الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الولع بالأساطير في الحروب الأخيرة

عبدالنبي فرج

2011 / 8 / 16
الادب والفن



تثير رواية الحروب الأخيرة للعبيد للقاص عبدالنبي فرج كثيرا من الإشكاليات‏,‏ أهمها يتعلق بمفهوم الرواية كجنس أدبي‏,‏ إذ يعتمد علي الشفاهي في سرد الحكايات‏,‏ ممل يقلل من أهمية الحدث ودوره في تطور الصراع‏,‏ فالرواية تكاد تخلو من الحدث المهيمن والمسيطر‏,‏ وكذلك تخلو من الأحداث الفارقة‏,‏ فالصراع قائم بين الإرادات وكأن الشخصيات لا وجود فعليا لها‏,‏ وإنما تأتي في إطار المحكي‏,‏ وهنا تظهر أهم تقنيات الرواية وهي اعتماد آلية الراوي الشعبي أو آليات الحكي الشعبي‏,‏ الذي لا يحكمه المنطق الأرسطي أو الغربي وإنما يحكمه مزاجية الراوي والظروف المحيطة به كولعه بالأساطير والخرافة التي تتخلق بين الجماعة‏,‏ واعتماده العنف كوسيلة بدائية لمواجهة المشكلات اليومية من مأكل ومشرب وفي إدارة الحوار مع كل الطبقات الاجتماعية وإن بدرجات مختلفة‏.‏هنا توزع السرد في الرواية علي مركزين مهيمنين هما شخصية البيه صاحب السرايا والأراضي والسلطة والنفوذ وبين شخصية شبل قاطع الطريق‏,‏ الذي ولد في ظروف اجتماعية‏,‏ بالغة الانحطاط والسوء‏,‏ فأمه كانت قبيحة وتعمل خادمة أو متسولة‏,‏ وهو لم يكن يجد طعام يومه حتي بلغ سن الفتوة ووجد في استخدام القوة والسطو علي ممتلكات الآخرين طريقا للحياة‏,‏ دون أن يعرف ضحيته‏,‏ ولم تترب له أيه مشاعر تجاه الآخرين سوي أنهم مصدر للعيش واستمرار للحياة‏.‏
أما بقية المجتمع من المزارعين والحرفيين‏,‏ فلا سرد لهم وإنما يأتون كشخصيات هزيلة وقليلة التأثير في الصراع‏,‏ إلا أنهم حلقة ضرورية لأن كل الأفعال الإنسانية سواء من خير أو شر تقع عليهم‏,‏ فهم دائما في وضع سلبي يتلقي الأحداث وينفعل بها‏,‏ ويبدو أن مشاعرهم من كراهية وغضب وحقد لا تؤثر علي أحد إلا عليهم‏.‏
وليس أمام القوة الخارجة والممثلة في قاطعي الطريق إلا مصيرين أولهما الموت كم حدث مع موسي عيسي الفتوة أو ظل البطل كما في الملاحم الشعبية أو الدخول بالتدريج إلي سلطة القصر‏(‏ السرايا‏)‏ والعمل علي خدمة البيه وتنفيذ مخططاته‏,‏ كم حدث مع بطل الرواية شبل الذي بدأت أسطورته في العنف وسط الجماعة الضعيفة‏(‏ الفلاحين‏)‏ وعينه علي السرايا والبيه فقد كان يحلم فقط باقتحام السرايا دون أن ينهب شيئا‏.‏

الحروب الأخيرة للعبيد

وتم التعاقد مع البيه أن يعمل جمالا واستطاع أن يروض الجمل العنيف والشهير في القرية بالدلال مرة‏,‏ والعنف والقوة مرات كثيرة حتي حدث نوع من الاطمئنان بين شبل والجمل وفي إحدي غفلات شبل ينتقم الجمل ولا يخلصه من الموت إلا إطلاق الرصاص علي رأس الجمل‏.‏
وبهذه الحادثة يدخل شبل السرايا ينام بها للتمريض‏,‏ وفيها يتعرف علي عائشة بنت البيه ويحبها وتجد فيه نموذج الرجل الذي تطلبه فهي قوية الإرادة والجسد‏,‏ وشخصية مستبدة‏,‏ لا يغريها بالمحبة والعشق إلا قطاع الطريق‏,‏ ذوو القسوة المبالغ فيها والعنف غير المبرر والذي يفرض سطوته بقوة الإرادة وعدم الخوف من المخاطر‏,‏ وفي يومه العادي بالنهار رجل بسيط‏,‏ حنون لا يعرف المواجهة الصريحة إلا قليلا‏,‏ عاشق ضعيف كل أمله أن ترضي محبوبته عنه‏.‏
إن هذا الزواج لم يثمر اجتماعيا‏,‏ لأن مخاوف قاطع الطريق لم تنته‏,‏ ولا يمكن لها أن تنتهي‏,‏ كما أن الزوجة بغريزتها الأنثوية أدركت عدم قدرتها علي الإنجاب وأن هذا الزواج لا غرض من ورائه إلا الاحتفال بهذا الحب في لحظته المعاشة فقط‏,‏ وأنها غير منذورة للتكاثر والتوالد‏,‏ وكأن الراوي ـ الكاتب ـ أراد أن ينفي عن هذه التجربة الكبيرة أية دوافع إنسانية أخري غير الحب حتي ولو كانت ضرورية في المجتمع كإنجاب الأولاد‏.‏
هذا هو متن السرد ومروياته الأساسية‏,‏ أما هوامشه أو بطولته الثانوية فقد جاءت من عائلة الراوي‏,‏ فقد رفض خاله‏(‏ موسي الكومي‏)‏ أن يعمل لدي البيه في السرايا وكان يشعره دائما بالعجز حتي زوجته الصغيرة‏,‏ التي أحبته وظل يدور حول السرايا حتي تخلص البيه منه‏,‏ ولم يجد الراوي إلا سيرة محمد الفلاح لتكون أداة لربط كل هذه السرودات المتصارعة فكشفت بذلك عن طقوس القسوة والحرمان التي تعانيها الطبقات الفقيرة في الريف المصري‏,‏ وكذلك عن لذائذهم الصغيرة وأفراحهم التي لا تدوم‏,‏ فكل الشخصيات تعيش بين موتين هما الخوف أو مقاومة الخوف ولذلك فكلها شخصيات هزلية تثير الضحك والسخرية السوداء وكأنها شخصيات لا وجود لها‏,‏ أو أتت لتؤدي دورا خدميا سواء في السرد أو في الحياة‏.‏
ثم يكمل الراوي ـ الكاتب ـ بنفسه قصة الجماعة المهمشة والفقيرة من خلال علاقتة بزوجة البيه الكبير ولكن كسامع أو ككاتب لسيرتها الذاتية‏,‏ فهو لم يكن خادما بشكل مباشر‏,‏ ككل أهل القرية‏,‏ فهو لم يكن معدما بل متعلما ومثقفا كما أنه لم يملك بطولة وقوة شبل وإنما يمتلك فكرة الخلود وهي الكتابة إن سحر الكتابة لم ينف ولعه الدائم بها كأنثي وكل محاولاته الكثيرة للخروج عن السرد ليست إلا وسيلة لإنقاذ حياته وكتابته من فعل الخدمة‏.‏
إن هذه الصراعات لا تدور بين جماعات اجتماعية تعي دورها في التاريخ وإنما تدور في مجتمع منسي‏,‏ وبعيد عن السلطة المدنية الجديدة‏,‏ تتحكم فيه المغامرات الفردية وتراكم الثروة بشكل لا يخضع للمحاسبة أو المراقبة‏.‏
إن هذا الأداء الروائي يعيد للجماعة المصرية أهميتها في السرد وقدرتها غير المحدودة علي التخييل من خلال الحكايات الصغيرة والأحداث الصغيرة‏,‏ وإن كان للشخوص دور فهو يتمثل في شخصية الراوي الذي ينسج الحكايات التي تتخلق مما هو أسطوري وحقيقي في الوقت نفسه وكأننا أمام وسيط أدبي جديد‏,‏ لا يقل أهمية عن الصورة‏*‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير