الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإغتيال .. اسلوب من ..؟

جاسم المعموري

2004 / 11 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


ان تراثنا الاسلامي والوطني يحتم علينا ان نكون شرفاء ومتحضرين في تعاملنا مع
الاخر .. الاخر الذي يختلف معنا في كل شيء , فما بالك بالذي لايختلف معنا الا بالاتجاه
السياسي فقط او الاصل القومي , فيما يجتمع معنا في اتجاهات أ ُخر ؟ ..
اننا نؤمن- وبعمق- بالتفاهم والحوار لا بالقتل والاغتيال , وذلك تبعا لايماننا بالعقل ,
وبتاريخنا المشرف وارثنا الحضاري المتجذر .. نعم نحن نؤمن بالقتال- لا بالقتل- عندما
لا نجدُ بدا من ذلك , فيتحتمُ علينا القتالُ دفاعا عن عقيدتنا وأنفسنا , لذلك لم يسجل لنا التاريخ
عملية قتل أو اغتيال لخصم سياسي , أو لمختلفٍ معنا حتى في الدين أو المذهب , فالانسان
إن لم يكن لك أخ في الدين فانه نظير لك في الخلق (1) ولم يكن السيد محمد باقر الحكيم -
صاحب النفس الزكية وشهيد المحراب - يؤمن بالقتل والاغتيال , بل كان يتبع اسلوب ابائه
واجداده عليهم السلام في تعاملهم مع الخصوم والمخالفين بالدعوة والحوار والتفاهم , لكن
هؤلاء الخصوم والمخالفين فجروا جسده الطاهر في مكان مقدس ويوم مقدس وهو يؤدي
عملا مقدسا , ولم يستحوا من عملهم أو يخافوا من بارئهم , فارثهم وإيمانهم يقوم على
اساس القتل وسنة الاغتيال , سنة واسلوب واساس ابائهم واجدادهم الجبناء والخونة الذين
يهربون من ساحات القتال ثم يغدرون والذين خانوا العهود والمواثيق والامانات والتاريخ
يحفل بجرائمهم المشينة , اما نحن فنؤمن بالقتال وجها لوجه لأننا احرار الاسلام وشجعان
الأمة وخير البرية .
وان من مهازل هذا الزمن ومضحكاته - وشر البلية مايضحك ان يكون العتل والزنيم
والديوث والثعلب اسدا وسيدا وشريفا وقائدا , ويكون الاحرار أباة الضيم والسادة الأشاوس
مضطهدين ومستضعفين ومقيدين ومسجونين ومشردين ومقتولين ,وليس القتل عارا , بل
هو أشرف الموت كما قال امير المؤمنين علي عليه السلام , ولكن اعدائنا لايكتفون بقتلنا
ولكنهم يريدون من وراء ذلك اطفاء نور الله والقضاء على الدين الحنيف ولكن هيهات , فما
زادنا قتلهم إيانا الا اصرارا على مواصلة الطريق , فمن من احرارنا - عبر تاريخنا - مات
على فراشه ؟ وهاهم سادة الاحرار من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أغتيلوا جميعا
بالسم أو السيف , وكذلك معظم اصحابهم والسائرون على خطهم من شيعتهم , وهم الذين ابت نفوسهم الكريمة الطاهرة ان تقابل الخصم أو العدو بالمثل , فيقولُ أميرهم عليه السلام وهو
يصف كراهيته للغدر [ والله ما معاوية بأدهى مني , ولكنه يغدر ويفجر , ولو لا كراهية الغدر
لكنت من أدهى الناس , ولكنْ كل غدرةٍ فجرة ٌ , وكل فجرةٍ كفرة ٌ ولكلِ غادرٍ لواءٌ يـُعرفُ
به يوم القيامة ] (2) , أما مسلم بن عقيل وابن عم الحسين عليهما السلام وثقته من اهل بيته ,
عفت نفسه الطاهرة الزكية وأبت الغدر والعدوان , حيثُ كان بامكانه- في لحظة ما - ان يغتال
ابن زياد والي الكوفة في ذلك الوقت عندما حضر لعيادة هانيء بن عروة والذي كان من اجل شيوخ الكوفة ورجالاتها , لذلك يذهب الوالي لعيادته , وأ ُشير على مسلم بن عقيل ان يغتاله في تلك الساعة فلم يفعل , وعندما سـُئل عن ذلك قال : [ ان الايمان قيد الفتك ] (3 ) فلم يجتمع النقيضان في مسلم بن عقيل باعتبار ان الفتك يخالف الايمان , وذلك لانه من قوم لايغدرون
ولايفجرون , فقـُتل وفـُصل رأسه الشريف عن جسده , وأ ُلقي بالجسد الطاهر من على قصر الامارة في الكوفة وسـُحل بالحبال في ازقتها وشوارعها , وقتل ايضا هانيء بن عروة وأجل
اصحاب رسول الله (ص) ثم قتل بعد ذلك بايام معدودة في واقعة الطف المأساوية المؤلمة
أعز مخلوق على قلب النبي (ص) وقتل معه جميع اهل بيته واصحابه وسبيت عياله الذين هم
عيال محمد (ص) وهو الحسين بن علي (ع) , ولو استطاع مسلم بن عقيل ان يدوس على
مبادئه وقيمه العليا التي آمن بها وجاهد من اجلها وفي سبيلها فيضرب ابن زياد ويغتاله
لانقلبت موازين القوى كلها ولتغير نتيجة لذلك الموقف الجماهيري والعسكري ولما قتل مسلم بن عقيل ولا هانيء بن عروة ولا الحسين ولا حدث الذي حدث .. وكان تاريخنا مليئا بمثل
هؤلاء الرجال الاطهار , فعندما ثار الثائر العلوي الكبير زيد الشهيد عليه السلام , انضمت
الى ثورته الكثير من القوى ومعظم اجزاء العراق , فذهب ليحاصر الكوفة , فاشار عليه القادة العسكريون بان الهجوم على الكوفة هو الوسيلة المضمونة الوحيدة مئة بالمئة لاحراز النصر ,
وان الانتظار على ابوابها حتى خروج جيوشها لملاقاتنا سيؤدي الى هزيمتنا بشكل مؤكد ,
فقال لهم انه لايريد ان يرعب النساء والاطفال والشيوخ والمرضى - وحق له ان يفعل ذلك
فهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : [ يأتي زيد وأصحابه يوم القيامة
يتخطون الرقاب فيدخلون الجنة بلا حساب ] (4) وقال عنه ابو حنيفة النعمان وهو من ابرز
العلماء الذين عاصروا ثورته المباركة : [ شهداء ثورة زيد كشهداء بدر ] (5) وكانت كلمة الحق هذه بمثابة فتوى للجهاد ضد هشام بن عبد الملك , والتي ربما كانت السبب في فقدان
ابي حنيفة - رضي الله عنه- لحياته حين بدأت المخاطر تحوم حوله بعد اطلاق صرخته تلك
.. وهكذا فشلت الثورة لاسباب كثيرة اخرى لسنا بصدد الحديث عنها الان , ولكنها حققت اهدافها الحقيقية في رفض الظلم والعدوان وتجديد خـُلق الاسلام ومبادئه وانعاش الوعي
الجماهيري واستنهاض الامة وتشريف التاريخ بصفحات طاهرة من المجد والعز والسؤدد
وتسطيرملاحم الدفاع عن رسالة محمد (ص) الانسانية والسلمية والحضارية , لتكن كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .. وهكذا قتل زيد الشهيد ذو الكرامات التسع , وصلب على جذع نخلة في كناسة الكوفة لمدة اربعة سنوات , وهي اطول مدة صلب عرفها التاريخ
الانساني برمته .
نعم .. فهؤلاء هم اباءنا , وهؤلاء نحن , وليس القتل غريبا علينا , لانه لنا عادة وكرامتنا
من الله الشهادة , وليس الغدر غريبا على خصومنا واعداءنا فلقد تواصوا بالغدر والمكر والجريمة جيلا بعد جيل , وتواصينا بالصبروالوفاء والحكمة والقتال وجها لوجه جيلا بعد
جيل .
ومازالت المخابرات العراقية المتحالفة مع الارهاب والمسنودة من قبل زمر البعث الساقط
وبعض الدول الاقليمية للعراق التي يضرها اظهار الحق فيه ويفضحها تقدمه على الصعيد
الاجتماعي و السياسي والاقتصادي لاسيما في مجال حقوق الانسان وضمان حريته وكرامته مازالت تمارس اعمالها الوحشية ومنها الاغتيالات وبشكل مستمر وسافر في داخل العراق
وخارجه , وبنظرة سريعة ومختصرة لانجازاتها نرى بوضوح انه في عام 1980 تم اعدام
اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر مع اخته العلوية الطاهرة بنت الهدى , واغتيال السيد
مهدي الحكيم في العاصمة السودانية الخرطوم , وكذلك اعدام واغتيال اكثر من 25 من علماء ال الحكيم خلال فترة لم تتجاوز العشرين عاما ومازالت اعداد اخرى منهم مفقودة
حتى هذه اللحظة , ومنذ استيلاء البعث المجرم على السلطة في العراق عام 1968 تم اغتيال
واعدام وتشريد واعتقال ( الاعتقال يعني الموت ) عشرات الالاف من العلماء والدارسين
للعلوم الدينية في النجف الاشرف لوحدها ومن مختلف الجنسيات , كما تم تصفية السيد اية
الله العظمى ابو القاسم الموسوي الخوئي بواسطة السم البطيء , وتم اغتيال ابنه السيد محمد تقي , فاغتيال السيد امين الخلخالي , اما اغتيال السيد يوسف الحكيم فقد تم بطريقة غريبة
حبث حوصر في بيته حتى مات , وفي عام 1998 تم اغتيال المرجع اية الله العظمى الميرزا
علي الغروي في النجف الاشرف وعدة محاولات اغتيال للمرجع الكبير الاعلى السيد علي السيستاني , ونجاح عملية اغتيال اية الله العظمى السيد البرجردي , وعملية اغتيال السيد
محمد محمد صادق الصدر وولديه تلك العملية التي تتباهى بها المخابرات العراقية اللعينة
وفي العام 2003 تم اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي في النجف الاشرف قبل سقوط نظام
صدام بيومين , وفي نفس العام ايضا تم اغتيال السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس
الاعلى للثورة الاسلامية في العراق في النجف الاشرف مع ثلة من المؤمنين الصالحين ,
واغتيال السيد ديمللوممثل الامم المتحدة في العراق , والسيدة عقيلة الهاشمي عضوة مجلس
الحكم المؤقت , وغيرهم الكثير من رموز العراق وخدمة شعبه من المخلصين الاوفياء
لله وللوطن كالكوادر القيادية الشيعية حتى بلغ عدد الذين اغتيلوا في منطقة واحدة فقط من مناطق الارهاب في العراق وهي بلدة اللطيفية الواقعة الى الجنوب من بغداد اكثر من 150
شخصية سياسية ودينية وقبل ايام معدودة تم اغتيال احد كوادر المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق واحد اعضاء منظمة بدر الشيخ جاسم المعموري مع اخيه وثلاثة
اخرين من افراد اسرته في بلدة اللطيفية حيث كانوا في طريقهم لزيارة العتبات المقدسة
والمشاركة في تشييع احد الشهداء .
ولقد تبين بما لا يقبل الشك ان تحالفات النظام العراقي المخلوع مع التيارات
الارهابية كالقاعدة وغيرها كانت قد ابرمت قبل سقوطه بفترة زمنية كافية لتاتي ثمارها
بالشكل الذي نراه الان في العراق الجريح , وان من اهم اهدافها ادخال العراق في زاوية
لايمكن الخروج منها وهي زاوية الحرب الطائفية المظلمة والشائكة وشل القدرات الامنية
للنظام الجديد الفتي وتدمير البنية التحتية للبلد وتخريب الروح المعنوية للانسان العراقي
الذي عانى الكثير ولم يصدق بعد انه تخلص من اعتى نظام ديكتاتوري في التاريخ فجلبت له المخدرات جنبا الى جنب مع المتفجرات واخذت تنسف روحه قبل جسده وتحرق امانيه قبل
نفطه وتسرق لقمة عيشه وتمتص دمه وتستنزف قدراته .
ان مايجري اليوم في العراق الحبيب هو عبارة عن عمليات انتقامية منظمة ومحكمة بشكل قوي جدا ومتفق عليها في جميع تفاصيلها قبل سقوط النظام العراقي المخلوع .. عمليات انتقامية نتيجة لسقوط النظام وليس مقاومة للاحتلال كم يتوهم البعض , وذلك
لان المقاومة يجب ان تكون قرارا جماهيريا خالصا ونابعا من صميم مصالح الامة ,
وليس مقتصرا على فئة تضررت من جراء سقوط نظام دموي مجرم كانت تعتمد عليه في الحصول على امتيازاتها دون الاخرين الذين يمثلون الاغلبية الساحقة من ابناء الامة .
ان عصابة ( ابو طبر ) ومؤسسها صدام الاعوجي رأس النظام المخلوع هي المسؤولة
وبشكل واضح عن جميع هذه الجرائم بكل اشكالها وانواعها , ومن المعروف ان هذه العصابة تم تاسيسها بعد استيلاء البعث المشؤوم على السلطة في العراق عام 1968
ومن اهم اهدافها المعروفة اغتيال كل من يعارض النظام في اي وقت وفي اي مكان
وبين يدي مقال للكاتب عادل الياسري يثبت من خلاله ما ذهبنا اليه في هذا المجال , حيث
يقول في مقاله الموسوم ( اغتيالات عصابة ابو طبر ) (6) : [ لكن الدلائل تشير الى
ان صدام حسين واخوانه غير الاشقاء وبني عمومته هم اعضاء محترفون في العصابة
من خلال الوقائع التي لا تقبل الجدل والنقاش لان الشواهد كثيرة ] ويفرد قولا لحردان
التكريتي في مقاله السالف الذكر , وهو احد ابرز اعضاء المخابرات الخاصة بالاغتيالات
ووزير الدفاع السابق : [ فبعد الاعدامات تلقينا رسائل من عدة دول عربية تنصحنا
بضبط النفس, لان الامر يتم على حساب السمعة العربية , وقررنا بعد الاجتماع ان تتم
تصفية الافراد بالاغتيالات الفردية ] وافرد عادل الياسري قولا اخر لمحمد عزيز
المجمعي ضابط المخابرات العراقية هذا نصه : [ ان المعهد القومي هو المدرسة التي
يتخرج منها ضباط شعبة الاغتيالات , حيث يقضي الطالب قبل تخرجه من المعهد
سبعة وسبعين شهرا, تلقى عليه محاضرات ودروس متنوعة وافلام , من فتح البريد
العادي للسفارات وكيفية استخدام الغطاء والسقف الزمني للعملية وتقويمها وكيفية
الاغتيال وغيرها .. ] .
ان مشكلة هذه الامة الكبرى والتي مزقتها واذلتها منذ رحيل نبيها (ص) هي
في عدم اتباعها لآل بيته الطاهرين , بل وفي مشاركة بعضها وسكوت البعض الاخر
على قتلهم جميعا عليهم السلام بايدي طغاتها ومستكبريها من فجرتها وزنمائها عبر
تاريخها الطويل , وهاهم حكامها الجبناء يقتلون احرارها اليوم كما ترون , ويدربون
جيوش مخابراتهم سبعة وسبعين شهرا ليس من اجل حمايتنا والسهر على امن امتنا
وانما لقتلنا واغتيالنا وارعابنا وتشريدنا , ولكننا نقول ان القتل شرف وفخر لنا , اما
اللعنة والعار والشنار فعلى قاتلينا في الدنيا والاخرة .. وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب
ينقلبون والعاقبة للمتقين .
جاسم المعموري
الهوامش
1- قول لعلي بن ابي طالب (ع) نهج البلاغة , شرح الشيخ محمد عبده
2- نهج البلاغة , الشيخ محمد عبده ..رقم النص 200 رقم الصفحة 464
3-راجع كتب التاريخ الاسلامي
4- راجع كتب الحديث
5- راجع كتب التاريخ الاسلامي
6- جريدة عرب تايمز العدد 294 اغتالات عصابة ابو طبر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو