الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرفتحي عبدالله روح إنسانية تفيض بالألم

عبدالنبي فرج

2011 / 8 / 27
الادب والفن


الشاعرفتحي عبدالله روح إنسانية تفيض بالألم
قراءة في ديوان «الرسائل عادة لاتذكر الموتي
عبدالنبي فرج
تسعي شعرية فتحي عبدالله منذ ديوانه الأول «راعي المياه» إلي الانحياز إلي كل ما هو جوهري إنساني بامتياز دون أن تحفل بكونها تعبر عن الهامش أو المتن سواء كانوا رعاة أو زراعا، قاطعي طريق أو لصوصا، عمالا أو مهندسين، معبرا عن عالم الريف المستقر. هذا العالم بما يحفل به من طقوس حصاد وري وزراعة وتضامن إنساني يفرضه المجتمع الزراعي.. ولذلك جاءت هذه الشعرية وكأنها نتاج هذا المكان فكان بها قدر عال من انسيابية البناء وبساطة اللغة وغناها الحسي المستمد من أغاني الفلكلور أو الشعراء الشعبيين والذين كانوا يلعبون دورا قويا ومؤثرا في وعي الأجيال السابقة قبل أن تلعب الميديا هذا الدور. حتي العنف الذي يمثل رافدا أساسيا من روافد شعرية فتحي عبدالله جاء مكتوما يرفض أن يخدش هذا العالم السحري ثم خرج منذ ديوانه الثاني سعادة متأخرة عن هذا العالم الزراعي إلي عالم المدينة بما تحفل به من عنف وقسوة وقتل وفقدان للبراءة يفرضها المجتمع الصناعي الحديث وبدل أن تصيبه المدينة بنوع من النكوص ليشرد إلي ظلال الميتافيزيقا أندفع ببراءة الحالمين والخياليين العظام إلي محاولة تدمير المدينة وبناء مدينة متخيلة بعدسة كاميرا ورؤية مخرج سينمائي ولذلك جاء الديوان عبارة عن مشاهد قصيرة تتراوح بين الحادة والناعمة مستخدما تقنية الفيديو كليب ولذلك جاء عبارة عن مشاهد قصيرة محكومة ومضفرة وكأنها قطعة موزاييكو يكون عماد هذه المدينة الحرية والعدالة المطلقة هذه الحرية التي تكفل العدالة لكل البشر بمن فيهم الخلعاء والمهمشون والساقطون من المجتمع وقسوته أما ديوان: موسيقيون لادوار صغيرة، فقد جاء تعبيرا عن دور المديا في الحياة الحديثة وتعظيم دور اللذة حتي أدي إلي استلاب الإنسان.
أما ديوانه الأخير الرسائل عادة لا تذكر الموتي الصادر عن دار «الدار للطباعة والنشر» ليمتح فيها من مسارب شديدة التشعب وكلها مصادر باطنية وسحرية دافئة سواء كانت هذه المصادر من التراث العربي والانساني.. أرواح المتصوفة الكبار، ابن عربي، الحلاج، الدرويش في الصحراء محفوفين بالرمال. الحشاشين، القتلة. المقتولين دون أي نبرة من الإدانة أو روح سليطة، وإن كان هناك بالتأكيد أسي علي المحبوب والفقد، أو ألم هذا الألم الذي يؤانس الشاعر سواء كان الشاعر البرتغالي بيسوا أو روح آنا أخماتوف الشاعرة العظيمة في أول الرحلة (مثل هذا الألم ماكان في طاقتي واحتمالي) أو من خلال اليومي بما فيه من استعراض وطقوس ومشاهد آسرة أو من المناخ السريالي والحلمي، والتي حولت الجملة الشعرية من كونها دالة محملة برموز فقط إلي طاقة روحية وإنسانية آسرة.
هذا ديوان الألم الخالص والعذابات التي تحاول الذات الشعرية ليس النكوص والانزواء تحت هول الضربات أو التعالي الأجوف بل الانفتاح والكشف، وأول هذه الجروح المؤلمة هو غياب الصديق، الأرواح الكبيرة التي يستند إليها الشاعر مثل ابن عربي أو الحلاج.
أو الأب الذي يغيب، لن أقول مات فالشاعر لا يصدق أن هناك موتا وعلينا أن نصدق الشاعر علي اعتبار أن الموت الحقيقي هو فقدان الفاعلية وبذلك يكون الحي فاقد الفاعلية ميتا والميت الفاعل حيا.. وهاهو ينشد..
(كان يغلق أبي خزانة الطعام/ ويطمئن علي نوم أمي/ وأنا ألهث كمن هبط من أعالي الجبال/ ولا أقبض علي قميصه الأزرق/ ربما اختفي)..
أو يطمئن علي الحقل أو يصل رحمه أو زيارة مريض. وارتبط ظهور الأب أو الأصدقاء أو الأرواح العظيمة في التاريخ بلحظات الألم والقسوة اللانسانية باللهاث أو التخبط في السلالم أو القتل والسجن والموت، إنهم الإشارات الطيبة والرحم الانساني الذي يستند إليه لتجاوز المحن والشرور. حتي جثته برمزها المؤثر في الثقافة الإسلامية لا يؤمن عليها إلا المفقود حافظ الأناشيد لكي يمر بها علي البيوت ليروا كم الجروح والطهر. ورغم أن هواجس الموت تسيطر علي ذات الشاعر في هذا الديوان إلا أن هذا نوع من التقية أو السطح الخادع، فتحت هذا السطح سيل من تمجيد الحياة والحب والضحك والاحتفال والخصب والأشجار الحلوي، الأزهار. اللوز، الطيور.
الألم الآخر والذي يعل علي الذات الشاعرة هو الاعتقال وسلب الحرية التي يعتز بها، بل الأساس الراسخ داخله لو فقدها فقد الحياة تماما، إضافة إلي التعذيب الوحشي من أدوات السلطة القهرية التي تحول السلطة من راعية للعدالة إلي دولة بوليسية تشكك في ماض وتهدم في مستقبل.. في هذه القلعة المحصنة بالعدوان يهتف:
في سجن القناطر/ لا أبواب ولا مراوح/ بل عيون تقطع الأنفاس وتترك الأنامل في رعشتها وحيدة
أو كلما دخلوا إلي غرفة/ تخرج الطيور منه كأنها مذبوحة/ ومن يعود إلي غرفته/ وأقدامه صالحة للمشي أو علقوا جثتي في الممر الطويل/ واخبروا الأصدقاء/ أنهم سمعوا هذياني طوال الليل)..
هذا العوالم الكابوسية والأرواح الشريرة التي تطارده في نومه تجعله يتطوق إلي الحرية هذه اللفظة اللعينة التي استهلكت من قبل المرابين والنخاسين والجلادين والطغاة، وباسمها تم تدمير روح البشر واستعبادهم، ورغم ذلك ستظل هذه اللفظة تميمة الفقراء والمضطهدين، والدراويش والأنبياء. وسوف نجد دلالة هذه الكلمة في كل جملة شعرية في الدواوين بل من أو لجملة كتبها الشاعر، لأن الشعر هو ذاته محرر الإنسان من ربقة المادة وقمة التحرر لدي الشاعر هي التعري، وهي الكلمة الأكثر دلالة وانفتاحا ورحابة سواء كان تعري جسد الإنسان المادي البسيط أو التخلي عن الزخارف الاستهلاكية التي تكبل الإنسان وتعتقل الروح في أفق ضيق. ولذلك فالشاعر مفتون بكل من له القدرة علي تحدي قيم المجتمع المغلق السلطوي بعاداته وتقاليده الجامدة الثابتة الغبية، ويصبح الدراويش المنخلعون من شريان المجتمع أو الشواذ والسحاقيات والعاهرات والموسيقيون، دون أي تعال أو انحياز فوقي بل هو يحسب نفسه جزءا من هذا المشهد :
فأنا درويش/ لا شجر لي/ ولا حقائب/ وطعامي من هواءالناس
ولأخرج في الصباح بدون إنذارت/ أو إشارات واضحة )..
كل ذلك في لغة قد تكون مسا من السحر الشفيف، انها شعرية الماس والبئر الصافي أعاد فيه الاعتبار لدور اللغة الحيوي بعد أن تم إهدار هذا الدور بحجة فذلكات المعتوهين وأنصاف المواهب الذين غمروا الساحة الشعرية بسيل من الدواوين الفاخرة حتي سرت في الوسط الثقافية مقولة موت الشعر.
هذا هو الشعر.. والذي يتم حذفه لصالح دائرة فاسدة من أصحاب المصالح وغياب النقد الحقيقي الفرازة. الشيء المثير للسخرية والذي يدل علي تعاظم دور الشائعة وغياب القراءة الواعية أن الشاعر فتحي عبدالله شاعر ذهني؟ وهذا قمة السخرية فتحي عبدالله شاعر الهلاوس والأحلام والكوابيس، إنه ابن المدرسة السريالية العظيمة التي حررت الشعر من الجمود والتقاليد الكلاسيكية، ومن تعاظم دور العقل في ظل سطوة مرحلة التنوير، وهذا لا يعني غياب الذهن تماما في هذه الشعرية، بل يلعب الذهن دورا حقيقيا في الإطار وهل يمكن تصور قصيدة بدون إطار حتي الإطار لدي الشاعر فضفاض في كثير من الأحيان وليست إطارا جامدا فقصائد كثيرة تتوالد من بعضها أو تظهر مكملة لها في منطقة أخري أو ديوان آخر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر