الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل النقدي والتغيير المنشود

ماجد الشيخ

2011 / 9 / 26
المجتمع المدني


أن يلجأ النظام العربي لإصلاح نفسه بنفسه، عبر تحقيق مجموعة إصلاحات مستحقة تاريخيا، حتى من قبل أن يولد هذا النظام أو ذاك من أنظمة "ما بعد الاستقلال"، مسألة أكثر من راهنة. أما أن يكون النظام يعيش تحت كنف دستور من عدمه؛ فهذه ليست هي المسألة، فالإصلاح مسألة وجودية ومصيرية راهنة على الدوام، كذلك الدستور، واجب الوجود، كعقد إجتماعي مهمته الرئيسة وصل كل ما انقطع بين مكونات الدولة من مواطنين على اختلاف وتنوع وتعدد تلك المكونات، من دون تمييز أو تحيز أو محاباة، ناهيك عن أن الدستور كأب للقوانين جميعا، ينبغي أن يكون نتاج إرادة مواطنين تجمعهم وطنية جامعة؛ كشعب واحد موحد، هو مصدر كل تشريع، وهو مرجعية كل ما يتعلق بأمور التحاكم والتقاضي، في ما يتعلق بأمور الدولة، على أن ذلك تحديدا هو ما يميز بين الدولة الدستورية، وتلك الاستبدادية التي لا تخضع لأي مرجعية أو شرعية، سوى تلك التي يحددها مزاج ومصالح و"إرادة" الحاكم الفرد، أو نخبة طغموية تتحلق حوله، وتمنحه كل فروض الولاء والطاعة العمياء، لتصبح السادية سيدة السلطة وإحدى موجهاتها الأساس ضد الشعب كـ (عبيد للسلطة).

إن أهمية اشتغال العقل النقدي، أنه الأقدر على فضح موات العقل النقلي التابع، الخاضع لسلطة هي الأخرى تعادي كل عقل مستقل، لا يسير في ركابها، أو يبرر لها كل أفعالها وفعالياتها العاملة والعامدة إلى تغييب العقل وترذيل النقد، وإخضاع السياسة وتأميمها، وتخوين كل محاولة للتغيير، خصوصا تلك التي تشمل كل أبنية السلطة، قديمها والجديد غير المتغير، المحافظ والأكثر استمساكا بالماضي وبأفكار ماضوية لا يمكنها الانتساب إلى الحداثة والمعاصرة والتنوير، وبالتالي فإن وضعها في صف قوى التغيير والثورة، وإمكانية مضيّها حتى النهاية لتحقيق أهداف التغيير المنشود، وهم ما بعده وهم، الوهم الذي قد يقود إذا ما استحكم إلى هدم هيكل الثورة، ويقطع الطريق عليها، وعلى مهمة التغيير.

من هنا عدم الاكتفاء في سياق العملية التاريخية الجارية في بلادنا اليوم، بالتغيير السياسي الفوقي للأنظمة الحاكمة، أو تغيير رؤوسها والإبقاء على بنيتها أو بناها التقليدية، فما يجري في مصر اليوم كما وفي تونس وليبيا، يؤكد مخاض الثورة المستمر، طالما أن التغيير المنشود، التغيير الذي يستجيب لحاجات وضرورات مرحلة من أشد مراحل ومفاصل منعطف تاريخي راهن في تحقيق ونيل الشعوب والمجتمعات لحرياتها الأساسية والطبيعية، وتحررها من سلطات طغيانية، ودمقرطتها في سياق عملية أشمل هي نتاج الحاجات الوطنية لا الإملاءات الخارجية، وهي في كل حال عملية تنويرية ونهضوية تؤسس لمواطنة حقة دستورية وقانونية، لا ينازعها أحد في سلبها أو الانتقاص منها.

لهذا لن يكون بناء أو استعادة بناء الدولة، مهمة سهلة، في ظل تشويهات بناء السلطة التي قادت إلى بناء "دولة بوليسية أمنية" منفصلة أو منفصمة عن مجتمعها، المجتمع الذي نّظر إليه دائما على أنه المنافس الرئيس للسلطة الأمنية، مما جعلها تتعمد الإبقاء على ذات الإشكالات والمعضلات المجتمعية، وأبقت المجتمع ذاته رهينة الإخضاع والإكراه، والعيش في ظل جدران الصمت والخوف التي بناها النظام في "مملكته" طوال عقود من الجور السياسي والجور الإنساني السادي المتواصل في أروقة السلطة.

إن التحدي الراهن المطروح أمام العقل النقدي التغييري، الإجرائي والمنشود اليوم وفي المستقبل؛ مستقبل حراكات الشعوب العربية ومجتمعاتها في ميادين الكفاح التحرري لإراداتها؛ يحتّم توسيع آفاق العمل والقوى والأدوات الصانعة للتغيير، وإدراجها جميعا في أتون كفاح ثقافي مدني ومجتمعي، إضافة إلى ما هو سياسي، بمعنى التهيئة لبناء نظام سياسي جديد لدولة مدنية حديثة، طالما أننا لسنا في صدد إعادة بناء النظام القديم وسلطته الجديدة، بوجوه أخرى غير تلك القديمة ممن كانت تحسب على النظام القديم؛ وطالما أن هدف التغيير المنشود يتجاوز بناء دولة تقليدية موروثة مفاهيمها وبناها الهيكلية من تاريخ غابر، من قبيل "دولة الخلافة" أو "دولة دينية" أو "دولة مدنية ذات مرجعيات دينية".. إلخ من صيغ يتفنن العقل النقلي في ابتداعها إزاء بناء الدولة.

إن إعادة بناء المفاهيم السياسية المعاصرة، هي المهمة الأبرز لمجموع القوى ذات المصلحة العليا في التغيير المنشود، ففي ظل مهمة الهدم التي تقوم بها الثورة بمجموع قواها الفاعلة والمؤثرة، ضد سلطة النظام/الأنظمة الطغيانية الاستبدادية، تقوم مهمة بناء الدولة الجديدة، دولة القانون والمؤسسات المدنية الحديثة. ولئن كانت وتكن هذه المهمة سهلة نسبيا في البلدان الأعرق سياسيا وحضاريا، إلاّ أنها مهمة صعبة، وقد تقارب المستحيل في عدد من بلدان أكثر تقليدية وتخلفا؛ في ما تتبناه من مفاهيم سياسية خاضعة هي الأخرى لتبعية مركبة في تحديد ارتباطاتها وخياراتها، مع خارج إقليمي أو دولي لا يتحرك بدوافع إنسانية خيرية بحتة، أو سياسية محضة، بقدر ما تحركه دوافع المصلحة والمنفعة والرؤى الأشمل للهيمنة في إطاراتها الأوسع.

التغيير المنشود إذن، يتخطى واقع استبدال نظام بنظام، سلطة بسلطة، مرتكزاتهما هي ذاتها؛ التغيير المطلوب تحديدا في هذا المنعطف التاريخي الراهن، يتجاوز واقع ما نراه ونعايشه، وما تسعى إليه قوى دينية وسياسوية متخلفة، للإبقاء على أنماط الضخ المعرفي والثقافي، كأيديولوجيا تعادي إواليات وإمكانات أي تطور؛ هو وليد أفكار الحداثة والتنوير، كنتاج لمفاهيم سياسية معاصرة وحداثية منشودة، في ذات مستوى نشداننا لتغيير له طابع الإلحاح التاريخي المطلوب؛ كتحوّل لا بد ولا مناص منه، وصولا إلى دولة المواطنة والقانون والمؤسسات المدنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف فجرت حرب غزة جدل حرية التعبير في الجامعات الأمريكية؟ | ا


.. Amnesty Launches Annual Report on the State of Human Rights




.. وكالة -الأونروا- تنشر مشاهد للدمار في غزة في اليوم الـ 200 ل


.. بطلب من الأرجنتين.. الإنتربول يصدر نشرة حمراء لاعتقال وزير د




.. إسرائيل تستبق الاجتياح البري لرفح بإنشاء مناطق إنسانية لاستي