الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نداء آية براذعية * ما زال يطن في الأذن!!

مهند عبد الحميد

2011 / 6 / 14
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


المجتمع هو المسؤول عن قتل الشابة (آية براذعية) وكانت الأداة التنفيذية هي العم وأعوانه" رأي استقر عليه نقاش الأكثرية في مجموعة "كوكب لأمور" الشبابية. وهو الرأي الأهم في مسلسل النقاش المتواصل الذي عمّ أوساطاً مجتمعية. التعليقات التي تقول "لقد نفخ في الموضوع بأكثر من حجمه"، وهناك "قضايا أهم" و"القصة أخذت أكثر مما تستحق" الاهتمام المبالغ به يأتي على خلفية سياسية ولولا ذلك لجرت "ضبضبة" المشكلة كما حدث في مشاكل شبيهة". هذا النوع من المواقف والتعليقات التي تقلل من خطورة الجريمة تنطوي على "تفهم ما" ولا تساهم في الحد من الظاهرة على أقل تقدير.
هناك مستوى آخر من المواقف التي تحيل المشكلة برمتها إلى "حسبي الله ونعم الوكيل" هذه المواقف المريحة نفسياً التي تعتمد على عدالة السماء.. يعفي أصحابها أنفسهم من مسؤولية المشاركة في محاصرة الظاهرة ومحاسبة المجرمين كما يحدث في سائر الجرائم الأخرى وفقاً للنص المقدس. لماذا تحال جريمة قتل النساء إلى (العدالة الربانية) فقط ولا تحال الجرائم الأخرى إليها، علماً أن النص الديني يحث على التدخل "وقل اعملوا..." "وأعدوا لهم..." الاعتراف المسبق بالعجز دون محاولة فعل شيء هو موقف سلبي من معالجة الظاهرة ويساعد على استمرارها. ويمكن تشبيه هذا الموقف الاتكالي بموقف الشعوب العربية من الأنظمة المستبدة، العجز أبقى الأنظمة، والثورة غيرتها. ظاهرة قتل النساء تتوقف عندما يتم التصدي لها، وتستمر في حالة العجز.
وثمة مواقف تبريرية يتم الهمس بها كالقول إن صورة الشابة المغدورة آية تكشف عن "وجود مكياج" وأن هذا يعزز الافتراض باتهام الشابة باللا احتشام، علماً أن البنت المستهدفة محجبة ومشهود لها بالأخلاق الجيدة في الجامعة وفي البيت والبلدة. والبعض يعطي ثقة مسبقة بدوافع المجرم ويغفل تناقض ذلك مع القانون، ومع النص على نحو خاص في جانبين، الأول: وجود دلائل وبراهين قاطعة كشهادة أربعة أشخاص، أو اعتراف صريح من الشابة بالتهمة. والثاني: إجراء المحاكمة والحكم بالشرع حسب الأصول وليس إقامة القانون باليد وتجاوز النص والأخذ بسياسة "وأد البنات" الهمجية التي تعود إلى عصر الجاهلية. إن هذا الموقف الظني يشجع على القتل، ووفقاً لذلك يعتبر المشجعون شركاء في تعزيز الظاهرة.
العنصر الأهم هو الموقف المعارض لجرائم "الشرف" الذي خرج عن المألوف بعد الكشف عن الجريمة. صديقة آية عبرت عن موقف المعارضين بالقول: "المجرمون لم يقتلوا آية وحدها بل قتلونا نحن معها، قتلوا الإنسانية، قتلوا كل شيء جميل فينا". الإعلام لعب دوراً مميزاً عبر تقرير محمد العويوي في "معا"، وبرنامج "ع المكشوف" لماهر شلبي في تلفزيون فلسطين، وفي عرض ودفاع الإعلامية والناشطة النسوية ناهد أبو طعيمة التي قالت: كم آية قتلت وكم آية ستقتل؟ كم آية تحتاجون حتى يكون هناك تدخل من السلطات؟ هؤلاء وغيرهم ممن رفعوا الصوت وقرعوا جدران الخزان، حولوا الجريمة إلى قضية رأي عام. ونجحوا في استدعاء تدخل أعلى مستوى سياسي ممثلاً بالرئيس محمود عباس الذي استجاب بتجميد العمل في مادتين من قانون العقوبات كانتا تجيزان تخفيف العقوبة على مرتكبي جرائم "الشرف".
تجميد المادتين إنجاز مهم بكل المقاييس، لكنه طرح مفارقة عجيبة عنوانها استمرار التعامل بقوانين بالية عفى عنها الزمن طوال هذا الوقت، دون أن يستفز ذلك القوى السياسية والنخب الثقافية والأكاديمية والحركات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان. والاستفزاز المقصود هو الاعتراض الجدي بمستوى النقض، بقيت المطالبات بالتغيير طوال ما يقارب العقدين خجولةً وموسميةً، وظل الجميع يتعايشون مع منظومة القوانين، والأسوأ ظل التعايش مع تقاليد وأعراف رجعية بالية فعلت فعلها التخريبي في نسيج مجتمع كبح الاحتلال تطوره الموضوعي.
الموقف المتماهي من مواد القانون الرجعية الطابع، والموقف الحيادي والوسطي منها، موقفان لهما صلة وثيقة بالمبنى الذكوري وثقافته السائدة التي جوهرها دونية المرأة، ثقافة ترسخ عادات وتقاليد تتفهم القتل وتتبنى مفاهيم العِرضْ، والشّرفْ، والسُمعة، وتحدد الإرث والحقوق التي تغبن بشكل فادح حقوق المرأة، وتحدد، أيضاً، ملابس المرأة والفتيات، إضافةً إلى التدخل في سلوك ومواقف وأفكار النساء تفادياً "للعار" أو "العيب" الذي قد يلحق بالذكور، وصولاً إلى امتلاك جسد المرأة واعتباره شرفاً للرجل، وعمل كل ما من شأنه خدمة السلطة الذكورية المهيمنة داخل المجتمع.
سيادة هذه الثقافة وترسيمها بقوانين وتغلغلها داخل المجتمع وفي صفوف النساء على نحو خاص، تفسر "الشرعية الاجتماعية" التي تمنح الحصانة لمرتكبي جرائم "الشرف". وتفسر الموقف المتفهم للجرائم والمجرمين.
من يقبل بهذه الثقافة الرجعية أو يتعايش معها أو يلتزم الحياد والصمت إزاءها، هو دون شك جزء من ميزان القوى الذي يبقي عليها. لا يوجد حل وسط على مستوى الموقف من قضايا حرية المرأة ومساواتها تماماً كما هي حقوق الإنسان. وإذا كان انتزاع الحرية وتعديل ميزان القوى لا يأتي بضربة واحدة ومرة واحدة، فإن الموقف من الحريات ومن قضية المرأة هو في عداد المبدأ الذي لا يمكن المساومة عليه.
إن جرائم "الشرف" تضعف إلى حد كبير مناعة المجتمع الداخلية وتضعف من طاقة الصمود وإرادة التحرر من الاحتلال. وعند القول إن التحرر الوطني يرتبط بالتحرر الاجتماعي فإن ذلك لا يعتبر ترفاً فكرياً، ولأنه كذلك، فإن تماسك المجتمع يبدأ بتصويب الخلل الناجم عن اضطهاد نصف المجتمع. من خلال وضع منظومة قوانين تجسد المساواة. إشراك النساء في الحياة السياسية، تغيير الصورة النمطية للمرأة وتغيير مناهج التربية بما يعزز المساواة. نقد التخلف بكل أشكاله ومعاقبة كل الذين يرتكبون الجرائم بحزم. وضع خطة متكاملة لبرنامج اجتماعي ديمقراطي يتفق مع كل ما هو متقدم في تراثنا وفي تراث المجتمع الإنساني ومع الاتفاقات والمواثيق الدولية وفي مقدمتها اتفاقية عدم التمييز ضد المرأة (سيداو).
* آية براذعية الفتاة التي اقتادها عمها ومعه ثلاثة اشخاص وقاموا بإلقائها في بئر للمياه في قرية صوريف -الخليل بالضفة الغربية على خلفية ما يسمى بشرف العائلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة سارا تطالب بوقف الانتهاكات الممارسة بحق النساء ومحاسبة


.. -لن نتراجع عن احتجاجنا ما دامت مطالبنا لم تتحقق بعد-




.. استشهاد امرأة وإصابة آخرين بقصف إسرائيلي على منزل بحي السلام


.. الإهمال والتمييز يفاقم معاناة نساء غزة




.. إحدى النازحات في أماكن اللجوء ذكريات المعصوابي