الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يجوز العفو عن المحكومين بجرائم الابادة ؟

منذر الفضل

2011 / 7 / 19
دراسات وابحاث قانونية


ظهرت منذ فترة دعوات واصوات من شخصيات و احزاب سياسية عراقية تنادي بالعفو عن بعض المجرمين المتهمين بجرائم الابادة ضد الشعب الكوردي ( حلبجة والانفال ) والذين جرت محاكماتهم العادلة في بغداد واصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا احكامها وتمت المصادقة عليها اصوليا من محكمة التمييز ولم تنفذ العقوبة ضد كثير منهم لحد اليوم رغم صدورها منذ شهور عديدة .
ومع انني ضد عقوبة الاعدام عموما وضد سياسة الثأر والانتقام ومع المصالحة الوطنية المشروطة وسبق لي وان اعلنت موقفي هذا في مناسبات عدة لاعتبارات قانونية وانسانية تتعلق برؤيتي لمفهوم او فلسفة العقاب ولقواعد المصالحة والسلام الاجتماعي , الا انني سأتناول هنا قضية اعدام المتهمين بالجرائم المذكورة طبقا للقوانين العراقية النافذة والدستور العراقي الحالي واتفاقيات حقوق الانسان والاتفاقية الدولية لمنع ابادة الجنس البشري والعقاب عليها بهدف الوصول الى بيان مدى جواز العفو عن المحكومين بهذه الجرائم وهل يوجد سند دستوري او قانوني يبرر ذلك ؟.
اولا – موقف القوانين العراقية النافذة :
كقاعدة عامة فان عقوبة الاعدام والعفو عن المتهمين أجازتها القوانين العراقية سواء تلك التي صدرت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ام خلال العهد الجمهوري ام في ظل حكم الدكتاتورية , الذي تميز بقسوة التشريعات والذي سجل رقما قياسيا في تنفيذ احكام الاعدام سواء طبقا للقانون او بدون سند قانوني ولا حكم قضائي . وقد أستمر تنفيذ عقوبة الاعدام وحالات العفو هذه حتى الان , ولم تنجح اية دعوة او مطالبة لالغاء هذه العقوبة من القوانين العراقية .
فقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل نص على عقوبة الاعدام في مواد متعددة منه وخاصة في المادة 406 المتعلقة بالقتل العمد , وجرى تنفيذ عقوبة الاعدام في ظل حكم البعث الفاشي ضد مئات الالاف من العراقيين بلا محاكمة كما حصل في سجن ابو غريب يوم 26-4-1998 في غضون ساعات ضد 2000 شخص من ابناء الوسط والجنوب متهمين في الاشتراك بانتفاضة اذار ضد الطغيان بناء على امر من قصي صدام والذي اشرف على تنفيذ الاعدام , حيث نفذ هذه الجريمة مجرمون بعضهم احياء يرزقون مما يوجب السؤال عن ظاهرة الافلات من العقاب ودور الادعاء العام في تحريك الدعوى . انظر الرابط التالي :
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=873

اما بالنسبة لمفهوم العفو الخاص فقد جاء في المادة 145 من قانون العقوبات سالف الذكر ضمن الباب السادس حالات ( سقوط الجرائم والعقوبات ) ومنها حالة العفو الخاص , وهذه المادة وردت بوجه عام و نصت على مايلي :
( 1- العفو الخاص يصدر بمرسوم جمهوري ويترتب عليه سقوط العقوبة المحكوم بها نهائيا كلها او بعضها او ابدالها بعقوبة اخف منها من العقوبات المقررة قانونا . ).
إلا ان الدستور العراقي الحالي استثنى من هذا العفو بعض الجرائم كما سنوضح ذلك لاحقا .

وقد اخذت المحكمة الجنائية العراقية المختصة التي تأسست بموجب القانون رقم 10 لسنة 2005 في المادة 24 منها بالعقوبات الواردة في قانون العقوبات العراقي المذكور واصدرت العديد من احكام الاعدام طبقا له في القضايا الخطيرة التي عرضت عليها منذ فترة تاسيسها حتى تاريخ الاعلان عن انتهاء اعمالها عام 2011.
كما تبنى قانون مكافحة الارهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005 عقوبة الاعدام في المادة 4 منه .

ثانيا – موقف الدستور العراقي لعام 2005 :
مع ان الدستور العراقي الحالي لم يتطرق الى عقوبة الاعدام تاركا هذه المسألة للقوانين العراقية النافذة ولاحكام القضاء العراقي إلا انه منح رئيس الجمهورية صلاحية المصادقة على احكام الاعدام في الفقرة (ثامنا) من المادة 73 التي تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية من محكمة التمييز .
أما الفقرة (اولا) من المادة 73 سالفة الذكر فقد نصت على منح رئيس الجمهورية صلاحية اصدار العفو عن المحكومين بالاعدام ولكنها استثنت بعض الجرائم من هذا العفو وبالشكل التالي :

(( أولاً : اصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء بأستثناء ما يتعلق بالحق الخاص والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والارهاب والفساد المالي والاداري . ))

ووفقا لما ورد في في هذه الفقرة , لا يجوز دستوريا اصدار العفو الخاص عن الاشخاص المرتكبين للجرائم الدولية , واي قانون او مرسوم يتضمن العفو عن هؤلاء يعد خرقا للدستور ويمكن الطعن به بعدم الدستورية امام المحكمة الاتحادية العليا وبالتالي سيكون باطلا ويعد سابقة غير دستورية خطيرة تهدد مبدأ استقلال القضاء وتخرق قواعد العدل والعدالة , لأن الدستور يتميز بالعلوية على بقية القوانين وياتي في قمة الهرم في التدرج التشريعي ومنه تستمد القوانين شرعيتها .
والمقصود بالجرائم الدولية International Crimes هي : ( جرائم ابادة الجنس البشري وجرائم العدوان والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب و جرائم الارهاب وجرائم الاتجار بالبشر وغسيل الاموال والفساد المالي والادراي وغيرها من الجرائم العمدية الخطرة التي ترتكب وقت السلم او اثناء الحرب).
ونشير هنا بأنه عند كتابة الفقرة (اولا) من المادة 73من الدستور واثناء عملي كعضو منتخب في اللجنة الدستورية جرت مناقشة مفهوم العفو الخاص وقمت بتقديم مقترح يتضمن استثناء المتهمين بالجرائم الدولية منه , ووافقت اللجنة على مقترحي , كما وافقت اللجنة على مقترح السيد خالد العطية على استثناء جرائم الارهاب والفساد المالي والاداري من العفو الخاص أيضا . وقد استندت في مقترحي هذا على اساسين وهما :
اولا :الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق والتي تتميز بالعلوية في التدرج التشريعي على النصوص الوطنية .
ثانيا : ما جاء في اتفاقية منع جريمة ابادة الجنس البشري والمعاقبة عليها لعام 1948 المعدلة ( الموادة 4 و5 و6 و7 ) .
ثالثا – موقف الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية :
يذهب الاتجاه العام في المجتمع الدولي الى الحد من النص على عقوبة الاعدام في القوانين العقابية للدول حتى صارت اغلب دول العالم ضد هذه العقوبة تنفيذا للمفهوم الحديث في العقوبة واحتراما للمعايير الدولية لحقوق الانسان وبخاصة ما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والبروتوكولات الملحقة به . إلا ان هذا الموقف ينصب على الجرائم العادية من القتل سواء ارتكبت بقصد أم بدونه , ولم تشمل الاتفاقات الدولية بهذه الفلسفة الجرائم العمدية الخطيرة التي تهز الأمن والمجتمع الدولي مثل جرائم ابادة الجنس البشري .
لهذا فقد نصت الفقرة 2 من المادة 6 – القسم الثالث من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية بجواز عقوبة الاعدام في جريمة الابادة وعلى النحو التالي :
(( يجوز ايقاع حكم الموت , في الاقطار التي لم تلغ فيها عقوبة الاعدام , بالنسبة لاكثر الجرائم خطورة فقط طبقا للقانون المعمول به في وقت ارتكاب الجريمة وليس خلافا لنصوص الاتفاقية الحالية والاتفاق الخاص بالوقاية من جريمة ابادة الجنس والعقاب عليها . ولا يجوز تنفيذ هذة العقوبة الا بعد صدور حكم نهائي صادر عن محمة مختصة )).

رابعا – موقف اتفاقية منع جريمة ابادة الاجناس والمعاقبة عليها لعام 1948 :

اعتبرت هذه الاتفاقية بأن جرائم ابادة الجنس البشري ليست من صنف الجرائم السياسية – حتى وان كان الباعث عليها سياسيا - وانما تعتبر من الجرائم العادية والعمدية أي ترتكب عن قصد وبتخطيط مسبق للجريمة ( القصد الجنائي ) , وهي لا تسقط بمرور الزمان وفقا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب التى صارت نافذة في 11-11-1970 .
كما لا يجوز منح حق اللجوء السياسي ولا الانساني لمن اتهم بهذه الجرائم , ولا يجوز العفو عن الشخص الذي ارتكبها ولا يتمتع بالحصانة من العقاب حتى لو كان رئيس دولة او رئيس وزراء او ممن كان يشغل منصبا سياديا , والدليل على ذلك ما حصل مع رئيس صربيا السابق سلوبودان ميلوسوفيتش واركان نظامه من مجرمي الصرب , كما لا يجوز ان يتذرع المرتكب لهذه الجرائم بانه نفذ الاوامر الصادرة اليه من مراجع عليا بهدف دفع المسؤولية أو يدعي بأن له حصانة دستورية او قانونية , اذ لا حصانة لمن يرتكب جرائم الابادة . ( الموادة 4 و5 و6 و7 من الاتفاقية ) .


رأينا من دعوات العفو عن المحكومين بجرائم الابادة في العراق:
1. ان الدعوات التي تنادي بالعفو عن المحكومين بعقوبة الاعدام ممن صدر الحكم عليهم عن جرائم ابادة الجنس البشري لا تستند الى اساس دستوري او قانوني وصادرة عن اشخاص لا يؤمنون باستقلال القضاء العراقي ولا باحترام الدستور .
2. يذهب أحد الحقوقيين العراقيين في معرض رده على من يرى بأمكانية قيام مجلس النواب باصدار العفو عن هؤلاء , الى القول بأن (العفو يمكن ان يكون بمرسوم جمهوري من السيد رئيس الجمهورية) . ونحن نعتقد ان هذا الرأي خاطئ , لأن النص الدستوري واضح , والقاعدة القانونية تقضي بأن النص الواضح لا يجوز تفسيره , حيث ان الفقرة (اولا) من المادة 73 من الدستور استثنت من العفو المحكومين بأرتكاب الجرائم الدولية والارهاب والفساد المالي والاداري ومنهم من تورط في ارتكاب جرائم الابادة وهي من صنف الجرائم الدولية .
3. ان تنفيذ حكم القانون واحترام احكام القضاء لا علاقة له بالمصالحة الوطنية , لأن المصالحة لها اسس ويجب ان تقوم على قواعد صحيحة وان لا تتعارض مع نصوص الدستور او القانون ولا يكون فيها أي مجال للمساومة على حقوق الضحايا والافلات من العقاب وخاصة فيما يتعلق بجرائم الابادة التي صدرت الاحكام القضائية فيها واكتسبت الدرجة القطعية .
4. ان نص المادة (الثالثة) من اتفاقية منع جريمة ابادة الاجناس والمعاقبة عليها نصت على معاقبة الاشخاص عن افعال الابادة الجماعية وعن التآمر على ارتكابها وعن التحريض عليها وعن محاولة ارتكابها وعن الاشتراك فيها . ووفقا لنص المادة (الرابعة) من الاتفاقية فان العقاب يشمل اي شخص حتى ولو تذرع بوجود حصانة دستورية او قانونية له سواء كان من الحكام الدستوريين او الموظفين العامين او من الافراد , وهذا ينسجم ايضا مع نصوص المواد 47 و48 و 49 والمادة 50 من احكام المساهمة في الجريمة ( الفاعل والشريك ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
5. ان الاصوات التي تحاول ربط موضوع تنفيذ الاحكام القضائية بالجانب الطائفي او القومي وبالصراعات السياسية في العراق انما تستند على رؤية سياسية مرتبكة وقاصرة , وكمثال على ذلك فقد دعا احد السياسيين العراقيين النواب الشيعة في مجلس النواب بأن لا يوافقوا على اعدام سلطان هاشم وآخرين من المحكومين بالاعدام عن جرائم الابادة ضد الشعب الكوردي في حلبجة والانفال ! ولا ندري لماذا لم يوجه هذا السياسي المحنك دعوته هذه الى الشعب الكوردي وهو الضحية في هذه القضية ؟
6. ان تنفيذ عقوبة الاعدام على المحكومين بجرائم الابادة انما هي تطبيق لأحكام القضاء العراقي , ولا يمكن اعتبار هذه العقوبة انتقاما ولا ثأرا من الفاعلين او المتورطين بهذه الجرائم , رغم أن هؤلاء المحكومين قاموا بقتل أكثر من 182 ألف مدني كوردي اعزل غالبيتهم من الاطفال والنساء والشيوخ , بل ان جرائم المحكومين هذه كانت عبارة عن سلسلة من الجرائم العمدية الخطيرة المخطط لها عن دراية وادراك وغايتها ابادة العنصر الكوردي وتدمير وازالة القرى والمدن الكوردية للفترة من 1987- 1988 حيث تشير الادلة الجرمية ومنها برقيات المخاطبات والتهاني المتبادلة بين القادة العسكريين في الميدان مع القادة السياسيين في بغداد الى حماس هؤلاء القادة وقسوتهم في تنفيذ المهام الاجرامية وفرحتهم بانتصاراتهم التي حققوها في ابادة الشعب الكوردي .
7. تقضي قواعد المسؤولية القانونية الوطنية وقواعد القانون الدولي محاسبة كل من اصدر الاوامر بتنفيذ الجريمة ومن نفذها او حرض او شارك او خطط او حاول ارتكابها , ولهذا لا يجوز التذرع بان هؤلاء المحكومين انما نفذوا الاوامر في ارتكاب جرائم الابادة بمهنية عسكرية , وان اعدامهم يعني المساس بتأريخ الجيش العراقي كما تدعي بعض الاطراف , فضلا عن ان تقييم انجازات المؤسسة العسكرية العراقية في حماية العراق والعراقيين متروك لحكم التاريخ وللعراقيين انفسهم !
8. لقد كانت الفرص متاحة امام الشعب الكوردي وقوات البيشمركة في ممارسة سياسة الثأر والانتقام ضد القوات العسكرية التي شاركت بهذه الجرائم البشعة في كوردستان في اكثر من مناسبة منذ عام 1991 ولكن الكورد اختاروا اللجوء الى حكم القانون الذي قال كلمته العادلة وهذا الموقف يعكس السلوك الحضاري للكورد .
9. نعتقد بعدم جواز التدخل في شؤون القضاء العراقي وضمان استقلاليته ودعم حياديته واحترام قراراته والابتعاد عن تسيس الاحكام والابتعاد عن التصريحات التي تضعف دور القضاء او التي تشكك بدوره وكذلك احترام الاجراءات القانونية في تنفيذ العقوبة .
……………………..

• للمزيد من التفاصيل عن جرائم الابادة ضد الشعب الكوردي والمخاطبات بين وزير الدفاع ورئيس اركان الجيش وقيادة حكم البعث الفاشي واشكال القسوة المفرطة انظر الرابط التالي :
http://saddamscruelty.blogspot.com/2009/07/blog-post.html
• يوجد فروق قانونية بين أحكام الجريمة العادية والجريمة السياسية .

‏الثلاثاء‏، 19‏ تموز‏، 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقررة الاممية لحقوق الانسان تقول إن إسرائيل ارتكبت ثلاثة أ


.. قيس سعيّد يرفض التدخلات الخارجية ومحاولات توطين المهاجرين في




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة – برنامج الأغذية العالمي يحذر من مجا


.. نشرة إيجاز – برنامج الأغذية العالمي يحذر من مجاعة محتومة في




.. العراق يرجئ مشروع قانون يفرض عقوبة الإعدام أو المؤبد على الع