الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مآلات الخارطة- الجيو- بوليتيكية- في الشرق الأوسط

عماد يوسف

2011 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


بات اليوم، أكثر من أي وقت مضى، واضحاً أنَّ القطب الأميركي الذي ساد العالم خلال العشرين عاما المنصرمة قد بدأ بالتقهقر في عصرنا الراهن. تعود أسباب ذلك إلى تداعيات عدّة تشكّل بمجملها ارهاصات منظومة العولمة وايديولوجيتها التي فشلت في ايجاد الحلول أو الإستجابة للأزمات العالمية المنبثقة عنها، والخانقة التي بدأت تعصف بالمجتمع الرأسمالي العالمي ابتداء من سبعينيات القرن المنصرم. لقد أخطأ فوكوياما، المفكر الأمريكي من أصل ياباني، التقدير عندما أعلن نظريته الشهيرة " نهاية التاريخ "، إذ كيف يُمكن أن ينتهي التاريخ وكلّ نظرّيات الفكر السياسي والاقتصادي العالمي من ماركس وانجلس وهيجل وكنط وغيرهم أقرّوا بجدلية حركة التاريخ المستمرة والمتجددة .؟! فالتاريخ هو حركة دائمة، لا تتوقف عن الدوران..؟!
إذاً الممالك تنتهي، والدول تذهب، وقد تعود وقد لا تعود، لآ شك أنَّ العامل الأساسي في انتهاء تلك الدولة أو تلك، هو أزماتها العميقة التي تعيشها في مستوى الداخل والخارج. وليس خفي على أحد بأن ما تعيشه الأنظمة الرأسمالية العالمية اليوم من أزمات يصل إلى حد التوصيف ، بالأزمة البنيوية العميقة التي تتطلب قلباً شاملاً لمنظومات كبيرة من الفكر والإيديولوجيا التي قامت عليها منذ ما يُقارب المئتي عام. عندما تشكَّلت كأنظمة ليبرالية عادلة إلى حد ما، ووصلت إلى درجات الرأسمالية والإمبريالية، منتهيةً بالعولمة ونهجها القاتل في تحييد دول ومجتمعات عالمية واسعة عن المشاركة في عملية الإنتاج، وتحويلها إلى أتباع اقتصاديين وسياسيين بالمعنى الإلغائي لوجودهم وكيانهم الاقتصادي والسياسي والثقافي ..!
تنهضُ قوتان ضاربتان في المدى المنظور والقريب جداً في عالم اليوم، هما الصين وروسيا، هاتان القوتان تشكّلان توازناً، بل ميلاً لكفّتهما على حساب كفّة الغرب الأوروبي والأمريكي. فهما قوتان ناهضتان تعيشان أزمات متواضعة بالمقارنة مع أزمات الغرب الاقتصادية الخانقة. ومعدّلات نمو متسارعة وعالية مقارنة بغيرها من الدول. وبوجودهما، لا بدّ من أن يتولد صراع جديد في عالم اليوم، مع التأكيد على أن الهند كدولة عملاقة، ليست بعيدة عن التشابك والتحالف الاقتصادي والاستراتييجي مع هاتان القوتان، وليس الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن مؤخراً حول سوريا سوى دليل على تطور أدوات الصراع إلى مستوى المواجهة العلنية فيما يخص مصائر الشعوب ومصالحها وأنظمتها السياسية، وفيما يخص التوازنات الجيو_ بوليتيكية. الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط والعالمية بالمعنى العريض للكلمة.
الشرق الأوسط هو قلبُ العالم، ولابد لأي امبراطورية واسعة من أن تؤمن مصالحها الاقتصادية والسياسية في هذه المنطقة الحيوية جداً. حيث تحقق من خلالها أمنها القومي البعيد، وفي هذا السياق نجد مبررات الإحتلال الأمريكي للعراق، وأفغانستان، وإسرائيل التي تشكّل الأداة التنفيذية لمصالح الغرب، بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية الصاعدة، تركيا مثالاً. ودول الإنحلال العربي سانداً وداعماً لهذه السياسات. من هنا نجد أنَّ الأزمة السورية ليست بعيدة عن تخوم هذا الصراع، ارهاصاته، وتجليّاته، ومآلاته البعيدة. فالروس والصينيون التقوا ببعض أطراف المعارضة السورية في الخارج. ولديهم تصور كامل عن الواقع السوري وتحوّلاته السياسية المستقبلية فيما لو حصل. وقد علموا تماماً أن هواء هذه المعارضة بغالبيتها هو هواء أمريكي غربي بإمتياز، لذلك نجدهم داعمين متشبثين بالنظام الحالي الذي يحققون من خلاله وجوداً اقتصادياً وسياسياً بعيد المدى في المنطقة. فسوريا تُشبه الدوّار الذي يربط عدّة شوارع ببعضها، فإذا ما خرجتَ منه لن تستطيع العودة إليه إلاّ من البدايات، ولكن حينها ستكون الطرق قد أغلٍقت بسبب تحويل المسارات ..؟!
ستشهد العقود القادمة صراعات كبيرة ومنافسات أكبر على وجود هذه القوى، حيث سنرى انحساراً واضحاً للمدّ الغربي الأوروبي والأمريكي، مقابل نفوذ واسع لدول عملاقة مثل الصين، الهند، وروسيا، وقد تشكّل إيران أحد الخطوط الهامة على خارطة المنطقة في دعمها لنهج هذه الدول التي تربطها بها علاقات قوية جداً، تصل إلى مستوى التعاون النووي، كما يحصل مع روسيا. لذلك، نرى بأنَّ الصراع الدبلوماسي في مجلس الأمن، وأروقة الأمم المتحدة ما هو إلاّ ارهاصات لصراع خفيّ تدور رحاه في أقبية السياسات العالمية الكبرى التي تقضي جلّ أوقاتها برسم مصائر بشر وأوطان والتخطيط لمستقبلهم وتطلّعاتهم بحسب ما تخدم مصالح هذه القوى .؟
في غالب الظنّ ستكون هذه القوى هي الأقدر من غيرها على الإستجابة لتطلّعات البشر واحتياجاتهم، وطرح الحلول الممكنة لمشكلات العالم التي بدأت تتعمق وتتضخم، ابتداءً من التلوث ومشاكل البيئة وانتهاءً بالسباق النووي والصراعات الاقتصادية الكبرى على منابع الثروات العالمية في شتى أنحاء المعمورة. يعود السبب في ذلك إلى التوزنات الوسطية التي ما زالت تلتزم بها هذه الدول باتجاه شعوبها وشعوب البلدان الأخرى. من جهة هي في الحقيقة تسعى إلى تحقيق مصالحها، ولكنها في الوقت ذاته لا تنكر على هذه الشعوب حقها الطبيعي في التطور والتنتمية والكينونة الذاتية والثقافية. بعكس ما سعى ويسعى إليه الغرب منذ سنوات طويلة في سعيه المحموم والدؤوب لسحق المجتمعات الأخرى وربطها بعجلته الجنونية الدائرة حول العالم سعياً إلى تحقيق الرفاه لفئة قليلة، حتى لدى شعوبها، على حساب فئات واسعة جداً وعريضة من شعوبها، وباقي شعوب العالم .؟! فإذا ما كان الحلف الروسي، أو القطب الروسي – الصيني حديث الولادة هو " شرّ" فإنه شرُّ أهون وأقل وطأة من الشر الأوروبي والأمريكي المتعفّن بقذاراته، وخطابه الديماغوجي والكاذب، ..؟!!

كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو