الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( الإنسان يمكن أن يتحطم لكنه لن يهزم)

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2011 / 7 / 20
الادب والفن


الفنان قد يطمح ان يعي ابعاد حرفته ، وشرط ابداعه مثلما يعي ابعاد حركة الواقع الاجتماعي والسياسي ، فهو يريد ان يكون مبدعا مؤثرا وذا صوت متفرد في دائرة الفن الخلاق . . لذلك لا أحسب ان اي ايقاع جمالي مهما تفاوتت قيمته الفنية ، يخلو من حركة الناس ، نماذج ، وابطالا ، رموزا ودلالات ، يطورها ويخلقها بأستمرار ويجهد في استيعاب حركة الوجود ، لأعادة صنع تلك الحركات والمشاعر والافعال بصيغ متغايرة من التجدد والابتكار، محاولا ان يقدم شكلا راقيا من الفن يضمن بالضرورة رؤيته الحانية للعالم، ونظرته الوادعة للأشياء. وقد يستمد موضوعه من الموروث الشعبي الجميل وحسه الثري المرهف ليجسد صورة الواقع بعد ان عرف حقيقته واكتشفها ، كفنان يدعو لفضائل واخلاق عالية، ويحارب الانحطاط والبذاءة .
أن تجربة الفنان الابداعية لا يمكن فصلها عن تجربته السياسية ولا عن وعيه لمجمل العلاقات الأنسانية وافكارها ، تعبيراً وسلوكا ، ومنهج رؤية للحياة . . فتجربته تستمد نسغها من همومه ومكابداته . . فهو لا يعبر عن ازمة فردية في حركته بل يمثل صورة المجتمع العام حين يتصدى لكل المحاولات الباطلة الرامية الى طمس تطلعاته وصرفها عن الاتصال بأحداث العصر ومجمل الحياة الانسانية واهدافها المشتركة لتعميق احساس الانسان بالحياة وبأمانيه الطبيعية لأستيعاب التحول النوعي لمجرى السياسة العالمية ليجعل لوجوده معنى ولخطواته اثر في التغيير .
السجين السياسي . . انسان قبل كل شيء . . يحمل في ذاته الشيء ونقيضه . . الحب والكره . . الأمل واليأس . . الجموح والارتداد . . البراءة والخطيئة . . فهو اذن ليس سديماً ولا حركة هلامية في محيط الوجود . . كذلك فهو ليس بطلا ملحميا خارق البطولة . . انما هو ابن هذا الواقع وسليل قيمه وبناه . . فهو أذن لم يخطئ حين حاول ان يتتبع خطاه ليدل بها على اخلاقية العصر الذي عاشه ايضاً . . بروح ( برغم الاصفاد ) تنبثق من الموت والخراب وتنبعث لتقاوم من جديد ، فتعيد الى ذاتها ما فقدته امام التحدي والخيبة والمرارة والضياع في براري التخلف واختلال المعايير والقيم بسبب ما يحفل به الواقع من صراعات وإرهاصات ، ولأنها ترفض الوصاية ولا تؤمن بأعمال السخرة السياسية في العطاء .
السجين السياسي ، وان كان في قبوه كالحصان الهزيل .. لكنه يواصل الصهيل . . الجموح . . لانه عرف السر واختار الطريق الصعب . . طريق الحق والثورة والتمرد ، فهو الثائر الذي يولد في احتراقه ابدا ! يتعذب . . لكنه ينمو ويزهر كالشجرة على اديم الارض ، يمنح الناس السلام والمحبة ، يجمع في قلبه ارادة المؤمن بقضيته ، وحسه الصوفي الذي تجعله المعاناة يشف ويتوهج كالصدق ، ويمضي في الدرب الوعر يحمل في اعماقه شارة النبوة وصليب الالم وسطوة الثائر، يلقى التعذيب .. يستقبل الشتيمة ، لكنه يواجه بكبرياء سخرية الجهلة ، رصاص القتلة ، يغالب الجوع وعصف الهوان .
المبدع السجين . . رفض اشكال العرج الفكري والتخبط الثقافي الذي كان له اكثر من منبر وضيع لتزييف الحياة . . ولذا فأعماله الابداعية ما هي الا حالات لرصد وتصوير الاقبية الضاجة بالعفن والرطوبة في ظل انظمة البطش وانتزاع الشرط الانساني من الانسان وتجريده من كل ما يؤمن به ويقدسه . . لذلك فهو يؤمن بأن ( الحضارة والزنزانة ضدان لا يجتمعان ) .. يحلم ان يقوم بمكان كل معتقل معمل لحليب اطفال .. هو انسان يحلم بموت الوحش الكامن في الانسان السلطوي . وفي النهاية فهو يرى ( ان الانسان يمكن ان يتحطم لكنه لن يهزم ) !! مادامت النجوم تتوهج في الاعالي ، ومادامت الارض تمنح الخضرة دائماً . .
الفنان السياسي :- قد يحس كونه منبوذا في قفصه ، بيد انه يدرك قدراته الخلاقه ايضا بكونه صانع اخيلة ، بأستطاعته ان يقارن حقائقه الكتيمة مع حقائق العالم الخارجي . لكنه في النهاية قد يرى الطريق طويلة وصعبة ، بيد انه برغم الحواجز وبرغم العتمة ، يمضي قدماً يحلم بعالم مليء بالدفء والنبل الانساني ، وقد بات عليه ان يفرق ما بين اطيافه العابرة وحقيقته المرة . وهذا هو مبعث قلقه ، وسر تململه الدائم ما بين جذوة الأمل وذبالة اليأس ، عبر التوق للخروج من معطف الظلام الى رحبة النور ، وقد لا يجد في النهاية اي شيء سوى المكوث في منطقة الظل الكثيف ، لا يؤنسه سوى بقايا ذكريات تنقر بعمق وحزن انساني ، شغاف القلب ، يستغور فيها شكل حرارة الدمع ، والتوحد مع الجدران الصلدة . . شكل الفراق . . شكل الوداع . . شكل اللحظة الاخيرة , فكلها أشكال غائبة راعبة .. تفضي الى لحظة جنون المشهد الاخير، في مقاومة الروح للفناء ، حين تذبل عروقه ويتجمهر وجوده مثل كائن زائد وفائض على
الحياة .
في تلك اللحظة العصيبة لا يسأل لماذا يكون الإنسان حزيناً . . كمن يرى الأشياء من خلال حريق فاجع .. فحينما يتجمد الزمن أمام الموت المجاني فأن روحه العظيمة يتخثر فوقها فاصل الألم الإنساني ، عميقا عمق اللهفة ، لاستخراج ذكرى هنيئة من خلال استغوار الماضي السحيق المسكون بالجد ب والقحط .. ثمة تكثيف للصراع الكاشف عن قوة الصمود البشري ، وتفجره عبر أشكال فنية من الخطوط المتشابكة والمساحات اللونية المعفرة بضروب من التناقض الصارم ، كمن يمتحن أرادة الكائن الإنساني إزاء ألتوحد مع تجاعيد الحياة في خربشات محمومة للتعبير عن كثافة اللوعة التي باتت تكبر كالحلم . . وكعين الشمس أحيانا . . تسجل حالات خاصة لإنسان مسحوق المنى . . تنازعه الشكوك ، وتنتابه الهواجس ، كمن يبحث عن وسيلة لرأب الصدع الداخلي وإعادة ترميم انكسار الروح لوجود متهدم! وقد تغير كل شيء في قراراته ، تغييرا حسيا واشراقيا باتضاح الموقف الحياتي والسياسي . . برغم أن العذاب الجسماني والروحي لم يذهبا سدى في زنزانات القهر والاستلاب ، حيث أسفرا عن ثورة لاهبة امتد سعيرها من الفاو حتى بغداد . ثورة في الضمائر المتيقظة وفي النفوس العالية . . مواجهه عاتية ما بين الجالد والمجلود لأكثر من عقد من الزمن .. فساكنو المعتقلات والزنزانات من مبدعي الحياة أذن يجذفون بحماس وصبر لاستشراف شواطئ المستقبل لصنع اجيال جديدة تؤمن بالكفاح والتغيير . . فهم صناع حياة ، طلاب حرية .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با