الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة شرف

أيمن بكر

2011 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


كيف يمكن وصف الأزمة التي يعاني منها عصام شرف رئيس وزراء مصر الحالي ووزارته؟
من الواضح أن اختيار شرف من قبل المجلس العسكري رئيسا لوزراء مصر كان ضربا لعصفورين بحجر واحد؛ فمن ناحية بدا المجلس العسكري كمن يستجيب لمطالب الثوار حين اختار أحد من رشحوه بأنفسهم رئيسا للوزراء، ومن ناحية ثانية تسمح شخصية عصام شرف الخجولة والمعروفة لدى الحكام العسكر بالسيطرة عليه وتوجيهه لأغراض المجلس العسكري وليس لأغراض الثورة التي تعبر عن جموع المصريين. تمت السيطرة على شرف نفسيا أولا وذلك من خلال وضعه في تناقض أخلاقي بين إعلانات المجلس العسكري المنحازة للثورة والتي لا يستطيع شرف أن يشكك فيها لطيبته الشديدة وافتراضه الصدق في كل ما يقال له حتى يثبت العكس، وبين شبكة معقدة من المعادلات السياسية التي لا تعبر عن الثورة ولا تقترح أي حل جذري للأوضاع القائمة. ضمن هذه الشبكة من التعقيدات كان المطلوب من شرف أن يعمل طبقا لآليات النظام المعتادة والطبيعية في عصر مبارك. بدا هنا أن الأمر بحاجة لشخصية من نوع مختلف يمكنها أن تدير المرحلة وتصنع من نفسها مقابلا قويا يمكنه أن يصحح ما يخطئ فيه المجلس العسكري؛ شخصية تستطيع أولا أن تدرك حجم القوة الهائلة التي تقف وراءها، وأعني الشعب المصري، كما يمكنها أن تأخذ قرارات جذرية تستخدم تلك القوة في فرض واقع جديد لا بديل عنه. ما حدث هو أن عصام شرف تحول تدريجيا-لكن بسرعة- إلى منفذ لتصورات المجلس العسكري عن المرحلة الانتقالية ولا أقول تصورات المجلس العسكري عن كيفية تحقيق مطالب الثورة؛ فليس لدينا دليل واحد على سعي المجلس العسكري الحقيقي لذلك.
أول ظهور لأعضاء من المجلس العسكري في لقاء مباشر على الهواء مع بعض شباب الثوار كان في برنامج العاشرة مساء، واجه أحد أعضاء المجلس الشباب بسؤال وضعهم في حيرة لحظية فأجابوا إجابة خاطئة عن هذا السؤال. وعلى الرغم من سرعة اللحظة وما يبدو على السؤال من بداهة فقد أسس السؤال وإجابته لمنطق الفعل في الأشهر التالية. كان السؤال الذي اتخذ شكل استنكار هو: هل تريدون منا أن نفرغ معتقلات ونملأ معتقلات جديدة؟ السؤال الاستنكاري كان في سياق دعوة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب هي الدعوة لسيادة القانون.
إجابة الثوار النبيلة والخاطئة عن السؤال السابق كانت بالنفي، قالوا لا..... لا نريد أن نفرغ معتقلات ونملأ معتقلات جديدة؛ مع أن ما يريدونه وتريده الثورة وينص عليه التاريخ هو العكس تماما، ما يحقق العدل تحديدا هو أن يتم إطلاق سراح المعتقلين في عصر مبارك وملء المعتقلات برجال مبارك، ليس من باب الانتقام أو الرد الانفعالي العنيف، بل من باب اتقاء شرورهم التي نعرف جميعا أنهم لن يتورعوا في إحراقنا جميعا بها، وهو ما حدث بعد ذلك وكاد يحدث فتنة طائفية عميقة. كان الرد الصواب: نعم نريد ذلك، بل لا سبيل سوى ذلك، نريد أن نملأ المعتقلات من رجال مبارك ورؤوس الحزب الوطني ورجال الأعمال الفاسدين ورجال الشرطة القتلة وفاسدي المحليات؛ فلا سبيل لاتقاء هذه الطبقة العريضة من المتضررين من الثورة إلا بوضع أيدينا عليهم حتى يسقط النظام حقا، ويقوم نظام جديد واضح قوي قادر على السيطرة على طوفان الفساد الذي ورثناه من عصر مبارك، وتمثل في كل من تحالف أو دخل في شبكة مصالح فاسدة مع هذا النظام الإجرامي. كان هذا الرد كفيلا بتوضيح الأمور من بدايتها وإبراز التناقض الحقيقي بين المجلس العسكري الذي لا يعرف كيف يدير شئون البلاد إلا عبر ما تعلمه أفراده من خلال نظام مبارك، وبين الثورة التي تريد ببساطة إسقاط نظام مبارك بكل متعلقاته.
لكن ما علاقة ذلك بأزمة شرف؟ من الواضح أن المسار الذي رسمه رجال المجلس العسكري غير المدربين على الحكم كان - مع افتراض كم غير عادي من حسن النية - مسالما وساذجا أكثر من اللازم، فالتعامل بالقانون مع عصابة من اللصوص والقتلة تمرست على اختراق القانون وتسخيره والتلاعب به هو سذاجة غير مقبولة، فالمعادلة حتى الآن لم تزل غير متوازنة وتميل كفتها للنظام السابق: رجال مبارك يسيطرون على الأماكن الحيوية، وللسخرية قامت حكومة شفيق بتثبيت عدد منهم داخل حكومة الثورة وحتى القضاء لم يسلم من تشوهات بسبب تحالف بعض رجاله مع نظام مبارك، وإلا كيف نفسر ترزية القوانين وكيف نفسر بعض الأحكام التي أسهمت في ترسيخ نظام مبارك، بل وفي أي فريق يمكننا أن نضع شخصية مثل مفيد شهاب؟ غير أن ما أصاب القضاء، وبشهادة الجميع، يبقى ضمن الحد الأدنى من الفساد بالنسبة لباقي مؤسسات دولة مبارك. رسم المجلس العسكري مسارا يستند إلى القانون الذي احترف رجال مبارك اختراقه كما أشرنا، ومن جهة ثانية تخبرنا طبيعة الثورات عبر التاريخ (ومنها انقلاب العسكر في 1952 الذي أسبغ عليه الدعم الشعبي صفة الثورة) أن التحولات المطلوبة لهدم النظام الفاسد وإقامة نظام آخر لابد أن تكون تحولات جذرية سريعة تقوم بسن قوانينها وتشريعاتها التي تراها طريقا آمنا لتحقيق أهدافها وشل أعدائها المتمرسين على آليات النظام السابق. الأزمة التي سقط فيها شرف أنه تم جره إلى مسار المجلس الأعلى الذي يضمن فشل الثورة أكثر من أي مسار آخر. لم يستطع شرف أن يحدث أي تغير يذكر طبقا للقوة الثورية التي تدعمه، ولم يستطع أن يغير في منطق التعامل مع الفترة، بل ولم يستطع حتى أن يغير بعض وزراء حكومته ممن يراهم غير أكفاء على أقل التقديرات. سقط شرف في معادلات نظام مبارك التي تبناها المجلس العسكري ربما دون وعي.
ما يدعم أزمة شرف هو التماسك العجيب الذي أظهره نظام مبارك بعد سقوط مبارك نفسه؛ حيث استطاع النظام أن يلتف ويحمي أكبر قدر من عناصره، لدرجة أن أحدا لا يستطيع أن يفرض علنية المحاكمات التي تجرى بصورة غامضة لرجال النظام السابق. تماسك نظام مبارك مع عدم جذرية التحرك الحكومي الحالي خلق حالة من الشلل التام لشرف وحكومته؛ فهو بسبب شخصيته الخجولة لا يستطيع صنع مواجهات قوية مع أعضاء المجلس الذين يتمتعون بثقة وهدوء غير مفهومين، وفي الوقت نفسه كانت أركان النظام السابق ومؤسساته الحاكمة كالشرطة في حالة كمون وهدوء تكتيكي فقط حتى تمر العاصفة، ثم في أول فرصة عادت للضرب بالمنطق نفسه وبالتوحش ذاته. الداخلية ورؤوس النظام السابق يراهنون على الوقت ونفاد صبر البسطاء، وهو رهان لو صح لهم لأدخلنا في نهر من الدم لا يعلم نهايته إلا الله. نحن نمر بأزمة وطنية حقيقية تتجاوز أزمة شرف، وأحسبها ستزداد صعوبة وكلفة إن تباطأنا أكثر من ذلك في إزالة نظام مبارك من جذوره أيا كان موقع هذه الجذور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست