الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيرَة قْواطية ثقافة خطيرة تسوّق الاحتلال بثوب الثورة والديمقراطية

عبد الرحمن كاظم زيارة

2011 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لم نخطأ في رسم الكلمة الرئيسة في العناون : البيرة قواطية ، فإنـّا نحتنا المصطلح بما يتفق وثقافة تسري سريان النار في الهشيم وتطيح بكل البناءات الانسانية في بلداننا رغم هشاشتها وأوليتها وبدائيتها ،وتطيح بكل فرص وامكانات الثورة الحقيقية على واقع فاسد ، وتغلق الابواب أمام فرص بناء انظمة سياسية ديمقراطية حقا . ومفردتي المصطلح : البيرة ، قواطية تتناسبان مع سفالة الثقافة التي اصطلحنا عليها البيرة قواطية ، وتتناسبان وواقع ما سمي بالثورات العربية او الربيع العربي . فمن المعلوم أن البيرة مشروب محرم لدى المسلمين ومُعيب في المجتمعات العربية والشرقية المحافظة ، ولقد سُوّق نوع منه تحت اسم (بيرة اسلامية) وهو اسم من جنس تسويق المحرم بجلباب الحلال ، اما الـ (قواطية) فهي تشير بحسب اللهجة العراقية الى العلب ، وهي تضمر في الوقت ذاته السياق اللفظي للديمقراطية ، فإن نحت المصطلح ينطوي على رمزية مباشرة ، ومختزلة للثقافة المشرعنة للتزاوج بين الاحتلال والثورة ، بين الطائفية والعرقية من جهة والديمقراطية من جهة أخرى ... وتمام لفظ المصطلح هو ( البيرَة قْواطية ) بقلب لفظ التاء القصيرة فتحة .
فما هي الثقافة البيرة قواطية ؟
أنها الثقافة التي انتجتها التحالفات الجديدة بين التيارات المتأسلمة والامبريالية العالمية ، وتعيد صياغة المفاهيم والبديهات على نحو مضاد ومتناقض في ذاتها ، كما أنها لاتكتفي باعتماد المبدأ الميكافللي اللااخلاقي ـ الغاية النبيلة تبرر الواسطة القذرة ـ بل تضاعفه إيغالا بالهمجية الى مبدأ ( الواسطة القذرة المغطاة بالنبل تبرر الغاية القذرة المغطاة بالنبل ) ، فالاحتلال لدى البية قواطيين تحرير ، واعادة بناء المجتمع السياسي الى مكونات طائفية وعرقية بالنسبة للبيرة قواطيين إعادة اعمار ، والعلاقات السياسية التوافقية المعتمدة على المحاصصات الطائفية والعرقية بالنسبة الى البيرة قواطيين ديمقراطية ، والتفريط بهوية هذا البلد او ذاك هي رفع للحيف الذي يقع على هذه الطائفة او ذاك العرق بالنسبة لهم رفع للاضطهاد .. والعدوان الاجنبي على بلد مستقل بالنسبة لهم ثورة .
ولم يكن ظهور الثقافة البيرة قواطية مفاجئا او متزامنا مع الحراك الشعبي العربي ، بل هو جهد له تاريخ طويل ، ولم يقدم بالاسم الذي اقترحناه له ، بل يظهر تحت مسميات ودعوات معروفة ، استخدمتها الادارات الامبريالية الامريكية المتعاقبة ما يعني أن بثوقها يتأتى من مؤسسات الحرب النفسية التي أنيطت بها مهمة تسويق الاحتلالات وسياسات الهيمنة ، تحت يافطات متعددة كالديمقراطية وحقوق الانسان والعولمة والحرية ، وقد اختزلت هذه المفاهيم لتطل بوجهها الحقيقي البشع تحت مسمى الفوضى الخلاقة ..
في السبعينات من القرن الماضي أدرك الصهيوني هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الاسبق خطورة ادار الصراع الدولي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي في ذلك الوقت على أسس أيديولوجية ، وخطورته على المعسكر الرأسمالي الذي وجد نفسه فقيرا ومجدبا في هذا المضمار ، ودعى المعسكر الاشتراكي الى تحييد العامل الايديولوجي في الصراع ، وفي عهد الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر تولى البيت الابيض دعوة نشر الديمقراطية في العالم ، وهي ليست دعوة بريئة ولانبيلة ، لأن الرأسمالية لاتريد للشعوب أن تساهم في اتخاذ القرار ، بل مرادها تنشئة رأسماليات محلية في البلدان المستقلة ليسهل عليها نهب البلاد والعباد ، وفي نقلة أخرى أنبرى مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق بريجنسكي بوضع اللبنة الاولى الحقيقية لترويج ثقافة البيرة قواطية عندما أعمل نظره في المكونات الطائفية والعرقية للبلدان التي تستهدفها الولايات المتحدة الامريكية استهداف هيمنة وإضعاف .. ولقد جاءت الجهود المعرفية للصهيوني الفرنسي برنارد ليفي تتويجا لما سبقه أليه اسلافه في تفتيت الشعوب والبلدان عرقيا وطائفيا ، ويمكن ان نعد اطروحات الفيلسوف جاك دريدا في نظريته المساة ( البلامركز) عونا واثراءا على هذا الطريق .
ان " الديكتاتورية " التي تنبذها الادارة الامريكية في البلدان الاخرى ، ليست هي الديكتاتورية التي تنبذها شعوب تلك البلدان ، ان المعيار هنا ببساطة المصالح غيرالمشروعة للولايات الامبريالية المتحدة ، واذا اردنا تلمس الفرق بين الديكتاتورتين فيكفي أن نقول أن نبذ الديكتاتورية بالنسبة للولايات الامبريالية المتحدة هو تحطيم ( البنية المركزية لبناء الدولة ) والتي تتركب من : مبدأ المواطنة كعلاقة داخلية في المجتمع بمفهومه العام والواسع ، والشعب ، والدولة .. وليس غريبا ان يبدأ متطلب انهاء الديكتاتورية بحسب المفهوم الامريكي بتحطيم مبدأ المواطنية ، ليطيح تاليا بالبنية المركزية للدولة ، ويحل محله مبدأ الولاء للطائفة او العرق ، ومن خلال تصنيع عمليات الاستعداء البيني داخل مجتمع الدولة ( الافراد ، الشعب ، مؤسسات الدولة ) .
ان الذين أيدوا العدوان الامريكي ـ البريطاني ـ الاسباني على العراق عام 2003 والذي اسفر عن احتلاله هم في الحقيقة بيرة قواطيين بالمفهوم الذي قدمناه ، واولئك الذين أيدوا العدوان الاطلسي على ليبيا هذا العام 2011 وتأييدهم لقتل القذافي بالطريقة البشعة هم في حقيقة الامر بيرة قواطيين .
ان اصحاب الاتجاه البيرة قواطي خليط غير متجانس ، تجمعهم رغبة التخلص من" الطاغية " حتى لو كلف ذلك استباحة واحتلال الوطن ، بل ان استباحة واحتلال الوطن أهم سمة لمؤيدي الاتجاه البيرة قواطي ، وتجد هؤلاء في احزاب متناقضة الرؤى والايديولوجيات .. وجدوا في البيرة قواطية بيئة ثقافية وحراك سياسي يوحدهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة