الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى مجلس العسكر في مصر

أيمن بكر

2011 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


أيها السادة
بدون مقدمات أنتم لا تعرفون ما عشناه وكابدناه طوال ثلاثين سنة من حكم مبارك، أنتم لا تعرفون، فأنتم سادة، عشتم عمركم المديد في حماية النظام، وضمن مؤسسته الحاكمة، متمتعين بما لم يتمتع به أغلب الشعب المصري. أنتم لا تعرفون يقينا، فقط كنتم تنظرون لما يحدث في مصر كمن يشاهد فيلما تراجيديا على شاشة عملاقة تتحرك معه حيث يذهب، وتظهر فيها مشاهد الفساد الذي كاد يقضي علينا، كنتم تشاهدون، يا سادة، على شاشة الوطن المنتهك تدني التعليم، وانهيار الخدمات الصحية، ونهب ثروات مصر، وبيع أصولها الاقتصادية التي بناها شرفاء هذا البلد بجهدهم ودمائهم منذ بدأت نهضة مصر الحديثة في عهد محمد علي. كنتم فقط تشاهدون انتهاك الإنسانية وسحق الكرامة وتشويه شخصية المصري كريم العنصرين. شاهدتم لكنكم لم تعرفوا ذلك عن قرب كما عرفناه؛ فلا أحسب أن أحدا منكم قد عومل في أقسام الشرطة معاملة باقي الشعب، ولا أتوقع أنكم تعرضتم – لا قدر الله لأحد- لما تعرض له أبناء هذا الوطن داخل مقار أمن الدولة، أو في استقبال المستشفيات الحكومية. أنتم لم تشعروا مهانة المصري داخل وطنه وخارجه. لن أذكركم بآلاف المنتحرين في زوارق الهجرة غير الشرعية، ولا بالشاب الذي تشبث بعجلة طائرة متجهة لفرنسا، وظل لساعات متماسكا أمام انخفاض درجة الحرارة على ارتفاع شاهق، ثم انهارت مقاومته فسقط في حديقة منزل بجنوب فرنسا لينفجر جسده كما تنفجر بالونة مليئة بالماء ألقيت من هذا الارتفاع الشاهق. لن أذكركم بذلك فقد شاهدتموه على شاشة الوطن الكبيرة التي لم تتوقف عليها العروض المأساوية منذ ثلاثين سنة وحتى هذه اللحظة. أنتم لا تعرفون ولذلك أنتم بهذا الهدوء وبرودة القلب وقادرون على صنع توازنات وإلقاء الخطب عن سيادة القانون الذي وضعه رجال مبارك لحمايته وحمايتهم.


أيها السادة،
لقد شاهدتم وقدرتم وحسبتم أحداث الثورة من مواقعكم المنيعة؛ وهو ما يدل على نبل معدنكم ووطنية منطلقاتكم حين حميتم الثورة؛ فرغم أنكم لا تعرفون، ورغم أنكم من المتمتعين بحماية نظام مبارك، وقفتم إلى جوار جماهير الشعب الثائر، وحميتموه من التعرض إلى مجزرة أكبر من التي تعرض لها.
أيها السادة،
أريدكم فقط أن تتذكروا أنكم لم تفجروا الثورة ولم تشاركوا في صنعها ولم تدفعوا ثمنها من دماء أبنائكم أنتم شخصيا؛ كما أذكركم بأنه لم يتحرك منكم صغير أو كبير طيلة ثلاثين سنة. بل على العكس؛ حين كان نظام مبارك ينهار تركتموه يمارس محاولاته المستميتة للبقاء حتى آخر لحظة ليأخذ فرصته كاملة؛ ألم تكن موقعة الجمل تدور تحت سمعكم وبصركم لست وثلاثين ساعة ولم تحركوا ساكنا للدفاع عن الثوار العزل؟ تركتمونا ندفع الثمن لآخر قطرة من دماء شبابنا الذين تم قنصهم أمام أعينكم، ولم تحاولوا أن توقفوا قناصيهم ولم تحاولوا أن تقبضوا عليهم بعد ذلك. ولو شئتم لفعلتم؛ فجميعنا يعرف أن مخابراتكم العسكرية قوية ومدربة وقادرة على حسم هذه الأمور.
أيها السادة،
لقد وقع ثوار مصر في خطأ جسيم حين تعجلوا العودة إلى بيوتهم، وتسليمكم الأمور بلا قيد أو شرط، وكان الأصح والأضمن ألا تأخذهم النشوة، وأن يتجاوزوا إحساسهم بالفرحة سريعا وأن يثبتوا في الشوارع حتى يحددوا لكم مطالبهم التي يعلنونها الآن بمزيد من الجهد من جانبهم ومزيد من البطء من جانبكم. رجع الثوار ولم يقدروا فعل الضغوط الخارجية التي تتمنى فشل هذه الثورة وعودة نظام تابع كما كان مبارك ونظامه. لم يقدر الثوار قليلي الخبرة خطورة الولاءات القديمة وخطورة الطبقة القليلة التي تقدر مع ذلك بالملايين ممن نعموا بفساد مبارك ونظامه، فانقلبوا نارا تريد العودة بنا عن طريق الحرية والكرامة المنتظر. لم يدرك الثوار ساعتها أنكم ، يا سادة، لا تعرفون حجم مرارتنا وغضبنا.
أيها السادة،
إن تطاحن القوى السياسية في الشارع المصري الآن مفيد ومهم لتعرف كل قوة حدود فعلها، وهذا كلام ينطبق عليكم أيضا؛ فأنتم في اختبار حقيقي يمكنكم أن تقفوا فيه إلى جوار الشعب الماضي في انتزاع حقه إلى النهاية، أو أن تلعبوا دور المسكن الذي يحاول تهدئة الأوضاع والمرور من الفترة بأقل الخسائر خاصة بالنسبة لطبقات السادة القدماء.
أيها السادة،
حتى الآن أنتم لم تقفوا إلى جوار الثورة في مطالبها، بل الظاهر أنكم تسوفون وتحاولون إبقاء الوضع على ما هو عليه. لكنها ثورة حقيقية يا سادة وأرجو أن تنضموا لها بصدق قبل أن يحدث صدام لن ينتصر فيه أحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا