الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومَضاتٌ في ظلام الذاكرة

عبدالله الداخل

2011 / 6 / 20
الادب والفن


معركة

حدثت معركتان حتى ذلك الوقت.
الأولى قرب صنبور الماء، حيث يغتسل، عادةً، 121 رجلاً، وكان ذلك في صبيحة يوم مشمس، واشترك فيها ثلاثة، بشكل أساسي، ضد واحد، وقد أشبعوه لكماً، وكنتُ أستمع إلى أصواتٍ متوقعة، تخيلتـُها قبل أن أسمعها، ثم جاء فارّاً إلى الغرفة حيث كنتُ وحيداً فيها أدير ظهري للباب. إستدرتُ نحوه ورأيتُ أنفه ينزف، وقلتُ لنفسي، كعادتي التي التصقت بي منذ الصبا، على طريقة همنكَوَيْ:
كان ينبغي أن تمنعَهم. لِمَ لمْ تمنعْهم؟ قلتَ لهم فقط: "لا أوافق على هذا." ثم اكتفيتَ بالصمت، وعندما قالوا لك: هل ستأتي معنا لضربه؟ قلتَ: "مستحيل، فأنا قلتُ لكم لا أوافق." ثم سألتـَهم: "لماذا تعتقدون أني أستطيع أن أضرب أحداً؟"

نهضتُ وأغلقتُ الباب بسرعة، وكان ذلك يعني أني لا أسمح لأحدٍ بالدخول لمواصلة ضربه.
قلتُ دون أن انظر إليه ثانية:
-"ماذا حدث؟"
كان يبدو عليّ أني كنتُ أعرف. لكنه لم يُلاحظ هذا. لم يلاحظ أني لم أكن مندهشاً.
هل كان يستحق الضرب؟ ربما. ولكن مهلاً. لستُ متأكداً. سأعيد التفكير في المشكلة. سوف أقرر فيما بعد إنْ كان يستأهل العقاب!

الكرنك

كان ياسين يغني قصيدة الكرنك كاملة ًمع الموسيقى المحليّة جداً، فهو يعزف بفمه أمام ساكني ردهته الكبيرة، الرابعة، أكبر الردهات، المتربعين بمناماتهم الحمراء المرقطة بالأسود، على أفرشتهم: بطانيات رمادية، بعضهم إزدحم حول "الكانة"، هكذا سمّاها البعض، وهي مدفأة نفطية عملاقة، تناطح السقف، حيث منفذها الى الخارج، وكان الثلج يهطل ببطء لكن بكثافة مفاجئة، مدهشة للشباب، وغير الشباب، من الذين يرون لأول مرة في حياتهم كيف ترتدي الحياة في الخارج وشاحَها الأبيض.
أقلتُ "وشاح"؟ كيف ومتى أضفتُ هذه الكلمة إلى مفرداتي؟ أمن الكرنك؟ كنتُ قد تعلمتُ من محاضرةٍ لحمدي يونس، كيف "تزحف" المفردات في "الذاكرة" من حقل مفردات القراءة الواسع إلى حقل مفردات الكتابة ثم إلى حقل مفردات الكلام، فتقل "غزارتـُها" ("غزارتـُها" هذه تعبيري أنا) تقل تدريجياً بسبب الوقت المتاح لتذكـّرها.
لم يكن من بين مستمعي ياسين من نزلاء الردهات الأخرى أحدٌ.

هل من يجرؤ على الخروج؟ ليس صعباً على من يريد ذلك، فالردهات كلها في صف واحد وأبوابُها متلاصقة، أعني معظم أبوابها.
لم يعد من مهام مجموعة من النزلاء الفيليين أن يرتبوا مكاناً خاصاً لمقيم الخارج، أبي بكر، كي لا يقتله البرد، فقد سُفـِّر إلى الحدود، هكذا سمعنا: "الحدود"، بضمن الأحد عشر، معظمهم أكراد. وكان أبو بكر يسكن الممشى، وحيداً، ليس بعيداً جداً عن الصنبور: شابٌ كبير العينين من السليمانية يختبئ كثيرٌ من وسامته الواضحة تحت طبقة سميكة من الوسخ والاهمال واللحية والزغب على معظم وجهه: يمارس الاستمناء علناً، ليل نهار، تحت بطانية مهترئة، مبتسماً باستمرار في الوجوه المتطلعة فيه، ضاحكاً أحياناً، مكشّراً عن أسنانه التي تعلوها صفرة ٌ من تراكم بقايا الطعام.

ياسين يُتقن الكرنك والبعض يشاركه الإعجاب بالإداء، ولكنه يغير من الموسيقى أحياناً بالتوقف ثم يواصل رافعاً ذراعيه (دون عصا) لقيادة فرقته الموسيقية الخاصة به. وهمس أحد الجالسين: هل سمع مظفر هذه القصيدة؟ فجاءه الجواب، همساً أيضاً:

-"مظفر يغني لأم كلثوم فقط بالاضافة إلى قصائده. هو أقرب إلى وديع الصافي صوتاً مع خصلة أوبرالية: هذوله احنه! لا أظن أنه لا يحب عبد الوهاب أو فريد!"
وتوقف ياسين: إسمعوا هذا المقطع: أين يا أطلالُ ... إسمعوا الموسيقى: ترللا اا لا للا للا للا - تر لا للا. رهيب!
أين يا أطلاااااالُ جُنـْدُ الغالبِ – أين آمونُ وصوتُ الراااااهبِ؟
نعم.
أين جندُ الغالبِ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من شارموفرز إلى نجم سينمائي.. أحمد بهاء وصل للعالمية بأول في


.. أنت جامد بس.. رسالة منى الشاذلي لـ عصام عمر بعد أدائه في فيل




.. عصام عمر وركين سعد من كواليس فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد


.. أون سيت - لقاء مع الفنان أحمد مجدي | الجمعة 27 سبتمبر 2024




.. أون سيت - فيلم -عاشق- لـ أحمد حاتم يتصدر شباك التذاكر