الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكفير والتخوين..وسائل إقصاء دنيئة

معاد محال

2011 / 8 / 31
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في الطبيعة الديمقراطية كل شخص يختلف مع سياسة نظام ما يسمى "معارض" له كل الحق والحرية في إبداء رأيه، بل إن انخراطه داخل الحياة السياسية أمر مطلوب لكشف الاختلال داخل أي نظام سياسي وبالتالي محاولة علاجه. أما في الطبيعة البشرية فهذا المختلف ليس سوى شخص "حقود" و"خائن" وعميل"، وفي نظر الجماعات الإسلاموية هو "كافر" و"زنديق" يجب تعريته وإقصاءه حفاظا على قيم المجتمع وأخلاقه ومقدساته. بينما ما يحدث في الواقع هو استغلال كامل لهذه القيم والمقدسات حفاظا على كراسيهم وجيوبهم.
بينما كانت غالبية الشعوب العربية تثور ضد أنظمتها الاستبدادية القمعية، ظهرت في المغرب حركة 20 فبراير وظهرت أيضا التداعيات حولها، ما شد انتباهي ليست الحركة ومطالبها في حد ذاتها ولكن ما كان يُكتب حولها ولا يزال من وجهات النظر المهاجمة لها، ما يدل على أننا بالفعل في حاجة إلى من يعلمنا الفرق بين النقاش الحضاري الهادف وبين اشتباكات "فاطنة" و "يامنة" من شرفتيهما المتقابلتين في حي شعبي، حيث تتهم الأولى ابنة الثانية بفساد الأخلاق لطريقة لباسها لترد عليها الثانية بأن زوجها حشاش وسكير، وفي زاوية جلس المثقف منفردا بنفسه يهز رأسه في أسى يتحسر على هذا الحال الذي آلت إليه أمته. خطرت لي هذه الصورة وأنا أرى فيديوهات وتعليقات ينشرها ما يبدو أنهم مواطنون مغاربة أحرار، ينعتون مؤسسي الحركة بشتى الأوصاف، خونة، عملاء، ملحدين، آكلي رمضان، شواذ....، انصرفوا عن الأفكار وانشغلوا بالأشخاص، كما تم استغلال الموقف العقائدي لأحد أعضاء الحركة –أسامة الخليفي- لشن الحرب عليه، من وجهة نظرهم لا مكان لغير المسلم على هذه الأرض، وكأن درجة الوطنية تقاس بدرجة الإيمان الديني. أغلب ما قرأته عن الحركة لم يكن يتعدى اتهامات انحلال أخلاق وفساد أعضائها من جهة، وهذا الجانب بالنسبة لي لا يخص أحدا غير أصحابه ما دام لا يضر أحد، ومن جهة أخرى تعاطفهم ومساندتهم لجبهة البوليزاريو من جهة أخرى، رغم أني أخشى أنه يتم استخدام ورقة البوليزاريو هذه لغرض الإقصاء وليس لغرض الغيرة على الوطن، ولهؤلاء أقول لماذا لا تعطونهم نصيبهم من الحق في الظهور في وسائل الإعلام الوطنية حيث يكون هناك نقاش جدي تعطى الفرصة فيه لجميع الأطراف بشكل متساو، حينها فقط سيظهر الخائن والغيور، وحينها فقط سأحترم الشعب حينما يقول كلمته. لكن أن تغسل دماغ هذا الشعب بتيار واحد من الأفكار مستخدما كل وسائل الإعلام المتاحة ثم تأتي بعدها وتقول لي: هذا ما أراده الشعب، أقول لك أنا: هذا الشعب تم خداعه والضحك عليه.
عندما تلجأ بعض الجماعات المتبوئة لكراسي السلطة في الدول العربية إلى تخوين المعارضين لها فإنها بهذه الطريقة تعكس عجزها عن المواجهة، تخوين المعارض والتشكيك في وطنيته أسهل بكثير من الجلوس معه على طاولة النقاش معه، وفي أحيان أخرى يتم تجاهله محاولين بذلك إعطاء صورة للناس على أنه لا يقدم لهم شيئا ذا قيمة، لأن إعطاء المعارض فرصته في الظهور يشكل خطرا عليهم، فالناس في هذه الحالة قد تتعاطف معه وربما تنحاز إلى جانبه.
وحينما يتعلق الأمر بالإسلام السياسي وبالجماعات التي تحاول تطبيق شريعة السماء على الأرض، تصبح القضية أكثر خطورة، فأنت تتحدث إلى شخص يدعي أنه نائب الله في الأرض، وله صلاحياته، وحتى حينما يتحدث إليك ينتقي جمله من القرآن، وكأنه يريد تحويل النقاش بينك وبينه إلى نقاش بينك وبين الله، وعندها يصبح رأيك المخالف له مخالفا لله، وبالتالي تصير كافرا وينتهي أمرك، وليست هناك وسيلة لتحريض الناس ضد شخص يحمل تفكيرا مختلفا عن الجماعة أكثر فعالية من التكفير، كما لا أعتقد أنه يوجد فعل أكثر وقاحة من فعل التحدث بلسان الله. وهم دائمي الافتخار كون وصولهم إلى مقاعد السلطة جاء نتيجة معركة ديمقراطية، أي أنه قد تم اخيارهم من طرف الشعب، ويبقى التعبير الصائب في هذا الخصوص هو ما عبر عنه الدكتور سيد القمني كرد على فيصل القاسم حينما سأله:" لماذا أنتم العلمانيين تدعون أنكم مع الشعوب ثم تلومونها حينما تختار غيركم؟" فكان جواب الدكتور:"وكأنك تسألني عن شخصين يبتدئان السباق من نقطتين مختلفتين، الأول في نقطة تفصله خطوتين عن نقطة النهاية والآخر يبعد عنها بعدة أميال"، حيث ناذرا ما يُسمح لمفكر علماني عربي في الظهور على قناة تلفزية عربية ليعبر عن أفكاره بالمقارنة مع ما يتمتع به رجال الدين من شهرة وجاه حتى صارت لهم قنواتهم الخاصة، من الصعب أن تعادل جهود العلمانيين اليوم سنوات من غسيل الدماغ الذي مورس على الشعوب العربية عن طريق سيل من الفتاوى الرخيصة التي تقدمها الفضائيات، العصر الذي كنا متفائلين له، الثورة التكنولوجية وما تتيحه من انفتاح وفرص تلاقي الأفكار، نرى الحكومات الإسلامية قد بسطت سيطرتها على كل وسائل الإعلام وساهمت في هذا الانتكاس الفكري الذي يعرفه الشارع العربي اليوم، وأرجعته أربعة عشر قرنا إلى الخلف.
والغريب في الفتاوى أنها تشمل كل جوانب الحياة، حتى إني لا أستبعد أن يصبح هناك تخصص في الفتوى، فتجد المفتي المتخصص في السياسة يدافع عن الخلافة ومبدأ الشورى، والمفتي في الاقتصاد ينصح الناس بالبنوك الإسلامية، والمفتي في الطب ينصح الناس بالسواك وشرب بول الجمل، في هذه الحالة سيصبح العلماني الذي يقدم أفكاره كالملاكم الذي يدخل حلبة الصراع ويداه مغلولتان خلف ظهره.
الديمقراطية الحقيقية ليست مجرد الحرية في الترشح للانتخابات والتصويت، فقبل أن تتكلموا عن حرية اختيار الشعب لممثليه، يجدر بكم مساعدة هذا الشعب على الاختيار عن طريق إتاحة فرص الاطلاع على مختلف التيارات والأفكار، بهذه الطريقة فقط تصبح مسألة النجاح في المعارك الديمقراطية مرتبطة باخيار الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ