الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلام عبود في (زهرة الرازقي) العودة للنقاء العراقي وطيبة الجذور

طالب عبد الأمير

2004 / 11 / 17
الادب والفن


سلام عبود في (زهرة الرازقي) العودة للنقاء العراقي وطيبة الجذور
طالب عبدالأمير
بعطرها الشذي الفواح وخاصة في المساءات العراقية الصافية، وبلونها الابيض الناصع، تلهم زهرة الرازقي، المحبين نشوة امل بديمومة الحب والعلاقات النقية الصافية، غير ان مشكلة الرازقي هي حاجتها الى الحنان والمداراة الفائقة، فهي تسّود، ثم تذبل وتموت سريعا اذا لم تجد من يرعاها.
وزهرة الرازقي في رواية سلام عبود الجديدة عنوان يحمل معان كثيرة ويرصد، بمعايشات بريئة يشترك في نسج رؤاها طفل وشاب معوق، احداث فترة زمنية هامة ومشحونة بالاضطراب من تاريخ العراقيين مع بداية النصف الثاني من عام 1962، الاشهر الاخيرة من حكم الزعيم عبدالكريم قاسم وانقلاب شباط الاسود عليه وعلى ثورة تموز ومجئ البعثيين عام 1963 الى دفة الحكم. حيث تقتنص الرواية تلك اللحظات الفاصلة بين ماكان وماستأتي به الفترات اللاحقة من احداث مأساوية دامية دفع فيها العراقيون ومازالوا ضريبة خلاصهم من اسر صراعها الدائر.
تدور احداث هذه الرواية، (وهي السادسة في سلسلة رواياته والمطبوع الرابع عشر مما اصدره، في منفاه السويدي، لحد الآن) في حي شعبي من احياء مدينة العمارة، جنوب العراق وتسلط الضوء على معايشات يومية تشترك فيها اطراف عديدة وشخصيات متنوعة تنتمي الى جميع الوان الطيف العراقي سياسيا واجتماعيا وانتماءات دينية وقومية وطبقية. في هذا الحي الذي تكاد ان تكون تفاصيل حياته اليومية نسخة مكررة مما تعيشه احياء آخرى في ذات المدينة او في مدن عراقية اخرى، تتفاعل احداث تلك الفترة المهمة في حياة الشعب العراقي وتتداخل مساراتها وتشابكها مع الموروثات الاجتماعية التي تحمل بين طياتها الاعتقادات المثيولوجية وتأليه الظواهر والاشياء التي ليس بمقدور الانسان الاتيان بتفسيرات لها، فيصنفها تارة ضمن مجموعة المقدسات او ضمن قائمة الشعوذات تارة اخرى لكي لايشغل باله في التفكير في كينونتها، كما هي الحال مع نظرة الناس الى علوكي المعوق، شريك بطل الرواية في رصد احداثها، فهو لاينطق بالكلام، رغم ان حياته مليئة بالضجيج، فبعضهم يعتبره جنيا لأنه وبرغم انه ابكم يتحادث مع الحيوانات، واخرون ينظرون اليه كملاك في هيئة انسان. وبين هذه الاعتقادات و ادوات الوعي السياسي االبسيط والحدس المبني على الفطرة والصفاء الطفولي الذي يسمي الاشياء بمسمياتها، هذه الفطرية الخيرة التي يصدمها الشر المطلق فيستبيح عذريتها تكوّن المرتكز الذي تؤسس عليه الرواية بنائها، وهي التي حدت بالمؤلف لأن يعود الى ايام الطفولة ليرى مجريات احداث تلك الفترة بصفاء طفولي خام، نقي وصادق لم تعكر ماؤه الاعيب السياسة ومطباتها الملتوية. فالتلميذ، بطل الرواية الذي لم يحدد له المؤلف اسما، رغبة منه في اعطاء الشخصية صبغة عامة، منعا لاي التباس او الوقوع في فخ السيرة الذاتية التي يحاول بعض الكتاب الفكاك من اسرها اثناء صيرورة الابداع القصصي او الروائي، ينتمي الطفل بطل رواية سلام عبود الى عائلة مسلمة لكنه غير مهتم البتة بالهوية الدينية، فهي لاتعنيه كثيرا، بل مايعنيه هوالانسان لاي دين او مذهب وحزب اوطائفة كان انتمائه! رغم انه يحمل قناعات موروثة تسللت الى ادراكه الخام دون ان يعي ذلك واستقرت هناك، فهو، على سبيل المثال، مقتنع تماماً بان "الصابئة لايكذبون"، وذلك في سياق حديثه عن معلمه "زهرون"، فهذه العلاقة بين التلميذ ومعلمه يجسدها الاحترام والالفة التي يجدها التلميذ في احاديث معلمه والحكايات التي يسردها امام الصف، فيكتشف ان البشر مهما كانت انتماءاتهم غير منزهين، تماما مثل معرفته ان ثورة 14 تموز جاءت بالخير على الناس ولذلك هو مقتنع بضرورة اشتراك الجميع في الاحتفال بذكراها، فيصف عرس مدينته في ذلك المساء التموزي الذي تنتصب فيه اقواس النصر في الشوارع تزينها المصابيح الزاهية الالوان وان عليه ان يساهم في الاحتفال، حتى وأن خالف كلام ابيه الذي له نظرة مغايرة عن ثورة تموز والزعيم الذي يصفه بـ "الارعن"، عندما اعطى ابنه حلاوة النجاح في المدرسة طلب منه ان لايبذرها "على سخافات الزعيم الارعن"، كما قال، لكنه يتفق مع صاحبيه بأن ينفق نقوده كلها على شراء لوازم زينة الاحتفال وتعليقها على" شناشيل رضية ام النمنمات لأنها فقيرة" بل وحتى على "بيت جميل الجراح، رغم انه تاجر، لكنه بخيل" كما في حواره مع عمه المعوق "علوكي" وصديقه وابن عمه "شهاب". فهو يريد ان ينشر فرحة الذكرى على كل البيوت. هذه الفرحة التي لم تدم طويلا كزهرة الرازقي، حيث الشر يمد مخالبه فيغتصب يناعتها وتذبل وتموت في يوم الثامن من شباط عام 1963 وماجره ذلك اليوم من احداث دامية في الفترات اللاحقة من تاريخ العراق، رغم فترات الصفاء القصيرة الامد التي تخللتها والتي سرعان ما اسودت وذبلت وماتت.
في روايته هذه يواصل سلام عبود نهجا اتبعه في روايات وكتابات سابقه له، في اختياره للمحطات الاساسية الهامة في تاريخ الشعب العراقي، فهو قد تناول احداث ثورة تموز عام 1958 وكذلك مجريات مااصطلح على تسميته بحرب الخليج الاولى (الحرب العراقية الايرانية) وكذلك الثانية، عندما غزا صدام الكويت، والتي انتهت بانتفاضة آذار ومن ثم قمعها بالشكل الدموي الذي يعرفه الشعب العراقي ومن ثم الحصار المقيت.
سلام عبود، كغيره من الكثير من الكتاب العراقيين الذين عاشوا المنافي عقودا كثيرة، يختزن في ذاكرته معايشاته في الوطن قبل ان يغادره منذ اكثر من ثلاثة عقود، اي منذ مجئ البعثيين الى سدة الحكم في العراق، فهو يريد ان يوثق للاجيال الجديدة التي عاشت حكم الطاغية والتي نسيت او اجبرت على نسيان جزء مهم من التاريخ العراقي والتي انقطع تواصلها الثقافي مع فترات التاريخ المهمة تلك، اذ يرى في الكتابة عن تلك الفترات والبحث عن صفاء الانسان العراقي وطيبته التي شوهتها الاحداث مقاومة للظلم والكتاتورية والعنف بكافة اشكاله.
صدرت لسلام عبود الكتب التالية: نشوء وتطور القصة في اليمن، الادب العربي (كتاب مدرسي)، تاريخ الحركة النقابية في اليمن، جريمة من اجل التلائم (دراسة في مشكلة الهجرة)، سماء من حجر (رواية)، الاله الاعور، غزل سويدي (رواية)، أمير الاقحوان (رواية)، ذبابة القيامة (رواية)، العودة الى آل ازيرج (مجموعة قصصية)، ضباب افريقي (قصص قصيرة)، ثقافة العنف في العراق - رسالة اخلاقية، يمامة (رواية)، خطوات على البحر الميت (سيناريو سينمائي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار


.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها




.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع


.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض




.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا