الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمعية الفلكية الأردنية

هشام غصيب

2011 / 10 / 13
الطب , والعلوم


لم يكن من قبيل المصادفة أن بدأت الثورة العلمية الكبرى في مجال الفلك ولا أن كانت الثورة الفلكية هي المحرك الرئيسي للثورتين العلمية والفلسفية اللتين شهدتهما أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي. ذلك أن علم الفلك (أو علم الهيئة، كما كان يسميه العلماء العرب) ليس مسبارنا الكوني ولا إطلالتنا على الكون الفسيح حسب، وإنما هو في المقام الأول معبرنا الرئيسي إلى ما أسماه بليز باسكال اللانهاية الكبرى، اللانهاية المادية الفعلية التي بثت الرعب الميتافيزيقي في قلب باسكال وبعثت في ذهنه رعشات الرهبة الميتافيزيقية. فعبر علمي الفيزياء والفلك جابه الإنسان اللانهاية المادية الفعلية ونظرها في الوجه مباشرة، فقلبت حياته رأساً على عقب وفتحت أمامه آفاقاً لانهائية من إمكانات التقدم والمعاناة الحضارية. ومن ذلك بالضبط تنبع أهمية الثقافة الفلكية؛ فهي ضرورية لنقل وعي المرء من عصور ما قبل الثورة العلمية ومن عالم حواسه الأرسطية إلى العصر الحديث وعالم التجريد العلمي الدقيق. فهو يظل أسير الأفكار والمعتقدات ما قبل العلمية ما ظل بمنأى عن روح العلم الحديث وآفاقه المتطورة أبداً.

ومن جهة أخرى، فإنّ علم الفلك يعدّ واحداً من المصادر الرئيسية للأنساق الفكرية الجديدة التي تعمل على توسيع فضاء الفكر البشري بعامة والكشف عن أبعاد جديدة فيه. ويضفي عليه ذلك قيمة ثقافية وفلسفية خاصة تجعل من تملكه واستيعابه حاجة ملحة للوسط الثقافي برمته.

وبمعنى آخر، فإن الثقافة الفلكية الجدية ضرورة حيوية لتحديث الوعي الاجتماعي وتحريره من قيود الماضي والمحلية الضيقة. لكنها ضرورية أيضاً لجعل الإنسان مدركاً لطبيعته وحجمه الحقيقي وموقعه الطبيعي في نظام الوجود المادي. وبالطبع فإن تملك هذه الثقافة الثورية واستيعابها ليس بالأمر السهل، وإنما يستلزم معاناة ومكابدة طبعت الثقافة العالمية في القرون الأربعة الأخيرة من تاريخ البشرية. فهو ينطوي على تمزيق للقوقعة الفكرية والوجدانية الضيقة التي وضعته فيها الثقافة التقليدية ما قبل العلمية، من أجل الانطلاق في رحاب اللانهاية الكونية. إن تملك هذه الثقافة الفلكية لهو في جوهره مغامرة ومخاطرة وصدام؛ صدام دامٍ بين دفء الماضي الزائف وطمأنينة الجنين الوهمية من جهة وبين تحدي اللانهاية الكونية والحرية المطلقة من جهة أخرى. أجل، إن هذه الثقافة الثورية تفرض على الإنسان تخطي ذاته باستمرار. إنها معاناة ولا شك، لكنها معاناة ضرورية إذا أراد الإنسان أن يسيطر على بيئته وشروط حياته، وتصبح ملحة في حال الأمم المهمشة الطرفية، كالأمة العربية، إذا شاءت هذه الأمم أن تحافظ على بقائها وعافيتها في عالم لا يرحم. فلا تنمية حقيقية في وطننا تمكننا من صد المعتدي الإمبريالي الصهيوني ومن رفع سوية مواطننا والحفاظ على كرامته من دون تحديث ثوري فعلي للوعي الاجتماعي. ولا تحديث ثوريا للوعي من دون تملك الثقافة الفلكية الحديثة.

ومن ذلك تحديداً تبرز الأهمية التنموية التربوية للجمعية الفلكية الأردنية، التي أخذت على عاتقها مهمة كبيرة تتمثل في حث مؤسساتنا التعليمية على إيلاء الثقافة الفلكية اهتماماً أكبر، وفي توفير منبر ثقافي علمي أصيل لشاباتنا وشبابنا يتيح لهم المجال لتعميق ثقافتهم الفلكية نظريا وعمليا والاطلاع على آخر التطورات في علم الفلك وخوض التجارب الرصدية المثيرة التي سبق وأن خاضها علماء كبار مثل غاليليو وهيرشل وبسل.

وقد حققت الجمعية الفلكية الأردنية الكثير على صعيد تعميق الثقافة الفلكية في الأردن، برغم امكاناتها المتواضعة. ولعلها أنجح جمعية ثقافية علمية في الأردن. فنشاطها المتميز لم ينقطع البتة منذ تأسيسها، سواء كنا نتكلم عن مخيمات الرصد أو المؤتمرات أو المحاضرات أو النشرات. وهي تتميز بعضويتها الشابة المتحمسة التي تتفجر رغبة في المعرفة والاستكشاف. هذا، على أية حال، ما لمسته في المحاضرات التي تشرفت بإلقائها في الجمعية الفلكية الأردنية. فليس هناك جمهور ثقافي في الأردن يضاهي جمهور الجمعية الفلكية الأردنية من حيث الاهتمام الثقافي العلمي والجرأة الفكرية والقدرة على التفاعل مع المحاضر والموضوع والحيوية والعمق في طرح الأسئلة والتعليقات. إنها حقاً لمتعة كبيرة أن يجد المحاضر نفسه محاطاً بمثل هذا الجمهور الذكي والوثاب. ويظل واجبا علينا جميعاً، مؤسسات وأفراداً، أن نقدّم الدعم المتواصل لهذه الجمعية الفتية التي استطاعت أن تنجز الكثير بهمة أعضائها ونشاطهم المتميز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مبروك
Almousawi A . S ( 2011 / 10 / 13 - 10:08 )
نرجو لكم كل النجاح
وحبذا ان لاتنسوا جيرانكم من هكذا اشعاع

اخر الافلام

.. ممرض يشكو سوء الوضع الطبي في شمال غزة


.. اتفاق تشاوري حول المياه الجوفية بين الجزاي?ر وتونس وليبيا




.. غزة: انتشال 332 شهيدا من المقبرة الجماعية فى مجمع ناصر الطبى


.. ما الجديد الذي استحدثته مايكروسوفت في برنامج الذكاء المصغر؟




.. إطلاق مبادرة -تكافؤ- لدعم طلاب الجامعات التكنولوجية النابغين