الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القانون فكرة متعالقة بحتمية الإنصاف ومتطلبات الوجود الإجتماعي

خالد ديمال

2011 / 5 / 29
دراسات وابحاث قانونية


إن التعاطي مع مفهوم الحق، لا يتم دون مساءلته في العمق، بمعنى البحث في مصدر التأصيل، سواء القانوني أو الفلسفي. فالإنسان عرف الصراع منذ القدم، وبالذات حول مصادر الكسب، وتحقيق الثراء في مقابل ذلك. هذا الصراع أخذ أشكالا متعددة، كانت تنزع به في مرات عدة إلى الفوضى وحالات أللاستقرار، ولذلك، وبإعمال ديني مرة، واجتهاد عقلي في أحيان أخرى، استطاع الإنسان أن يقلل من حمأة الصراع، وانتصر بالتالي لمبدأ التعايش على أسس قانونية متداولة، وجعل عقابا في مقابل كل خطأ يخل بمقتضى القواعد القانونية السائدة، فتحول اقتضاء الحقوق من أسلوب العدالة الخاصة (الإنتقام)، إلى منطق العدالة العامة، تلعب فيه الدولة دور الموجه عبر نصوص تشريعية محددة تحديدا دقيقا، لاحتواء مكامن الضعف في الإنسان بما يساعد في وقف خرق القانون بقصد أو بدونه، سواء بالنسبة للأشخاص العاديين (من مواطني الدولة)، الأفراد منهم والجماعات (كالعصابات الإجرامية المنظمة، وتلك الأخرى ذات الطابع السياسي – كالخلايا الإرهابية راهنا - ).. أو الموظفين الرسميين – القضاة تحديدا – (كضرب مصداقية العدالة عرض الحائط، من مثل: التحيز والمحاباة، أو إنكار العدالة، مجسدا في رفض النظر في قضية معينة كان من المفروض النظر فيها بمقتضى القانون). فقد جعلت الدولة من القضاء قناة يلجأ إليها من مست حقوقه، بشرط أن من يدعي بحق في مواجهة آخر أن يثبت بكل وسائل الإثبات المشروعة أن له حقا، وأنه جوبه في ذلك الحق، وأن حقه معرض للزوال نتيجة ذلك، ولكن إحقاق الحق، وبالتالي التطبيق السليم للقانون، لا يتحقق إلا باستقلال القضاء، أي حياده في مواجهة أي تحيز سياسي أو اجتماعي أو فئوي، أو غير ذلك، مما تنتفي معه مسؤولية القاضي، أو تضيع معه المساواة، وبالتالي إهدارا متعمدا للعدالة، فلا إحقاقا للحق دون مساواة، بمعنى خضوع كل مواطني الدولة لقوانين موحدة تنطبق على الجميع، دون إيلاء اعتبار للإنتماء الإجتماعي أو السياسي، أو غيره..
القانون ليس مجرد نظرية، وإنما وسيلة لتطبيق العدالة وإحقاق الحق
القانون إذن، ليس عبارة عن نظريات أملاها الفقه كي تبقى مجرد تصور ذهني يراوح مكانه على الورق، أو شكلا اجتهاديا يحاصره المكان، ويطوقه الزمان، وإنما وضعت أصلا لإيجاد ميزان قوى متقارب تتحقق فيه العدالة، وتترشد الحقوق. مما يفيد أن صراع الإنسان منذ القدم، هو من أجل الدفاع عن مصالحه، المادية والمعنوية، وهي مصالح لا يذود عنها سوى جهاز مؤسسي تحدده الدولة لهذا الغرض، وبموازاته تعمد إلى تعيين موظفين أو انتخابهم يطلق عليهم إسم القضاة، ودور هؤلاء هو التطبيق السليم لقواعد العدالة والإنصاف، دون الميل لأحد أطراف الدعوى على حساب الآخر، أو الشطط في استعمال السلطة، ولا يمكن لهذا الجهاز أن يحقق الغاية المرجوة منه إذا بقي وعاءا فارغا من دون ترسانة تبين الحق، وأنواعه، إذ لا حق دون قاعدة قانونية تحدده، والسبل الواجب إتباعها لتأمين هذا الحق، إذا ما جوبه باعتداء، أو تدخل، أو إنكار..
فإذا كانت العدالة في القديم تتسم بطابع خاص – كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك -، بمعنى تداول الحقوق بين الناس بما هو متعارف عليه بمقتضى قيمي وثقافي، أي أن من جوبه في حقه يستطيع استرداده بوسائله الخاصة، ولو أدى به ذلك إلى استعمال القوة المفضي إلى الفوضى، في غالب الأحيان (الإنتقام، أو الإقتصاص العشوائي)، فإنه مع سيرورة الزمن، والخضوع الطبيعي لمفهوم التطور، ظهر إلى الوجود مفهوم العدالة العامة المنظمة (بظهور مفهوم الدولة)، وهي عبارة عن قوانين تم سنها، في مقابل إسنادها إلى جهاز منظم هو الجهاز القضائي بقصد اقتضاء الحق بطرق مشروعة.
لا قيمة للقانون إذا تم خرقه نصا وروحا
إن القانون مرتبط بفكرة الإنصاف كضرورة تتعين فيها الحريات، بمعنى أن الإنصاف يكون واضحا عندما يتعلق بالقانون. فإنتاج النفع الإجتماعي، كواقعية سائدة بمحددات قيمية، لا توجد إلا بممارسة منصفة، وبالتزام مشروط، مؤنسن قانونا، أي أن القانون اتفاق متعالق بفكرة المسؤولية، ومفهوم الواجب، مرورا بصيغة واعية بأهمية الضبط الإجتماعي، بأسس سيرورية مناوءة للتقييد السالب للحرية، فالقانون هنا مكمل لحاجيات المجتمع، ومتطلبات الوجود المؤسسي المنظم، تحت حتمية التاريخ، برؤى تطبيقية، موحدة ومتجددة..
لذلك، ولتفادي الإستعمال الخاطئ للقانون، أقرت بعض التشريعات قانونا للقانون (مسطري في الغالب)، تتم بموجبه مراقبة السير العادي لطرق التقاضي بين أطراف النزاع، وتنظيم جهاز القضاء بحد ذاته، بمعنى كيفية التعاطي مع القاعدة القانونية فيما يتعلق بتطبيقها التطبيق السليم دون خرق قاعدة مسطرية تأمن حقوق الدفاع، وطرق التقاضي، وكيفية الطعن في الأحكام المخالفة لقاعدة جوهرية عندما يتعلق الأمر بقوانين الموضوع، ومسارب التجريح، بمعنى إزاحة القاضي الذي يقوم بخرق قاعدة مسطرية أو قانونية في الجوهر.
أما فيما يخص القوانين الجنائية (الموضوعية)، فإن الفقه قيد القاضي بنصوص قانونية تحت طائلة بطلان الحكم، خاصة عندما يتعلق الأمر بتفسير قاعدة قانونية، أو التوسع في تفسيرها، أو تكييفها التكييف الخاطئ، بمعنى أن القاضي الجنائي هنا مقيد بحرفية النص لخطورة القوانين الجنائية، لأنها تتعرض للمتهم في ذاته، ومرتبطة بشخصه، وبالضبط عندما يتعلق الأمر بالعقوبات السالبة للحرية، بمعنى أنه لا يجوز للقاضي أن يضيف من عنده ما لم تنص على ذلك التشريعات تماشيا مع مبدأ الشرعية الذي ينص على أنه "لا عقاب بدون نص"، و"لا أن يحذف ما جاءت به تلك التشريعات من نصوص عقابية تحت طائلة الإجتهاد"، كما أن على "القاضي أن يفصل في النزاع الموضوع أمامه"، وإلا انطبق عليه وصف إنكار العدالة..
إذن، تحديد القوانين الواجب إعمالها في القضايا المعروضة على المحاكم هو غاية لتفادي الإعتداء على الحقوق، والفقه القانوني لم يكن عبثيا عندما نص على فقدان القانون لأية قيمة (نصا وروحا)، إذا تم خرقه، لأن القوانين إنما وجدت لتنظيم الحياة الإجتماعية تنظيما سليما ومحكما، بعيدا عن الفوضى والتسيب، وكذا من أجل تدعيم الوجود القانوني للدولة، وفي مقابلها حماية المصالح العامة، ومعها حقوق الأفراد..
إن القوانين ليست مجرد أدوات، ولن يكون لقيمتها الذاتية أي أثر إذا ما أسيء استعمالها، أو إذا خرقت نصوصها وروحها عن قصد، كالمعاملة السيئة العمدية، والممارسات المذلة بالكرامة الإنسانية، أو التعذيب الممنهج الذي تمارسه الدولة – في ظروف سياسية معينة – بواسطة أجهزتها الأمنية أو موظفيها، أو أحد الأشخاص العاديين بإيعاز منها، كما يحدث اليوم في العالم العربي لقمع الثورات ومطالب الإصلاح من خلال الإعتقالات العشوائية والمحاكمات الصورية لتكميم الأفواه وفرملة التغيير..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال طلاب مؤيدين لفلسطين تظاهروا في جامعة جنوب كاليفورنيا


.. -الأونروا- بالتعاون مع -اليونسيف- تعلن إيصال مساعدات إلى مخي




.. عنف خلال اعتقال الشرطة الأميركية لطلاب الجامعة في تكساس


.. تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني




.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة