الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الروائي المصري يوسف ابوريا

عبدالنبي فرج

2011 / 9 / 15
مقابلات و حوارات


حوار مع الروائي المصري يوسف ابوريا
عبدالنبي فرج
تطل الأجواء الريفية في أعمال يوسف أبو رية القصصية والروائية، وكأنها تلخيص لجذرية الحياة والوجود، وتكسب هذه الأجواء عالمه وشخوصه جاذبية خاصة. هذا الهم برز في عدد من أعماله، وبخاصة «عطش الصبار» و«تل الهوى» و«الضحى العالي» و«عكس الريح»، وقد صدرت له أخيراً رواية «ليلة العرس». وفي هذا الحوار معه نتعرف على خطوط عالمه الروائي:

* هل تحدثنا أولاً عن العناصر الحياتية والمعرفية التي شكلت وعيك الروائي؟

ـ نشأت في مدينة صغيرة تسمى اداريا «المركز» بمحافظة الشرقية يتبعها عدد من القرى قد يتجاوز الأربعين قرية، وهي تشبه المدن الصغيرة المنبثة على خريطة الوادي والدلتا، فالمشهد المصري واحد ومتكرر، ومتشابه أيضا، عدا تمايزات قليلة واختلافات لا يعتد بها ترجع الى اختلاف العملية الانتاجية أو الموقع الجغرافي الى حد ما، فمدن الساحل والمدن السياحية لها أنشطة مفارقة، وان ظلت نواة المدينة نمطيا ومعادا.

كانت هزيمة يونيو هي انكسار لحلم الأب الذي نقلنا لمدة عامين الى قريته هذه على أن يبني بيتا كبيرا، به حظائر للماشية ومناحل، ومراعٍ للاغنام، وان ينشئ مسجدا يحمل اسمه.

والمدهش في الأمر ان هذه الاقامة المحدودة تركت أثرا عنيفا في تجربتي الحياتية والابداعية، فقد وسمت عالمي الفني بالريفية القحة، لأنها ظلت بئرا أولى أمتح منها، ولم أزل، وقد بدا هذا جليا في غالبية المجموعات القصصية، خاصة «عكس الريح» كما تم التعبير فنيا عنها في رواية «تل الهوى» وهو الاسم الذي نحته لهذه القرية، راصدا فيها انهيار الحلم الأبوي بازدواجيته ـ الناصرية والأبوية، بالمعنى العضوي.

ولم يكن من منفذ للمعرفة غير بائع جرائد بائس، رأيتني اسعى اليه لابتاع مجلة «سمير» فيطالعني عبر رسوماتها الرائعة وجه جيفارا، ومارتن لوثر كنج، وهوشي منه وماوتسي تونغ.

والفطرة بدأت معي بالرسم، لم أجد له سببا وراثيا، ولا مكتسبا جدا، وربما بسبب هذا انجذبت نحو مجلة «سمير» وبدأ النشر معي بالرسومات لا بالكلمات، ونشرت لي المجلة عددا من الرسومات، لم أزل أحتفظ بها. وبدأت الرحلة مع الكلمات متأخرة بعض الشيء، بالتحديد في السنة الأخيرة من الدراسة الاعدادية، وبالتحديد أكثر بعد اطلاعي على أيام طه حسين، سحرتني لغته الجميلة، ودفع الى قلبي ارادة لا حد لها، خاصة حين قرأت له المثل الذي ظل يردده طوال حياته «لا بد مما ليس منه بد» وعزمت على العزلة مع الأجازة الدراسية قبل التحاقي بالمرحلة الثانوية، وعرفت الطريق الى دار الكتب بعاصمة الأقليم «الزقازيق» وبدأت بطه حسين، والصدفة البحتة هي التي دفعتني الى قراءة كتابه «هذا هو منهجي» وقادني طه حسين ببصيرته الجبارة الى رفاق جيله، فطالعت الحكيم والمازني والعقاد والرافعي وقبلهم جميعا المنفلوطي، فسقطت في غواية اللغة، والشعر، وهنا كانت البداية للتجارب الأولى في عالم الكتابة.

* من «الضحى العالي» الى «ليلة عرس» يبدو الجنس في قصص أبو ريه كأنه أداة قهر وتعذيب؟

ـ الأمر يتوقف على الزاوية التي ترى منها النص، فثنائية الجلاد والضحية ستظل قائمة طالما هناك وضع طبقي جائر، فالجنس قهر وتعذيب تتلقاه الضحية، كما يمكنه أن يصير فضاء للحرية، والانطلاق اذا تمكنت من الانفلات، وسيطرت عليها روح التمرد.

في «الضحى العالي» قصة تدل على ما أقول «أيام الصبى والعانس»، حيث يكشف النص مدى التراوح بين الظاهر والخفي، فهذه المرأة تعطي للمجتمع وجها أخلاقيا للحفاظ على طهرها الظاهري بينما يكتشف الصبي الجانب الآخر، فتحدث الصدمة والضحية، وكلاهما ضحية لقانون غامض تضطر العانس لمجاراته حتى لا تتهم بالعهر.

وفي «عكس الريح» ترى في قصة «السقوط على الأرض» رؤية أخرى، فهذا العجوز الفين يستطيع بماله ان يشتري زوجة شابة تناوش جسدها غريزة حية ويسكنها في بيته مع ولده الشاب من زوجة أخرى، فكان ولا بد من وقوع المحظور، ومن ثم فالجنس نوع من التحدي لكل ما هو بال وقديم، ونوع من عبور الحواجز فهو رد السوي على كل ما هو غير سوي واستثنائي.

وفي «ليلة عرس» يتحول الجنس الى طاقة تحرر، وتحقق للعشق تدفع المتلقي للتعاطف معه في حالته السوية، لأنه نوع من الخلاص تتحقق به بهجة مبتغاة، أما الجنس الآخر المدبر فهو ممثل للقهر والتعذيب، فكما بدأت أؤكد أن الجنس ليس نوعا واحدا، حتى لو كان نوعا واحدا فإنه يقبل تعدد القراءة وهذا اثراء للنص.

* فرط الاحتفال بالواقع وتفاصيله في أعمالك أدى في بعض الأحيان الى رتابة السرد؟

ـ ربما ظهر هذا في الروايتين الأوليين «عطش الصبار» و«الجزيرة البيضاء» كنت مغرما بالمكان، ومتشبعا بتفاصيله، وكنت راغبا في التعريف به، كأنه عالم مميز في مواجهة القاهرة الغلابة التي تسحق بثقلها البشري والمعماري كل القادمين اليها.

أما الروايتان الأخيرتان «تل الهوى و«ليلة عرس» فقد تخففتا من التفاصيل التي لا ضرورة لها، وقامتا على درامية الحدث والوقائع، لا درامية التفاصيل التي تؤرخ للمكان.

تأتي التفاصيل في هاتين الرواتين لاهثة ومتضافرة مع حركة الشخصيات، كما تأتي عند اللزوم لاشباع واقعة بعينها، لا كنتوء غليظ، يقف سدا في عين الشاهد.

ثم ان رتابة السرد ليست عيبا في كل الأحيان ربما تأتي كضرورة فنية، لتقول ان هذا المكان راكد ويصيبك بالملل، والسأم مما يدفعك للفرار منه اذا واتتك الفرصة، فما بين الحركة والسكون يقع السرد مستجيبا لحالة الشخصيات ولشعور الكاتب بأهمية ذلك فلا شيء يأتي عبثا.

* في روايتك الجديدة «ليلة عرس» تبدو الشخوص وكأنها معرض للعاهات، هل هذا انعكاس لعجز العالم أم هو تمثيل نمطي لعالم القرية؟

ـ لقد فوجئت مثلك بهذا المعرض، لم أقصده، ولم أخطط له سلفا، ولا أجد في نفسي إجابة شافية لتقليل هذا الأمر. لكن دعني اسرد لك اجتهادات بعض النقاد في هذا الأمر. أول من فاجأني برصد هذه العاهات د. جابر عصفور فقد عددها في مقاله «الأعرج، الحنفاء، العمياوات، العوراء، العنين» فضلا عن الشخصية الرئيسية حودة الأخرس، وتساءل هل استدعى البكم كل هذه العاهات؟ وقال ان الرواية عن عالم هجين تتصارع فيه عناصر القرية والمدينة، اذن فهو عالم شائه استدعى كل هذه التشوهات، وقريب من هذا الرأي كتب د. محمد برادة بعد رصده للعاهات المذكورة، وقال انها شخصيات افتقدت عضوا من اعضائها وظلت رغم ذلك شخصيات حية متسقة مع حياتها لا تشعر بنقص ما.

وطبق د. شاكر عبد الحميد فكرة المسخ على العالم المطروح كلية، وتناول فكرة الغياب على مستويات مختلفة، وذكر ان افتقاد الحاسة أو أي عضو جسدي تمثيل آخر لصور الغياب المتكررة.

هذه قراءات متعددة ومتباينة ما يخصني بشكل شخصي، ان هذا الكائن الذي يؤلف لنا والكامن بداخلنا، قد يفاجئنا بأمور لا ندركها بوعينا، فهو يعمل وفق نظامه الخاص، مصدره النبع البعيد للعقل الباطن، ويمنحنا رسائل قد تبدو غامضة، لكنها قابلة للاجتهاد والتفسير بمقاربات مختلفة ولا يمثل الكاتب أحد اطراف هذه القضية المعقدة لأنه يقول كلمته في نصه الابداعي، ثم عليه أن يصمت، ليستمع جيدا للآخرين.

* المرأة تبدو في «ليلة عرس» وكأنها منتزعة من بطلات السينما وليس من الواقع الحياتي؟

ـ عند قصة قديمة اسمها «الملاك» عن فتاة وقع في عشقها كل أبناء الحي، ردد لها الفلاح المواويل وكتب لها التلميذ نصا من كتابه المدرسي، والغرباء الذين افترشوا ظلة دارها ليتناولوا غداءهم قضموا أيديهم بدلا من اللقمة ـ حين اطلت عليهم من شرفتها ـ والحاوي الذي ظل يوهم الناس بعبور الطوق بين النار والسكاكين فعل ذلك في قفزة حين رآها مقبلة نحوه.

هل هناك ـ في الواقع ـ امرأة كهذه؟ اشك. ولكن النص الابداعي قد ينحاز الى امرأة معشوقة فيتجاوز بها، وتصير كنساء الأحلام، تجد هذا في شخصية «فكيهة» في «ليلة عرس» فهي المرأة المثال المرغوبة دوما، دون اكتمال التحقق، على النقيض مثلا تجد امرأة أخرى نموذجا للقبح والدمامة مثل «عزيزة الخنفا».

وعلى كل حال فإن العمل الابداعي مهما ادعى اقترابه من الواقع هو تجاوز له وخروج عن تبسيطه وابتذاله، فلعلك تقصد ببطلات السينما «المثال» لصورة المرأة.

* اختلاط ذاكرة واحلام وافكار الكاتب مع صوت الشخوص خاصة «حودة» في «ليلة عرس» أدى الى ارتفاع وعي هذه الشخصيات بشكل مبالغ فيه؟

ـ يجتهد الكاتب في تقمص شخصياته الى أقصى حد لكنه لا يزعم التطابق التام، يحاول التماهي والامتزاج رغم تنوعها وتباينها.

الشخصية الرئيسية ـ كما تعلم ـ في «ليلة عرس» بكماء، وفي كثير من اجزاء الرواية ترصد الأحداث بالأنا المتكلمة، وهنا على الكاتب الغوص في اعماق هذه الشخصية لامتلاك الصوت، الأقرب والأكثر تعبيرا، هنا يقع المحظور، لأن الوقائع تنقل عبر مستويين «أنا متكلم» خرساء في الواقع، وكاتب مهيمن كلي النظرة، فعلي المتلقي أن يقبل بالحد الأدنى من طاقة التعبير، المستوى الآخر حين تتعامل الذات الخرساء مع الآخرين فلا بد للجوء الى الاشارات وكان التساؤل الذي واجهني: هل لكل أخرس اشاراته الخاصة التي تتفق وتكوينه العقلي والوجداني وهل للمستوى الاجتماعي وخصوصية المكان دور في اختلاف الاشارات؟

وفي ندوة عن «ليلة عرس» في معرض الكتاب فوجئت بأحد اساتذة علم الاشارات وكان قد قرأ الرواية بمحض الصدفة، يقف ليسأل كيف درس المؤلف علم الاشارات، ليطبقه ببراعة في هذه الرواية؟ وقد فرحت لهذا لأني كنت أخشى أن يخرج عليَّ أحد هؤلاء الدارسين ليصمني بالغباء وعدم الفهم للغة الخرس.

* يقودك أحيانا الاستغراق في وصف معالم المكان، الى سرد مجاني يضر بالعمل؟

ـ في رواية بهذه الكثافة لا يمكن ان يأتي السرد مجانيا، لا شيء غير ضروري في العمل الفني، ان المشاهد والأحداث والوقائع تشكل نسيجاً، ولا تمثل خروجا عن الموضوع.

ان حودة، وسعدون والمعلم عثمان وفكهية وكل الشخصيات الرئيسية والهامشية لا تعيش في الفراغ، انها تقيم بين الآخرين، في تقاطعات وتوازيات عبر صراع خفي أو محتدم. يتحرك في عالم زائل، تشكل الريفية واجهته الأساسية. وفي مكان ضيق ومحدود مهما كانت مدينية، الكل يعرف الكل، حتى الجد السابع، فكيف لا يتناقلون الحكايات، وكيف لاتبهظهم التواريخ الشخصية ربما بعيدا تاريخ الوطن ذاته؟

* هل الواقعية استنفدت اغراضها، ولذلك لجأت في الفترة الأخيرة الى الفانتازيا؟

ـ لم أكن واقعيا بحتا في يوم من الأيام والواقعية مصطلح يحمل تدرجا متنوعا، ولا يمكن تحديده في اسلوب واحد، حتى الكاميرا غير واقعية، يمكن بزاوية الالتقاط احالة ما هو موضوعي الى شكل سحري، علاقته بالاجزاء المكونة له.

ان النص الابداعي لدي منذ مفتتح «الضحى العالي» وأرجو ان تعيد قراءته لا يمكن وصمه بالواقعية ولأنني انتمي الى عالم يخلط ما هو واقعي بما هو خرافي وسحري وأسطوري، كان النص مستجيبا للمصدر الأول في عقول البشر الذين قضيت بينهم طفولتي وصباي، انهم يؤمنون بتحليق النعوش، والسير على الماء، وان القطار روح يسري بين جدران بيوتهم، وانهم يعتقدون في «عمولات» المشعوذ والدجال ويمرون اسفل بطن الجمل للقضاء على العقم، وان أرواح الاسلاف لا تغادر منازلهم.

فجاء النص مستجيبا لهذا المزج بين ما هو خرافي وغيبي، وأحيلك الى «طلل النار» و«غياب في التراب»، وغيرهما على سبيل المثال.

* شخوص «أبو رية» على الحافة «المدن ـ المجتمع» هذه الطبقة المهمشة المكون الرئيسي في عالم «أبو رية» هل هذه رغبة في اظهار انحيازك الايديولوجي والانساني لهذا العالم؟

ـ لا أكره شيئا في حياتي كراهيتي لهذه الكلمة المقحمة «المهمش» والـ«المهمشون» أو ما يتردد على ألسنة رجال الدولة، فيطلقون عليهم «محدودي الدخل»، لقد جاءت بدائل لكلمات زمن المد الاشتراكي، الفقراء والطبقة الكادحة، العمال والفلاحون. كيف يكون مهمشا وهو في قلب الحياة، هو مهمش وهو بؤرة الحدث، ومستقبل الصراع ؟ انها صفة جاءت من عل، من طبقات ضعيفة الأصل، محدثة نعمة، تسيج حياتها بأوهام القوة والنصر، وتحتقر كل ما هو جميل وحي، لا تملك ذائقة فنية، ومعادية للثقافة الرفيعة.

والكتابة عن الطبقات الفقيرة قديمة قدم الكتابة نفسها، ماذا تقول عن جوجول أو تشيكوف، أو ماركيز، وآمادو، وفوكنر، وشتاينيك، ماذا تقول عن «المعذبون» عند طه حسين، أو نجيب محفوظ، ويوسف ادريس صحيح أنا لا أنتمي لهذه الطبقة، ولكني لا اتعالى عليها ، كتبت عن مأساة طبقتي في سقوطها المروع بعد رحيل الأب المؤسس «عبد الناصر».

ولكن مع ذلك أميل للكتابة بمحبة فائقة عن أجير أبي وعامل طاحونته أكثر من ميلي للكتابة عن الأب ذاته الذي حمل في سلوكه نزعة طاغية، في حدود وضعه الطبقي، وحين وصفته يوما امام أصدقائه بأنه هو الذي يمثل الاقطاع في جبروته لا الباشا صاحب الأرض، حزن حزنا شديدا، وأسف على اكمالي تعليمي، وقال لاصدقائه وهو يضرب الكف بالكف: علمته من أجل أن يصفني بالاقطاعي .
عبدالنبي فرج
روائي مصري له اعمال
جسد في ظل (قصص)
· طرق ممتدة وقد تم تغيير الأسم لطفولة ضائعة
· الحروب الأحيرة للعبيد
· ريح فبراير
· مزرعة الجنرالات رواية
· سجن مفتوح رواية
ت 0193397060
[email protected]
[email protected]
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رحم اله مبدعنا
ابراهيم المصرى ( 2011 / 9 / 16 - 09:13 )
صباح الفل سيدى هل كتبتها فى ذكرى وفاتة؟ عايزها؟اتفضل خدها هكذا زمجر للقط رحم الله يوسف وهدى السينمائين لتناول اعمالة بدلا من التفاهة اللى بيتحفونا بيها

اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا