الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترويض الجمهور بين السياسي ورجل الدين

عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)

2011 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اتخذ بطريرك الموارنة في لبنان بشارة الراعي مواقف من الصراع في سوريا بانعاكسه على المشرق العربي، لاقت ردود فعل واسعة النطاق، امتدت من لبنان إلى فرنسا والولايات المتحدة. تلقى الراعي تأييداً كبيراً في صفوف كلّ من يقف مع النظام السوري من الشركاء وأصحاب المصالح وكذلك أصحاب المخاوف. كما تلقى وابلاً من الإنتقادات القاسية التي أرادت أن تكشف الفوارق بينه وبين سلفه البطريرك نصر الله صفير بالدرجة الأولى، كما اتجهت إلى اتهامه مع كنيسته بالإنتقال إلى جبهة الرئيس السوري بشار الأسد.

وبصرف النظر عن مواقف الراعي التي انبرى وحده للحديث فيها عمّا يجيش في نفوس معظم من هم غير سلفيين وغير متأمركين بحسب اختلاف المناصب والمصالح... وبصرف النظر كذلك عن الجدل العالمي الحاصل اليوم عن وجوب تنحي الأسد عن سدة الحكم أو توقف نظامه عن استخدام العنف والإتجاه فوراً إلى الإصلاح في مقابل اتهاماته للعديد من الجهات بتمويل مجموعات مسلحة لتخريب سوريا... بصرف النظر عن كلّ هذه المسائل فقد كشفت نشاطات الراعي ومعها ردود الفعل السياسية أمراً خطيراً ما زال لبنان بالذات يعاني منه؛ وهو تداخل الديني بالسياسي ودائماً على حساب الشعب.

لم تكن نشاطات البطريرك فريدة خلال الأيام الماضية، فقد سبقتها أيضاً نشاطات مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الذي اتهم بـ"الإنقلاب" على "فريق" كان فيه والإلتحاق بفريق آخر، واستخدمت خلال تلك الحملة كلّ العبارات التي يمكن أن تستخدم لوصف ناكر جميل، بالإضافة إلى تمزيق الصور، وسوى ذلك من الهجمات القاسية.

واليوم يجد الراعي تأييداً له في لبنان على مستوى القوى الحاكمة والتي يأتي في مقدمها مسيحياً ميشال عون وكتلته وسليمان فرنجية وإميل لحود وغيرهم بطبيعة الحال، وإسلامياً حزب الله وحركة أمل ومعهما القوى السنّية المؤيدة بشكل أو بآخر للرئيس السوري؛ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومن معه، إلى المرابطون والأحزاب الناصرية وسواهم، إلى بعض القوى العلمانية المرتبطة بالنظام السوري كالحزب القومي وحزب البعث وغيرهما. وفي المقابل يجد هجوماً كبيراً عليه من جانب تيار المستقبل وبعض مسيحيي 14 آذار الذين فضل كثير منهم الصمت وعدم التطاول على مقام البطريرك بالدرجة الأولى.

أما قباني فالحملة عليه أسوأ حيث تتهمه بأنّه انتقل إلى خدمة "الفريق الآخر"؛ فريق حزب الله وإيران وسوريا، بعيداً عن الفريق الذي كان يخدمه وهو الفريق السعودي الأميركي. أليس في هذا الطرح إهانة كبرى مثلاً لمنصب هام للغاية كمفتي الجمهورية كائناً من كان من يتولاه؟ بالتأكيد هو كذلك لكنّ فريقاً من اللبنانيين وفريقاً مقابلاً يستغلان دوماً أيّ موقف من رجل دين وخاصة إذا ما كان مغايراً للنظرة السائدة، في اجنداتهم.

وهنا لا شكّ بأنّ مواقف الراعي وقباني بالذات سوف تستنفذ رصيدها عند أول مفترق ومع انتهاء الدور الذي من أجله تم إبرازها في الأصل. فقباني يحاول اليوم أن يستقلّ بدار الإفتاء عن فريق ما ليجد نفسه غارقاً في بحر فريق آخر. والراعي يحاول أن يبدي وجهة نظر المسيحيين وسواهم في الشرق من المسألة السورية، فنجح في ذلك على مستوى من فهم رسالته الموجهة، لكنّ استغلالها شعبياً من خلال توجيه المسؤولين السياسيين لها كلّ في اتجاه تجعله تابعاً لهم ولو بغير إرادته.

وهكذا فإننا أمام مشهد مكتمل من التداخل السياسي الديني المرتبط بأجهزة الإعلام والذي يغيب عنه الجمهور إلاّ في استغلاله تجاه هذا الموقف أو ذاك. وما في هذا قول بعد قول خليل أحمد خليل في بحثه "سوسيولوجيا الجمهور السياسي الديني في الشرق الأوسط المعاصر" حين يقول: "وبالعودة إلى العالم العربي والإسلامي، نلاحظ أنّ الكائن السياسي يتوسل الكائن الديني، كلما اقتضت الحاجة ترويض وعي الجمهور؛ وأنّ الكائن الديني يتوسل السياسي في كلّ حين".

فهنيئاً للجمهور ترويضه هنا... وهناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #