الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول تركيا – أردوغان وعمقها الإستراتيجي

رائد الدبس

2011 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



حول تركيا – أردوغان وعمقها الإستراتيجي./ رائد الدبس.

الاستضافة التركية للملتقى الثاني لسفراء فلسطين في اسطنبول، والخطاب الهام الذي ألقاه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بما احتواه من دعم سياسي قوي للمسعى الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة، وبما احتواه من تعابير معنوية ووجدانية قوية مثل توجههِ للرئيس الفلسطيني محمود عباس قائلا: نعاهد الله ونعاهدكم أن نرفع فلسطين إلى مصاف الدول ، وغير ذلك من العبارات القوية التي تضمنها الخطاب، هي مواقف ذات دلالات سياسية ومعنوية مثيرة للإعجاب، وتستحق تركيا - أردوغان عليها الاحترام والشكر والتقدير من الشعب الفلسطيني وقيادته.

لكن ما هو أهم من ذلك، أنها تعيد إلى الأذهان مجددا تسليط الضوء على سياسة العمق الاستراتيجي لتركيا التي عبّر عنها مهندسها الرئيسي ، وزير الخارجية التركي د.داود أغلو بقوله: إن هذا العمق الاستراتيجي يعطي للجغرافيا أهميتها، ويعطي للتاريخ احترامه .
تلك السياسة التي حققت تناميا ملحوظا لدور تركيا كلاعب إقليمي مركزي في المنطقة، وأحدثت تغيرات هامة على طبيعة ومسار العلاقات التركية – الإسرائيلية.

المواقف التركية المؤيدة للحقوق الفلسطينية ليست جديدة. فتركيا كانت من أوائل الدول غير العربية التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، منذ عام 1975 ، كما اعترفت بإعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، وهي تعتبر الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 67 بما في ذلك القدس الشرقية والجولان السوري أراضٍ محتلة، ولا تعترف بكافة النشاطات الاستيطانية والإجراءات التي تمارسها إسرائيل على هذه الأراضي منذ عام 67 حتى اليوم.

الجديد في الأمر هو أن سياسة العمق الاستراتيجي التي تمّ تبنيها كعنوان للسياسة الخارجية التركية بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002 ، جعلت تركيا منذ ذلك الوقت تقترب اقترابا تدريجيا مباشرا ومدروساً من الملفات والقضايا الساخنة في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وقد تجلى ذلك الاقتراب المباشر بوضوح في تبني سياسة قوية لكسر الحصار عن غزة، وها هو يتجلى الآن بتبني ودعم مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية عبر الأمم المتحدة.

هذا الاقتراب التركي المباشر والمدروس، لا يمكن رؤيته بمعزل عن التغيرات في مسار العلاقات الإسرائيلية - التركية. فإصرار حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان على التمسك بالمصالح التركية ، والتمسك بالطموحات الإقليمية التركية في المنطقة من جهة، وإصرار إسرائيل وتمسكها بسياساتها العدوانية، ورفضها للطلب التركي بالاعتذار عن جريمة الاعتداء على سفينة مرمرة من جهة أخرى، يجعل العلاقات بين الجانبين تبدو مفتوحة على أزمات جديدة. فإسرائيل تمارس سياسة إقليمية تريد بموجبها أن تكون هي الدولة المركزية المهيمنة على نظام إقليمي شرق أوسطي جديد، وتركيا تنافسها على هذا الطموح، مستندة إلى تاريخها وموقعها الجيوسياسي وإمكاناتها الهائلة، وكذلك على مدى القبول الكبير الذي تحظى به رسميّاً وشعبياً، وعلى سعيها الدؤوب لاستيعاب باقي اللاعبين الأصغر في المنطقة.

وتزداد المشكلة الإسرائيلية تفاقماً كلما اصطدمت بحقيقة أنها لا تملك الوسائل الكافية لإجبار تركيا على تغيير أو تعديل خياراتها الإستراتيجية، رغم استخدامها وسائل ضاغطة مثل الحاجة التركية لتحديث السلاح بالتعاون مع إسرائيل، وبما في ذلك أيضا المحاولات الإسرائيلية للضغط على تركيا من خلال عقدة مشكلة الأكراد عبر كردستان العراق، وغير ذك من وسائل الضغط الإسرائيلية. بالمقابل، فإن تركيا تبدو عازمة على استخدام الكثير من الوسائل للتأثيرعلى إسرائيل، بسبب اعتماد الأخيرة عليها كحليف رئيسي في المنطقة، وكدولة هامة في حلف الأطلسي.

في احتضان تركيا لمؤتمر سفراء فلسطين في اسطنبول، وفي الكلمة التي ألقاها أردوغان، ثمة الكثير من الدعم والكلام الذي يستحق الاحترام والتصفيق، لكن ما هو أهم من ذلك أن تركيا توجه بهذا الموقف مجددا رسائل قوية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذا لكل دول المنطقة، مفادها أنها لا تنوي التراجع عن سياستها الخارجية وعن طموحها كدولة، أن تكون لاعبا إقليميا رئيسيا في المنطقة بكل ما فيها من نزاعات وقضايا، وعلى رأس تلك القضايا والنزاعات تبقى القضية الفلسطينية.

يرتبط هذا الإصرار التركي الطموح بكثير من الأهداف الإستراتيجية الأخرى وأهمها المثابرة على تحقيق هدف الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. ومهما كانت صحيحةً آراء بعض المحللين الذين يعتبرون أن ثمّة مبالغة تركية في حجم الطموحات، قياساً للحدود الواقعية للدور الإقليمي التركي الهام، وأن سياسة العمق الإستراتيجي ، لا زال وجودها كعنوان للسياسة الخارجية التركية مرتبطاً بوجود حزب العدالة والتنمية في السلطة ، وأنّ من الصعب اعتبارها سياسة راسخة للدولة التركية، فإن نموذج حزب العدالة والتنمية كحزب إسلامي يتمسك بالمصالح القومية التركية ويثابر على تكريس دور إقليمي طموح لتركيا، كما يتمسك بالدولة المدنية الديمقراطية العلمانية، هو نموذج سياسي يستحق الإعجاب والاحترام، ويستدعي العرب والفلسطينيين نحو مزيد من التعاون معه على أساس المصالح والمنافع المتبادلة. ويستوجب منا سؤالاً محقا مطروحا على صناع السياسة في بلادنا العربية وعلى الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية: كيف يمكن أن نعمّق التعاون معه والاستفادة منه، وأن نأخذ العبر والدروس؟ سؤال كبير له مجال ومقال آخر، ولكن اقتضى القول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت