الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسامح الديني والشخصية العراقية

حسين طعمة

2011 / 7 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



تناولت كثير من الأبحاث والدراسات التي قام بها باحثون في علم الاجتماع وعلم نفس تركيبة الشخصية العراقية ودراسة بنيتها وتركيبتها .لقد تباينت الآراء بشأن حقيقة تفردها وتناقضها ,أو المسببات التي جعلت منها تنحوا هذا المنحى .لقد وصمها البعض بالطابع المرضي ,لاختلال توازنها وعدم انسجامها نتيجة لعقد سيكولوجية واجتماعية متوارثة .أما البعض الأخر فكان يأخذ عليها تناقضها رغم اعتدالها أي جمعها النقيضين في آن واحد ,ولكن لديها من الصفات الأخرى الإنسانية ما يعادل هذه العقدة المستشرية .أما البعض الآخر (وهو الأكثر تشاؤما )فيميزها عن أي شخصية أخرى ويعتبرها ,مع وجود الآراء السابقة ,بأنها عدوانية وعنيفة لا مأمن من شرورها .تجمع كل المتناقضات في آن معا .أما الدكتور علي الوردي فكانت له آراؤه وتحليلاته الجريئة في العديد من كتاباته بهذا الشأن وكان يرجع كل الحالات السلبية التي تتصف بها الشخصية العراقية إلى عامل تراكمي ,تأريخي . فهو يقول (ان المجتمع العراقي ,بما له من مميزات وخصائص,ينتج نموذجا لإنسان ذو شخصية فريدة لا يشاكه فيها احد من أبناء المجتمعات الأخرى )حيث يعزو هذا التفرد إلى ازدواجية الشخصية العراقية ,وتجذر عامل البداوة في كل مفاصل حياته وسلوكه رغم التطور الحضاري في العديد من مفاصل الحياة .وبهذا ضلت هذه الطبائع الموروثة في المجتمع العراقي ساكنة عبر تأريخه الطويل رغم الغزوات الكثيرة التي تعرض لها وعدم تأثره بحضارات تلك الدول نتيجة للتلاقح الذي حصل فيها .والاهم من هذا كله انتشار الأديان العديدة في العراق وأثرها في سلوكه وطبائعه لما تحمل من شرائع وتعاليم .من المؤكد إن التأريخ السياسي للعراق قد أثقل على الفرد العراقي كثيرا ,تحمل فيها شتى أنواع الظلم والتسلط والقهر إضافة الىالاضطهاد الاجتماعي والديني والقومي والسياسي .ويأتي بعدها دور أنظمة الحكم الدكتاتورية وسياسته التي تعتمد على إرهاب المواطنين ونشر الذعر والخوف داخل أوساط المجتمع مما يؤدي إلى استلابه وسهولة انقياده, ليس له القدرة على تجاوز احباطاته المتتالية , حينها لايستطيع أن يشكل خطرا على السلطة والنظام .وحينها تغير السلطة من أدواتها ووسائلها ,فتقوم عند ذاك بنشر الآفات الاجتماعية الفتاكة لبذر الفرقة والتمزق والتناحر بتأجيج الصراعات الدينية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد ومحاولة جعل هذا الصراع مقدسا وواجبا ,وبهذا أرسى النظام دعائم هذا التناحر ,وأصبح قنبلة موقوتة تهدد كيان المجتمع العراقي كل حين . يضاف الى ذلك ما أحدثته الحرب العراقية الإيرانية من هزة عنيفة في كيان المواطن العراقي والإحباط الكبير الذي طال إنسانيته ووجوده وكرامته وحريته,حين تحول إلى آلة من آلات الحرب وهو يحرق بعبثية كارثية سنوات عمره في حرب لا طائل منها .يواجه الموت والألم والتغريب ,في ساحات الحرب المترامية الأطراف ,فقد فيها إحساسه بالحياة وأضاع أحلامه وآماله ,بعد ما استمرت الحرب لما يقارب ألثمان سنوات .وبعد نهايتها لم يجد المواطن الوقت الفسيح للملمة جراحه ,حتى اندلعت الحرب على العراق بعد مغامرة غزو الكويت ,وما لحقها من تدمير هائل طال البنى التحتية و أعاد العراق الى زمن القرون الوسطى .يواجه فيها الإنسان صراعا جديدا ومريرا في حياة بدائية لا تتوفر فيها أدنى مقومات العيش الكريم خاصة بعد قرار الأمم المتحدة بأجراء حصار اقتصادي لم يتأثر به سوى المواطن البسيط .وتتوالى المحن والآلام على هذا الشعب بعد عودة الحلفاء الى الحرب مرة أخرى واجتياح جيوشه ارض العراق .ان التوسع في طرح هذه المكابدات والمخاضات العسيرة هامة جدا للوقوف على حالة الفرد وهو يواجه هذه الأهوال وما تسببه له من انكسار وتداع ويأس وآثار نفسية أخرى تجعل من سلوكه سلوكا غير سوي ,تضغط باتجاه نزعات عدوانية وكراهية تستحيل عندها القدرة على العودة الى اتزانه واستقراره .وتجلى هذا التداعي فيما حصل أخيرا من تناحر واعتداء وتشريد وقتل ,وظهور ممارسات وقيم بعيدة عن القيم الإنسانية من تعصب ديني وطائفي بعيدا عن قيم التسامح والمحبة ,في بلد متعدد الأعراق والديانات والمذاهب .كما ان السياسة التي انتهجت حاليا نزعت الى تأجيج هذه الصراعات حين استغفلت المواطن وسببت له تراجعا كبيرا في الوعي ليسهل انقياده تحت مسميات الطائفة والخوف من الآخر دافعة باتجاه توكيد الذات واثبات الوجود والحصول على مكاسب سياسية وانتخابية.وبهذا فقد الفرد العراقي قيمة من أنبل القيم الإنسانية والتي هي انتماؤه وهويته الوطنية ,والتي يعتز بها الانسان في كل مكان من العالم .كذلك فقد في الوقت نفسه سلوكا كان فخرا للانسان العراقي والعربي وهو احترام الاخر القريب والتوادد والتسامح .حيث ان سلوكيات كهذه تعتبر الدالة الأكيدة في إنسانية الإنسان الذي يطمح وينشد التعايش والسلام .ومن اجل إشاعة هذه السلوكيات يجب على كل المنظمات الاجتماعية والإنسانية ومنظمات المجتمع المدني الدفع باتجاه تهيئة السبل الكفيلة لإزالة هذه الأمراض وتخليص المجتمع العراقي منها ,بالتعاون مع مؤسسات تربوية حكومية وتنشئة جيل جديد قادر ان يتحمل الآخر ويتفاعل معه وفق مبادئ إنسانية صحيحة يتعلمها الجيل الجديد في مناهج الدراسة والتعليم والأنشطة المختلفة .كما ان المؤسسات الحكومية التي تهتم بالشأن الإنساني لها ان تلعب دورا كبيرا في تقريب الأقليات الدينية والتحاور معها والوقوف معها في محنتها الحالية ونحن نرى حجم النزوح الذي يقوم به إخوة لنا عاشوا على هذه الأرض لآلاف السنين وكانوا أصحاب حضارة عظيمة. أسمها حضارة وادي الرافدين .
حسين طعمة _الناصرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سعدت كثيراً بكتاباتك
أحمد الناصري ( 2011 / 7 / 18 - 14:12 )
عزيزي حسين طعمة
سعدت كثيراً بكتاباتك ومساهماتك الجديدة، وأنت تخوض بمواضيع معقدة وشائكة تعاني من الاهمال رغم أهميتها وضرورتها في كل شيء. إن دراسة علم الاجتماع التطبيقي بما يشمله من دراسة للتاريخ وللحاضر والخصائص الإنسانية والمجتمعية والفردية والنفسية وجميع جوانب الحياة الأخرى يشكل المصدر الأساسي لتكوين الوعي الاجتماعي السليم والراقي وطريقة العيش. إننا في زمن علم الاجتماع الحديث كمفتاح للبحث الإنساني. لا تزال مدرسة علم الاجتماع العراقية والعربية بسيطة وفي بدايتها رغم محاولات عالم الاجتماع الكبير علي الوردي وبعض المفكرين العراقيين والعرب، لكن دراسة علم الاجتماع تسلتزم الحرية الكاملة في البحث العلمي وقول كل الاستنتاجات والآراء مهما كانت قاسية أو جديدة أو حتى غريبة لتشخيص الواقع الفعلي وليس الواقع المفترض أو المغطى بأغطية مزيفة ومزوقة. إن حالتنا الراهنة تسلزم تدخل علم الاجتماع الى جانب السياسة الوطنية الديمقراطية للخروج من المأزق الحالي!! كتبت لك رسالة وفيها عنواني الألكتروني أرجو أن نتواصل وسلامي للجميع.


2 - حقيقة
مازن البلداوي ( 2011 / 7 / 19 - 03:27 )
المحترم حسين طعمة
شكرًا اخي على ماذكرته في مقالك، وهو حقيقة كتبنا عنها مرارا وتناولناها بالتحليل والحوار، والأمر يحتاج الى ثبات ظرفي واستقرار نفسي كي نستطيع الخروج بنتائج متزنة نستطيع بموجبها ان نطلق صفتها العامة على الشخصية العراقية
الوردي العظيم عاصر تلكم الفترة الزمنية وانطباعات وتحليلاته تتبعها، الا ان استمرار الاحداث عبر الزمن سيلقي بتبعاته على الانسان وبالتالي سيتمكن بمواصفاته الشخصية وهذا امر طبيعي، ولأن العراق لم يشهد استقرارا سياسيا او اقتصاديا اثّرا بدورهما على الاستقرار الاجتماعي للشخصية العراقية فمما لاشك فيه اننا نعيش تحت وطأة نفس الظروف السابقة ان لم يكن اشد منها وطأةً، ومع الاستمرار بتحسن الاوضاع واستقرارها واستمرار الكتابة صوب هذا الهدف فاني لا اشك بان التغير قادم، والأجيال الحالية تحمل هذه البذرة
تحياتي لجهدك اخي

اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي