الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسرائيل تلعب بالنار

أحمد أبودوح

2011 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، لاحت فى الأفق استعدادات اسرائيلية جادة لشن عملية عسكرية موسعة على قطاع غزة، بعد مقتل مواطنة اسرائيلية نتيجة تفجير وقع فى القدس الشرقية.. ولكن، أدى تصريح وزارة الخارجية المصرية التى حذرت فيه اسرائيل من القدوم على تنفيذ أى عمل عسكرى فى غزة، الى فرملة كل هذه الاستعدادات، ووقوف القادة السياسيين الاسرائيليين، فى موقف "كما كنت" .
أدرك الكيان الصهيونى عندئذ أنه من الأن فصاعدا لن يقابل بسياسة اللين التى تعود عليها أثناء فترة حكم الرئيس المخلوع، وانه يجب عليه أن يقف وقفة تأملية، وأن يدرس الرسالة التى بعث بها الجانب المصرى جيدا، والتى كان مفادها أن مصر قبل 25 يناير، ليست هى مصر بعد هذا التاريخ .
فوجأ الجانب الاسرائيلى بعد ذلك، بالتوجهات المصرية الجادة الساعية لاتمام المصالحة بين القوى الفلسطينية، وكذلك الجهود المبذولة لتدعيم الفلسطينيين فى سعيهم لاقتناص اعتراف دولى "بدولة فلسطين" فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة التى سوف تنعقد فى سبتمبر المقبل..كما أدت أيضا تصريحات وزير الخارجية المصرى د.نبيل العربى حول فتح معبر رفح بصورة دائمة، ودعوته لتقوية العلاقات الدبلوماسية مع ايران الى فتح الصحف الاسرائيلية النار عليه، واصفة اياه "بالعنصر المعادى لدولة اسرائيل" .
كما جاءت عملية تفجير الخط الرئيسى المورد للغاز الطبيعى المصرى الى تل أبيب كصفعة على وجه مسئولى الدولة العبرية، فى ظل اعتقاد البعض بأن هذه العملية لم تكن مصادفة، بل كان التفجير مدبرا للضغط على اسرائيل، فى ظل اصرار مصرى على تعديل الأسعار (الغير منطقية) التى تحصل بها اسرائيل على كميات ضخمة من الغاز المصرى، كما أنها رأت فى هذا الضغط المصرى خسارة فادحة لسببين :
أولهما : تعطيل لحركة النهضة الصناعية فى اسرائيل التى ترتكز بشكل اساسى على الغاز الطبيعى المصرى ، لاعتماد اسرائيل فى نهضتها الصناعية على الطاقة النظيفة المتمثلة فى الغاز الطبيعى، فى اطار سعيها الدائم لمراعاة العامل البيئى .
السبب الثانى : هو ضياع الحلم الاسرائيلى التى كانت على وشك تحقيقه فى ظل حكم النظام البائد، عن طريق التوصل الى اطار تفاهم بين الجانبين، يتم على اثره الحاق اتفاق تصدير الغاز بمعاهدة السلام الموقعة بين البلدين عام 1979 ، وبالتالى تمتع هذا الاتفاق بضمانة الادارة الأمريكية .
أدت هذه التغيرات الواضحة التى طرأت على السياسات الخارجية المصرية فيما بعد الثورة الى شعور اسرائيل بحالة من " الارباك السياسى" لادراكها أن مصر بدأت بالفعل خطوات الخروج تدريجيا من مدار الهيمنة الأمريكية على المنطقة، مما سيؤدى بطبيعة الحال الى تحجيم لسياسات تل أبيب "الجامحة" فى المنطقة .
كما أن ساسة تل أبيب يعتقدون أن مصر اذا نجحت بالفعل فى الاستقلال التام عن التبعية للولايات المتحدة، سوف يصطدمون بنموذج ايراني أو تركي جديد فى المنطقة . ينتج هذا الشعور عن الغطرسة التى يتمتع بها صانعى القرار فى اسرائيل، فى ظل عدم تفهمهم للعمق الثقافى العربي بشكل عام، والبوتقة المصرية التى قامت بتصدير هذه الثقافات الى جميع الدول المحيطة بها بشكل خاص.. أى أن العدو الصهيونى لا يؤمن بأن الشعب المصرى بكل طوائفه ومؤسساته وقواه السياسية والاقتصادية، وبما يتمتع به من تعددية أيدولوجية وثقافية وفكرية، سوف ينجح فى انتاج نموذجا مصريا خالصا.. قادرا على قيادة المنطقة بأكملها خلال المرحلة المقبلة .
لم تهتم اسرائيل، فى حقيقة الأمر، بالثورات التى اندلعت فى عدة دول عربية مثل تونس، واليمن، وليبيا (مع اعتبار أن سوريا لها وضع خاص) وصبت تركيزها فى الاونة الأخيرة على الثورة المصرية لعدة عوامل منها حجم السكان، والموقع الجغرافى، والثقل السياسى...وغيرها .
ولكن يبدو أن ما يحدث الأن فى اسرائيل لا يقتصر فقط على التركيز على الثورة المصرية، وانما هى حالة من "الفضول" لمعرفة ما يجرى فى مصر، بعد أن تحولت الثورة من الميادين المفتوحة، الى المكاتب المغلقة، ونتيجة أيضا لحالة الصمت السياسى والعسكرى التى تهيمن الأن على الادارة المصرية .
بل نستطيع أن نستنتج أن حالة الفضول قد تطورت الى حالة من "الغليان السياسى" فى اسرائيل، بدأت شظياته تتطاير مع اعلان تل أبيب أنها سوف تلجأ الى محكمة العدل الدولية لمقاضاة مصر واتهامها بمحاولة التلاعب فى اتفاقية مبرمة بين الطرفين (فى اشارة الى اتفاقية تصدير الغاز الطبيعى)، وأيضا بالتزامن مع التحركات العسكرية الاسرائيلية على الحدود المصرية التى تبعث بالقلق .
وضح هذا الغليان على المستوى الشعبى عندما طالب بعض المتطرفون الجيش الاسرائيلى بحرق مصر (على حد تعبيرهم) اذا قامت بالفعل بفتح معبر رفح، وصولا الى المستوى السياسى حين دعى بعض أعضاء الكنيست الى الغاء معاهدة السلام الموقعة بين الطرفين، واعادة احتلال سيناء .
لم يقف تلويح الساسة الاسرائيليين بالحرب عند هذا الحد، بل وصل الأمر ذروته حين صرح نتنياهو نفسه الى الرئيس الأمريكى باراك أوباما، أن اسرائيل لن تتحلى بالصبر الى ما لا نهاية، وأنها قد تلجأ الى حلول "دراماتيكية" إذا اقتضت الضرورة منها إعادة احتلال سيناء وخلال أيام قليلة إذا لم تتوصل الحكومة الأمريكية إلي‮ ‬حل‮ ‬يعيد الأمور إلي‮ ‬نصابها‮.‬
ولكن أرى أنه لا داعى للقلق، وأن صانعى القرار الاسرائيليين قد لجأوا الى سياسة التلويح بالحرب فقط، دون الاقدام عليها، لأنهم يدركون جيدا أنه ليس من السهل الدخول فى اختبار للقوة مع مصر، وفى هذا التوقيت بالذات، بل أن كل هذه التصريحات هى فقط "بالونات اختبار" فى انتظار ردة الفعل التى قد تصدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى أكاد أن أجزم أنه لن ينساق خلف هذه التصريحات التى تهدف بالأساس الى جر مصر الى الفوضى، وأنه سوف يكتفى بالمراقبة لما يحدث، مع المحافظة على اتزانه فى اتخاذ القرارات، خاصة تلك المرتبطة ارتباطا وثيقا بأمن مصر القومى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل