الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمرة الرّمان

ريم ابو الفضل

2011 / 10 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



فى حديقة بيت جدى أختزل أجمل ذكريات طفولتى...

تحت شجرة الرمان العتيقة كانت أحلام طفولتى تتجسد فى اقتطاف ثمرة من ثمارها، لا يهم أن تكون الثمرة ناضجة أم لا

المهم كنت أشعر بسعادة حين اقتنصها ملتهمة إياها.. مختبئة تحت ظلال الشجرة..

غير عابئة بنصائح أمى التى تحذرنى من أكل الرمان غير الناضج..غير عابئة لملابسى التى تتناثر عليها علامات السعادة متمثلة فى بقع الرمان

كانت ثمرة الرمان لاذعة كالليمون..حباتها لا زالت بيضاء كالثلج

لكننى كنت أراها حمراء كالياقوت...حلوة كالشهد

كنت أنتهى من التهام الثمرة..فالتفت إلى شجرة التوت فأجدها ضخمة عملاقة بالنسبة لقامتى..أشعر وأنا تحتها بعظمتها..وضعف قوتى ؛ فأعزم على أمرٍ لو افتضح لتراجعت و..لكننى لم أتراجع

وسط تشجيع أولاد خالى.. أتسلق شجرة التوت، وألتهم بضع ثمرات، وأقذف لهم بأخريات

لم نكترث جميعا لطعم هذه الثمرات التى لم تؤهلنى خبرتى لانتقاء الجيد منها..ولم نخش العقاب الذى سيلاحق المتسلق، والمشجع، بل والمتفرج...

وإن كان عاقبة الأمر ذات مرة "علقة" لجميع أولاد خالى من والدهم ؛ لتشجعيهم لى نالنى منها جزءا بسيطا لأننى كنت ضيفة.. رغم استحقاقى للنصيب الأكبر..ولم يثنينا هذا عن المرات التالية

تذكرت أيام طفولتى فى حديقة جدى التى شبهتها بمعترك الحياة لدى طفلة صغيرة..

ووجدت أننا كنا نمتلك شجاعة وعزم وإقدام ..لا نتحلى بهم اليوم رغم الخبرة، والوعى، والحرص الذى منحتهم لنا الحياة مقابل ما سلبته من التلقائية، والفطرة، والبراءة

فقد كان المقابل ليس بسيطاً...

فالحياة لن تعطيك خبرتها مجاناً .. كمان أن الشجرة لن تعطيك ثمارا بلا جهد

وجدت أن الحديقة ضمت كل نماذج الحياة المُحّرض، والناشط ، والمؤيد ، والمتفرج

بل و قانون الطوارئ الذى يصادر حرية طفلة فى مخاطرة تسلق الشجرة لإشباع نهمهما فى ممارسة الحرية فى الحقيقة... وليس فى التهام ثمرة لم تنضج بعد

وجدت أننا بقلوبنا الغضة البريئة ..وعقولنا الصغيرة رضينا بما حصلنا عليه بعد عملٍ شاق حتى وإن بدا لا يستحق المغامرة ،والمخاطرة من قِبل من يحكمون الحديقة

فالجد والعمل الذى كنا نخوض به عملنا الشاق فى الحديقة كان دافعه ثمرة نسعد بها ..

لكن أعتقد أن رغبتنا فى خوض تجربة الاختيار كانت هى المحرك.. ونجاحنا فى اجتياز مخاطر التجربة كان هو الدافع للاستمرار

فلم نكن ننتظر اختيار الكبار لفاكهة ناضجة يقدمونها لنا حتى وإن كان لذيذة ، ولا نشعر بسعادة لذلك

ولكن التجربة بكل متاعبها ومخاطرها كانت تحقق لنا ذاتنا ..وتنفث عنا كبت حريتنا التى كنا نشعر به كأطفال محكومين من قبل أسرهم يعيشون تحت مظلة قانون الطاعة

وجدت أن قلوبنا التى خلت من أى نكتٍ سوداء لم تر إلا كل جميل فى هذه التجربة

فقد رأت الرمان حلوا رغم كونه لاذعاً

ورأت التوت سهل المنال رغم مشقة الوصول إليه

رأت المخاطرة مغامرة لذيذة دون حساب لمخاطر وتحذيرات تحف بالبلاد.. أقصد بالحديقة وأبنائها ..

فتجربة الحرية وممارستها تستحق كل ذلك.. وفى النهاية لن يأكل الرمان إلا من خاطر من أجله.. والتجربة تحتم علينا أن نلتقط الثمرة، ونتذوقها فربما كانت ناضجة؛ فنسعد ،أو لاذعة فلا نحزن

وكلاهما لم نعده فشلاً

رأت أن التهديدات أو القوانين لم تثنينا عن طريقنا مهما كان العقاب مشددا..

والحل أعتقد من وجهة نظرنا حينذاك أن نمارس حريتنا تحت أعين الجميع ورضاهم بدلا من ممارستها دون رضاهم، ووسط عسكريتهم أو سلطتهم

لن يحد أى قانون من حرية يتشوق إليها طفل ..شبل ..شاب أو كهل

إن القلوب البريئة والنفوس البيضاء التى يحملها الصغار يمكنها أن تحتفظ ببياضها ونقائها ؛ فترى الأمل فى كل خطوة، وتستشعر السعادة فى كل لحظة لا تثنيها عوائق الحياة، ولا يدميها نوائب الدهر،
وصروف الزمن

إن عين الطفل ليست عين فى كل الأمور قاصرة..بل هى لبعضها باصرة...ونحن نظن أننا نرى أفضل وأشمل.. وهى نظرة لا تتغير من كل معيل أو ذى سلطة، أو صاحب قرار

لم يكن لدينا الصبر من وجهة نظر الكبار لأن ننتظر حتى تنضج الثمار..كما يفعل شبابنا اليوم فى تعجل قطف ثمار الحرية وسط نصائح الكبار بالتمهل والانتظار

كان وقتى فى حديقة جدى يعد لهوا..ولكنه فى أجندة طفل كان عملا

لم يكترث بأشواك فى الحديقة قد تجرحه...أو عثرات قد تكبحه..

ولكنها ممارسة الحياة التى قد تعطيك ثمرة حلوة أو لاذعة.. برغم مشقة الحصول عليها...فلا تندم لوقت أو جهد أفنيته

كما أن الرضا ، والجمال الداخلى الذى يحظى به كل طفل ويفتقده الكبار يجعلك لا ترى إلا المتعة فى العمل الشاق، ولا تشعر إلا بحلاوة فى كل ما تتذوقه وكأن اللسان يصدق على ما قلبك من صفاء

ف الرضا الذى نستشعره ونحن نقشعر من طعم الرمان اللاذع، أو نتألم من جروح وخدوش جراء التسلق وخلافه، أو حتى بعد عقاب يحرمنا من الخروج للحديقة هو حكمة من أطفال لم يجربها للأسف الكبار
فالحكمة تقتضى أن ترضى بما اقترفته يداك ،وبنتائج أي مشروع أو تجربة

التجربة خير برهان حتى وإن كانت إرهاصاتها تنبئ بعدم نجاحها.. ولكن خوض التجربة هو تقدير لقيمة الحرية، واحترام لمن يطالب بها

فهلا منحنا هذه الحرية لأطفالنا ..ومنعنا قمع شبابنا...فنتذوق حلاوة ثمارنا..وإن بدت للآخرين لاااااذعة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة