الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتراب الذات

مازن مرسول محمد

2011 / 8 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اغتراب الذات
د. مازن مرسول محمد
من ضمن الرؤى الواقعية لا يمكن تخيل إن الذات تصبح منسلخة ومغتربة بمجرد ابتعادها عن واقعها وموطنها ، فقد تغترب في داخل بيئتها ومحيطها ، إذ لا يتلاءم ما هو كائن مع ما ينبغي أن يكون ، فقد لا تتفق أسس وطبيعة ما يدور في ذهنية الذات الفردية مع ما هو سائد وواقعاً في المجتمع ، الأمر الذي ينذر بوقوع انتكاسات تشمل الرؤى الواضحة حول مستقبل تلك الذات في تعاطيها مع المجتمع وأفراده ِ .
إذ يعني اغتراب الذات وقوعها في فخ عدم التوافق مع ما يدور وما يحدث من علاقات وسلوكيات وأماكن وأهداف ، ولما كان الأمر بتلك الصورة لا يمكن توقع رصيداً انجازياً من الذات المغتربة ، فاغترابها يعني قصورها عن التعاطي مع ما يبقيها متفاعلة وحية ، أيضاً يعني عدم الاستفادة من معطياتها التي ممكن أن تنفع بها المجتمع ، وكذلك الدخول في دوامة الصراعات السايكولوجية التي تخلق نكوصاً وتقهقراً وعدم جدية ونظرة ضبابية للحياة .
لقد غارت السايكولوجيا كثيراً في تحليل معنى الاغتراب النفسي ، وعمدت علوم أخرى لتعميق الفهم في أنواعهِ وربما قد يخوض ويتعرض الفرد لأنواعٍ متعددة منه جاعلاً من ذاتهِ متخبطة تدور دوراناً مفرغاً غير قادرة على تحديد معالم حدودها لتحاول الانطلاق .
إننا اليوم نعيش في لا معيارية خفية لا يمكن تحديد صورها الواضحة بسهولة ، إلا عند امتلاك ملكة واعية تفرز ما يجري اليوم من انتهاكاتٍ واضحة ومحزنة للسلوك والعرف البشري ، والتي عند توافرها ممكن ولربما هناك أملاً في الخروج من دائرة الاغتراب المميتة ، التي ما زالت تحط من قدرات كثير من الأفراد وترغمهم على التراجع والانعزال في دائرة صغيرة ، عسى أن يلقوا فيها ما يشبعهم ويقوّض صورة الاغتراب لديهم .
ولكن للأسف قد يؤدي ذلك إلى وقوع كثيرين في شباك الاغتراب ، وبالتالي تتعثر الحياة وتقوّض .
إن قضية الاغتراب لا تخترق الذات البشرية فحسب وتقف عند حدودها تخشى أن تتجاوزها ، وإنما تؤسس لأمراضٍ مجتمعية قد لا ينفذ المجتمع من أخطارها ، وبمعادلةٍ بسيطة لا يتوافق المنطق مع اللامنطق ولا الفهم مع اللافهم ، والعقلانية مع اللاعقلانية ، والوعي مع اللاوعي أو الوعي المنقوص .
لذا فالأمر اخطر مما قد يكون خاصاً بفردٍ معين ، وإنما يشمل خطره منظومة عقلية وفكرية وحياتية ، ممكن أن تساهم في رفعة ونهضة المجتمع .
وقد لا يشمل الاغتراب دائماً فرداً يملك بداخلهِ إيديولوجيا وسلوكيات هي الصائبة وما يلحظه ويراه على العكس منه ، وإنما قد يغترب من لا تنسجم رؤاه مع رؤى غيره من المجتمع وبشكلٍ قاطع سواء أكان الأول على خطأ أم صواب وبالعكس.
ولا يمكن أن نقرن اغتراب الذات بانعزالها فقط ، وإنما قد يشمل التوافق شكلياً بدرجةٍ أو بأخرى لتسيير أمور الحياة ، لكن ما يعتريه الاغتراب بشكلٍ واضح هو الداخل الذاتي الذي قد يكون محطّماً ويحمل في طياتهِ الكثير من الأمور .
وعليه قد يبحث مغترب الذات عن أشباههِ ولا يعلم في أية وقت أو مكان قد يجدهم ولربما لا يوفّق بذلك ، وخلاصة لذلك تبقى الخسارة كبيرة من خلال انعزال الذات وقوقعتها إلى داخلها دون الانصهار في ركبِ طور الحياة ، والتي لو كانت قويمة لانفتحت تلك الذات وذابت فيها لنشدان مستقبلٍ أسمى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية