الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة/ الثورات العربية ليست لقيطة ليتبناها العم سام والجدة أوروبا

خالد عايد

2011 / 6 / 9
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


مشهد الشارع العربي في ثوراته الشعبية الآن مشهد شديد التركيب والتعقيد والتشابك. إذ كثيرا ما "يختلط الحابل بالنابل" فيه، وتتراوح المواجهات " بين كرّ وفرّ "، وتسرح " الطيقة الوسطى" في جنباته وتمرح بفضل علاقاتها الخارجية وقدراتها التنظيمية وإمكاناتها المالية ( خلافاً للفئات والطبقات الشعبية صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة والتغيير).وبالاجمال فإن دخان الشارع ينجلي حتى الآن عن ثورات غير مكتملة، وأنصاف أو شبه ثورات، أو أخرى مهددة بالغدر بفعل تسلل شرائح من النظام القديم الى صفوفها.

ومما يزيد الصورة قتامة هو الدور السافر( بل السافل) الذي تتنطع للقيام به قوى الامبريالية العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية. فمع أنه من البدهي ألآّ تقف هذه القوى مكتوفة الأيدي أمام المد الجماهيري الثوري الذي يجتاح المنطقة، خاصة بعد صدمتها بالانتصار " السريع والنسبي" الذي تحقق في "الفصل الأول" من ثورتي تونس ومصر، فإن المجريات التي شهدتها الساحات الأخرى صدمت وأحبطت الكثيرين، لا سيما من بين مثقفي الأبراج العاجية، الذين يقرأون عن الثورات أكثر كثيرا مما يساهمون في صنعها. وقد هالتهم هذه " الفوضى" الخارجة عن نصوص الكتب وعن مألوف تفكيرهم المهزوم الضيق الأفق، الى حد " الكفر" بالثورة ووضعها في سياق مؤامرة" الفوضى الخلاّقة" الأمريكية الصنع.
*****
لقد سيق أن تناولنا بعض أوجه هذه المسألة في مقالات سابقة. لكننا سنركز في هذا المقال على المقولة التالية:
إن الثورة / الثورات العربية لا يمكن أن تخرج من أدراج أي قوة امبريالية مهما علا شأنها وبلغ جبروتها( وإن كانت القوى الامبريالية تسعى جاهدة وبالأظافر والمخالب لإعادة تصنيع مخرجات الحراك الشعبي الثوري). إنها بالأحرى تتمخض في رحم شروطها هي، وتفع في سياقها الخاص، وهي الابنة الشرعية لتراث ثوري لعهود طويلة من المقاومة والانتفاض والنضالات الجماهيرية الاجتماعية والديمقراطية والوطنية والقومية.

أولاً: تأتي هذه الثورة / الثورات في ظل نضج الشروط الموصوعية( وليس الذاتية بالضرورة) للثورة، إثر عقود من الاستبداد والاستغلال والاستعباد والفساد والفقر والبطالة والمهانة والتجزئة والتبعية للمراكز الامبريالية والاستسلام للعدو الصهيوني. وكان أن بلغ السيل الزبى وتراكم البخار المحبوس في المرجل الى حد الانفجار.

ثانياً: إن هذه الثورة / الثورات امتداد لأفضل التقاليد الثورية وأكثر اللحظات إشراقاً التي شهدتها الأمة في الأمس القريب: صمود بيروت المنقطع النظير في وجه جحافل الغزو الصهيوني سنة 1982؛ المقاومة اللبنانية( الوطنية والاسلامية) التي تكللت بالنجاح في دحرها الاحتلال الصهيوني سنة 1999، ثم معركة تموز/ يوليو 2006 المجيدة التي خاضها حزب الله يدعم لوجستي وسياسي سوري-إيراني ؛ الانتفاضات الفلسطينية المتواصلة من انتفاضة الحجارة سنة 1987 وصولاً الى الصمود الأسطوري لقطاع غزة الصغير في مساحته العظيم في إرادته أمام آلة الحرب " الاسرائيلية-الأمريكية" ؛ تحركات طلبة مصر وعمالها ومثقفيها الثوريين منذ أوائل السيعينات مروراً بانتفاضة 18 و 19 يناير 1977، وصولاً الى التحركات العمالية والشعبية التي لا تحصى في مصر، وفي مفدمتها تحركات عمال الغزل والنسيج في المحلة الكبرى وغيرها؛ وكذلك انتفاضات " الجوع والخبز" التي شهدتها أقطار المغرب العربي ( في الدار البيضاء وصفاقص وسوسة وغيرها).

ثالثاً: إن الثورة / الثورات العربية جاءت أيضاً في مناخ عالمي محفّز على الثورة، في ظل عهد العولمة الرأسمالية المتوحشة التي حاولت بكل قواها بسط سيطرتها الكاملة على العالم منذ سنة 1990. فقد شهدنا في هذا السياق : التحركات الشبابيةالاحتجاجية داخل المعسكر الامبريالي نفسه، ممثلاً في رمزه الجديد المنتدى الاقتصادي العالمي/مؤتمر دافوس؛ الحركات الاجتماعية المناهضة لآثار العولمة وبرامجها " التقشفية" كما كان الحال في عدد من الدول الأوروبية( فرنسا، بريطانيا، وجارتينا المتوسطيتين اليونان واسبانيا وغيرها)؛ انفكاك عدد من دول أمريكا اللاتينية من ربقة التبعية للعم سام والسعي لإقامة أنظمة أكثر عدالة وتحررا ومساواة ولبناء بيت لاتيني في" الساحة الخلفية" الجنوبية لقلعة الغطرسة الأمريكية الغاشمة.

في ظل هذا المناخ الثوري المستجد، لا شك أن المراكز الامبريالية تبذل قصارى جهودها من أجل "احتواء" الثورة / الثورات العربية وسواها من مظاهر الحراك الشامل. ومن السذاجة القاتلة التفكير لحظة واحدة أنها ستتركنا " في حالنا"، وأن تتنازل طواعية عن مصالحها الهائلة في المنطقة كرمى لسواد عيون " الحرية والديمقراطية" ! بل إن أسلحة/ شعارات " الحرية والديمقراطية" هي من بين أمضى وأبشع وأمكر الأسلحة التي توجهها الى صدور الثورات والثوار. فهي ترى في هذه الشعارات إكسير الحياة لمصالحها، وللأنظمة التابعة التي تخدم هذه المصالح. لم تنفع وصفات" الاصلاح الهيكلي" الأمريكية طيلة عقدين ونيّف في إعادة الشباب الى الأنظمة التابعة التي شاخت وزكمت رائحة عفنها وفسادها الأنوف، بل بدأ الوضع يفرّخ ثورات واحتجاجات وانتفاضات.
...فكان لا بد من التدخل الامبريالي استباقا للتطورات الثورية واحتواء للحراك الشعبي.
*****
تدخلت المراكز الامبريالية، خاصة الولايات المتحدة، في مصر لكبح مسار الثورة وتطورها الى ثورة اجتماعية "تقلب الطاولة"، وتلبي حقاً تطلعات العمال والفلاحين وسائر الفئات الشعبية. وتدخلت في البحرين من خلال تابعيها الخُلّص في مجلس التعاون الخليجي وقوات " درع الجزيرة" التي نظمتها ودربتها وسلحتها. وكذلك في اليمن، من خلال وساطة لمجلس التعاون إياه تنقذ النظام وإن كانت الضحية شخص رأس الدولة. كما تدخلت عسكريا في ليبيا، خدمة لمصالحها النفطية، وتنشيطا لصناعاتها العسكرية، واسترضاء للمجلس الانتقالي، المولود جزئيا من رحم نظام معمر القذافي.
أما في سورية، وبعد الفشل الامبريالي ( الأمريكي والفرنسي )لفترة طويلة في إعادة " احتواء" النظام من خلال " قانون محاسبة سورية" وفرض الحصار عليها، وبعد إخراج الجيش السوري من لبنان بزعم ضلوع النظام في اغتيال "صديقها" رفيق الحريري، فإنها لجأت مؤخراً، تحت قبعة وقفطان الثورة الشعبية، الى استغلال التحركات والاحتجاجات والمطالب الشعبية المحقة والمشروعة والسلمية. وركب بعض المعارضة- من "مؤسسات مجتمع مدني" وإسلاميين وليبراليين ذوي شبكة العلاقات مع المراكز الامبريالية- الموجة الجديدة ونفخوا في نيرانها، بعد أن تمرغوا طويلاً على أكثر من عتبة وباب : بدءا من نظام الدكتاتور صدام حسين في أوائل الثمانينات، وبعض القوى الطائفية الرجعية في لبنان وغيره من الجيران، الى أن حلّوا ضيوفا معززين مكرمين في المدن الأمريكية والأوروبية.

برسم هذا البعض من" المعارضة" السورية نسأل: لماذا تتركز " المعارضة" المسلحة في المناطق الحدودية ، لا الداخل السوري؟ لماذا تُحرق الأعلام الايرانية والصينية والروسية ويجري التطاول على حزب الله بكل ما يمثل، ولا يُحرق العلم الصهيوني( لن نسأل عن العلم الأمريكي، طبعاً!!) ؟ أين منكم أساطين الحرس القديم في النظام، وأكثر رموزه قمعية وفسادا( من رفعت الأسد الى عبد الحليم خدام) ؟ وأين أنتم منهم ؟ وما هذه التغطية الإعلامية الدافقة التي لا تخلو من مبالغة وتضليل، مكشوفيْن أحياناً ؟؟
*****
أجل، ثمة تدخل امبريالي متعدد الوجوه في الثورات العربية بهدف احتوائها وتطويعها وحرفها عن مسارها التاريخي. لكن هذا التدخل اليشع ينبغي ألاّ بطمس الجوانب الجميلة، الأصيلة والنبيلة في هذه الثورات والاّ ينزعها من سياقها الطبيعي. فواقع الحال – كما أشرنا أعلاه – هو أن هذه الثورات – على علتها واعتلالاتها- أجنّة شرعية يتمخض بها تاريخ أرحام الشعوب، سواء جاء الوليد طبيعياً أو " سباعياً" أو منغوليا، أو حتى جهيضاً. وهي ليست بأي حال نبتاً شيطانياٍ تزرعه المؤامرة الامبريالية المُحكمة التخطيط والتنفيذ، ولا لقيطاً ليتبناه العم سام والجدة أوروبا
إن الشعوب لم تعد قطيعاً من الخراف يساق الى المسلخ بدون وعي منه. ولم تعد أمريكا( ومعها أوروبا) القدر الإلهي المحتوم الذي لا مناص منه ولا ملاذ.

ثورة مستمرة....
..... وإن طال السفر، وزادت المشقة، وأوحشت الطريق.

د. خالد عايد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موافقة بالاجماع
ايمان ( 2011 / 6 / 10 - 05:34 )
عزيزي خالد عايد
ماأشرت له في هذا المقال هو بالتحديد السؤال الذي ما انفك يدور في خلد كل متابع
لسيناريوهات الثورات الذي تشهده المنطقة وان كانت كل دولة عربية تكتب السيناريو الخاص بها بالطريقة التي ترغب والكيفية التي تسجلها ايادي الثوار فما نشهده الان على مسرح الثورة الليبية او الثورة اليمنية يختلف تماما عما شهدناه على مسرح الثورة المصرية او التونسية نحن نرحب بهذا المولود الذي هو اكيد مولود شرعي للحال الذي تمر ومرت به المنطقة وهو افراز طبيعي ومنطقي وغير ذلك لا يحتمله العقل نشد على يدك ونؤكد
وندعو ان يحمي الله الثورات التي يصنعها الان رجل الشارع والفقير والمعدم والامي مع احترامي واجلالي لهذه الفئات التي تصنع الان بعنف الثائر الغد المشرق الذي ما صنعه ولن يصنعه الثوري القلمي او المتبجح المحلل السياسي لحركة ثائر يترنح تحت هراوات الانظمة القمعية هذا زمن الشعب وارادته فلتسقط الان كل النظريات السياسية والتحاليل الفلسفية وليعلو صوت الشارع المتعب فنحن اهل هذاالمولود فأهلا به
كذلك من حق هذا المولود الرعاية والدعم والحماية حتى يصبو ويشب ونحن لها
الشعب قال اليوم كلمته


2 - لقد تأخرنا يا حبيب القلب
حسن عماشا ( 2011 / 6 / 11 - 20:52 )
كلنا كان يعلم أن ما يجري في عالمنا العربي الآن كان لا بد له أن يحصل . وانت أيها العزيز وضعت يدك على الجرح. وهو تخلف العامل الذاتي. لا ثورة بدون مشروع ثوري وقيادة مؤمنة جديرة بتحمل المسؤلية التاريخية.
كم كان رائعا الحشد الشبابي على حدود الكيان الصهيوني وكم كان محزنا أن هذه الاندفاعة البطولية لم تتكامل مع مشروع ثوري يقدم البدائل في الحراك لمواجهة الوحشية الصهيونية والجبن في الانظمة العاجزة.
لكن الفرصة التاريخية لا زالت سانحة لفعك ثوري يتناسب مع طبيعة التحدي ويعيد تسليط الضوء على القضية المركزية. وبهذا فقط ينقذ الحراك العربي من عبث المتآمرين في نسيجنا الاجتماعي أو المتطفلين الذين بغبائهم وقصورهم الفكري يضعون الرسن في رقبة الشباب العربي وطرفه الممسوك من قبل الامبرياليين وأدواتهم.

اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟