الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء مع المثقف المصري سامي خشبه

عبدالنبي فرج

2011 / 8 / 10
مقابلات و حوارات



تولى سامي خشبة العديد من المناصب الثقافية الهامة منها: رئيس البيت الفني للمسرح، وحاليا يتولى رئاسة تحرير مجلة «الثقافة الجديدة» الأدبية اضافة الى عمله نائب رئيس تحرير صحيفة «الأهرام»، ومشرفا على صفحة الجمعة الأدبية بها، وهذا حوار معه حول مشاكل النقد وأوضاع المثقف في ظل المتغيرات التي تدور حولنا.

* كيف تقيم المشهد النقدي خاصة في ظل الاشارات المتوالية الى أزمة النقد؟

ـ برغم ان عبارة «أزمة النقد» استخدمت كثيرا في مراحل سابقة دون معنى فإنني أعتقد أن الأزمة في هذه المرحلة حقيقة فعلا خاصة اذ كنا نتحدث عن أزمة يعانيها النقد الأدبي والفني التطبيقي الذي كان جزءا من ثقافة الجمهور المتلقي والمبدعين على السواء. ولهذه الأزمة في تقديري عدة أسباب منها: انتشار الأكاديميين المولعين باستعراض معارفهم بالخطابات البنائية والأسلوبية المعاصرة في البحوث التطبيقية التي يكتبونها للمؤتمرات أو اللجان للترقية وينشرونها في منابر عامة بهدف التكسب أو الشهرة، وثاني هذه الأسباب هو ظهور نقاد «متأكدمون» يتشبهون بالاكاديميين ويستخدمون مناهجم ومصطلحاتهم المشغولة بالتشكيل البنائي والأسلوبي واللغوي دون ان يدركوا ان النقد المؤثر فعلا في الجمهور وفي المبدعين هو النقد المشغول بالمعنى أو بالدلالة الانسانية والتي تتعلق بالافكار و«الانساني» الموجود في العمل الأدبي أو الفني وبعلاقة هذا الانسان بالمجتمع بالتالي. وثالث الأسباب هو سخونة بعض المنابر من هذا النقد المشغول بالمعنى أو الدلالة الانسانية والاجتماعية والجمالية بالتالي ثم هيمنة ناس لا يعرفون الأدب أو الفن معرفة مثقفة، الأمر الذي يجعلهم ينشرون أي شيء على أنه «نقد»، أو هيمنة أناس لهم مصالح ما، على منابر بعينها لا يعنيهم ان يكون هناك نقد حقيقي.

أما السبب الرابع فهو التزايد الكمي الكبير في عمليات نشر الابداع لأسباب كثيرة تجارية أو سياسية الخ.. الأمر الذي يجعل من الصعب على ناقد مدرب مثقف أن يتابع ويفرز، هذا اذا وجد مثل هذا الناقد الآن.

* برأيك هل النقد الثقافي وكما يرى بعض المثقفين هو طوق نجاة للخروج من التيه النقدي الحالي؟

ـ اتجه كتاب كثيرون وبعضهم من الاكاديميين النقاد وبعضهم من الصحافيين أو من المتخصصين في الفلسفة أو في علوم الاجتماع والاقتصاد أو السياسية الى النقد الثقافي والى نقد البنى الثقافية الاجتماعية السائدة لأسباب عدة منهما اقتناعهم بأن النقد الثقافي يمكن ان يكون أكثر فاعلية في التأثير على المجتمع ومنها رغبة البعض في العبور من عالم الابداع الى عالم السياسة حيث الخبرة مطلوبة أكثر وأعلى ثمنا وأكثر ضمانا لمستقبل اجتماعي سعيد، ومنها ان النقد الثقافي يستوعب ويتطلب علاقة أوسع بكثير من تلك التي يتطلبها النقد الأدبي والفني الشكلاني الذي شاع في العقود الأخيرة، ومنها ان المشهد الابداعي نفسه تسوده حالة تشوش شديدة لا أقول مجرد حالة فوضى عارمة بين «كبار» العمر والقيمة طبعا، وهم أصحاب معايير ذوقية وجمالية تقليدية رغم انتسابها الى حداثة «قديمة» وبين متوسطين في العمر، وقيمة متراوحة خرجوا بمعايير ذات قيمة وجمالية وفكرية كانت جديدة في الستينات، ولكنها لن تحتفظ طويلا، بأهميتها، لأنه منذ أواخر سبعينات القرن العشرين تتدافع موجات وراء موجات من المبدعين المهرة أو حتى الموهوبين ناقصي التعليم والرافضين لأي ارتباط واضح بأي «تراث». وهذه حقيقة ذات أصول أو جذور اجتماعية ثقافية تؤدي الى ارتباط الناقد اذا اصر على اللجوء الى «معايير» تنتسب الى أن يتواصل في "التراث" النقدي كما تؤدي الى اندفاع الناقد الي البحث عن الأسباب وليس الى معالجة الابداع المتمرد، ويجوز من خلال اكتشافي «معاييره» التلقائية والمتغيرة من داخل هذا الابداع نفسه ان ابحث عن أسباب هذا التمرد المستمر والمتنوع وعن هذا التشوش السائد يقابله جمود متزايد بشدة ومتضائل الحجم، ان هذا البحث في حد ذاته هو نوع من «النقد الثقافي» الذي يجتذب المزيد والمزيد فيمن يستخدمون المادة الابداعية بوصفها مصدرا أو بيانا معرفيا لتحليل وفهم كل أسباب التمرد والجمود والتشوش.

* كيف ترى دور المثقف العربي في ظل المتغيرات الراهنة التي تهددنا؟

ـ أعتقد ان الجزء الرئيسي من اجابة هذا السؤال سوف تجده في اجابة السؤال السابق ولكن «المثقف العربي» مطالب بأن يتجه الى المصادر المعرفية الأكثر قدرة على تحقيق المعرفة، وفهم أسباب حالة التشوش والسيولة مع الجمود المقابل التي تسود واقع الحياة العربية، اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، وبألا يكتفي هذا المثقف بالمصدر المعرفي المتخيل في الابداع الأدبي أو السينما أو التلفزيون الخ.. رغم أهمية هذا المصدر.

المثقف العربي مطالب برصد وتحليل الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي العربي في سياق «معرفة» علمية وموضوعية «نقدية»، معرفة لا تطرح تصورات مثالية ولا خيالية ولا عاطفية أو ايديولوجية لهذا الواقع ولا ينجرف وراء أي نوع من هذه التصورات التي تحرم الأمة من معرفة ذاتها، أي معرفة تكوينها وعوامل وعوائق تطورها وتحديد كيفية أو كيفيات مواجهة تلك العوائق.

* البعض يرى في العودة الى الهوية الفرعونية البداية الحقيقية للاصلاح في مصر هل تتفق مع هذا الرأي؟

ـ قبلها كانت دعوات «الفينيقية والاشورية» وأتصور ان هذه الدعوة الفرعونية ان كانت موجودة الآن فهي أقرب الى «الهلوسة» أو البارانويا السياسية الثقافية، فعلوم التاريخ الاجتماعي والثقافي وعلوم اللغويات والسياسة وحوار الحضارات والافكار والعقائد كلها تبين ان مقومات الهويات القديمة ومنها الهوية الفرعونية قد زالت مع زوال اللغات والعقائد والتنظيمات السياسية الاجتماعية التي سادت في الشرق العربي وفي مصر ما بين أوائل الألفية الرابعة قبل الميلاد وحلت محلها عدة «هويات» متتالية. والهوية القومية لشعب أو لأمة ليست كيانا ثابتا أو جامدا ولا هي كيان منفصل عن اللغة والعقائد الدينية والسياسية والثقافية، الخ ..والروابط الحضارية وغيرها، وحتى الرواسب المتبقية في صور انماط ثقافية لا تظل على صورتها الأولى وانما تتمحور وتكتسب دلالات ومعاني ووظائف جديدة نابعة ومرتبطة بالثقافات السائدة وتطورها في اللغة والعقائد. والمصريون أصبحوا جزءا من الأمة العربية ذات المكونات والطبقات الجيولوجية، الثقافية والاثنية العديدة، وهو جزء كبقية الاجزاء له «خصوصياته» المتمثلة في أساليب التعامل مع اللغة وأنواع الادراك للعقائد وممارسة شعائرها بصرف النظر عن نوع الدين أو المذهب.

* اذ كان الاصلاح قد بدأ منذ قرنين برأيك.. لماذا تم اجهاض هذ التجربة وما الأسباب؟

ـ هذه لم تكن تجربة واحدة، وانما تجارب عديدة، بدأت الأولى أواخر القرن الثامن عشر وأجهضتها الحملة الفرنسية على مصر وفلسطين وتلتها تجارب متفرقة في القرن 19 في مصر ولبنان والجزيرة العربية وتونس والمغرب وغيرها، وبرغم اختلافات عديدة بينها فقد أجهضها جميعا عدم التبصر وموازين وقيود العصر، عصر التوسع الاستعماري الأوروبي التقليدي.

وتلت ذلك تجارب أخرى ليبرالبية الشكل وتقليدية واستبدادية المضمون أو توحيدية الشكل ولكن على اسس غير ديمقراطية «غير وطنية» أو اشتراكية الشكل ولكن بيروقراطية استبدادية المضمون الخ..

وقد اعتورت جميع هذه التجارب الفاشلة دون استثناء عيوب عدم التبصر بحقائق مكونات الواقع المحلي الاجتماعي ـ الثقافي في هذا الجزء أو ذاك من الوطن العربي أي عدم الاعتناء بمعرفة تلك المكونات الفعلية معرفة موضوعية ونقدية، وعيوب عدم الجدية في تطوير رؤية متكاملة استراتيجية لعملية الاصلاح لا الجزئي والجزري لا السطحي، ربما لأن الظروف التاريخية في اقطارنا حرمتنا من اسباب القدرة على تطوير مثل تلك الرؤية.

* كيف تقيم مقولة «زمن الرواية» في ظل هيمنة الصورة على المشهد؟

ـ الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي يؤكد اننا في مرحلة قوى عنيفة والرواية تمد المبدع السردي بوسائل عديدة ليس لمجرد التحليل والترتيب وانما تمده ايضا بامكانيات الجمع بين المتعارضات واستخدام تقنيات لم تكن موجودة أو الكشف عن تفكك البني الاجتماعية، والثقافية رغم تماسكها الشكلي والتحرك بين الأزمنة وبين تجليات مختلفة للشخصية الانسانية ولو عدنا في الوقت نفسه للمقولة القديمة ان الرواية هي ملحمة البرجوازية. واذا كانت هذه المقولة قديمة الا انها تؤكد ان الملحمة القديمة كانت تحاول ان تلم بكل المكونات الثقافية التي تنتمي اليها وان الرواية تطمح الى نفس هذا الالمام بالمتكونات المتداخلة.

وربما يفسر هذا الفهم التقليدي ازدهار الرواية أو النوع الروائي وتعدد اساليب وأنواع وأبنيته التي تستفيد في الوقت نفسه من تكنيكات فنون الصورة وأشكال الخطاب الأدبي الأخرى وتكنولوجياتها التي أصبحت من سمة عصرنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست