الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لئلا يتحول الربيع العربي إلى -خريف إسلاموي-

ماجد الشيخ

2011 / 11 / 6
المجتمع المدني


لئلاّ يتحول الربيع العربي
إلى "خريف إسلاموي"


بدأ الفضاء العربي يشهد نوعا من التواطؤ في إحداث أو استحداث مكامن لتشوهات جديدة في آليات الديمقراطية العربية، لا سيما في أعقاب إنجاز بعض ثورات الربيع العربي لبعض مهام التحول التاريخية الضرورية، من دون استكمال السيرورة الثورية التي تقتضيها ثورات الشعوب على الأنظمة الاستبدادية. هذا التواطؤ قد يصل بنا إلى إحداث تزاوج ثنائية جديدة على غرار زواج المال والفساد بالسلطة، ما أنتج ثنائية التحالف الثنائي بين الاستبداد والإمبريالية، وذلك من قبيل ابتداع مزاوجة الدين والسلطة أو السياسة في بناء الدولة، حيث القوى الدينية، أو الأحرى بعضها وفي سياق تصدرها لمشهد العمل السياسي الراهن في كل من تونس ومصر وليبيا، وربما في الغد في سوريا واليمن، تقدم مقاربة مختلفة لتلك التي تكمن في العقل الجمعي، للجموع الشعبية التي كانت في مقدمة وطليعة قوى الثورة في ميادين وساحات الكفاح الشعبي العربي، ضد أنظمة الاستبداد التي حكمت مجتمعاتها بمزيج من الاستبداد السياسي المختلط بمزيج من الاستبداد الديني، ما أنتج بطريركية أبوية مختلفة عن تلك التي سادت في القرون القديمة والوسطى، وحتى الحديثة كما في أوروبا ما قبل التنوير.

لقد عرفت أوروبا قديما مزاوجاتها ما بين الدين والدولة، ما وضعها في مواجهة بربرية متوحشة بين مدنييها وعلمانييها وقوى التدين السياسوي التي أرادت إضفاء سمات التدين وصفات الدولة على بعض كنائسها، فلم تنجح مطولا في هذا الاتجاه، إلى أن سادت قيم العلمانية لتزاوج بينها وبين الديمقراطية والقيم الثقافية التي حررت الدولة والسياسة من هيمنة الديني، وخلصت الدين من هيمنة ظلاميي التدين، وأعادت بناء العلاقة السوية بين الدولة والمجتمع ومدنيتهما ذات المرجعية الشعبية.

هنا في هذه البلاد، ومهما حاول الديني أن يتخفى أو يتماهى بأحزاب مدنية، فإن مرجعياته تبقى دينية قلبا وقالبا، وفي كل الأحوال فإن دسترة الهيمنة السياسية ولو عبر واجهة دينية، أو العكس؛ هذه الدسترة لا يمكن الكشف عن مكنوناتها الحقيقية، إلاّ في عراء السلطة والسلوك المكشوف لطبيعة الممارسة على الأرض. ولنأخذ مثلا على فصامية ما قال دينيون وصلوا إلى السلطة، فانكشفت تلك الفصامية عن ممارسة وسلوك سلطويين، ناقضوا فيه كل ما نادوا به وهم يمهدون للقفز إلى السلطة. وإذ بالسلوك السلطوي الفضّاح يفصح عن توجهات دينية خالصة، بحيث كشف بعض سياسيي التدين الإسلاموي الحديث عن وجوههم؛ كوعاظ وفقهاء ومشايخ ودراويش.

من هنا ينبغي أن يكون واضحا، أن مرجعية أي دولة مدنية في التشريع، تعود إلى مرجعيات شعبية مدنية لا دينية. فالدولة كمجال عام لا تنتمي إلى المجال الديني حتى بوجود متدينين يعملون في إداراتها، ولا يمكن مطابقة المدني بمرجعية دينية، على ما يحاول تلفيقيون من تزويج لضرائر متضادة. خاصة في المجتمعات والدول المتعددة دينيا وإثنيا، وإلاّ تحولت الدولة إلى مرتع لاستبداد جديد، يمازج عبره الديني بين سلطته الدينية وتلك الدنيوية أي السياسية، وفي هذا غبن للمجتمع المدني والسياسي، وإخضاعا له لأوامر "إلهية" ينطق بها البشر فقها وتفسيرا وحديثا وتأويلا، وبما يتوافق وطبيعة المصالح الخاصة، وحتى الأشد خصوصية لأصحابها؛ ممن لا يريدون سوى الإحتكام الدائم لمرجعيات دينية سلطوية، يضفون عليها سمات تتوافق وفق اعتقادهم مع شرع يتصورونه "الشرع الإلهي"، فيما هو نتاج التفسير والتأويل الفقهي أو المشيخي الحديث لرموز الفرق والتيارات الدينية المختلفة المتضادة والمتضاربة، فلأي "شرع" يخضع الإنسان ولو كان لما يتضاد مع الشرعية، أو الخضوع لمرجعيات دينية باعتبار كونها مدنية اسما لا ينطبق على أي مسمى. فأي اعتبار للفصل بين الديني والسياسي سوى اعتبارات أن الدولة المدنية، لا يمكنها التحول إلى دولة دينية كنتاج لفوز أو تفوق "قوائم إسلامية" في انتخابات تشريعية عامة، إلاّ في حالة واحدة فقط؛ عودة التواطؤ كسيد يحكم الجميع ويلفهم بصمته ليدخلهم من جديد جوف الخوف في مملكة السلطة الجديدة.

ولكن ها هنا يكمن استعصاء جديد، يشهد لخروج مارد القوى الشعبية من قمقمه، ففي مناخات الحرية الجديدة والتحرر من الاستبداد، تستطيع الإرادات الشعبية لقوى الحيوية التاريخية في المجتمع أن تعيد تنظيم صفوف مقاومتها من جديد؛ في حال أرادت قوى التدين الإسلاموي العودة إلى الوراء؛ إلى عهود الاستبداد السياسي، ولكن بواجهة دينية مباشرة هذه المرة.

لذلك إن ثورات الربيع العربي لا ولن تكتمل من دون قيامات حقيقية لدول مدنية، الأولوية فيها لإعادة إنتاج وطنية شعبية موحدة، تعيد تشريع دساتيرها انطلاقا من عقود وعهود المواطنة وسلطة القانون والمجتمع المدني الديمقراطي التعددي، كقاعدة ناظمة لممارسة وسلوك ديمقراطيين، وتشريع وجود شرعية قانونية ودستورية تعتمد الحرية والمواطنة والقانون، كمبادئ ناظمة لدولة عمادها سياسة مدنية تمنع تغول الديني وتحكّمه وهيمنته على شئون البشر باسم السماء.

إن أخشى ما نخشاه اليوم في أعقاب نتائج الانتخابات التونسية، وما يمكن أن تحمله صناديق الاقتراع المصرية، وما حملته تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل؛ مواجهة إمكان سعي البعض لتحويل الربيع العربي وثوراته الديمقراطية التعددية إلى "خريف إسلاموي" بديل، يضع هذه الثورات في مواجهة ثورات مضادة، أحادية في اتجاهاتها وتوجهاتها نحو إقامة دول دينية تتصارع قوى "الإسلام السياسي" في دواخلها في ما بينها، وتنشر زوابع من صراعات لا حصر لها بين تلك الدواخل والقوى المهيمنة فيها، وبين قوى ديمقراطية تؤمن بالتعددية وبمرجعية الشعب للدولة المدنية وبالمسارات المدنية السياسية والديمقراطية للدولة، ولبناء مجتمع مدني قوي لا تأخذ السلطة الحاكمة في غيابه الدولة، حيثما تريد قوى الهيمنة الجديدة ذات الطابع الإسلاموي، بفعل إرادتها الذاتية، أو بفعل ضغوط قوى دينية أخرى أكثر تشددا والتزاما بحرفية النصوص، أو حتى خضوعا لتأويلاتها هي استنادا لتأويلات وتفسيرات البعض من "السلف الصالح". ما يضعنا من جديد في مواجهة مهام ابتناء أنظمة سلطوية واستبدادية جديدة، قد تؤول إليها السلطة بالغلبة وبالإكراه، كما وبالاختيار الطوعي عبر صناديق الاقتراع. وكي لا ننسى فإن فوز الحزب النازي في الانتخابات الألمانية لم يكن سوى "القدر" الذي خضعت له الدولة، بل ورأت شروره كل مناطق العالم المختلفة.

وهذا يضع على عاتق كل قوى الحداثة والتنوير مهمات كفاحية راهنة على الدوام، من أجل بناء دولة مدنية حديثة لا تفرّط بالحريات؛ كل الحريات، وحرية المعتقد في مقدمتها، والوقوف سدا منيعا في مواجهة دعاة الحروب الأهلية؛ ممن يدعون وبشكل مباشر لبناء صروح الدول الدينية، تلك التي لا تحفظ ودّا، ولا تحفظ حقا إلاّ في أضيق الحدود وللبعض من أولئك الدعاة، فيما هي تلتزم إقامة أوسع "الحدود" في شرعها وتشريعاتها، وتتجاهل الكثير من الحقوق كحقوق مدنية لا يدخل الشرع أو الشريعة في مجال اختصاصها.

وفي كل الأحوال إن قواعد التعددية والتنوع تقتضي أو تستدعي قبول المختلفين لبعضهم البعض، بمن فيهم أولئك المتدينون كشركاء لا كأوصياء، ولا فرق هنا بين الديني واللاديني في مجال بناء الدولة الوطنية كدولة سيادية مدنية، فالمسؤوليات الملقاة على عاتق الجميع واحدة تقتضي تعاونا واحتراما للذات وللآخر، وبشكل لا يقوم على الغدر والتفرد والإقصاء والإبعاد والتكفير أو التخوين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي


.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة




.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة