الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى متى يبقى العرب خارج المحكمة الجنائية الدولية

أكرم عبدالرزاق المشهداني

2011 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


إلى متى يبقى العرب خارج المحكمة الجنائية الدولية
د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
خبير بالشؤون القانونية
عقد بمدينة الدوحة مؤخرا أعمال المؤتمر الإقليمي حول المحكمة الجنائية الدولية برعاية الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر الذي ألقى كلمة في الإفتتاح شدّد فيها على أهمية قمع جرائم العدوان والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتقديم مرتكبيها للعدالة حفاظاً على الأمن والاستقرار العالميين واحتراما لكرامة الانسان وحقوقه المشروعة. ونوَّه الامير بالتعامل بحزم مع تلك الجرائم عن طريق المحاكم الجنائية الدولية الخاصة في كل من جمهورية يوغسلافيا السابقة ورواندا وكمبوديا وسيراليون مؤكداً أن تلك التجارب قد أضافت إرثاً قانونياً لايستهان به في هذا المجال. وطالب سمو الامير بأهمية الإقرار بأن النظام الأساسي للمحكمة لا يتسع للعديد من الجرائم الجسيمة والتي وقفت المحكمة أمامها عاجزة عن تحقيق العدالة كتلك الجرائم التي ارتكبت ومازالت ترتكب في حق المدنيين تحت الاحتلال في قطاع غزة. ونبّه إلى أن السلطة الممنوحة لمجلس الامن الدولي في تفعيل أو ايقاف عمل المحكمة قد تتنافى مع الاستقلال الواجب للمحكمة في أداء عملها، مشدداً سموّه على ضرورة الالتزام بالمقومات الاساسية للعدالة الجنائية سواء محلية ام دولية ومن أهمها الحيدة والمساواة أمام القانون والمحاكمة المنصفة.
إنّ المحكمة الجنائية الدولية بلا شك تُعدّ من أهم انجازات المجتمع الدولي على طريق تحقيق العدالة الناجزة التي لا إعتبار فيها للقومية أو الإثنية أو الدين والتي تكون سنداً أساسياً لارتقاء المجتمع الدولي والحضارة الانسانية نحو العدالة. وهي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية ولزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب، ومرتكبي الفضائع ضد الانسانية، وجرائم إبادة الجنس البشري، فالمعلوم ان قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تم تبنيه من قبل (120) دولة وعارضته (7) دول بينها امريكا واسرائيل، وامتنعت (21 ) دولة عن التصويت. وقد شاركت الدول العربية في جميع مراحل التفاوض لإنشاء المحكمة، وعبرت الوفود العربية عن عدم رضاها عن الدور الذي مُنح لمجلس الأمن في النظام الأساسي للمحكمة وكذلك بسبب عدم إدراج جريمة العدوان، وكانت (13) دولة عربية قد وقعت على نظام روما بإنشاء المحكمة، هي الأردن والإمارات والبحرين والجزائر وجيبوتي والسودان وسوريا وعمان وجزر القمر والكويت ومصر والمغرب واليمن، إلا أن 3 منها فقط صادقت عليه وإنضمت للنظام وهي (الأردن، جيبوتي، جزر القمر) ولم توقع 7 دول عربية هي قطر، لبنان، العراق، السعودية، ليبيا تونس وموريتانيا على الاتفاقية.
وفي 1/7/ 2002 اصبحت المحكمة الجنائية الدولية هيئة قضائية جنائية دائمة مستقلة أوجدها المجتمع الدولي لمقاضاة مرتكبي أشد الجرائم المحتملة جسامة بمقتضى القانون الدولي، وهي حسب المادة (5) من نظامها الأساسي هي ((جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان)).
ومن الجدير بالتنويه أن العديد من الدول الكبرى بما فيها بعض اعضاء مجلس الامن الدولي الدائمين، عارضوا انشاء نظام المحكمة الجنائية الدولية او تحفظوا عليه او لم يصادقوا حين وقعّوا، وبعد أن فشلت الولايات المتحدة في ثني المجتمع الدولي عن المضي في طريق تأسيس محكمة دولية جنائية دائمة، اضطرت الى التوقيع في اللحظات الاخيرة قبيل اغلاق باب التوقيع في يوم 31/12/2000 لكنها بعد ذلك إمتنعت عن التصديق، وعبّرَ السفير الامريكي ريتشارد بروسبر عن معارضته الشديدة امام الكونغرس حين قال " ان الولايات المتحدة لا يمكنها ان تدعم محكمة لا تملك الضمانات الضرورية لمنع تسييس العدالة". ثم قامت الولايات المتحدة بخطوة غريبة، حين اعلنت انسحابها من المعاهدة روما في رد فعل غاضب يعكس حراجة الموقف الامريكي خصوصا" وان دول الاتحاد الاوروبي كانت داعمة لتأسيس محكمة روما. وكذلك فعلت اسرائيل.
إن عقد المؤتمر الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية في الدوحة لا يعني الانضمام إلى عضوية المحكمة. علما بأنّ الدول العربية حين ساهمت بقوة في مفاوضات انشاء المحكمة، كان يحدوها الامل في ان يتم إنشاء محكمة عادلة حقيقية تدافع عن المظلومين وتحاكم مرتكبي جرائم الحرب والعدوان والابادة والجرائم ضد الانسانية، خاصة وأن العرب هم أثر الأمم تضررا من العدوان والإستعمار، إلا أنها اصطدمت في الواقع بامور ادرجت في النظام لا تعبر عن الحيادية والعدالة وبخاصة: إقحام مجلس الأمن (وهو هيئة سياسية) في أمر أو إختصاص قضائي، وحيث أصبح من الواضح لدى معظم الدول بأن نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية والذي تم وضعه كاتفاقية دولية لكي يحكم العلاقة بين أطرافه المنظمين إليه ينطوي على عدد من الاختصاصات والآليات التي تمكنه من سحب اختصاصه على دول غير أطراف فيه، وهو ما يعني أن رعايا الدول غير الأطراف في نظام المحكمة المذكورة لن يكونوا في مركز قانوني أفضل من رعايا الدول التي هي طرف في هذا النظام، إذ أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يمتد ليشمل رعايا دول غير أطراف في نظام روما الأساسي وذلك في حال ارتكابهم لإحدى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة في دوله طرف، أو على متن طائرة أو سفينة مسجلة في تلك الدولة، أو إذا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم التي ورد النص عليها في المادة (5) من نظام روما الأساسي قد ارتكبت (م 13/ب). ولعل قضية دارفور هي أبرز ما أسفر الواقع عنه في الساحة الدولية تطبيقا لهذا الاختصاص.
كثير من الفقهاء العرب اليوم يرون أن بقاء الدول العربية خارج إطار نظام انشاء المحكمة الجنائية الدولية ليس في صالح العرب، ذلك أن غياب أي دولة عن مظلة الانضمام لهذا النظام لن يحول دون سريان أحكامه عليها، كما في قضية دارفور، ثم إنّ هذا الغياب سوف يحرمها من المشاركة في صياغة أو تعديل أو المحافظة على المكاسب المتحققة في صياغة مواد نظام روما، وذلك على اقل تقدير، من خلال جمعية الدول الأطراف، كما انه من الممكن أن يُستَغلّ غياب الدول العربية، أو عدم صلاحيتها للتصويت، في إدراج تعديلات على نظام روما الأساسي يضرّ بها مستقبلاً أو يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، إذ أن أي دولة ليست طرفاً في نظام روما لن يكون لها حق التصويت أو المشاركة كعضو في تعديل أو إعادة صياغة مواده أو المحافظة على المكاسب المتحققة من قبلها في صياغة النظام الأساسي للمحكمة. وإذا كان موضوع تعارض النظام الاساسي مع الدساتير التي تمنح الحكام حصانة مطلقة، فإن كثيرا من الدول الأوربية ومنها فرنسا تنص في دستورها على حصانة رئيس الدولة من المسائلة، ومع ذلك صادقت فرنسا على قانون المحكمة، أما مسألة تدخل المحكمة الدولية في اختصاص القضاء الوطني فإن هناك (مبدأ التكامل) الذي تسير عليه المحكمة والذي ينص في م/99 من النظام الاساسي للمحكمة عدم تدخل المحكمة الدولية إلا في حالة عجز القضاء الوطني.
واليوم وبعد أن بلغ عدد الأقطار المصادقة على نظام المحكمة (115) دولة، فإن بقاء الدول العربية خارج نطاق المحكمة أمر لايمكن أن يستمر، ويتطلب إعادة الدراسة، وإدراك طبيعة الظرف الدولي، ومايتطلبه من اتخاذ مواقف متوازنة، منسجمة مع التطور الدولي ومع متطلبات حماية مصالح دولنا وشعوبنا، والاستعداد للتعاطي مع المتغيرات والمستجدات وتوظيفها بشكل مناسب خدمة للمصالح العربية والاسلامية العليا. على العرب أن يعيدوا النظر في موقفهم من المحكمة الجنائية وبخاصة بعد ما حدث في ليبيا من جرائم ضد الانسانية ارتكبها الحاكم الليبي ضد شعبه، وهناك ما حصل ويحصل في بلدا عربية أخرى من إنتهاكات للقانون الدولي الإنساني سواء على يد السلطة أو على يد سلطات الإحتلال كما في فلسطين والعراق، يجعل من الضروري أن يكون للعرب حضور وصوت في جمعية الدول المنضمة الى المعاهدة مما يعطيها الفرصة للمشاركة في اتخاذ القرار وفي تسيير عمل المحكمة كما أن العرب في سعيهم لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة ستكون عضويتهم في المحكمة عامل دفع وتشجيع للمحكمة من أجل تحقيق هذا الهدف المهم بالوسائل القانونية المتاحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا