الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة مفاهيم .. البرلمان و نتاجه الفكري

سليم محسن نجم العبوده

2011 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



سنحاول معا تحليل النتاج التشريعي للبرلمان من وجهة نظر نفسية اجتماعية . كما أننا سنناقش أسباب النجاح و الاخفاق لمسيرته التي تعقب كل انتخابات عامة . هل ان التذمر الجماهيري مبرر ..؟ اين مكمن الخلل في المنظومة التشريعية..؟ و ما اثر الجماهير القابعة خلف الكواليس ٌعلى ممثليهم . أتمنى ان تتسع صدوركم لِنتاجنا هذا خصوصا و ان ما بين السطور تكرارا مبررا فالقادم من الممكن ان يفسر على انه خروج عن العرف و القانون او ربما لا يتعدى تمتمات أبكم في فراغ مليء بالصم الذين لا يفقهون من آمرهم رشدا . .
غالبا ما تقوم اي منظومة ديمقراطية على أساس الفصل بين السلطات و تعد المؤسسة التشريعية هي احدى اهم مؤسساتها فهي المسؤولة عن وضعِ أطارٍ تنظيمي يحددُ الحقوق و الواجبات و بدونه تعم الفوضى و التعثر لذا فأن التشريعات الوضعية هي الطريق الأمثل لتحقيق أي هدف كان من وجهة نظر أدارية . كما يفترض ان الدساتسر بصياغتها الحالية تعد افضل ما امكن اقراره من قبل المجتمعات الديمقراطية, رغم ذلك تبقى تلك الوثائق عاجزة عن تلبية الاحتياجات المتجددة لشعوبها , لذا وجد البرلمان لكي يكون حكيم الأمة و ملهم دستورها من خلال استتحداث كل ما هو جديد و غير موجود في عقدٍ اجتماعي تقادم او عجز عن تقديم حلا آنيا لمشكلة مستحدثة في زمن لاحق .
بما ان البرلمان مكون من مجموعة من الأفراد الذين يمثلون خلفيات جماهيرية متباينة . فأن البرلماني لابد ان يقع فريسة الانخراط في ذلك الحشد الذي دفعة ليكون ممثلاً عنه من جهة , و تأثير الجمهور المنتقى القابع تحت القبة البرلمانية من جهة اخرى , و حتى نحقيق الهدف من مقالنا المتواضع هذا فلا بد لنا من الحديث عن الاثر النفسي " السيكولوجي " للفرد عندما يكون تحت تأثير حشد جماهيري للتوصل الى حقيقة النتاج التشريعي لجمهور البرلمانيين . فلا بد لنا في هذا المقام مجبرين على خوض مقارنة للوضع النفسي لذات الفرد منفردا خارج نطاق تأثير المنظومة الجماهيرية و بين وضعه النفسي عندما تكون تلك الجماهير قد استغرقته و إذابته معها .
من المفترض ان أي فرد يكون بمعزل تام عن التأثير الجماهيري ان يتمتع بسماته الشخصية الحقيقية التي يتمتع بها مثل سرعة البديهة و التروي و الحنكة و دماثة الخلق , كل الصفات الحسنة الممكن تواجدها بفرد صالح , و العكس ممكن الحدوث فتظهر ذات السمات الحقيقية ان كان سيئا مثلا . فالعالِمُ لا يستطيع ان يبدع ما لم يقصي على ذاته عن كل مؤثر خارجي فعلماء الرياضيات مثلا لم يحققوا إبداعاتهم الحسابية الا عندما كانوا منفصلين تماما عن محيطهم الاجتماعي , الاقارب و الاصدقاء حتى الغرباء يؤثرون بشكل مباشر على السلوك الفكري للفرد بمجرد ان يحتك بذلك المحيط . فعندما يكون احد الافراد يفكر و مسترسل بموضوعة معينة و يقاطعة احد الافراد بشكل مفاجئ او يكون سبب في عرقلة استمرارية نتاجه الفكري و الذي هو عبارة عن نشاط عقلي لأستحضار و مقاطعة المعلومات الكامنة داخل المنظومة اللاواعية في الدماغ البشري فأن ذلك المؤثر مهما يكن بدرجة بسيطة سيؤثر بشكل واضح و سلبي على استرسال ذلك الفرد لذلك فترانى نستخدم مفردة " قطع سلسلة افكار " في الحقيقة هي ليست عملية قطع سلسلة افكار و انما هي عملية اخضاع مباشرة للعقل لتأثيرات المحيطية و بالتالي فأن المتحدث مهما تكن قدراته العلمية و المعرفية ذات مستواً مرتفعاً , فأنها تصبح ( أي القدرات العقلية و الفكرية ) بمستوى ادنى بكثير بمجرد مشاطرتها مع الاخرين او تعرضها لتأثيرات خارجية اجتماعية ..!
هذا ينطبق تماما على الاقوال و الافعال الناجمة عن حشد جماهيري فهي غالبا ما تكون دون مستوى الافراد المحتشدين و على اقل تقدير دون مستوى البعض منهم سواء قل او كثر ذاك البعض .. ان ظاهرة التأثير المتبادل للجماهير المحتشدة تحير الباحثين , فالحماسة و التحدي و العدوانية و الغوغائية و روح المغامرة و الاستعداد للتضحية من اجل الجماعة و المظاهر البطولية , و السلب و التدمير هي سمات الاحتشاد الجماهير و رغم ايجابية بعضها الا ان اغلبها سمات سلبية لا ترقى الى المستوى الحضاري الذي يمثله المتجمهرون لكن الصفات التي ذكرناها تولد تلقائيا من وحي الجماعة و تأثيرها المتبادل واضح . فالجماهير الغاضبة تعبر عن غضبها احيانا بشكل جنوني مثل قلب السيارات التي تصطف على جانب الطريق بشكل قانوني او حرق الإطارات و تلويث البيئة و رمي الحجارة و حتى القتل احيانا و غيرها من السلوكيات الجماعية المبتذلة الخارجة عن القانون و العرف السائد كلها سمات قطعا لا يتمتع بها اغلب المحتشدين الذين مارسوها فعلا و باندفاع تحت تأثير لحظة معينة .
ان مثل تلك السلوكيات انما تؤكد حقيقة مفادها ان المستويات الفكرية حتى عالية المستوى منها تذوب و تتلاشى في بودقة التأثير الجماهيري , و تصبح عقلية الجماهير ممثلة في روح الجماعة في ادنى مستوياتها لذا فغالبا ما تجدها تجيش العناصر الرجعية و الثورية على حساب المعيار الاخلاقي و الرقي الفكري . هذا يعني بما لا يقبل الشك أن الفرد و ان كان عالما عارفا فبمجرد ان ينضوي بين صفوف الجماهير فأنه يهبط مستويات عديدة من رقيه الفكري و الحضاري . لذا عندما يكون فردا معزولا تجده وديعا مثقفا واعيا مدركا متعقلا , لكنه ما ان ينخرط في صفوف الجماهير تجده انسانا غريزيا بعيدا كل البعد عن المعيار الانساني المتحضر .
اعتمادا على ما تقدم نقول ان الجمهور هو كتلة حية الا انه ادنى مرتبة من الفرد من النواحي الإدراكية . فبينما تحرك الجماهير الغريزة يحرك الفرد العقل و عندما توجه العاطفة الجمهور فأنها تهذب سلوكيات الفرد , لهذا فأن المنظومة الوجدانية تدفع الفرد الى الرقي بينما تدفع الجمهور نحو الهاوية . و على ارض الواقع تجد ان الجماهير غالبا ما تكون دون مستوى الادراك الكامل المطلوب فهي تندفع احيانا و تعرض ذواتها للهلاك لمجرد ان شخصا معينا استطاع ان يستثير عاطفتها , فمن السهل على خطيب لبقٍ فصيح ان يقود الآلاف و ان يسيرهم لحتوفهم لكن ليس من السهل ابدا ان يقنع ذات الخطيب فردا واحدا من الحشد ذاته بعين الفكرة بعيدا عن تأثير الجماعة , و هذا ما يفعله القادة على مر السنين يستغلون روح الجماعة المغيبة و يتجنبون اقناع المعنيين فرادى .! فالفرد داخل المنظومة الجماهيرية اشبه ما يكون بالمغشي عليه او المغيب فلإيحاءات الجماعية تكون ذات قدرة جبارة للسيطرة على العقل الواعي المدرك فتتحكم بأي فرد من خلال عقله الباطن لذا تكون الروح الجماهيرية محكومة بمعايير استثنائية في وقت ملائم ..
فعندما تنتقي أي فرد من بين الجماهير كعينة عشوائية, و تسألهُ بعيداً عن تأثيراتها هل انهُ موافقٌ على سلوكِ الجماهيرِ غالباً ما يكون الجوبُ : كلا .؟! هل أنت راضٍ عن سلوككَ داخل المنظومةِ الجماهيريةِ المحتشدةِ الجوابُ : كلا ! هل امتلكتَ القدرةَ على رفض السلوك الجماعي و اعتماد اخر مخالف خاص بك داخل الحشد الجواب : كلا ! لماذا اذن تصرفتَ كواحدٍ من الجماهير و مارست سلوكاً مخالفاً لما اعتد عليهِ في حياتك الطبيعية الجواب : لا اعلم ؟! و هكذا عندما تسأل أي شخص بشكلٍ منفردٍ و بعيداً عن الجماهير سيكون قطعاً رفض السلوك الجماهيري و عدم الإقرار بهِ و بنفس الوقت لا يمكن الإفلات منهُ ..و في حال أعدت ذات الأسئلة على نفس الأشخاص و هم تحت تأثير الجماهير فقطعا ستكون إجاباتهم معكوسة تماما لتلك التي استخلصناها خارج تأثير الحماس الجماهيري .
مستخلص الدليل ان الفرد الواعي من السهل جدا ان يقع في حبائل التأثير الجماعي و لا يستطيع الآفلات منها و يكون كيانه المتمرد و المنتقد لأغلب الأوضاع السائدة و الصعب الإرضاء أداة طيعة كما الهشيم الذي تجرفه الأمواج العاتية اينما ولى و اتجه بدون أدراك , كما الفراشة التي تلتصق جناحاها بشبكة عنكبوت لا يرحم ..
و عودة للبرلمان نسأل :
• هل البرلمان هو حشد جماهيري يماثل الحشود الجماهيرية العشوائية خارج قبته ..؟
• هل الفرد البرلماني يقع من الناحية النفسية تحت تأثير إيحاءات الحشد الجماهير ..؟
• هل النتاج الفكري لأعضاء البرلمان نتاج خالص لذواتهم بعيدا عن تأثيرات الجماعة او العكس أي انه نتاج حاصل من تفاعل متبادل تحت قبة البرلمان .
• هل ان عضو البرلمان فرد حر او انه جزء من منظومة جماهيرية اختارته و هي محتشدة في الخارج ..؟
• هل يخضع جمهور البرلمانيين الى نفس معايير الحشد الجماهيري العشوائي خارج البرلمان ام ان هناك معايير خاصة تضبط سلوكهم و تعصمهم عن التأثر النفسي المتبادل ..؟

حتى نتعرف على طبيعة نتاج شخص برلماني و دوره في التشريع , نؤخذ اضطرارا للاجابة عن الاسئلة التي طرحناها مسبقا . فاللانسان طبيعة اجتماعية تفرض عليه ان يعتمد معايير سلوكية قاهرة لا يرغب في ممارستها احيانا الا ان الدفع الاجتماعي يرغم الفرد على ممارسة ما لا يرغب او يطيق بتلقائية و دون شعور . لذا سنباشر بالاجابة عن تلك الأسئلة :
• هل البرلمان هو حشد جماهيري يماثل الحشود الجماهيرية العشوائية خارج قبته ..؟
خير من يجيب على هذا السؤال هوه "غوستاف لوبون " في كتابه ( سيكولوجية الجماهير ) ص56 حيث يقول : " ايا تكن نوعية الافراد الذين يشكلون الجمهور النفسي و ايا يكن نمط حياتهم متشابها او مختلفا و كذلك اهتماماتهم و مزاجهم او ذكاؤهم , فان مجرد تحولهم الى جمهور يزودهم بنوع من الروح الجماعية . و هذه الروح تجعلهم يحسون و يفكرون و يتحركون بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي كان سيحس بها و يفكر و يتحرك كل فرد منهم لو كان معزولا . و بعض الافكار او العواطف لا تنبثق او لا تتحول الى فعل الا لدى الافراد المنطوين في صفوف الجمهور . ان الجمهور النفسي هو عبارة عن كائن مؤقت مؤلف من عناصر متنافرة و لكنهم متراصو الصفوف للحظة من الزمن . انهم يشبهون بالضبط خلايا الجسد الحي التي تشكل عن طريق تجمعها و توحدها كائناً جديدا يتحلى بخصائص جديده مختلفة جدا عن الخصائص التي تمتلكها كل خلية " ..
في حين يتبنى الفيلسوف " هربرت سبنسر " رأيا خاصا حول الموضوع حيث يقول : " لا يوجد في التجمع الذي يشكله جمهور ما حاصل و متوسط للعناصر , و انما يوجد فقط تركيب و خلق للخاصيات . و هذا يشبه ما يحصل في مجال الكيمياء .فبعض العناصر المستخدمة في تركيب كالقواعد و الحوامض مثلا تتداخل في بعضها البعض و تتركب من اجل تشكيل مادة جديدة مزودة بخصائص مختلفة عن تلك الخصائص التي تتحلى بها العناصر المفردة قبل تركيبها " .
هكذا نلاحظ بكل سهولة الى أي مدى يكون الفرد المنخرط في الجمهور مختلفا عن الفرد المعزول . و لكن الشئ الأقل سهولة هو اكتشاف أسباب مثل هذا الاختلاف . لذا و بأعتماد اراء هاذين العالمين " غوستاف " و " سبنسر " يمكن ان نعتقد الى حد كبير ان البرلمان برجالاته هو شكل من اشكال الحشد الجماهيري , تنطبق عليه السياقات العامة المؤثرة في المستوى الفكري للإفراد و جعلها تدور في فلك الجماعة الذي هو أصلا يعاني من مستوى منخفض من التفكير ..
الا ان لنا وجهة نظر خاصة حول السؤال المطروح و المتعلق حول البرلمان هل يمثل حشدا جماهيريا اننا نعتقد من ان اعضاء البرلمان في أي نظام ديمقراطي او حتى شبه ديمقراطي قد و صلوا الى تلك القبة عن طريق انتقائهم من قبل طيف واسع من الجماهير في عملية انتخابية و هذا بالتاكيد سوف يلقي المرشح الصاعد في بودقة الجمهور الذي اختاره و من البداهة ان يحصل ذلك لثلاثة اسباب افتراضية هي :
• اولهما : ان افكار المناصرين تتقارب مع برنامج المرشح مما يؤكد التقارب بين الرؤى و الاهداف .
• الثاني : دافع ذاتي نفسي للمرشح للاندماج مع الجماهير المناصرة للتعبير عن وجهة نظرها مجتهدا ليكون مراة صادقة لهم .
• الثالث : الايحاءات الاجتماعية للجمهور في جذب و تذويب شخصية المرشح داخل بودقتها .
اذا صدقت هذه الافتراضات فهذا يعني ان الفرد من الممكن ان يكون تحت تأثير الجمهور بشكل مباشر و قسري و ان كان بعيدا كل البعد بجسده عن الجماعة . فروح الجماعة المتولدة يكون تأثيرها ممتدا متدفقا حتى لو ابتعد الفرد بدنيا الا انه يبقى تحت تأثير روحي معنوي يؤثر على المستوى الادراكي و الحضاري له مما يثبط مهارته الفكرية الى الحد الادنى من تلك التي وصلت اليها روح الجمهور الذي اختاره .
من ناحية اخرى يقع البرلماني تحت تأثير صراع اخر ناتج عن مجموع المستويات الفكرية للجماهير التي يمثلها كل عضو من اعضاء البرلمان و هذا ما يجعل البرلمانيين يقعون تحت تأثير جماهيرهم فيقولوا ما تقوله روح الجماهير و يفعلوا ما تفعله .
و الاجابة عن السؤال تعني بحسب المعطيات المطروحة و الحجج المقدمة نعم ان البرلمان هو شكل من اشكال الحشد الجماهير و يقع تحت تأثير الجمهور الذي ينبثق عنه لذا فأن المستوى الفكري للافراد ينخفض بشكل كبير مما يجعلهم يقرون تشريعات بالاغلبية او الاجماع و هم غير راضين عنها في حال سؤلوا عنها فرادى !
و رب سائل يسأل الصين مثلا برلمانها مكون اكثر من " خمسة آلاف عضو " و هم غالبا ما يتخذون القرارات الصائبة ناهيك عن انتظامهم في حضور الجلسات ..؟ و الجواب على هذا السؤال يتمحور حول موضوعة " الالتزام " أي التزام افراد البرلمان التزام مطلق بالنظام الداخلي للبرلمان و الذي يحدد صلاحيات الاعضاء بشكل دقيق جدا و النظام الداخلي وضع اساسا لتقليل الاثر السلبي الذي يمكن ان تلعبه الجماهير على ممثليهم مما قد يسبب ضررا للمصلحة العامة و بما ان الجمهور الصيني منضبط اساسا و هدفه خدمة الوطن على حساب المصلحة الشخصية حيث ان الشعوب المتحضر تعي حقيقة مفادها ان الخدمة الشخصية لا يمكن ان تتحقق الا من خلال المصلحة العامة و هذا اصلا ما يلتزم به الجمهور و يعيه يقينا و هو من البديهيات التي تنتقل لمرشحي الجماهير و هذا ما استطاع " ماوسيتونك " ان يعبئ به الجماهير الصينية الغفيرة من خلال ثورته الثقافية .
• هل الفرد البرلماني يقع من الناحية النفسية تحت تأثير إيحاءات الحشد الجماهير ..؟ نعم و ما تقدم في إجابة السؤال السابق لا يستوجب التكرار .
• هل النتاج الفكري لأعضاء البرلمان نتاج خالص لذواتهم بعيدا عن تأثيرات الجماعة او العكس أي انه نتاج حاصل من تفاعل متبادل تحت قبة البرلمان .
يقع البرلماني تحت وطئة تأثيرات مختلفة و بسبب تلك التأثيرات لا تكون الإقرارات المنتزعة منه نتاجا فكريا خالصا به فقط بل نتاج مجموعة من المؤثرات بعضها داخلي و الاخر خارجي .. الا ان كل التأثيرات تصب في موضوعة التأثير النفسي السلبي على اتخاذ القرارات ..! خصوصا ان كانت البيئة الاجتماعية التي انتجته أي البرلماني بيئة غير منضبطة فروح الجمهور الذي اختاره سوف تستغرقه مهما كان مستواه الفكري و الحضاري . كذلك سوف يكون لزملائه البرلمانيين تأثير عميق بأعتبار مجموعهم يمثل جمهورا مستقلا له ذات صفات أي جمهور اخر خصوصا و ان كل فرد منهم يمثل خلاصة الجمهور الذي قدم منه هذه التأثيرات تعد خارجية بالنسبة لهُ اما التأثيرات الداخلية هي اضطرابات نفسية ناجمة عن صراع الذات الواعية و محاولتها الظهور مستقلة بمستوياتها الفكرية و خصائصها الذاتية الفردية الحقيقية على حساب الايحاءات المتدفقة قسراً التي تحاول ان تهيمن و تصادر الجزء الواعي منه أي " البرلماني " و تغليب الجزء الغير واعي الذي يقع تحت دكتاتورية المؤثرات الخارجية . ان هذه الظروف النفسية المضطربة الغير منظورة التي يمر بها أي برلماني دون استثناء سوف تعطي نتاجا فكريا لا يعبر عن حقيقة ذلك البرلماني و توجهاته بعيدا عن أي تأثير ..! هذا ما يفسر عدم رضا البرلمانيين عند أعطائهم إقرارات بأغلبية او أجماع حول مواضيع معينة فيما بعد ..!
• هل ان عضو البرلمان فرداً حرًا او انه جزء من منظومة جماهيرية اختارته و هي محتشدة في الخارج ..؟
البرلماني فرد من مجموعة نفسية تدعى الجمهور النفسي تؤثر به و بقراراته التي يتخذها سواء كان مقتنعاً بتلك القرارات ام لم يقتنع ..؟ ! لقد كتبنا في موضوعةٍ سابقةٍ اسميناها " الحب و حقيقة المشاعر الإنسانية " لا قت في وقتها صدا طيبا لدى بعض المتلقين في حين انكرها بعض كثير اخر .. تناولت تلك المقالةُ كيف ان الانسان مخلوق من جزئين الاول مادي ممثل بكتلته البشرية المنظورة و الاخرى مادة ليست مما نعقل حيوية لكنها لا ترى ذكرنا حينها ان وعائها الجسد و افترضنا انها تلك التي تدعى " الروح " ثم اعقبنا فتطرقنا الى " النفس " و قلنا ان " النفس " غير الروح الا ان الروح و عائها , و الروح تعطي الحيوية للجسد بينما النفس تمتلك خاصية المدركات الغرائزية المختلفة و العقل منظومة عصبية معقدة قابلة على تحويل المدركات الغرائزية النفسية الى ايعازات حسية للجسد فتحول الى افعال ايجابية او سلبية .. الخ و هذه المنظومة المتكاملة تتيح للفرد منا ان يعيش بأدراك و وعي في مكان و زمان تواجده كأي شخص يقف بين اخرين يتحسسهم و يحدد اماكنهم بدقة عقلية متناهية .. في حين ان الروح و النفس من الممكن ان يكون نطاق تأثيرهما و تفاعلهما في محيط اوسع من المحيط الذي يمكن ان يتواجد به البدن البشري فتعمل الروح و النفس كمتحسسات استخبارية تطلع العقل المتقوقع في الجمجمة عن معلومات اخرى في محيط اوسع .
ربما هذا ما يدعوا فردا معينا ان يحس بما نسميه " الحاسة السادسة "او " الفراسة " وهي ان نصدرُ احكامًا قد لا تصح احيانا ببغضٍ او حب او توافق و النفور من بعض الأشخاص الذين لم تسبق لنا رؤيتهم سابقا ! ؟ . او ان يتكامل انسانا مع فتاة اخرى فيرتبط بها حد العشق او الهيام .. ان ظاهرة التواصل و التكامل النفسي هذه لا تؤكد الا حقيقة واحدة مفادها ان هناك جزء غير مرئي من البشر له قابلية التكامل او التنافر ..هذا ما اعتقدنا حصوله تفاعل ايجابيا او سلبيا بين البشر بأجزائهم الغير مرئية في منظومتهم الخَلقية ..

• هل يخضع جمهور البرلمانيين الى نفس معايير الحشد الجماهيري العشوائي خارج البرلمان ام ان هناك معايير خاصة تضبط سلوكهم و تعصمهم عن التأثر النفسي المتبادل ..؟
مهما يكن المستوى الحضاري و الفكري و المعرفي للافراد فأنهم يقفون في مستواً خلقياً واحداً لذا فأنهم يمثلون تجمهرا و هم يخضعون لذات الضوابط و المعطيات ..
الا ان هناك معايير وضعية وجدت لتعصم افراد البرلمان من الوقوع في فخ الجمهرة و هذا ما يمثله " النظام الداخلي " لأداره اعضاء البرلمان و مدى كفاءة هذا النظام في الحيلولة دون و قوع البرلمانيين تحت وطأة تأثير جماهيرهم و جعلهم يتمتعون بخصوصيتهم الفكرية و المعرفية ليكون نتاجهم ايجابيا .. ليس هذا فقط و انما كفائة النظام الداخلي كذلك تتوقف على مدى كفائة افراد البرلمان على تطبيق فقراته و هذا ما ذكرناه في محل سابق حول مدى التزام البرلمان الصيني كمثال يحتذى .
و كوسيلة اضافية للحفاظ على خصوصية الفرد البرلماني فكريا لضمان ايجابية نتاجه الفكري نقترح اضافة فقرة جديد في النظام الداخلي للبرلمانات تعد بيضة القبان في اختيار الترجيحات المثلى ( نعم – كلا – امتنع ) الا وهي فقرة قانونية تلزم البرلمانيين على عرض خياراتهم قبل الإدلاء بها وهي فقرة ما تحت مفهوم قدرت تحقيق خياراتهم أي من( المنفعة الشخصية ) او ( المنفعة المجتمعية ) او ( مصلحة البلد العليا ) . و عندما يعرض ترجيحاته يجب ان يختار الترجيح الأنسب بحسب ظروف كل مرحلة ..
الخلاصة :
مما تقدم نعتقد من ان الإقرارات المنتزعة من أي برلماني هي لا تعبر بالضرورة عن نتاجه الفكري الخالص فغالبا ما يقع ذلك النتاج تحت طائلة تأثير الجماهير التي انبثق منها و كذلك تحت طائلة إيحاءات الجمهرة الحاصلة من مجموع أعضاء البرلمان و الذين يمثلون بدورهم مجموعات جماهيرية مختلفة .
و ان عدم الرضا عن الأداء الحكومي و البرلماني هو نتاج لعدم وجود قيادة موحدة قادرة على ان تكون أداة تحريك لكل المجتمع باتجاه واحد يخدم المسيرة الحاصلة في هذه المرحلة . و ان سبب التخبط و عدم الرضا سببه و جود قيادات تحرك الجماهير بحسب توجهاتها الطائفية و العرقية مما يستحيل معه توحيد اتجاه الجماهير و اتخاذهم عدة و جهات مختلفة و متنافرة مما يولد التخبط و النكوص .
كما ان أي مجتمع بشري على وجه البسيطة لا يمكن ان يحقق تبدلات جذرية و حقيقية في مجتمعه ما لم تمر تلك التبدلات بالفترة الزمنية اللازمة و التي غالبا ما تكون عقود طويلة .. ان التزام الجمهور بحلول جذرية سريعة و انية وعدم وجود قائد وطني غير طائفي ينير لها الطريق و يكشف لها الحقيقة يضع لها برنامجا منطقيا ضمن فترة زمنية صحيحة و معقولة لا يمكن ان يحرز ذلك الشعب أي تقدم يذكر .
و لكي يحقق أي شعب كل طموحاته في عيش رغيد تحت ظلال امنة ديمقراطية تتساوى فيها الفرص و يسود بها القانون لا بد من ثورة ثقافية شاملة تطال كل نواحي الحياة الدينية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية تضع الركائز الفكرية الصحيحة الغير مغلوطة بعيدا عن التوجهات الضيقة المقيتة نعم من اجل غدا افضل لا بد من ثورة تصحيحية شاملة لا يسمو خلالها و عليها الا الوطن ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة