الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روح الزمن -1-

لقمان محمد

2011 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


مع دخول العالم الألفية الثالثة، وبدء قرنٍ جديد من الحضارة، دخلت الانسانية عصراً جديداً مع التغيير الذي أحدثته الثورة التقنية والمعلوماتية عالمياً. إن هذه الثورة بقدر ما حطمت الحدود الدولية وجعلتها بلا معناً، فهي حطمت أيضاً جدران العزلة والعبودية التي تفرضها الأنظمة الديكتاتورية على التطور الفكري لدى شعوبها التي بدءت تستنشق الحرية. إن الشبكة العنكبوتية، وتقنية الموبايلات، وشبكة المواقع الاجتماعية حوّلت الأفراد في مختلف أصقاع العالم إلى جيران بعضهم البعض، وهذا ما جعل روح الديمقراطية تتجوّل أكثر راحة بين البلاد وبين أفراد الشعوب في العالم، بحيث يتم معرفة واقع كل بلد اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ومدى ديمقراطية النظام بكل سهولة. إن الروح الديمقراطية التي وصلت إلى الشعوب، بالرغم من ماقامت به الأنظمة الشمولية من حظر على هذه الروح لكي لا تصل إلى شعوبها، بدءت تقض مضاجع الانظمة الاستبدادية التي لاتريد أن تتعرف شعوبها على الديمقراطية و لا تتنفس الحرية و لاتتذوق طعم الحياة. لكن الروح التقت مع أبدان الشعوب، والشعوب بدءت تنادي بالحرية وتطالب بنظامٍ تتعددي مدني ديمقراطي فيه الكل سواسية أمام القانون.
مع بداية القرن الحادي والعشرين لقد ثَبُت بأن الأنظمة التي تخدم شعوبها، وتخطط لمستقبلٍ مستقر اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً لمجتمعاتها، وتبني نظاماً ديمقراطياً هي التي فقط يمكنها أن تعيش، وأن تعبّر عن روح الزمن. وهذا يعني بأن الايمان بالديمقراطية والروح الديمقراطية هي التي ستقود الحضارة الانسانية، وبدون ذلك لايمكن أن تكون هناك دولة مدنية تعددية. أي بدون روح الزمن –الروح الديمقراطية- لايمكن أن يكون هناك استقرار ولا حتى ان تكون قوة.
إن هذه الروح التي تجلت في البوعزيزي تونسياً،و في شباب التحرير مصرياً، وجعلتهم قوة التغيير الديمقراطي، وفتحت باب عصر " الربيع العربي " قد وصلت إلى سورية مع 15 آذار، ودقت باب الحرية، ووضعت سورية نظاماً ومعارضةً على عتبة مرحلة جديدة ومفترق طريق ومنعطف تاريخي.
المجتمع السوري بكل أطيافه الأثنية والدينية والمذهبية قام ويقوم وسيقوم بواجبه، حطم جدران الخوف، وأزاح صخرة القمع الأمنية من على صدره، يطالب بالحرية ويريد بناء نظام مؤسساتي تعددي مدني ديمقراطي يحكمه الدستور. دستور جديد يتم فيه تشكيل نقاط مستقبل الوطن والمواطنين بكل أطيافهم، ومن أجل هذا انتفض تحت شعار " الشعب يريد اسقاط النظام ".
أما النظام البعثي الأسدي الذي كان يعمل بكل الأساليب الوحشية والقمعية اللاانسانية لمنع التقاء روح الزمن بالبدن السوري منذ نصف قرن، ويرفض كل شيئ اسمه الآخر، بل وحتى العمل على كيفية اختزال الآخر فكرياً، وحذف هذه الكلمة من قاموسه سياسياً،وحتى تشتيت الآخر تنظيمياً. هاهو النظام اليوم مع فئة من مرتزقته الأمنية والشبيحة يواجهون الروح بنفس الأساليب القديمة عسكرياً وسياسياً. حيث يقتل ويعتقل ويقمع ويهدد الشعب السوري بأبشع الوسائل من جهة، وينادي بالحوار الوطني لضرب وحدة المعارضة من جهة أخرى. لكن روح الزمن الروح الديمقراطية التي تتجول الآن في شوارع سورية تدخل الخوف في قلب النظام القمعي وتهز أركانه، الذي سينهار أمام قوة هذه الروح الحضارية والمدنية.
هذه الروح التي أشعلت شرارة الانتفاضة الشعبية قد قدّمت للمعارضة السورية بكل أطيافها الأثنية والتنظيمية والحزبية والشخصيات المستقلة والمفكرين فرصة ذهبية، وأفسحت لها مجال التنظيم، ووسعت نطاق تحركها، وأمدّتها بالطاقة اللازمة لكي تقوم بما يقع على عاتقها من مسؤولية تاريخية. وذلك لتسريع إسقاط النظام الديكتاتوري وبناء نظام حسب ما يتم طرحه من قبل شباب الانتفاضة وما يريده الشعب. لكن الوضع الذي ظهرت فيه المعارضة بلا استثناء لايتناسب و روح الزمن. حتى أنه يمكننا القول بأن المعارضة السورية لم تنجح حتى الآن بالاستجابة لصوت الشارع ولو بتنظيم صفوفها وتوحيد قواها حسب متطلبات الواقع الجديد الذي فرضه الحراك الشعبي. حيث ظهرت المعارضة مشتته ولم تكن قادرة على احتواء الشارع سياسياً.
فالشعب بانتفاضته هذه بقدر ما أظهرت أزمة النظام و أخافته، فقد أظهرت أزمة المعارضة و مكامن نقاط الضعف لديها، والتي بدت في البداية مذهولة وحتى المشككة في قوة الجماهير، وهذا ماظهر في مواقفها الترددية تجاه النظام. انعكس هذا الواقع على المؤتمرات والاجتماعات التي عقدتها ونظمتها قوى المعارضة أيضاً بدءً من انطاليا مروراً ببروكسل وحتى سميرأميس و.... فبدل من توحيد الصفوف والجهود، وتقوية الشارع المنتفض سياسيا وتنظيمياً وديبلوماسيا، والوقوف في وجه النظام بقوة اتحادية، كل تيار أراد التفرّد بالتصدر وحتى اقصاء الآخر، والدخول فيما بينهم في مهاترات جانبية، وتبادل الاتهامات. أي أن التشتت والتناقضات الجانبية الذي كانت تعيشه المعارضة قبل الانتفاضة مازال مستمراً. و بدلاً من استخدام لغة التحاور والتفاهم والتوفق التي تتطلبها هذه المرحلة التاريخية التي تمرّ بها سورية، والتي تعتبر الاسلوب الأصح للوصول إلى حلول ٍ ناجعة، فقد تم استخدام لغة النبذ وحتى التخوين،وأظهر هذا الأسلوب المعارضة بأنها تعارض نفسها، والانشغال بماهو ثانوي بدل التوجه نحو النظام لاسقاطه.
عدا عن ذلك فإن المعارضة العربية وموقفها من الشعب الكردي القضية الكردية وسبل حلها في سورية، قد أظهر مدى ضيق أفق هذه المعارضة ومدى بعدهم عن فهم روح الزمن واستيعابه. فالحلول المطروحة في مؤتمرتهم والقرارات التي يتخذونها لأجل حل القضية الكردية، هي ضمن إطار النظرة القومية والتي لاتتناسب والنظام الديمقراطي التعددي المدني فحسب، بل حتى تعني إقصاء الآخر أيضاً.
فالمعارضة السورية عامةً أمام امتحانٍ مصيري، لهذا يتوجب على الكل سواءً أكانوا تنظيمات مدنية أو حزبية أو أشخاص مستقلين بكافة الأطياف والتيارات الفكرية توحيد الجهود والتوجه إلى الهدف الأساسي " الشعب يريد إسقاط النظام ". لهذا يجب تخطي هذه المرحلة بنجاح، والذي سوف ينجح في هذه المرحلة العصيبة، الذي يتحكم بروح الزمن ويستخدم أسلوب التحاور والتفاهم والتوافق، هوالذي سيكون له التأثير الأقوى على المستقبل السوري وطناً وشعوباً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن