الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في شأن الطبيعة العفوية للثورات الشعبية

ماجد الشيخ

2011 / 6 / 17
المجتمع المدني


في شأن الطبيعة العفوية
للثورات الشعبية

ماجد الشّيخ

ما يجري اليوم في كل من تونس ومصر، هو نوع من هجوم مضاد ضد المجتمع والدولة، هجوم هو بمثابة ثورة معاكسة، ثورة مضادة يقودها أصحاب المصالح والمنافع الخاصة؛ الشخصية والطبقية، بعد أن فقدوا نفوذهم، على الرغم من كل محاولات حُماتهم من عصابات البلطجة الرسمية وغير الرسمية الممولة من قبلهم، العمل على محاولة استعادة عقارب الساعة إلى الوراء، حيث أجهزة النظام القديم؛ تعمل وفقا لإرادتهم على حماية مصالحهم المعادية في غالبيتها للشعب، ولقواه المجتمعية التي هدفت إلى أن تكون الثورة تغييرا جذريا لأوضاعها المُزرية، وهي الأجهزة ذاتها التي سبق لها وبعثت بها إلى المقابر ملاذا "للعيش".

وفي مهمة "جليلة" من أعمال البلطجة المكشوفة والمُضمرة، لدى أتباع النظام السابق، أيتامه وبقاياه وأشياعه ممن لا يفرّقون بينه وبين أي سلطة أخرى، ولو كانت شعبية يُفترض أنها تنشأ على أنقاض البناء القديم الذي تصدّع وانهار، ولكن ليس بشكل كامل؛ بدأت تلك السلسلة الطويلة من أعمال التدمير السياسي والمجتمعي والتخريب الذي يشمل كامل قطاعات الدولة والمجتمع، من أجل عدم بلوغ الوضع الجديد عتبة التحولات التي تعد بها الثورة، ولمنع القيام بالتغيير الإصلاحي شبه الجذري لكامل بنيات النظام، بما يتيح تحويل الدولة من دولة استبداد بوليسي إلى دولة مدنية حديثة ديمقراطية، دولة قانون وعقد سياسي واجتماعي جديد، يكفل العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات المواطنية. وهنا مربط الفرس، حيث شكّل الافتراق غير البسيط بين قوى النظام القديم وقوى النظام الجديد، خط النار الذي تقف على جانبيه قوى الثورة والتجديد من جهة، وقوى الثورة المضادة والفتنة الطائفية وأنصار الحرب الأهلية من جهة أخرى، وحيث التنوّع والتعدد في القوى يشمل الجهتين، لا سيما وأن الجهة المعادية أكثر تحديدا وتنوعا، وهي تشمل قوى سياسية ودينية ومجتمعية طبقية أكثر استشراسا في محاولة العودة إلى الوراء.

إن المضي بالتغيير الذي وعدت وتعد به الثورة، أو الانتفاضات الشعبية التحويلية بشكل عام، إنما هي رهن مهمة إنجاز قيام دولة القانون والمؤسسات، وهذا دونه متابعة إسقاط بقايا نظام الاستبداد القمعي ودولته البوليسية، لا الاكتفاء بإسقاط رمز النظام الأول، وبعض حاشيته وأشياعه من متمولي السلطة وسرّاق المال العام، ورموز الفساد والإفساد السياسي والاقتصادي والإجتماعي، وكل أولئك الذين حوّلوا الدولة والمجتمع إلى أداة استملاك خاصة، شكلت لهم ولأشياعهم من رأسماليي وإقطاعيي الملكيات الخاصة التجارية والعقارية، مزرعة "الملكوت الأرضي" الذي لا يُساءل أصحابه عما فعلوا أو يفعلون بالسلطة السياسية، أو بالاقتصاد الوطني، أو بملكية الدولة والمجتمع التي تحوّلت إلى استملاكات خاصة، وضعت رموز سلطة الإكراه والقهر والغلبة أيديها عليها، دون وازع من خلق أو ضمير ودون روادع أخلاقية أو دينية، لم تعد تشكل للسلطويات الاستبدادية المجتمعية والدينية، وللأنظمة التسلطية السياسية؛ سوى أداة من أدوات الهيمنة الوظائفية، للاستمرار بمهام البناء الزجري للسلطة القمعية التي لا ترى في التغيير سوى حتفها.

وبذا فإن جبهة القوى المعادية للثورة والتغيير، ليست كلها من طبيعة متجانسة، سواء تلك التي في الداخل، أو تلك التي يقف الخارج الإقليمي والدولي، وكل لأسبابه الخاصة؛ في مقدمة المعادين للتحولات التغييرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحبل بها الثورات عادة. إلاّ أن أخطر القوى المعادية للثورة، هي تلك الداخلية التي حملت وتحمل على عاتقها تخريب النجاحات المحتملة للثورة، والعمل على محاولة تدمير منجزاتها، أو منع استكمال تلك المنجزات، على ما يفعل اليوم بلطجيو الأجهزة القمعية والبوليسية في كل من تونس ومصر، حيث تتعرض الثورة وجماهيرها الشبابية والمجتمعية والسياسية إلى أعتى وأشرس حملات الاستعداء والتفخيخ، من جانب قوى دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية لا مصلحة لها في التغيير، واهتزاز الأسس التي يقوم عليها نظام الاستبداد، بذريعة "أن المس بأسس الاستقرار القائمة يوردنا إلى المجهول".

غير أن معلوم الاستبداد، وإن أفصح عن كامل اتجاهاته وتوجهاته السياسية والمجتمعية في بلادنا، فلأن حبل وديمومة القمع البوليسي من المُحال أن تستمر وفق أنماطها ومعاييرها القديمة، وعلى الرغم من ذلك، يمارس بقايا نظام بن علي في تونس، وبقايا نظام مبارك في مصراللعبة القديمة ذاتها؛ لعبة الهيمنة التسلطية، عبر إمساكهم بمفاصل أساسية في السلطة، ينبغي التنبّه لها وفضح سلوكها وإيقافها عند حدها، من قبل شباب الثورة والتغيير، قبل أن تقوى شوكتها من جديد، فتكون مخرزا في أعين أهداف ومطالب التحوّل التغييري الجاري اليوم في بلادنا، ما يفترض نقلة نوعية من إطارات العفوية والحماس والاندفاع غير المنظم؛ لصالح التأسيس لهيئة أو جبهة وطنية عريضة، تشرف على تنفيذ كامل مطالب الشعب الذي خرجت ملايينه تبغي تغيير النظام، لا الاكتفاء بتغيير رأس النظام وبعض هياكله المتهالكة.

إن الإبقاء على الطبيعة العفوية للانتفاضات والثورات الشعبية التغييرية والإصلاحية الجذرية، لن تكون لصالحها؛ إلاّ حين تتحول إلى عمل منظم ودائم، عمل يتم على أسس ديمقراطية تعددية، تقوم على أكتاف كل المؤمنين بالتغيير والتحولات الثورية، كون ذلك نتاج حركة تغييرية سلمية، ديمقراطية، لا مجرد موجة يسهل ركوبها من قبل الانتهازيين وأبناء النظام القديم، وهم يتقلبون ويتلونون في تفاديهم المرور عبر جمر التحولات، من أجل حماية مصالحهم واستمرار مكاسبهم ومنافعهم للاحتفاظ بمواقعهم وبمناصبهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط


.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا




.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد