الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتفال بالدم

سعدون محسن ضمد

2011 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لم أفهم المغزى من تأكيد اللواء قاسم عطا نوايا الحكومة تنفيذ أحكام الإعدام بحق الإرهابيين المدانين في المواقع التي ارتكبوا فيها جرائمهم. هل المغزى هو تحقيق رغبات المحتجين الذين طالبوا بهذا النوع من الإعدام بحق مرتكبي مجزرة عرس الدجيل؟ طيب.. ماذا لو طالب غيرهم بتقطيع أوصال الإرهابيين مثلاً، اقتلاع عيونهم قبل إعدامهم، إحراقهم وهم أحياء بدل قتلهم شنقاً؟ هل ستلبي الحكومة مثل هذه المطالب؟ ألا يعلم المسؤولون أن تنفيذ القانون لا يجري وفق أمزجة الجماهير؟
أي حكمة ننتظرها من مشهد قتل يجري بشكل احتفالي، ويُدعى الناس للاستمتاع به، أي ذائقة نريد أن نشيعها بين الناس، أي ثقافة نحرص على بثها؟ هل نريد لأطفالنا أن يرقصوا وهم يشاهدون جثَّة ترفس وهي معلقة بحبل يتأرجح وعينان تجحضان ووجه يحتقن ووووو، أي صورة نريد لهم أن يحتفظوا بها داخل مخيلتهم؟
كنت في سن الحادية عشرة عندما شاهدت أول عملية (قتل علنية)، يومها وقعت ضحية من ضحايا القتل الاحتفالي الذي لا تمارسه إلا أكثر المجتمعات تخلفا ووحشية، كان الموضوع يتعلق بجريمة شرف، وكنت خارجاً للتو من بيتي في الصباح الباكر متوجهاً للمدرسة مع زميلي الطفل المشاكس (علي قاسم)، وفجأة توقف هذا الأخير مبهوتاً وهو يشير لخط من الدم يبدأ من أحد البيوت وينتهي بتمجهر لمجموعة من الناس، سحبني (علي) من يدي بسرعة خاطفة تجاه المتجمهرين، ووقفنا هناك دون أن نعي سبب التجمهر، كان الحشد كثيفاً ما يمنعنا من مشاهدة أي شيء، لكن صديقي اللعين سحبني مرة أخرى من يدي وأدخلني من بين الناس، لأكون بمواجهة المذبحة، مذبحة طفولتي، ضحكاتي وألعابي وأغنياتي ودفاتري وخربشاتي كلها ذبحت وبشكل خاطف ما أن وقفت أمام مشهد (الإعدام) ذاك.
كانت المقتولة (علناً) فتاة لم تزل مراهقة، عيناها مفتوحتان على الرغم من أن رأسها مفصول بشكل تام عن جسدها وملقى بعيداً عنه، جسدها شاحب ونحيل لدرجة تكشف عن أنه نزف آخر خلية دم حمراء.. لم تكن برائتي لتفهم أسباب هذه الوحشية، لذلك هربت بسرعة فائقة تجاه المدرسة، أردتها أن تحميني، لكنها فشلت وبقيت أرتجف داخل الصف. لذت بثوب أمي ما أن وصلت البيت لكنه هو الآخر فشل بحمايتي من مشهد الرأس والجسد والدم، وأيضاً بقيت ارتجف. كان خوفي كبيراً لدرجة لم تستطع أمي فهمه أو تفسيرة، لم تفهم سبب امتناعي عن تناول الطعام، حيث كنت أشاهد رأس الفتاة المقطوع يطفو على سطح أي إناء يوضع أمامي، ولأكثر من أسبوع كنت أشاهده حيث أجول بعينيَّ الصغيرتين، في أقداح الماء وفي أواني الطعام وعلى وسادة النوم وفي كوابيس تبدأ ولا تنتهي.
المغزى من هذا السرد هو الإشارة إلى أن حكومتنا وبجميع مسؤوليها وفي حال أنها نفَّذت هذا الشكل من أشكال الإعدام ستثبت بأنها لم تتعلم الدرس، درس صدام ونظام حكمه الوحشي الدموي، الذي صنع لنا وباستخدامه مثل هذا النوع من الإعدام بحق (الفارين) من الجيش، ذائقة مشوهة ومجتمعاً لا يشبع من طعم الدم، صنع لنا نموذج فراس الذي يُغرق الأطفال ويغتصب العروس ليلة عرسها بدم بارد.
المغزى من هذا السرد هو الإشارة إلى أن سادتنا المسؤولين لا يعرفون معنى أن للطفولة حرم يجب الوقوف عنده بانحنائة تقديس وعدم انتهاكه.. نوع الإعدام الذي تبشرنا به الحكومة سيكون أطفالنا أكثر ضحاياه تضرراً، ستذبح برائة أطفالنا بسكين جهل البعض وتخلفهم..
المغزى من هذا السرد هو الإشارة إلى أن إعدام فراس علناً سيساعده على قتل المزيد من أطفالنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ناشط
شمخي جبر ( 2011 / 6 / 16 - 12:58 )
دروس الدم واحتفاليات العنف تتكرر في كل يوم .. فثقافة العنف التي نعتز بها ونتباها بها لايمكن ان تتخلى ان متممات احتفالياتها .. والدم اهم متممات احتفالياتنا


2 - ناشط
شمخي جبر ( 2011 / 6 / 16 - 13:08 )
درس دموي اخر يريد السادة اولياء الامور تلقيننا اياه .. ففي ثقافة الدم لابد من التواصل مع دروس العنف واعادة انتاجه بشتى الاشكال .. وهذا درس تربوي اخر


3 - تخبط حكومي
بسمان العراقي ( 2011 / 6 / 16 - 17:40 )
الاستاذ سعدون محسن ...طاب يومك
ان تنفيذ عمليات الاعدام بشكلها العلني المقنن ماهي إلا وجه اخر للارهاب
المؤسلم بدوافع انتقامية وسياسية غرضها وبإعتقادي امتصاص نقمة الشعب على الحكومة وتغطية منها للفشل والعجز التي تعانيه في هذه المرحلة التي يعيشها العراق والمنطقة العربية...وليس ارضاء لضحايا عرس الجديل والنظام القبلي او لتحقيق العدالة كما يدعون...واذا كان العكس فلماذا لم تتخذ الحكومة تنفيذ قرارات الاعدام التي اقرت في السنين الماضية رغم كون الجرائم لاتقل دموية عن عرس الدجيل ان لم تكن اكثر ...وإن وقع التنفيذ في اماكن حصول الجريمة ألا يكون هذا فاتحة سوداء لتنفيذ قرارات الاعدام بشكل علني ....وهل مثل هكذا اعمال ممكن ان ترضي الشعب العراق ؟؟؟


4 - شكرا اصدقائي
سعدون محسن ضمد ( 2011 / 6 / 17 - 11:35 )
العزيز شمخي جبر، لعنا نستطيع ولو بعد حين أن نقصي الوالعين بالدم والاستبداد بعيداً عن بلدنا، لعلنا ننفيهم (ولا نقتلهم طبعاً) إلى مناف بعيدة جداً.. محبتي

اتفق معك صديقي بسمان، الاحكام تنفذ في العراق لأغراض انتقامية او سياسية مع الأسف ما يعني عدم برائة واستقلال القضاء، هناك إرهابيون يدفعون ويخرجون وهناك امثالهم يتم تهريبهم والحكومة نائمة لأن الموضوع لا يهمها، وهناك ضحايا ضاعت دمائهم بين سياسي مصلحي ومرتشي لا يأبه لدماء الأبرياء.. خالص احترامي


5 - العقدة النفسية تحكم اقوالنا وتصرفاتنا
عابس بني عامر ( 2011 / 6 / 17 - 17:54 )
الاستاذ سعدون ضمد المحترم
السلام عليكم .. يبدو انك لم تتعافى نفسياً من مشاهد الطفولة المرة الامر الذي دفعك لانتقاد مقترح اعدام المجرمين
استاذنا العزيز ما هي الحكم من القصاص هل شرعه تعالى للانتقام كلا ولكن شرع لتحقبق العدل وحماية المجتمع والاهم من هذا كله هو الردع لمن يفكر بارتكاب الجرائم
فلو اجهدت نفسك بالتفكير قليلاً لعرفت هذه الغاية من القصاص ولما تهجمت على الحكومة رافع راية الطفولة واذا كان لديك اعتراض فليكن على الله تعالى
ونصيحة لك ولكل المتمنطقين من السياسيين ليس كل ما يفعله اخصم هو خطأ ويجب ان تعترضوا وتنتقدوا وتفتعلوا الازمات والقضايا فلتتقوا الله وتجعلوا الحق هو غايتكم


6 - وحي الانسانية
محمد لفته محل ( 2011 / 6 / 19 - 04:24 )
كل ما قلته اتفق معك، لكن عندي وجهة نظر مختلفة على الموضوع، أن التركيز على مذبحة عرس الدجيل دون سواها وانفجار غيرة الحكومة وانسانيتها، انتقائية واضحة جدا، اين كانت انسانية الحكومة حين شكلت كتائب الموت؟ اين كانت انسانيتها حين دعمت الميليشيات الصدرية؟ هناك مئات المذابح التي اركبتها ميليشيات جيش المهدي افضع بكثيرمن هذه الجريمة والكل يعلم بها، لكن الانسانية هنا تتوقف لان المسالة برمتها طائفية طائفية طائفية. وشكرا.


7 - ياليتها حقيقة
خالد ابو سليمان ( 2011 / 8 / 30 - 14:07 )
ان تسمع ان هناك جواز سفر مزيف في العراق هذا امر طبيعي ولو رايت جثة مقتول لا علاقة لها بالراس هذا كذلك امر طبيعي لكن ان تاتي بضحية وجلاد مزيفيين هذا هو العجب بعينه. كم هو عظيم في داخلك هذا الانسان .

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام