الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل معمر القذافي : قتل الرّمز أم قتل الحلم ؟

صالح محمود

2011 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


قتل معمر القذافي : قتل الرّمز أم قتل الحلم ؟
في ما وراء التعاطف والتشفي ، من الأفضل قراءة نهاية معمر القذافي وبتلك الطريقة البشعة و المريعة – لا في سياقها الليبي القطري الضيق بل في إطارها العربي الواسع ، قراءة تتجاوز القذافي كشخص إلى القذافي كرمز، زعيم ، بطل وقائد أو هكذا كان يدعي على الأقل طيلة فترة حكمه ذات الأربع عقود ، لتحقيق الوحدة العربية والنهوض العربي بضرب إسرائيل و التحرر من المستعمر .صورة القذافي المضرج بالدماء وهو يتلقى الصفع واللكم والركل على أيدي الثوار قبل إطلاق النار عليه وإردائه قتيلا وسط التهليل والتكبير ثم التمثيل والتنكيل بجثته بعد ذلك ، نهاية مأساوية بكل المقاييس لهذا الزعيم والقائد ، تحيلنا على زعيم وقائد آخر ، صدام حسين الذي أعدمه شعبه في عيد الفطر وجعله أضحية . يمكن أن نتساءل عن مصدر هذا الانتقام والتشفي ، عن مأتى هذه القسوة ، كيف يعدم رمز يوم عيد الفطر ، ويقتل رمز أسير بتلك الطريقة الشنيعة وسط التكبير ؟ ولكن هؤلاء رموز ، قادة استبدوا واحتكروا المجد لتحقيق حلم شعوبهم في الوحدة العربية و إزالة إسرائيل للإقلاع ، وبدل عن ذلك تم تصفيتهم وإسقاطهم الواحد تلو الآخر من طرف العدو أو بالإشتراك معه وسط رقص وتغني وسهر شعوبهم تلك الشعوب التي قزمت وهمشت ، أهينت وعانت الإستبداد والقمع ، وألغيت كشريك فعلي في تحقيق الحلم الذي راودها قبل الرموز الإفراز الطبيعي للرغبة في تحقيق هذا الحلم - حتى مطلع الفجر . يمكن فهم طبيعة هذه الديكتاتورية والإستبداد ورده للرمز في حد ذاته ، وحتى غرابة الأطوار في سلوك الرمز من نزوية ومزاجية ، و هوس جنون العظمة ، باعتباره البطل الأوحد ، المعتد ، بتلك النرجسية والتعالي ، فبدونها لن يكون رمزا ، لما يكون القائد مستقل عن الجماهير في التفكير والممارسة كما يرى ذلك فرويد في علم نفس الجماهير، غير أن الإستبداد والقمع هنا وحرمان الشعوب من المساهمة كشركاء في الحلم ، يعود لطبيعة الرموز الذين ظهروا على الساحة السياسية لا كسياسيين شأن غاندي ومانديلا اللذان كللت ثورتهما بالنجاح - بل كعسكريين حتى أن ما يعتبرونها ثورات هي في حقيقة الأمر انقلابات على أنظمتهم بدون تهيئة حقيقية للشعوب ، ونحن نذكر تعليق بورقيبة على مسعى القذافي في توحيد تونس وليبيا أنها توحيد أنظمة وليست توحيد شعوب ، وهذا بديهي في عقلانية و تبصر بورقيبة وفهمه للمرحلة ووجوب التمهيد بتطوير الشعوب و انتشالها من مستنقع الجهل والفقر والتخلف ، فلا غرابة بعد ذلك أن يكونوا قادة عسكريين يتعاملون بالأوامر والتعليمات في ظل غياب القانون المدني فليبيا مثلا لا مقومات للدولة فيها لغياب الدستور إذ الزعيم هو مصدر التشريع والقوانين الوحيد ، ويحولون بلدانهم لسجون وشعوبهم إلى مساجين بمصادرة الحرية ، وأمام تلك المشاهد نتساءل : ماذا قتل الليبيون والعراقيون الرمز أم الحلم ؟ وقبل الإجابة علينا التوقف عند الرمز وإن كان من حقه البقاء بعد الفشل والهزيمة و الإفلاس أم لا ، بالعودة إلى القذافي عميد القادة العرب ، لماذا هذا الإصرار على البقاء كرمز فارغ وهيكل خاو لا حياة فية مما أثار ردود أفعال متباينة في الشارع العربي بين مؤيد لتدخل الناتو لإسقاطه ورافض له ، على عكس صدام حسين الذي تعاطف معه العرب كلهم وقامت مظاهرات في البلدان العربية محتجة و منددة بالتدخل العسكري لقوات التحالف في العراق على عكس الأنظمة آنذاك التي وافقت في اجتماع سري للجامعة العربية على هذا التدخل باستثناء ليبيا ممثلة في القذافي ، ومثّل سقوط بغداد بأيدي الحلفاء نكسة بأتم معنى الكلمة ، كما مثل القبض على صدام انكسار للإنسان العربي المهزوم ، بينما مثل قتل القذافي وبتلك الطريقة ملحمة كللت بالنصر للشعب الليبي هنأه عليها العرب من مثقفين وسياسيين وشيوخ دين وإعلام ، وتفسير ذلك واضح حين يحارب صدام الأعداء لتحقيق الحلم العربي ، بينما كان القذافي كما يبدو في المشهد يحارب شعبه ويقتلهم - تجاوزه الزمن ولم يبقى لديه غير الشعارات الفضفاضة يتفكه بها السياسيون والشعوب على حد سواء ويبتذلونه بها ويهمشونه ، بعد أن كان زعيم و قائد ثورة ؟ غير أن السؤال يصبح لا معنى له بالنسبة للبطل ، القائد ، الزعيم ، وهذه طبيعة الرمز وصفاته ، ولن يتنازل عنها مطلقا لأنها مقوماته ، وبدونها ينتفي ، رغم أنه أفلس منذ زمن كبطل ورمز للوحدة العربية ، وهذا مشروعه الذي اشتغل عليه ، أساسا الوحدة العربية طالما أن جمال عبد الناصر ائتمنه عليها بتشريفه بأمير القومية العربية ، بدليل أن فشله مع الأنظمة العربية لم يمنعه من المحاولة مع الأنظمة الإفريقية وهي حركات كبقية الحركات الأخرى للبحث عن مبررات رمزيته وزعامته الأممية. وقد يتساءل القارئ : إذا ، كان من المفروض أن يقتل القذافي قبل هذا الزمن بوقت طويل على أساس فشله وهذا مصير البطل الذي يتحول إلى ملحمة و قيمة في حالة الإنتصار يستلهم منها شعبه الإرادة والإصرار ، أو الموت في كل التراجيديات و المأساة عند الفشل والهزيمة ، ولو التفتنا للتاريخ سنرى جمال عبد الناصر يموت بمجرد نكسة 67 وحل محله السادات الذي حقق الإنتصار على العدو الإسرائيلي في حرب 73، فلماذا لم يمت القذافي ونعني بالموت الرمزي أي الإنسحاب من تلقاء نفسه أو إزاحته من الشعب ، لا نشك لحظة أنه لم يكن يحظى بالاحترام من طرف الشارع العربي بالنظر لما تتسم به سلوكاته من غرابة أطوار وفي عدم فهمه كرمز وقائد وبطل ، وكثيرا ما يتعرض لاتهامه بالجنون ، إذا لماذا لم يقتل الشعب الليبي القذافي منذ زمن ، دعونا من تبريرات الديكتاتورية والإستبداد لأن الواقع يكذبها بدليل الحرب الأهلية . هذا السؤال يحيلنا على صدام حسين ، الذي أسقطه الحلفاء ، وشنقه شعبه يوم عيد الفطر ، لماذا انتظر العراقيون قوات التحالف الأعداء للإطاحة بالقائد رمز العروبة و المقاومة والصمود ؟ ونحن نذكر ذلك التعاطف الذي أبدته الشعوب العربية تجاه صدام وتطوع البعض للتوجه للعراق للمشاركة في الدرع البشري في بغداد لمنع هذا التدخل والعدوان ، ثم كيف نفسر هذا التعاطف والخيبة والشعور بالإنكسار يوم سقوط بغداد ودخول دبابات الحلف وسط تهليل وتكبير الشعب العراقي ، والرقص على نصبه المتهاوي في ساحة الفردوس. هل كان بإمكان الشعب العراقي أن يقتل الرمز؟ والجواب طبعا مستحيل ، والسبب واضح هو رمز الحلم العربي في الإنتصار على العدو الغربي وتحرير فلسطين من براثن العدو الإسرائيلي ، وهذا ما دفع الغرب للتدخل لإسقاطه والقضاء عليه ، أي عملية قتل الحلم ، بقتل الرمز من قبل من كان يحاربهم الرمز، بالتواطؤ مع الشعب ، فكيف يقبل الشعب هذا التواطؤ مع العدو لقتل الرمز لا لخلق بديل كما هو شأن مصر بل لقتل الحلم تماما في الوعي الجماعي للشعب ، ولكن للمتأمل للأحداث لا نرى هناك تواطؤ كامل من الشعب ، وحتى المعارضة جاءت كما يعبر عنها من الخارج على فوهات دبابات العدو ، بدليل الحرب الأهلية التي قامت إثر سقوط نظام صدام حسين ، بررها البعض بحل حزب البعث ، وهي في حقيقتها انقسام الشعب بين مؤيد للرمز حفاظا على الحلم ، ورافض له بقتل هذا الحلم من قبل العدو ، فقامت الحرب الأهلية التي لا زال العراق يعاني من تبعاتها إلى اليوم ، وبالعودة إلى ليبيا قد يقال أن ثورة قامت على القذافي في هذا البلد ، والحقيقة أنها لم تكن ثورة أصيلة بل مشوهة ، ولادتها قيصرية سابقة لأوانها ، فيها الكثير من محاكاة لثورة تونس الأصيلة التي قامت بها الفئات المحرومة من التونسيين وشبابها مفاجئة العالم بأسره ، وثورة مصر، والنتيجة الثمن الباهض لها ، والسبب الحرب الأهلية ، بين من يؤيد الرمز من أجل الحلم ، وبين من يريد قتله ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فقد تمكن الرمز من التغلب على معارضيه بمساعدة مؤيديه وكاد يسحقهم في بنغازي ، فيستجير المعارضون بالأعداء لقتل الحلم وأعني قيام الحرب الأهلية ، بتكلفة بشرية ومادية ضخمة ، هناك من يعترض مستشهدا بثورة تونس ومصر السلميتين ونجاحهما في الإطاحة بأنظمتهما بأقل تكلفة ممكنة ، وهذا مجانب للحقيقة ، لأن زين العابدين بن علي وحسني مبارك لا يمثلان رموزا ، رغم صعودهما لسدة الحكم عبر الإنقلابات ، وأحزابهم ليست أصيلة كحزب البعث العراقي ، إذ على عكس ما وقع في العراق لم يمثل حل التجمع الدستوري الديمقراطي في تونس أي خطورة تذكر في إمكانية نشوب حرب أهلية ، بل ربما ما يعزز عدم الأصالة في تحلل التجمعيين من كل رابط يربطهم برأس النظام فما بالك بنصرته والدفاع عنه ، هذا فضلا على أن بن علي لا رؤية له يدافع عنها فهروبه تعبير عن عدم أصالته ، على عكس صدام حسين الذي نُكّل به وقُتل أبناؤه وشردت عائلته و أعدم بطريقة بشعة ، ولقي القذافي الذي نجى من المحاكمة وما يرافقها من إهانة وتنكيل، نفس المصير ، ولكن يبقى السؤال معلقا ما سبب التواطؤ مع العدو لقتل الحلم ؟ وهو أمر بديهي مع الرمز الذي يناضل من أجل أن يبقى رمزا بطلا قائدا مطلقا عند فشله وهزيمته التي لا يعترف بها مطلقا ، بالقضاء على المعارضة في الداخل والإستبداد بالرأي ، وبتمويل الحركات المناهضة للأعداء، وتمويل الإرهاب ، والقيام بعمليات إرهابية ضد العدو تفتقر لأدنى مقومات العقلانية، وهي حركات للفت النظر ، كان يريد من خلالها أن يقول أنه رمز ، البطل القومي الثائر، القائد الأممي وهذا ما كان يعلنه باستمرار وما أعلنه في أول خطاب ضد الثوار في بنغازي ، وأنه سيقاوم لآخر لحظة ، عند بداية تدخل حلف الناتو ، وسؤال من أنتم وجهه للناتو وليس لليبيين ، ولكن يجب التأكيد على أصالة الرمز ، أعني أن القذافي ليس ممثلا بارعا يقوم بتصوير فلم ، فلن يقبل أحد أن يقتل أبناؤه وتشرد عائلته ويموت بتلك الطريقة من أجل أن يراه العالم في فلم ، القذافي شأنه شأن صدام حسين لم يتحلل من المسؤولية وتبعاتها و لم يبع الوطن ، لأنه رمز ، بل قد يكون هو الوطن ، وهو ما يفسر وصفه للثوار بالجرذان والخونة ، لن يفهم أنه انتهى أمره ويجب أن يموت ويختفي منذ زمن بحكم هزيمته وفشله في إنجاز الحلم الذي حرم الشعب من المشاركة في صياغته وتحقيقه ، بحكم الهوة التي تفصله عن الواقع بفعل النرجسية وهو ما يؤكد فصامه فهو راسخ الإعتقاد أنه الزعيم و القائد الأممي الثائر، يفنى أمامه كل شيء حتى الشعب نفسه ، ونحن نذكر احتجاج أحد الليبيين في بداية الثورة الليبية على القذافي بعدم وصف الشعب الليبي بالعظيم ، يعني عملية تقزيم وتحجيم كاملة ، تصل إلى حد الطمس .
وبالنظر للمشهد السوري اليوم ونظامه الممانع ، هل تنسحب هذه القراءة على الثورة السورية ؟ أعني هل أن سوريا مهددة بكارثة الحرب الأهلية متمثلة في قتل الحلم عبر التدخل الأجنبي ، لا يخفى على أحد الانقسام الواضح في الشارع السوري ، سواء على مستوى الشعب في تأييد شق منه لبشار الأسد بحكم أصالة حزب البعث وأصالة الرؤية . أو على مستوى المعارضة نفسها ، في الرفض القاطع لطرف منها التدخل الأجنبي عبر المجلس الوطني ، فهناك إذا إيمان بإمكانية إزاحة الرمز الجثة الهامدة بحكم الهزيمة والإفلاس في تحقيق الرؤية ، إذ لم يبقى له أدنى شرعية أو مبرر للبقاء في المشهد ، بدون قتل الحلم لتجنيب البلاد كارثة الحرب الأهلية وتكلفتها الباهضة ، وهذا ممكن عبر البديل العربي عوض الأجنبي وتدخله المكثف والقوي والفاعل بالتعويل على وعي الشعب السوري وإدراكه لدقة الوضع وحساسية الموقف ، وتكمن القضية في إيجاد الطرف العربي القادر على هذه المهمة بعيدا عن الحسابات والمصالح الضيقة .
صالح محمود
[email protected]
أكتوبر 2011










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
صالح محمود ( 2011 / 10 / 25 - 20:45 )
عيد الإضحى - هو العيد الذي أعدم فيه صدام حسين وليس عيد الفطر فالمعذرة على الخطأ وأرجو من المشرفين على الحوار المتمدن تصحيحه
وشكرا لكم مسبقا


2 - الحلم
عراقي قبل اي شيء ( 2011 / 10 / 25 - 22:32 )
عن اي حلم تتحدث ايها الكاتب وقد حول سيدك صدام العراق الى قريه خربه..... عن اي رمز تتحدث ايها الكاتب وصدام غلام في مراهقته وامه عاهره..... اذا كان رمز فهو رمزك انته وعائلتك ..... هع الاعتذار والتحدي

اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد