الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوسائط المعلوماتية بين الرفض والتأييد

يامنة كريمي
كاتبة وباحثة

(Yamna Karimi)

2011 / 6 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


نفيا لقاعدة الإجماع، وتبعا لما جرت عليه العادة حيث تختلف المواقف والآراء وينقسم الناس إلى مؤيدين ومعارضين كلما تواجدوا أمام أمر جديد. وينتاب الخوف فئة واسعة منهم لعدم الارتياح لكل ما هو مجهول ولما يمكن أن يحمله من مفاجآت ....وذلك ما حدث بالضبط بالنسبة للثورة التكنولوجية وتوسع استعمال أدوات وتقنيات الاتصال الحديثة خاصة المحمول والأنترنيت... انقسم الناس أمام الظاهرة إلى ثلاث تيارات متباينة بتباين المنطلقات والانتماءات الفكرية.
يرى التيار المؤيد على أن وسائل الاتصال الحديثة قد قدمت للبشرية خدمات لم يسبق لها مثيل، فقد عملت على توفير الوقت والتكاليف مع تنوع وجودة الخدمات وذلك على مختلف المستويات وفي جميع القطاعات. فقصرت المسافات ورفعت الحواجز بين الأفراد والجماعات. وحولت العالم بأطرافه المترامية إلى قرية صغيرة يتواصل أهلها بكل سهولة وبأقصى سرعة. ويتبادلون المعارف والخبرات والتجارب في المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية...مما غير طبيعة العمل والتعامل وسرع من وثيرة الإنتاج والتنمية والتطور...أما على المستوى الفكري والعلمي والاجتماعي والسياسي ...فبفضل التقدم الذي عرفه التواصل ، نشطت الأبحاث العلمية والأدبية والفنية... وعم الحوار وزادت حرية التعبير، فانتشرت عمليات التحسيس والتوعية وتم الحد من بعض مظاهر التخلف كالأمية والجهل وساد التعاون والتكافل وتبادل الثقافات... وباختصار يرى مريدو هذا التيار أن انفتاح الفرد على المجتمعات الأخرى، وتفعيل تقديم الخدمات عن بعد في مجال التسيير والتدبير والطب والتعليم والتكوين جعل حياة الإنسان تعرف قفزة نوعية نحو التطور والنماء.
أما أتباع التيار المعارض، فيعتبرون وسائل الاتصال مصدرا لمجموعة من المشاكل مثل:
- التفكك الأسري والعائلي، فحسب وجهة نظرهم، قد تباعدت العائلة وتشتت الأسرة داخل البيت الواحد للإنعكاف على وسيلة من وسائل التواصل. فلم يعد أفراد الأسرة الواحدة ينعمون بتلك الاجتماعات المطولة وما يتخللها من تبادل الآراء والتشاور والتخطيط والاحتفال والمرح.
- انشغال الأطفال والشباب عن الدراسة ، مما أدى إلى تراجع مستوى التحصيل وتدني العلامات المدرسية وانتشار الغش.
- التخلي عن المطالعة والبحث على الورق من أجل السفر والغوص بين المواقع.
- الإدمان على مشاهدة المواقع الإباحية مما أثر سلبا على مجموعة من القيم والأخلاق وتسبب في تزايد الصراعات بين الأزواج و انتشار أفكار جديدة عن طريقة وطبيعة الزواج والأسرة.
- الآثار السلبية للانفتاح على ثقافة الشعوب الأخرى (دار الكفر) والتأسي بها...وكذلك بعض المواقع المشجعة على الإرهاب والعنف.
- قلة فرص الشغل جراء الانتشار الواسع للوسائط الإعلامية في جميع المجالات مما يعرض الناس للعطالة والفقر.
- الأجهزة تشكل خطورة كبيرة على صحة وسلامة مستعملها وتساهم في تلويث البيئة بشكل كبير لسرعة التجديد في الإنتاج وما يرافقه من التخلي عن الأجهزة السابقة التي تصبح عبارة عن نفايات مشعة وصلبة.
أما الاتجاه الثالث أو الموضوعيون، فإنهم يتميزون عن سابقيهم في كونهم ينظرون للمسالة من زوايا متعددة. ففي الوقت الذي يقرون بأهمية ثورة الوسائط الإعلامية والتواصلية لا يغيب عنهم وجود مجموعة من السلبيات التي لا يتطلعون إليها بنفس منظار المعارضين وإنما يعتبرونها من المسلمات، ويشبهونها بأعراض أو مضاعفات الأدوية. فكل دواء يمكن أن تكون له مضاعفات لكن هذا لا ينفي عنه صفة العلاج والشفاء. وهذا حال الوسائط الإعلامية فإنها تبقى من الأمور المهمة التي حدثت للإنسان ومن المخترعات العظيمة التي حققتها البشرية على مر التاريخ. فجزئ كبير مما يعتبر سلبيات الثورة الإعلامية لا يعدو أن يكون مجرد سوء الاستغلال الذي يرافق كل بداية، وكذلك نوع من الاضطراب والتوتر والاهتياج الذي يصيب الإنسان كلما واجه أمرا جديدا وغريبا إلا أنه لا يلبث أن يستعيد عافيته وتوازنه. وهو أمر بدأ يظهر على أرض الواقع حيث أن تعامل الناس مع المحمول والكوبيوتر والانترنيت بدأ يتعقلن ويتكيف ويسير في الاتجاه السليم. أما عن العائلة أو الأسرة، فعلى من يتخوفون من "التفكك الأسري" أن يعلموا بأن الأسرة لم تكن لها معايير قارة وثابتة على مستوى الزمان والمكان. فالأسرة كنسق اجتماعي عرفت مجموعة من التطورات والتغيرات على مستوى البنية والوظائف. فمثلا كانت الأسرة في البداية أميسية وتحولت إلى أبيسية. كما كانت أسرة ممتدة في شكل عشيرة أو قبيلة وتحولت إلى الأسرة المحصورة أو النواتية. أما فيما يتعلق بالزواج، كجوهر الأسرة، فقد عرف بدوره مجموعة من التحولات فحسب أنجلز ومن أخذ عنهم كباهوفن، فقد انتقل الزواج من زواج مشاعي إلى الزواج الجماعي إلى الثنائي إلى الأحادي وذلك بحكم تغير طبيعة وملكية وسائل الإنتاج. ورافق هذا التغير تغير في منظومة القيم والأخلاق. لأن تلك المنظومة بدورها ليست مطلقة وثابتة وإنما تتبدل بتبدل الأنساق الاجتماعية. فمثلا في مرحلة الزواج المشاعي كان الزواج بين الآباء والأبناء أمرا عاديا. وفي فجر الإسلام كانت هناك أنواع مختلفة من الزواج كنكاح المقت والاستبضاع والسفاح والبغايا والشغار والمتعة وكان الرق والوأد، أمور أصبحت جرائم في منظومة القيم المعاصرة. وإلى وقت قريب كان تعدد الزوجات وعزل النساء وتعنيفهن من الأمور الطبيعية وتدخل حتى في باب الشهامة والرجولة، لكن حاليا هي في طريق الانقراض جراء محاربة النخبة لها... وبالتالي فإن تغير بنية الأسرة أو وظائفها إن كانت ستساهم فيه الإنفوميديا وهذا وارد، فإنه ليس أمرا جديدا ولا هو بالشكل الذي يتخيله المعارضون. وإنما هو حلقة ضمن سلسلة. وانحلال الأسرة بمفهومها الحالي سيفسح المجال لنموذج اسري جديد من المحتمل أن يحمل قيمة مضافة للحياة الإنسانية. المهم هو أن الإنسان ليس في موقع خطر. ولن يكون عرضة للعزلة والوحدانية وإن لم يكن بمفهوم العزلة والوحدانية سابقا. أي أنه إن حصل وبقي منفردا في بيته أو غرفته فإنه لن يكون وحيدا لأنه سيكون على اتصال بما لا يحصى من الأفراد والهيئات ومؤسسات الخدمات...مما سيحقق حاجياته ويعوضه عن الأسرة بالمفهوم التقليدي. ومن باب العلم بالشيء فهناك دراسات وأبحاث مكثفة من أجل تهيئة الجو المناسب للعيش في ظل الأنفوميديا. فمثلا هناك سعي لخلق بيت ذكي يقدم الخدمات لصاحبه ويسهر على راحته. و تفعيل العمل عن بعد مما سيحل مجموعة من المشاكل مثل مشاكل التنقل والمواصلات اليومية وتربية ومراقبة الأبناء. والرفع من جودة التعليم وفعاليته بعد أن يتكون المعلمون والمتعلمون على تقنيات الوسائط الإعلامية. وفتح فرص عمل جديدة تتماشى مع التكنولوجيات الحديثة. لكن ما يمكن أن يكون موضع نقاش هو الجانب الإنساني من المسألة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل