الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرض الأحلام وحُماة الديار./ رائد الدبس.

رائد الدبس

2011 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية




كم كانت شاعرية تلك الكلمات التي عبرت بها السيدة كاثرين آشتون، مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خلال زيارتها الأخيرة لبنغازي التي وصفتها بأرض الأحلام، وأتبعت قولها بأن على القذافي أن يرحل. ذكرتنا كلماتها بما قاله أوباما خلال الأيام الأخيرة التي سبقت سقوط كل من مبارك وبن علي. وأخيراً ما قاله من كلام يشبه الشعرعن الثورات العربية في خطابه الموجه للعالم الإسلامي يوم الخميس 21-5-20112 . هذه الكلمات وما تبعها من وقائع تاريخية مرتبطة بذاكرتنا الجمعية ارتباطا وثيقاً . ولا أظن أن الأمور تحتاج لجهد تحليلي- نقدي كبير، لإظهار مدى ازدواجية معايير الحرية الأمريكية عندما يصل الأمر لفلسطين التي لا يستطيع العقل الغربي إجمالاً، أن يراها كحالة شعرية بحد ذاتها. فالمسألة يمكن التعبير عنها بالمثل الشعبي العربي الدارج، إن الماء تكشف الغطاس، وقد جاء انكشاف الغطس الأمريكي في مياه الثورات العربية سريعاً وغير مفاجئ، من خلال الغطس في المياه الفلسطينية.

لكن للذاكرة يداً أخرى فردية، ذكرتني بواقعة طريفة حدثت لي عندما كنت أشارك في مؤتمر دولي انعقد بتونس قبل ثلاث سنوات، نظمته جمعية الدراسات الدولية التي يرأسها الصديق الدكتور أحمد ادريس، تحت عنوان: أزمة المياه في حوض المتوسط - التحديات والآفاق. وأذكر أن حجم المشاركة الأوروبية والعربية في ذلك المؤتمر كان كبيراً. من بين المشاركين العرب، كان هنالك أستاذ قادم ليبيا يدرس مادة العلوم السياسية في إحدى جامعاتها. قدّم ورقة عمل عن موضوع المياه في ليبيا، تمحورت حول إنجاز النهر العظيم الذي حوّل ليبيا إلى أرضٍ للأحلام والتنمية. أذكر أني استمعت له جيداً، ودونت بعض الملاحظات التي عبّرت عنها من خلال النقاش، حيث بدا لي أن مداخلته احتوت على مبالغات. انتهى النقاش حول النهر العظيم إلى لا شيء في الواقع. لكن حين جاء دوري لأقدّم ورقة العمل التي أعددتها عن أزمة المياه وحقوقنا المائية في فلسطين التاريخية، (وقد نشرتها الجمعية لاحقا في كتاب حمل عنوان المؤتمر)، لم يجد الأخ الأستاذ الليبي ما ينتقده في ورقة العمل التي قدمتها سوى مصطلح الشرق الأوسط. حيث اعتبر أنني كفلسطيني، لا ينبغي أن أستخدم هذا المصطلح لأنه مصطلح استعماري. اعتقدت في البداية، أن الأمر التبس عليه، فظنّ أنني استخدمت مصطلح الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، فأوضحت وأضفت مؤكداً على ما ورد في ورقة العمل التي قدمتها، أنني أيضاً ضد الفكرة التي أطلقها ساركوزي آنذاك عن الاتحاد لأجل المتوسط. لكنه عاد وأكّد قصده أن أي استخدام لمصطلح الشرق الأوسط بحد ذاته، هو مصطلح استعماري يجب أن ننبذه. سألته وأجبته وقتها بما يكفي لاستيضاح الفكرة، وختمت كلامي ممازحاً، بأنني ربما كنت أتمنى ألا نضطر، هو وأنا، لاستخدام هذا المصطلح الاستعماري فعلاً.. وربما كنت أتمنى لو أن فلسطين كانت تقع جغرافيّاً بقرب البرازيل أو اليابان مثلاً، لكنها في الواقع الذي لا مناص منه، تقع في الشرق الأوسط . وانتهى النقاش بيننا عند هذا الحد.

أتمنى الآن ودائما لهذا الأخ الأستاذ الليبي وللشعب الليبي الطيّب، الحرية والفرج القريب، وأذكر أنه خلال كل الجلسات والاستراحات التي تلت تلك الجلسة، حاول أن يقترب مني أكثر، وأن يوضح قصده بطريقة شبه اعتذارية. ثم انتهى المؤتمر بعد يومين وجلسنا جميعا إلى مائدة العشاء، وجلس بجانبي. تبادلنا أطراف الحديث حول أمور شتّى، ثم أسرّ لي ولباقي الأصدقاء على نحو مفاجئ، أنه تعمّد مضطراً أن يقول ما قاله، لأنني انتقدت مشروع النهر العظيم، ولأن بين الحاضرين في قاعة المؤتمر، من يسجّل أقواله، وأن ليبيا تحكمها عصابة عائلية، وأمور أخرى. لم يفاجئني جوهر ما أسرّ لنا به عن ليبيا ونظام حكمها، مع أني فوجئت ببوحه الصادق، واحترمته كثيراً. وختمت قولي له، بأن مأساتنا نحن العرب ونكبة فلسطين، تكمن في هؤلاء، ووافقني على ذلك دون تحفظ..! أتذكر الآن تلك الحادثة، وأدرك أن استبداد العقيد القذافي هو الذي أفسح المجال أمام تدخل حلف الأطلسي الطامع بالجائزة الكبرى في شمال أفريقيا التي تمثلها ليبيا بموقعها الاستراتيجي وثرواتها . ويتردد في ذهني أيضاً كلما حَضَرتْ ثورة ليبيا، تساؤل شاعرنا محمود درويش : هل كلما ابتسم الغريب لنا وحيّانا ذبحنا للغريب غزالةً؟!

على أية حال، فإن سقوط نظام القذافي المستبد، بات مسألة وقت قصير. فحتى روسيا التي ناورت وساومت، عادت والعَوْدُ ميدفيديف الروسي وليس أحمد في هذه المرة، عادت لتلحق الركب وتتناغم مع موقف الأطلسي. لكن في هذا العَوْد الروسي، والتدخل الأجنبي في الشأن الليبي، عبرة لمن يعتبر.. فاليوم، في الجمعة التي أطلق عليها ثوار سورية، تسمية "جمعة حماة الديار"، خرج أستاذ جامعي سوري على شاشة فضائية عربية، واصفاً أبناء شعبه الذين يتظاهرون بأنهم حثالة المجتمع وأبناء شوارع.. ولو جاء هذا الوصف من رجل أمن، لما كان مفاجئاً..لكن عندما يقول هذا القول أستاذ جامعي- دكتور في العلاقات الدولية بجامعة دمشق، فإن الأمر يدلل على حالة مستعصية تقترب من بارانويا القذافي الذي وصف شعبه بالجرذان.. لم يخجل هذا الأستاذ الجامعي مما قاله عن أبناء شعبه، ولم يخجل من الصورة الأيقونية للطفل السوري حمزة الخطيب الذي عُذّبَ حتى الموت، بل طالب الفضائيات بالاعتذار للشعب السوري..!! رحم الله إدوارد سعيد الذي طالما حذّر من العلم المشبوه والعلم الجاهل وخيانة المثقف. لقد وصلت غوغائية الاستبداد وفساده الأخلاقي والمعرفي إلى حدود الفجور والخيانة. فليس هنالك استبداد أسوأ من تحويل المثقف إلى خائن، حين ينكر حتى دمه.. أيحتاج دم بهذا الوضوح إلى معجم طبقي لكي يفهمه؟! كما عبّر الشاعر مظفر النواب. ولا بديل أمام شعوبنا العربية سوى التخلص منه ومن فساده وغوغائيته وخيانته، كي تصبح بلادنا العربية أرضاً لأحلام أهلها، حماة الديار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التاريخ لن يرحم أحد
صباح بشير ( 2011 / 5 / 29 - 01:10 )
إن تداخل المشاهد خلال الثورات العربية الحالية في البلاد التي ثارت شعوبها وشبابها أبرز انشقاقات عديدة في أوساط النخبة المثقفة العربيه , إن إختلاف الآراء شيئ طبيعي , ولكن ضمن الظروف العاديه الغير طارئه والتي تسمح به , المشكلة أن هؤلاء النخبة يمثِّلون نسيجاً ثقافياً لمن يتأثر بهم , لذا وبرأيي متى أصبح المثقف مأجورا متسلقا ومستبدا لا حاجة لمجتمعة اليه , أدعو جميع مثقفينا للاستماع لصوت الضمير حتى يعبر بصدق ويبتعد عن المصالح الخاصه الضيقه والشخصية في تصرفاته وأقواله وأعماله لأنه بالصدق والإنتماء لمجتمعة وأهله ووطنه سيصل إلى محبة الناس , التاريخ لن يرحم أحد , وعلى المثقف أن يكون منسجما ومصالح أمته , ويتفاعل معها بإيجابية , لما يخدم مصلحة وطنه ومجتمعة وقضاياة المختلفه

اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية