الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنفصال 28 ايلول كان محتوماً.. لماذا؟

عصمت المنلا

2011 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


حاولت جاهداً أن أقرأ شيئاً عن ذكرى سقوط أول وحدة عربية بين قطريْن بانفصال سوري عن مصر،فلم أجد، إن
28 أيلول 1961 كان يوم إنفصال الوحدة السورية – المصرية.وفي 28 أيلول 1970 تصفية الرئيس عبد الناصر. هل كانت مصادفة؟..ام نتاج متعَّمد وتخطيط مدروس من جهة أرادت الربط بين الإنفصال، ونهاية عبد الناصر؟
الإنفصال ،كان محتوماً ومُقرراً، منذ إعلان وحدة مصر وسوريا في 22 شباط /فبراير 1958..لأنه كان للوحدة جملة أهداف ،فإسرائيل المرابطة مثل الكابوس على حدود مصر وسوريا ،لم تكن في وارد السماح بقيام أول وحدة عربية بين قطرين شقيقين.ما لم تكن هذه الوحدة من شأنها أداء خدمة للكيان العبري..على أن تنفصم عُرى الوحدة بمجرد أن تستنفد أبعادها المرسومة لها بدقة شديدة ،وفي التوقيت الملائم ،بعد أن تكون أدَّت المطلوب منها على أكمل وجه بالنسبة للمصالح الإسرائلية .
إسرائيل لا تهيمن على منطقتنا حديثاً إلى جانب الهيمنة الأميركية ..بل هي تمسك بخيوط اللعبة الشرق أوسطية منذ قامت كياناً مُعترفاً به في الأمم المتحدة( قامت الدولة في 1948 وإنضمت إلى المنطقة الدولية في 1949).
بين عام 1949 ويومنا هذا..إسرائيل تمسك بالسياسة، والأمن،والإقتصاد،وحتى ببعض الأنشطة الثقافية والفكرية في المنطقة،سواء مباشرة ، وعلناً ، أو باطنياً في الخفاء ..ولكن دائماً تحت جناح النسر الأميركي المهيمن على كل شاردة وواردة في هذه المنطقة المترامية الأطراف .. من موريتانيا غرباً إلى باكستان شرقاً ، ومن تركيا شمالاً، إلى اليمن والصومال وشرق أفريقيا – جنوباً.
المعروف في السياسة الدولية ، أن من يحكم الشرق الأوسط .. يحكم العالم ، وهذا ما كان من الإدارات الأميركية المتعاقبة في واشنطن،والأمر عينه ينطبق على الإدارات الإسرائيلية التي تعاقبت على الحكم في فلسطين المحتلة.
ويجدر التذكير – هنا - أن أساس زرع اليهود وإستحضارهم من الشتات إلى فلسطين، بدعم دولي غربي قادته بريطانيا بدايةً ، ثم أميركا لاحقاً، كان بهدف إقتطاع موقع إستراتيجي جغرافي يقع في قلب الوطن العربي ..فإن فلسطين بموقعها الخطير والمهم في تميزه ،يربط بين جناحي العرب..جناح شمال أفريقيا بدءاً من مصر وحتى موريتانيا، متضمناً الجنوب في السودان والصومال ، وجناح آسيوي من الشمال والشرق بدءاّ من سوريا والأردن وبلاد الخليج والعراق ، ومع الإمتداد جنوباً حتى اليمن.
دفع الفلسطنيون من دمهم ومن خراب ديارهم ثمن (مسمار جحا)هذا الذي أراد الغرب – أولاً ، واليهود ثانياً-ألاّ يجتمع شمل العرب في وحدة كبرى تنافس الجباريين اللذين كانا : الولايات المتحدة ، والإتحاد السوفياتي مع التذكير بأن وحدة العرب كان من شأنها أن تتفوق بطاقاتها وإمكانياتها وبثرواتها على القطبين الجبارين معاً في آن واحد . كيف.. والأمر كذلك ، يمكن السماح بإقامة نواة لوحدة عربية من قطرين هما: مصر وسوريا، تكون أساساً وقدوة مشجعة عربية أشمل..في ظل هيمنة أميركا والكيان العبري (الوليد حديثاً) على المنطقة.. ما لم يكن لهما مصالح تقتضي مثل هذه الوحدة بين أهم قطرين عربين إستراتيجياً ،وبشرياً..؟
قبل تعداد أهداف صناعة تلك الوحدة ، والمصالح التي حققتها للأعداء يجدر التذكير بالكيفية ، والأسلوب الذي تمّ إتباعه من جانب الأعداء لدفع سوريا (البلد الديمقراطي الوحيد في المنطقة ) إلى طلب الوحدة الفورية مع مصر (البلد الرازح تحت حكم العسكر وقمع المخابرات)..
أيضاً ، قبل عرض الكيفية والأسلوب ، يجدر الإجابة على التساؤل المشروع : لماذا تم إختيار سوريا تحديداً للوحدة مع مصر .. وليس السودان – مثلاً - الجار الجنوبي لمصر تجمعها حدود مشتركة ، وتداخل بشري ومصاهرات ، وتاريخ مشترك ، إضافة إلى أن السودان كان ينضوي في وحدة (مصر والسودان) تحت الحكم الملكي ، ولم تنقض عدة سنوات على حكم عسكر 23 يوليو 1952 حتى إنفصمت هذه الوحدة بفعل فاعل ، طبعاً، ولم يكن الفاعل المسيء ، الشرير، سوى مجلس القيادة العسكري الحاكم في القاهرة .. وهذا الفعل يؤشر ، بل يؤكد ، على إرتباطات مجلس القيادة بالإدارة المعادية الممسكة بحزم وصرامةعلى كافة مجريات الامور السياسية والأمنية والإقتصادية في المنطقة ، والتي أشرنا إليها بالثنائي الشرير : واشنطن ، وتل أبيب.
في الوقت عينه لم تكن الوحدة ممكنة بين مصر وجارتها ليبيا – مثلاً - والحدود المشتركة الطويلة تجمع بينهما ، بينما ما يفرق هو نظام الحكم الملكي في ليبيا-أولاً ، وثانياً-إستقصاد ، وتعمّد الخطة المعادية.. إستدراج سوريا تحديداً لهذه الوحدة ،ونأتي الآن إلى شرح كيفية حشر سوريا في الزاوية ، والطريقة التي إتُبعت للتعجيل في إقامة الوحدة ، وكانت أساليب دولية مُجرَّبة ، نجحت مع سوريا.. لأنها حاصرتها من كل الجهات عسكرياً بذريعة أنها تحولت قاعدة شيوعية ، لمجرد أن نائباً واحداً في البرلمان السوري كان شيوعياً، ولكن الحزب غير ممنوع في الديمقراطية السورية ، وراحت أُبواق الإعلام الدولي والعربي تصّور الوضع السوري أنه(النظام الأحمر) ورئيس الحكومة خالد العظم الرأسمالي المعروف، وصفه الإعلام بأنه رئيس الوزراء الأحمر ، وقائد الجيش اللواء عفيف البزري قيل عنه أنه اللواء الأحمر.. إلى آخرهذه الإفتراءات والبروباجندا التي أقنعت الرأي العام الدولي بحصار سوريا-1-حشدت إسرائيل جيوشها على كامل الحدود مع سوريا -2-حشدت تركيا جيشها على الحدود الشمالية لأكثر من 850 كيلومتراً-3- حشد الأردن جيشه، وكذلك فعل العراق وهما تحت حكم الأسرة الهاشمية الملكية - 4- إقترب الأسطول السادس الأميركي من الشواطىء السورية في حصار بحري مُحْكَم أعاق حتى العمليات التجارية التي تعتمد النقل البحري -5- قامت السفارة المصرية بشراء بعض ذمم غير المتحمسين للوحدة ،ودفعت رشاوي سخيفة للصحف ، وللصحفيين والكتاب الذي كانت لديهم تحفظات على إلغاء الأحزاب في سوريا، وعلى ضرب ديموقراطيتها بالشكل المفضوح الذي إتخذته الدعوات لوحدة عاجلة غير مدروسة بالتفصيل.
وفي ما يلي الأسباب والأهداف :
1- ضرب أول نظام ديمقراطي عربي ، بل النظام الوحيد في الشرق الأوسط الذي تمّيز بديمقراطية وحرية وسيادة وإستقلالية حقيقية من خلال ما كان يمثله النظام البرلماني والحزبي والإعلامي الحر في سوريا، والتخلص من هكذا ديمقراطية عربية هدف إسرائيلي إستراتيجي:
أولاً - لإظهار الكيان أنه وحده الديمقراطي في المنطقة ، وما يستتبع ذلك من تعاطف وتأييد دول الغرب الديمقراطي.. إلى حد التحالف مع هذه الدول ، وإستغلالها أقصى إستغلال في مساعدة الكيان العبري بكل أشكال المساعدات،العسكرية والتقنية والمالية والإقتصادية .. الخ
ثانياً- لأن الديمقراطية السورية أتاحت لملازم أول (بحري) إسمه جول جمال أن ينطلق بطرّاد حربي من القاعدة العسكرية البحرية في اللاذقية إلى الشاطىء المصري المحاذي لبور سعيد ، ويندفع بسرعة مصطدماً بمدمّرة إسرائيلية ( أغرقها واستشهد) كانت تشارك في العدوان الحربي الثلاثي ( إنجلترا ، فرنسا، وإسرائيل) على مدن قناة السويس المصرية في أعقاب تأميم القناة في عام 1956..
ووجدت إسرائيل ومعها الإدارات الحاكمة في دول الغرب الأوروبي وأميركا أن إستمرار النظام الديمقراطي في سوريا يشكل تهديداً مستمراً لإسرائيل .. وبالتالي وََجَبَ التخلص من هذه الديمقراطية السورية الوحيدة في المنطقة، وإلحاق سوريا بحكم مخابراتي ،عسكري ، يضع حداً للهواجس الغربية والإسرائلية في آنً معاً، من خطورة أن تتكرر مثل حادثة الملازم أول جول جمال الفدائية التي باتت مثلاً أعلى يتحذى عند الشباب السوري ، وخاصة العناصر العسكرية الملتهبة حماسة وغيرة وطنية سورية.. وقومية عربية وحدوية.. وقد وضعت الوحدة مع مصر حدّاً لهذه الحرية ببسط حكم المخابرات على الطريقة المتبعة في مصر ، من خلال تولية عبد الحميد السراج مسؤولية الأمن والمخابرات في سوريا بمساعدة كبار الضباط المصريين..
2- مع إنهاء العهد الديمقراطي الذهبي في سوريا، تم تعيين قائد جديد للجيش السوري(الإقليم الشمالي للوحدة مع مصر كانت الإقليم الجنوبي).. هو اللواء جمال فيصل الذي أصدر أول أمر عسكري يومي في بدء تسلمه منصبه، يقضي بالإمتناع بتاتاً عن إطلاق النار من الجانب السوري على الحدود مع الكيان العبري .. إلاّ في حال الدفاع عن النفس والتعرض لإعتداء من جانب العدو .
كان يعني هذا الأمر العسكري الأول بعد قيام الوحدة .. أن تتوقف الأسلحة السورية عن التعامل مع محاولات إسرائيل تجفيف بحيرة "الحولة" في الجليل الأعلى بمحاذاة الحدود مع سوريا.. وكانت إسرائيل قد دأبت منذ سنوات على محاولة ردم البحيرة، وكان الجيش السوري يتصدى لتلك المحاولات بإطلاقه النار عند أول تحرك للآليات المكلفة بالردم، سواء نهاراً أو ليلاً.. وفي خلال سنوات الوحدة (القصيرة) أنجزت إسرائيل ردم البحيرة ، وحوّلت أرضها إلى مزارع تعطي ثلاثة مواسم زراعية في العام الواحد..
3- تعويم النظام الحاكم في مصر،وكان على وشك السقوط بعد أن يئس المصريون من إمكانية عودة العسكرالى ثكناتهم ، وعودة الديمقراطية ( حتى النسبية التي كانت في العهد الملكي)، وإنتشار الفقر زيادة عن معدلاته السابقة، بخاصة بعد التهجير الجماعي للسكان في مدن قناة السويس من بورسعيد شمالاً على البحر المتوسط ، إلى السويس جنوباً على البحر الأحمر.. وما بينهما من مدن ، بسبب الدمار الذي أحدثه العدوان الثلاثي الغاشم في عام 1956 على المصريين في تللك المنطقة وتدمير مدنهم وديارهم، وبالتالي ، تشتت أكثر من ثلاثة ملايين مواطن مصري في أرجاء مصر ، التي كان تعداد سكانها في ذلك العام ( عام العدوان الثلاثي) حوالي 19 مليون نسمة .. فكانت تداعيات هذه الهجرة الجماعية ثقيلة جداً على مصر ، ومسؤوليات إعادة بناء وإعمار المدن التي تهدمت ، ولا موازنة مالية لها ، وليس من دعم مالي خارجي من أية جهة ، طالما أن النظام الحاكم يزعم إنحيازه نحو الإشتراكية ، والمعسكر الشرقي..ة ذًَرا للرماد في أعين المصريين والعرب ، وبخاصة أن إنقلاب 23 يوليو 1952 قد باغت الشيوعيين المصريين الذين كانوا يخططون لثورة حقيقة ، كما باغت تنظيم الإخوان الذي كان يخطط لثورة مشابهة أيضاً.
4- التأثيير السلبي المعنوي والنفسي على روح الشعب السوري المّحب للوحدة العربية وكأنها تجري في دمه، وفي جيناته البشرية ، وذلك من خلال التجاوزات في المعاملة بشتى المجالات في ( الإقليم الشمالي السوري).. ونشر الفساد ، والإفساد على كافة المستويات ، سواء من خلال أعضاء الحكومة المحلية التي تم تعيينها من القاهرة ، أو المدراء والمسؤولين ، أو من خلال المعاملة الفوقية التمييزية للضباط المصريين مع الضباط السوريين وكافة الإدارات المدنية بسوريا.. حتى كره السوريون هكذا وحدة ، ولم يمضِ عام واحد حتى باتت الشكوى جماعية من الشعب ومن المسؤولين في آن واحد .. وصارت الوحدة مع مصر كابوساً يؤرق الجميع ، وصار التداول بالإنفصال يعمّ في البيوت والمكاتب وفي كل مكان يجتمع فيه السوريون، وعندما قام العقيد زياد الحريري ورفاقه الضباط بإنقلابهم على الوحدة ، وإعلان الإنفصال في 28 أيلول 1961 بعد ثلاث سنوات ونصف من عمرها.. تقبل السوريون الحدث الإنفصالي بفرح كبير، تماماً ، كما فرح السودانيون - سابقا -
بالإنفصال عن مصر ، وإعلان دولتهم المستقلة، للأسباب المعنوية والنفسية ذاتها التي بذرت بذور الكراهية في نفوس السوريين لأول وحدة عربية بين قطرين ، كان يمكن أن تنجح في إستقطاب دولاً عربية أخرى إلى وحدة أكبر ، وأشمل، لو كانت القيادة العسكرية المصرية غير مرتبطة بتنفيذ خطة معادية مرسومة بدقة لتحقيق إنجازات بعينها من تلك الوحدة .. وضرب أية فكرة لأية وحدة أخرى قد تفكر إحدى الدول العربية في الدعوة اليها، أو إقامتها مع دولة شقيقة أخرى.
28 أيلول /سبتمبر يوم إنفصالي حزين في عقيدة الوحدويين العرب الذين لطالما تمنوا يوماً تتحد فيه الأمة لمواجهة العدو الإسرائيلي ، وإزالة الإحتلال ( الكابوس) عن أرض فلسطين .. ومع ذلك يرى البعض في يوم 28 أيلول ذكرى رحيل الرئيس عبد الناصر، وكأنه هو الحدث الأهم من حدث الإنفصال.. وكِلاهما، حدثان حزينان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تفضل بالقراءة
برنار ( 2011 / 11 / 22 - 11:39 )
توطئة / اخترت الاسم برنار لأن هذا اسمي فى منتدى لبنان الحرية ، والذى من خلاله تعرفت على كتاباتك عن طريق عضو مؤمن بك جداً اسمه ملك الحرف .

قد يبدو طرحك تحليليا ً ومنطقياً لشخص لا يعرف (( بواطن الامور )) ولسوء حظك ليس هذا حالي ، فعن اى نظام ديمقراطى تتحدث فى سوريا وهى التى لم تشهد نظام ديمقراطى منذ ايام الخليفة معاوية بن ابى سفيان .

اما بالنسبة لتفاصيل محاوله الوحده بين مصر وسوريا فأتفق معك ان تخريب هذه الوحده وكل وحده عربيه كان ومازال وسيبقى الهدف الاول والاساسي لكل اعداء الامه .

يبقى اخيراً ان اشير الى ان اعداء الامه متقدمون الان علينا بعدد من الخطوات ، ولكى نسبقهم يجب ان نسرع قليلاً

اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل