الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طبيب يداوي الناس وهو عليل !

قاسم محمد علي

2011 / 8 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بادر رئيس الجمهورية الأستاذ جلال الطالباني منذ فترة ومستمر في جهوده لحد الآن في مشروع المصالحة الوطنية وفي تقارب وجهات النظر بين القوى السياسية العراقية، وعلى وجه التحديد بين القائمة العراقية ودولة القانون بالإضافة الى حسم الملفات العالقة من مبادرة رئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني في إتفاقية هه ولير أواخر عام 2010 والتي تمخضت عنها تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعيد الإتفاق السياسي بين قادة الكتل العراقية الفائزة في الإنتخابات. هذه الخطوة المشرفة للسيد الرئيس تثبت إهتمامه البالغ بالقضايا الوطنية وفي تحقيق الإستقرار السياسي في العراق ومحاولاته المستمرة في إحتواء الأزمات السياسية بين الكتل الرئيسية العراقية، وبالتالي فهي خطوات مباركة وتصب بكل تأكيد في خدمة المصلحة الوطنية وفي خدمة العراق، وكان للأستاذ جلال الطالباني دور مشرف ووطني، منذ سقوط النظام العراقي البائد، في تقارب وجهات النظر بين القوى السياسية العراقية وفي إحتواء الأزمات السياسية بينها. لكن المصالح الوطنية العليا للعراق تفرض على سيادة رئيس الجمهورية، كما على باقي القادة السياسيين في العراق، العمل على معالجة جميع المشاكل لكافة الشعوب العراقية وفق الدستور الذي يمكن إعتباره القاعدة والبوصلة والمرجعية للعمل السياسي.

نحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء على نقطتين في غاية الأهمية تتعلق بمبادرات القيادة السياسية الكوردستانية لإحتواء الأزمات السياسية في العراق، ليس مجرد من أجل إنتقاد مواقف القيادة السياسية الكوردستانية، وإنما من منطلق الشعور بالمسؤولية القومية والإلتزام بالمواقف الوطنية الذي يحتم علينا جميعاً، كل حسب موقعه، أن نساهم في تشخيص الأمراض والنواقص والمشاكل الأساسية والأخطاء السياسية لقيادتنا ومن ثم تقديم مقترحات وحلول بديلة ضمن إطارالمسؤولية الوطنية والقومية من أجل تثبيت الحقوق المشروعة للشعوب الكوردستانية في العراق، وعسى أن نساهم جميعاً في وضع حد لمعاناة الشعب الكوردي الذي تعود في كل مراحل تأريخ نضاله أن يدفع ثمن الأخطاء السياسية لقيادته

1- هل الكورد جزء من الحل أم جزء من المشكلة في العراق؟
2- ماذا قدم السيد رئيس الجمهورية والقيادة السياسية الكوردستانية بشكل فعلي وملموس من أجل إحتواء الأزمة السياسية التي تواجه بقعة أخرى ومهمة من العراق، الا وهي إقليم كوردستان؟

تدعي القيادة السياسية الكوردستانية بأن الكورد جزء من الحل في العراق، وبالتالي تتصرف من هذا المنطلق وتتخذ دور الوسيط لتقارب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين من أجل معالجة المشاكل السياسية في العراق. العمل من أجل إزالة العقبات أمام العملية السياسية بغية تحقيق الإستقرار السياسي في العراق وأيصالها الى بر الأمان هو موقف وطني مشرف ويستحق كل التقدير، لكن السؤال المطروح هنا، هل الكورد حقاً جزاً من الحل في العراق وتم إزالة جميع المشاكل العالقة بين الإقليم والمركز أو تعهد الحكومة المركزية بمعالجة جميع تلك المشاكل وفق الدستورخلال فترة زمنية محددة، لتمكن القيادة السياسية الكوردستانية أن تتخذ دور الوسيط لمعالجة المشاكل والقضايا السياسة العالقة بين القوى السياسية العراقية من أجل دفع العملية السياسية الى الأمام؟ إن لم يكن الأمر هكذا، ما هو إذن حجم الفاتورة التي يدفعها الكورد نتيجة تلك المواقف والرؤية السياسية الغامضة للقيادة الكوردستانية؟
عندما تتظاهر القيادة السياسية الكوردستانية بأن الكورد جزاً من الحل في العراق وعلى هذا الأساس يتخذون دور الوسيط لمعالجة المشاكل السياسية، فإن هذا الموقف يضع بالضرورة على عاتق الوسيط أن يغض الطرف عن مشاكله هو مع الأطراف الأخرى ويقدم القدر الأكبر من التنازلات من أجل أن لا يصبح هو العائق والعقبة في طريق معالجة المشاكل العالقة بغية الوصول الى إتفاق سياسي وإنجاح مبادرة الوسيط. من ناحية أخرى عندما يصمت صاحب المشكلة ولا يتطرق هو شخصياً الى مشاكله ويتخلى عن حقوق شعبه، عندئذ لاتوجد هناك أية مشكلة ويتولد عنده القناعة المزيفة بأنه جزء من الحل. هذه هي طبيعة وعقلية القيادة السياسية الكوردستانية وهذه هي مواقفها السياسية من التحديات والمشاكل السياسية الحقيقة بين الإقليم والمركز.

إن الحقيقة السياسية على الأرض هي شي مغاير تماماً لتصور ولقناعة القيادة الكوردستانية، الحقيقة السياسية هي إن الكورد جزء من المشكلة في العراق، أو بعبارة أدق أصبح جزءاً من المشكلة، نتيجة صمت القيادة السياسية الكوردستانية من ناحية، ومن ناحية أخرى نتيجة عدم إلتزام الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 بمواد الدستور المتعلقة بالحقوق الوطنية والقومية للكورد في العراق الجديد وإفتعالها الأزمات الواحدة تلو الأخرى بغية التهرب من مسؤوليتها القانونية والدستورية تجاه إقليم كوردستان. جميع المواد الدستورية المتعلقة بالحقوق الوطنية والقومية للشعوب الكوردستانية أصبحت مشاكل عالقة بين الإقليم والمركز (مشكلة المناطق المستقطعة عن إقليم كوردستان، تحديد الحدود الجغرافية للإقليم، مشكلة قوات الپيشمركة، مشكلة ميزانية الإقليم ومشكلة الثروات النفطية وقانون النفط والغاز) وبالتالي من يدعي بأن الكورد جزء من الحل في العراق (المقصود هو القيادة السياسية الكوردستانية)

- فليقدم للشعوب الكوردستانية التعهد الرسمي والخطي من الحكومة العراقية بالسقف الزمني المحدد لتنفيذ المادة الدستورية المتعلقة بتطبيع الأوضاع وإجراء التعداد العام للسكان والإستفتاء في المناطق المستقطعة عن إقليم كوردستان
- فليقدم للشعوب الكوردستانية الإعتراف الرسمي من الدولة العراقية بالحدود الجغرافية لإقليم كوردستان.
- فليتفضل ويعالج مشكلة قائمة نينوى المتأخية بمقاعدها ال 12 التي همشت خلال إنتخابات مجالس المحافظات في كانون الثاني عام 2009 وأبعدت عن تشكيلة إدارة مجلس محافظة نينوى.
- فليتفضل ويعالج المشاكل العرقية التي يتعرض لها الكورد والتركمان في كركوك وخانقين وفي جلولاء وسعدية من قبل الحكومة المركزية نفسها.
- فليتفضل ويعالج الأوضاع المأساوية ومشاكل القتل والتهجير والمضايقات التي يتعرض لها الكورد في ديالى، في سعدية وجلولاء، وليستخدم صلاحياته ومواقعه السيادية والرئاسية لضبط التوازن العرقي داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية في تلك المناطق.
- فليقدم للشعوب الكوردستانية الإعتراف الرسمي من الدولة العراقية بالعقود النفطية المبرمة بين الإقليم والشركات الأجنبية.
- فليتفضل ويعالج مشكلة قوات الپيشمركة وتجهيزها وتسليحها ضمن المنظومة الدفاعية العراقية.

كيف يمكن إذن للقيادة السياسية الكوردستانية في ظل هذا الواقع السياسي المتأزم بين الإقليم والمركز أن تلعب دور الوسيط في المصالحة الوطنية في العراق دون التطرق الى مشاكل شعوبها، بل وعلى حساب الحقوق الوطنية والقومية لشعوبها. وها إننا نسمع اليوم من جديد صرخات وتصريحات أعضاء التحالف الكوردستاني في مجلس النواب العراقي حول التهديد والتهجير والقتل بحق الكورد في سعدية وجلولاء التابعة لمحافظة ديالى. وبالمناسبة يتعرض الكورد في تلك المناطق منذ سنيين وفي عهد العراق الجديد القديم الى أبشع عمليات القتل والتهجير. إذن أيها السادة الكرام في التحالف الكوردستاني، القيادة السياسية الكوردستانية هي التي تخلت عن الحقوق الوطنية والقومية للكورد في تلك المناطق المستقطعة عن إقليم كوردستان وتلتزم الصمت تجاه الأوضاع المأساوية التي يعيشونها ولم تتطرق الى مشاكلهم ومعاناتهم عندما تتخذ دور الوسيط لمعالجة المشاكل السياسية بين المكونات العراقية الأخرى، والجدير بالذكر إن المشاكل العرقية التي يعاني منها الكورد في تلك المناطق هي ليست وليدة اليوم. نتيجة الرؤية السياسية الخاطئة للقيادة الكوردستانية أبعدت أيضاً عن طاولة المفاوضات الورقة الكوردستانية التي تضمنت 19 بنداً قدمت في حينها كشرط مشاركتها في تشكيل الحكومة العراقية نهاية 2010. لو أدخلت المطالب الكوردية الى برنامج عمل الحكومة الجديدة وكانت هناك متابعة مستمرة لتلك المطالب من خلال مراقبة الإداء السياسي لعمل الحكومة، لتمت معالجة عدد من تلك المشاكل العالقة والمذكورة أعلاه اليوم، أو على أقل تقدير كان باستطاعة الكورد، ضمن الأصول القانونية، ممارسة الضغط على الحكومة المركزية لتنفيذ إلتزاماتها وبرنامجها السياسي ومسؤولياتها القانونية. المشاكل العرقية التي يعاني منها الكورد في المناطق المستقطعة عن إقليم كوردستان تتطلب حلول سياسية، لذلك يتوجب على القيادة السياسية الكوردستانية ايجاد حلول جذرية لها مع الحكومة المركزية. وبالتالي نبين للتاريخ وللشعب إن الخلل يكمن في عقلية قيادتنا السياسية، إن الخلل يكمن في الطاقات السياسية لقيادتنا التي لا تتمكن وليس في مقدورها قيادة الشعوب الكوردستانية وفق المعايير الوطنية ووفق متطلبات المرحلة أو الدفاع عن حقوقها المشروعة في هذه المرحلة السياسية الحاسمة التي تمر بها العراق

منذ تأسيس الدولة العراقية والى يومنا هذا كان أحد الأسباب الرئيسية لإنعدام الإستقرار السياسي في هذا البلد هي الإجحاف بحق الشعوب العراقية الأخرى غير العربية، كانت بسبب عدم إعتراف الدولة العراقية بالحقوق الوطنية والقومية للشعوب العراقية غير العربية، لذلك كان يتوجب على القيادات العراقية الجديدة بكل مكوناتها، بما فيهم القيادة السياسية الكوردستانية وسيادة رئيس الجمهورية وضع خارطة الطريق لتثبيت الحقوق الوطنية والقومية للشعوب العراقية ومعالجة جميع المشاكل الأثنية والعرقية في العراق وفق الدستور وإستناداً الى الوثائق والمستندات الرسمية الصادرة في حينها من عصبة الأمم ومن قبل الدولة العثمانية بالإضافة الى الوثائق والمستندات الرسمية لدى الدولة العراقية، من أجل بناء العراق على أسس وطنية متينة وترسيخ المساواة في الحقوق القومية لكافة الشعوب العراقية وإزالة آثار التعريب والتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي التي تعرضت لها المدن الكوردستانية، ومن أجل بناء الأرضية المناسبة وتوفير المناخ السياسي المناسب لبلورة رؤية وطنية وإعادة الثقة بين جميع المكونات العراقية من خلال الشراكة الحقيقية في صنع القرار السياسي في البلد وقطع الطريق أمام الأفراد والأشخاص ورئيس الحكومة التفرد في إتخاذ القرارات. هذه هي المشاكل الحقيقية والتحديات الكبيرة التي تواجه العراق والتي هي بمثابة قنبلة موقوتة تهدد وحدة ومستقبل البلد إذا لم تعالج بشكل جذري ووفق الدستور. لذلك كان يتوجب على القيادة السياسية الكوردستانية أن تكون السباقة الى طرح هكذا مشروع وطني والتحلي بالشجاعة وبالجرأة السياسية والتطرق بكل شفافية وبشكل واضح وصريح الى جميع المشاكل العالقة بهدف إيجاد حلول جذرية لها بما فيها مصلحة جميع الشعوب العراقية، وليس طرح مشروع مايسمى بالمصالحة الوطنية والذي هو في الحقيقة محاولة من أجل إيجاد نوع من التوافق السياسي بين القائمة العراقية وإئتلاف دولة القانون المتصارعتين منذ إعلان نتائج الإنتخابات من أجل الحصول على منصب رئاسة الوزراء.

من يبادر بمشروع المصالحة الوطنية ويحاول معالجة مشاكل الآخرين يفترض منه أن يكون مثالاً يحتذى به في ضمان الإستقرار السياسي في بيته وفي معقله وأنجز الكثير في مجال المصالحة الوطنية والإصلاح السياسي في بيته وبين عائلته لترتيب البيت الداخلي. حول الأوضاع السياسية المتأزمة في إقليم كوردستان، صحيح تم إطلاق بعض المبادرات من قبل القيادة السياسية الكوردستانية وتم تقديم بعض الخيارات للمعارضة، لكن لم يلمس الشارع الكوردستاني الإرادة والنوايا السياسية الحقيقية للقيادة الكوردستانية في إحتواء الأزمة عن طريق أجراء أصلاحات سياسية حقيقية وإجراء التحديث السياسي في شكل النظام الحزبي القائم في الإقليم، منع تدخل يد الحزب في أمور الإقليم ومؤسساتها، محاربة ظاهرة الفساد السياسي والإداري والمالي المتفشية داخل مؤسسات الإقليم، بناء نظام العدالة الإجتماعية ومنع تحزب الأجهزة الأمنية والعسكرية والسلطة القضائية. تلك هي مصادر الأزمة ومطالب الجماهير، لكن نرى بأن القوى الرئيسية الحاكمة وقيادتها السياسية التي تنقصها الرؤية الوطنية والإرادة الحقيقية للإصلاح السياسي تحاول مجرد إمتصاص غضب الشارع عن طريق عقد إجتماعات دورية ورمزية مع المعارضة، وهي تتماطل حتى في عقد تلك الإجتماعات التكتيكية مع المعارضة. إن طريق الأصلاح والتحديث السياسي يتطلب أصلاً من القوى الحاكمة وقيادتها السياسية الرغبة والإرادة والعزيمة لإجراء التغيير في شكل النظام السياسي المتأزم لتلبية مطالب الجماهير وفي خدمة الجماهير ولخدمة المصالح العليا للإقليم، وليس عقد الإجتماعات مع المعارضة لكسب الوقت أو ربما لترضية المعارضة بشكل أو بآخر على حساب مطالب الجماهير. إذا كانت القوى الرئيسية الحاكمة وقيادتها السياسية جادة في طريقها الى الإصلاح السياسي، يتوجب عليها أن تكون على إتصال دائم مع الشارع وأن تكون دقيقة في قراءتها السياسية للشارع الكوردستاني وتستوعب مطالب الجماهير وتضعها في برنامجها الحكومي وتحولها الى مشاريع خدمية بما فيها مصلحة المواطن دون حاجتها الى عقد الإجتماعات مع المعارضة، لكنها إختارت طريق المراوغة والمناورة السياسية وأستطاعت القوى الحاكمة الفاسدة إمتصاص غضب الشارع عن طريق المعارضة المريضة التي تأرجحت بين الإلتحاق بالشارع تارةً والإبتعاد عنها تارةً أخرى أثناء إندلاع الإنتفاضة الجماهيرية في عدد كبير من المدن الكوردستانية. كان يتوجب على المعارضة أن تقدم مشروعها الإصلاحي للقوى الرئيسية الحاكمة وتستمر في إجتماعاتها مع هذه القوى دون أن تجهض خطاب الشارع الكوردستاني وتقضي عليه وتسيسه والتي أدت بالنتيجة الى إبعاد وعزل الجماهير من المعادلة السياسية وتهميش دورها وتأثيرها الفاعل على القوى الحاكمة وقيادتها السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة