الدخل القومي – والفردي يمكن أن يكون كبيراً خاصةً من الصناعات الحرفية لمنتجات مثل الأخشاب في صنع الأثاثات والجلود لصناعة المنتجات الجلدية وغيرها في شكل ورش جمعيات تعاونية وسيكون لها مردود اجتماعي في خلق عمالة طيبة ، وكذلك مردود اقتصادي بتوفير سلع هامة مع زيادة الدخل الناتج عن تنمية الحرف .
الجمعيات التعاونية الأخرى مثل جمعيات الخياطين وصانعي الأختام والتحف وصناعات الزعف وتلوين المنسوجات والزجاج وإنتاج اللوحات والبراويز .. وهي يمكن في حالة زيادتها وتنميطها أن تدخل ضمن الحرف، ومردودها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي له أثره المفيد في التنمية بما في ذلك تشغيل عمالة يتم تدريبها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينما تستقر أسعار النفط .. قفزات في أسعار الذهب بسبب التوتر


.. مباشر من أمريكا.. تفاصيل مشاركة مصر فى اجتماعات صندوق النقد




.. كيف يمكن أن نتأثر اقتصادياً بالمواجهة بين إسرائيل وإيران ؟ |


.. ما هي التكلفة الاقتصادية للضربات التي شنتها إيران على إسرائي




.. وزيرة الخزانة الأميركية تحذر من -تداعيات اقتصادية عالمية- بس