الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشعار تؤرخ بشاعة الحصار

ثامر الحاج امين

2011 / 6 / 18
الادب والفن


كثيرة هي الأحداث التي سجّل الشعر موقفه منها ، و كان الشاعر حاضراً في خضمها و شاهداً على وقائعها ومؤرخاً لاٍفرازاتها ، وليس بالامكان التقليل من شهادة الشاعر وصدق قصيدته وتأثيرها سيما اذا كتبتها شاعرية لاغبار على تاريخها ومواقفها، فكم من قصيدة مهمة حفظتها لنا كتب التاريخ الهبت الحماس ودفعت للتمردعلى الذل والثورة على الطغيان وبالتالي كُتب لها الخلود كونها ناصرت الحق ووقفت الى جانب الانسان في مواجهة أعداء الحياة ومواجهة من يحاول قهره ومصادرة حرياته ، فالشاعر ليس بمصور للواقع فحسب بل يتدخل ويساهم في تغييره واعادة بنائه وذلك من خلال قصائد تبعث الأمل وتحرض على التغيير. وهذا بالتأكيد لايتحقق الا عندما ينغمس الشعر بهموم الانسان ومعاناته .
في سنوات المحن الكثيرة التي مرت على حياة العراقيين ، والتي شهدت مزادات بيع الضمائر في سوق النفاق ، أظهرت تلك السنوات معادن البعض من الشعراء فمنهم من سخر قصيدته لاٍدامة عمر الطغيان ومنهم من ظل نظيفا لم يتلوث بأدران السلاطين وعطاءاتهم ووقف شامخا بعز، يفضح ويندد بالأزمات التي اعتصرت عمر العراقيين و بشاعة آثارها على حياتهم ، فمازلنا نتذكر سنوات الحصار الثقيلة كواحدة من تلك الأزمات التي واجه فيها الانسان العراقي أساليب متعددة من الاٍذلال ومحاولات الحط من كرامته وكبريائه ، وكان الشاعر( حسن الشيخ كاظم 1929 ـ 1996 ) واحد من الشعراء اللذين وقفوا بقصائدهم الى جانب الانسان في مواجهة الجوع وسعي الاخرين المحموم لتدمير قيم الجمال واطفاء شعلة الحياة فيه ، فقد عاش سنوات الحصار وقبلها أبيا شجاعاً في قصائده ، فهو لايتردد في قول الحقيقة ولايماريء حين يسأله احد عن الحال فيجيبه :
كلمن يـﮒلك زين ناكر ضميره
ﮒمت آكل العاﮒول ويه البعيره
فبهذه السخرية التي تخفي وراءها الكثير من المرارة والوجع اضافة الى الشجاعة في فضح الساسة التي أوصلت الانسان الى ان يشارك البهائم قوتها ، يطلق الشاعر صرخته هذه بوجه من تسبب بهذا الامتهان لكرامته . وفي ذات الهدف الذي يسعى الى استفزاز واستنهاض النفوس للتمرد يضع المقارنة بين عهدين عاشها العراقي فيقول :
شوف اشكثر صدام اعيونه صلفه
عكب المكشمش ذاك وكلنه حلفه
ويوم أوغلت سلطات النظام السابق في اذلال الانسان وايذائه حين قامت بانقاص مفردات البطاقة التموينية في محاولة لسحق الفقراء تحت عجلة العوز ، لم يخفت صوت الاحتجاج عند هذا الشاعر حيث جاهر بصوته العالي :
انخلهه ست مرات الوجبه وتهص
تاليهه ياصدام تقسمهه بالنص
كما انه لايخفي تأثير تلك السنوات العجاف على شيبته ، فقد ظل يكابر في ان لايظهر بمظهر العاجز امام من أراد له الانكسار ، حيث تدفع به عزة نفسه الى تجاوز الآمه والوقوف شامخا رغم الخراب الذي يأكله من الداخل :
أنهض وأﮔـع للـﮔاع وأتوﭼـه وأنهض
ماظل عظم بعضاي رضني الوكت رض
ظل الشاعر ينوء بمعاناته ، حائراً كيف باٍمكانه ان يواجه قسوة الحصار التي اخذت تطحن حياة البسطاء ، حيث صار توفير لقمة العيش هما انسانياً يشغل بال الكثير :
الرزق لاهو نبت عالأرض وحشه
عفاني اشلون اليه روح وحشــــــه
فرد ليله تمر عالميت وحشـــــــــــه
ونه كل الليالي اوحشت بيّه
لقد غادرنا الشاعر حسن الشيخ كاظم في اشد ايام الحصار مرارة وقسوة ، وذلك بعدما طفح به الكيل من حياة قضاها حرمانا وصبرا ً، لكنها على قسوتها لم تنل من عزيمته في ان يعيش حياة كريمة ، ظل متماسكاً لم يذعن لسلطة جائرة أرادت له الذل بل واجه ذلك بأشعار جعل منها وثيقة صادقة على بشاعة الحصار وفضح من تسبب فيه :
والله انترس ماعون صبري وتبده
وكلشي تكرهه الروح من يجزي حدّه

..............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما زلنا بخير
نصير عواد ( 2011 / 6 / 19 - 13:52 )
فيما ينشغل الآخرون بالمال والسلطة ينهمك آخرون، بعيدا عن الأضواء والكاميرات، في بعث الحياة ومسح الغبار عن الأسماء المنسية عند حوافي الصحراء واستعادة معاناتها وقصائدها لتوثيق تفاصيل الحياة اليومية للشعوب المحاصرة بالحروب والديكتاتوريات. وهذه ليست أول مرة يبادر فيها الكاتب والمبدع ثامر الحاج أمين إلى تناول إبداع المثقفين المنسيين في مدينة الديوانية فلقد سبق له أن جمع وأصدر المجموعة الشعرية - كتابات على جدار الزمن- للشاعر الذي لا يعرفه كثيرون صاحب الضويري، وساهم مع بعض من أبناء مدينته في إصدار المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر والصعلوك والإنسان -كَزار حنتوش- في حلة وغلاف وتخطيطات داخلية مبهرة. إن التفات المثقفين للأسماء المنسية يؤكد أن الدنيا بخير وأن الثقافة مازالت بخير


2 - تحية للأستاذ ثامر الحاج أمين
عباس سميسم ( 2011 / 6 / 19 - 23:09 )
أستذنا العزيز شكراً لك ولإستذكاراتك الجميلة
الشاعر حسن هو إبن المرحوم الشاعر الشيخ كاظم الحسن الجنابي العفجاوي؟ والملقب بالشيخ كاظم شمعة على ماأعتقد وهو سليل الشعر وربيب الأدب وسأوافيك ببعض ٍ من أشعار والده ومساجلاته الأدبية خاصة الملمع منها ... والدارمي الذي ذكرت أنهض طلكَ الكَاع هو للشيخ منديل والله أعلم ..تحياتي والتمنيات بالمواصلة


3 - الخيرون كثر في بلادي
ثامر الحاج امين ( 2011 / 6 / 20 - 18:57 )
صديقي الاعز نصير عواد
اسعدني مرورك واطربني ثناؤك ايها الصديق ، نعم مازلنا بخير لأن من بيننا الكثير من يعطي ولاينال الا محبة الاخرين التي هي اغنى من اي عطاء ، الم تقدموا انتم ال عواد أغلى التضحيات من اجل حرية العراق ودون ضجيج وادعاء، انا فخور بك وبعطائك ايها النبيل . .


4 - شكر وتصحيح
ثامر الحاج امين ( 2011 / 6 / 20 - 19:25 )
الاستاذ عباس سميسم المحترم
شكر ومحبة لك لمرورك وتعليقك وعذرا فان الشاعر حسن الشيخ كاظم السمرمد الزبيدي لايمت بصلة للشاعر الكبير كاظم شمعة ولكن يجتمعان على مائدة الشعر والسمعة الطيبة خالص اعتزازي بملاحظاتك ودمت .

اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا