الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر عودة نظام الاستبداد

منذر الفضل

2011 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تشير تجارب التاريخ الى ان انظمة الحكم في الشرق مر عليها حكام طغاة كثيرون , ورغم المآىسي التي تعرضت لها هذه الشعوب بسبب حكم الاستبداد والمصير المذل لكثير من المستبدين الا ان الطغيان ما يزال يطل برأسه أحيانا كلما سنحت الظروف -وهي كثيرا ما تسنح - لاسيما في بلاد الشرق ومنها العراق الذي تعرض الى خسائر بليغة من سياسة التفرد بالسلطة .
واذا كان حكم الطغيان قد مر على العراق تحت ثوب القومية العربية ووحدة الامة من خلال شعارات وهمية لا قيمة لها واثبتت فشلها , فهل يمكن عودة الطغيان تحت عباءة دينية او مذهبية ؟ وكيف يمكن تجنب التفرد في السلطة وترسيخ القيم الديمقراطية واحترام المرجعية المدنية وهي الدستور ومؤسساته الشرعية ؟ وهل ان العراق يتحمل إعادة إنتاج الماضي ؟
-1-
المستبد ..هو كمن يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة ..!
منذ ان أصبح المالكي رئيسا للوزراء في الفترة الثانية بعد صراع سياسي وجدل دستوري وقانوني , لاحظ الكثيرون من المهتمين بالشأن العراقي ان بوصلة الحكم للسيد رئيس الوزراء تتجه نحو تجميع السلطات وتمركزها بيده وحده تحت ذرائع متعددة . فهو يجمع بيده الان خمسة مناصب سيادية حساسة تعكس حالة من حالات الفساد السياسي , وهذه المناصب هي ( رئيس الوزراء,القائد العام للقوات المسلحة ,وزير الدفاع , وزير الداخلية ,مدير المخابرات وربما غيرها من المسؤوليات الحكومية والحزبية ! ). وهذا التمركز في السلطات بيد شخص واحد يثير تساؤلات كبيرة وخطيرة عن حقيقة وجود الديمقراطية والاشتراك في توزيع المسؤوليات في العراق , لا بل حتى الوزراء الذين اختارهم السيد المالكي من الكتل السياسية في ضوء نظام المحاصصة الفاشل فهم في اغلبهم ليسوا من ذوي الخبرة ولا من اصحاب الاختصاص وليسوا من الكفاءات المتخصصة في ميدان عملهم ولدينا شواهد كثيرة.
ولعل اخطر مظاهر التفرد بالسلطة هو حماية المتهمين بالفساد المالي والاداري والسياسي سواء ممن تورط بالفساد من اتباع حزب الدعوة ام من غيرهم من الكتل السياسية الاخرى بسبب صفقات سياسية , وهو انتهاك للدستور وخرق فاضح للقوانين النافذة في حماية المزورين والفاسدين والمجرمين الذين وصل بعضهم الى مرتبة صنع القرارات , وهذا هو ذات الخلل الذي وقع به السيد اياد علاوي والسيد الجعفري ايضا , والشواهد كثيرة على ذلك .
إن من يتابع تصريحات السيد المالكي يجد التناقض والارتباك واضح في خطاباته للرأي العام وهذا دليل اخر على وجود التفرد في الرأي والموقف والاتجاه نحو مركزة السلطة وعدم الاستعانة بخبراء او مستشارين من ذوي الخبرة والكفاءة والشجاعة في قول الحق , ويكفي للدلالة على مانقول ما جاء في تصريحات السيد المالكي بخصوص الدستور الذي كان عضوا في لجنة كتابته عام 2005 فهو تارة يقول عن الدستور عام 2006 لمناسبة الذكرى السنوية الاولى للتصويت عليه بأنه (( أرقى الدساتير في العالم لأنه يكرس مفاهيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان وبناء مؤسسات الدولة وسيادة القانون )) , إلا أنه يعود فيتراجع عن رأيه هذا في كلمته يوم 8 -11 -2008 أمام المشاركين في مؤتمر النخب والكفاءات العراقية قائلا بأن (( الدستور كتب في ظل أجواء الاستعجال والخوف من الماضي ووضعت فيه قيود على سلطات المركز ويخشى ان تصادر الفدرالية الدولة ... الخ , مما يوجب تعديله واعادة السلطة المركزية للحكم وتقييد صلاحيات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم لتقوية حكم المركز لانها تمارس دورا دكتاتوريا وتجاوزات يجب وقفها )).
ومما يعزز ذلك ما قاله في اجتماع مع العشائر العراقية قبل فترة باللهجة العامية :( ليش هو يكدر واحد يأخذها حتى نعطيها ..!) اي لا احد يستطيع نزع السلطة مني وهو كلام واضح ضد مبدأ التداول السلمي للسلطة .
لسنا ضد السيد المالكي ولا ضد حزب الدعوة الذي نحترم تاريخه النضالي , ولكننا ضد المنهج السياسي الخاطئ وضد عودة الاستبداد للعراق وضد نشر الخرافات وضد الاستعانة بجيش من المستشارين لا مشورة لهم , ولهذا نحن ندعم احترام الدستور ونقف ضد أي انتهاكات لنصوصه التي صارت عرفا يؤسف له لاسيما وان كل طغاة الارض لا يريدون سماع الرأي الاخر ويحبون سماع ما تطرب عليه اذانهم من اقول , وهذه مفسدة كبيرة .

-2-
مبادرة الرئيس البارزاني الوطنية
في ضوء هذا الصراع السياسي بين الفرقاء وبخاصة بين السيد المالكي والدكتور اياد علاوي , بادر السيد رئيس اقليم كوردستان الرئيس البارزاني الى جمع الفرقاء والسياسين العراقيين في اربيل وفقا لمبادرة من سيادته لحل المشكلات العالقة التي تضر بالعراق وبالعملية السياسية ومسيرة الديمقراطية ولمنع خرق الدستور من هذا الطرف او ذاك , غير ان هذه المبادرة لم يلتزم ببعض بنودها السيد رئيس الوزراء مما جعل الاوضاع العامة تتوتر ثانية وتتجه الى التأزيم واحتمال فشل العملية السياسية وهذا خطر كبير .
ومن المعلوم ان السيد رئيس الاقليم بما يتمتع به من حنكة سياسية ودراية بالوضع السياسي العراقي يتجه دائما الى حل الازمات بين الفرقاء السياسين والى التاكيد على احترام الدستور ونشر التسامح والحوار ومكافحة الفساد والى ترسيخ اسس الديمقراطية ومنها مبدأ التداول السلمي للسلطة واشراك الجميع لان الديمقراطية لا تعني حكم الاغلبية وانما تعني مشاركة كل القوميات واتباع الديانات والمذاهب في صنع القرارات ووفقا للدستور .
ولهذا نعتقد بأهمية تدخل الرئيس مسعود البارزاني في حل الصعوبات الباقية من مبادرته بحيث يكون هو الراعي لحل الازمات المتكررة في الحكومة الاتحادية لمنع عودة حكم الفرد ولما يتمتع به من خبرة وحيادية واحترام وتقدير من جميع الاطراف السياسية .


-3-
رؤيتنا الدستورية والقانونية لبناء دولة القانون
لا يمكن بناء دولة القانون دون الحرص على الاحترام الطوعي لبنود الدستور والقوانين ومنها احترام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية , وضرورة اعتماد مرجعيات الدولة المدنية في حل الازمات دون غيرها وفي محاربة الفساد بكل اشكاله ومعاقبة الفاسدين والمزورين ونبذ مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية , اذ لا يمكن بناء الدولة المتحضرة بدون احترام اسس الديمقراطية من النخب السياسية الذين يجب ان يكونوا قدوة للاخرين وفي اهمية اشراك التكنوقراط واصحاب الكفاءات في مواقع الدولة من المستقلين الذين لا ينفذون اجندات سياسية حزبية او اقليمية , ولكن ما يلاحظ الان هو وجود مئات الاشخاص في مفاصل الدولة غير مؤهلين لشغل مناصبهم الوظيفية وبعضهم من المتهمين بالفساد من وزراء ومسؤولين كبار دون ان يمثلوا للقضاء .
نأمل احترام استقلال القضاء وعدم التدخل في شؤونه وضرورة تنفيذ احكام القضاء وعدم تعطيلها واهمية تفعيل دور النزاهة ومحاسبة الفاسدين وتطهير المؤسسات من المتسللين من بقايا النظام السابق وبخاصة من الاجهزة الامنية وعدم تسيس الدين او توظيف المناسبات الدينية والمذهبية لتحقيق اغراض سياسية.
وبدون ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة وضمان حقوق المواطنين في توفير الخدمات الاساسية والحقوق التقاعدية ونشر ثقافة الحوار والتسامح وبناء قيم المواطنة ومنها تغيير المناهج الدراسية بما يعزز السلام والامن والاستقرار لا يمكن للعراق الاتحادي ان ينهض من واقعه المؤلم .
هناك مقولة بليغة للفيلسوف الانكليزي جون لوك لطالما ارددها , وقد ذكرتها في كلمتي يوم 14-12-2002 في مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن وهي : (( يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون , أي عند انتهاك القانون , والحاق الاذى بالاخرين )) . وهذا ما صرنا نلمسه على ارض الواقع , وما نخشاه هو عودة الدكتاتورية بثوب جديد , وهذه كارثة ستقود البلاد لمستقبل مجهول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة